وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

القسم الأول ـ فصل : و أما بيان سنن الحج و بيان ترتيبه .
و أما بيان سنن الحج و بيان الترتيب في أفعاله من الفرائض و الواجبات و السنن فنقول و بالله الوفيق : إذا أراد أن يحرم اغتسل أو توضأ و الغسل لما روي [ أن رسول الله A لما منع ذا الحليفة اغتسل لإحرامه ] و سواء كان رجلا أو امرأة طاهرة عن الحيض و النفاس أو حائض أو نفساء لأن المقصود من إقامة هذه السنة النظافة فيستوي فيها الرجل و المرأة و حال طهر المرأة و حيضها و نفاسها .
و الدليل عليه أيضا : ما روي أن رسول الله A لما نزل تحت الشجرة في بيعة الرضوان أتاه أبو بكر الصديق Bه و قال له إن أسماء قد نفست و كانت ولدت محمد بن أبي بكر Bه فقال له النبي A [ مرها فالتغتسل و لتحرم بالحج ] .
و كذا روي أن عائشة Bها حاضت فأمرها بالاغتسال و الإهلال بالحج و الأمر بالاغتسال في الحديثين على وجه الاستحباب دون الإيجاب لأن الاغتسال عن الحيض و النفاس لا يجب حال قيام الحيض و النفاس و إنما كان الاغتسال أفضل لأن النبي A اختاره على الوضوء لإحرامه و كان يختار من الأعمال أفضلها و كذا أمر به عائشة و أسماء Bهما و لأن معنى النظافة فيه أتم و أوفر .
و يلبس ثوبين إزارا و رداء لأنه [ روي أن النبي A لبس ثوبين إزارا و رداء ] و لأن المحرم ممنوع عن لبس المخيط و لا بد من ستر العورة و ما يتقي به الحر و البرد و هذه المعاني تحصل بإزار و رداء جديدين كانا أو غسيلين لأن المقصود يحصل بكل واحد منهما إلا أن الجديد أفضل لأنه أنظف و ينبغي لولي من أحرم من الصبيان العقلاء أن يجرده و يلبسه ثوبين إزارا و رداء لأن الصبي في مراعاة السنن كالبالغ و يدهن بأي دهن شاء و يتطيب بأي طيب شاء سواء كان طيبا تبقي عنه الإحرام أو لا تبقي في قول أبي حنيفة و أبي يوسف و هو قول محمد أولا ثم رجع و قال : يكره له أن يتطيب بطيب تبقى عينه بعد الإحرام و حكى عن محمد في سبب رجوعه أنه قال : كنت لا أرى به بأسا حتى رأيت قوما أحضروا طيبا كثيرا و رأيت أمرا شنيعا فكرهته و هو قول مالك .
احتج محمد بما روي [ أن النبي A قال للأعرابي : اغسل عنك هذا الخلوق ] و روي عن عن عمر و عثمان Bهما أنهما كرها ذلك و لأنه إذا بقي عينه ينتقل من الموضع الذي طيبه إلى موضع آخر فيصير كانه طيب ذلك الموضع ابتداء بعد الإحرام .
و لأبي حنيفة و أبي يوسف ما روي [ عن عائشة Bهها أنها قالت : طيبت رسول الله A لإحرامه حين أحرم و لإحلاله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت ] و [ لقد رأيت و قد بيض الطيب في مفارق رسول الله A بعد إحرامه ] و معلوم أن وبيض الطيب إنما يتبين مع بقاء عينه فدل أن الطيب كان بحيث تبقى عينه بعد الإحرام و لن التطيب بعد ان حصل مباحا في الابتداء لحصوله في غير حال الإحرام و البقاء على التطيب لا يسمى تطيبا فلا يكره كما إذا حلق رأسه ثم أحرم .
و أما حديث الأعرابي : فهو محمول على ما إذا كان عليه ثوب مزعفر و الرجل يمنع من المزعفر في غير حال الإحلال ففي حال اإحرام اولى حملناه على هذا توفيقا بين الحديثين بقدر الإمكان .
و أما حديث عمر و عثمان فقد روي عن ابن عمر و عائشة Bهما بخلافه فوقع التعارض فسقط الاحتجاج بقولهما .
و ما ذكر من معنى الانتقال إلى مكتن أخر غير سديد لأن اعتباره يوجب الجزاء لو انتقل و ليس كذلك بالإجماع و لو ابتدأ الطيب بعد الإحرام فوجبت عليه الكفارة فكفر و بقي عليه هل يلزمه كفارة أخرى ببقاء الشيخ عليه اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يلزمه كفارة أخرى لأن ابتداء الإحرام كان محظورا لوجوده في حال الإحرام فكذا البقاء عليه بخلاف المسألة الأولى و قال بعضهم لا يلزمه كفارة أخرى لأن حكم الابتداء قد سقط عنه بالكفارة و البقاء على الطيب لا يوجب الكفارة كما في المسألة الأولى .
ثم يصلي ركعتين لما روي عن النبي A أنه قال : [ أتاني آت من ربي و أنا بالعقيق و قال لي : صل هذا الوادي المبارك ركعتين و قل لبيك بعمرة و حجة ] لأنه كان قارنا ثم ينوي الإحرام و يستحب له أن يتكلم بلسانه ما نوى بقلبه فيقول : إذا أراد أن يحرم بالحج : اللهم إني أريد الحج فيسره لي و تقبله مني و إذا أراد أن يحرم بالعمرة يقول الللهم إني أريد العمرة فيسرها لي و تقبلها مني و إذا أراد القران يقول : اللهم إني أريد العمرة و الحج فيسرهما لي و تقبلهما مني لأن الحج عبادة عظيمة فيها كلفة و مشقة شديدة فيستحب الدعاء بالتيسير و التسهيل و بالقبول بعد التحصيل إذ لا كل عبادة تقبل .
ألا ترى أن إبراهيم و إسماعيل عليهما الصلاة و السلام لما بنيا البيت على الوجه الذي أمرا ببنائه سألا ربهما قبول ما فعلا فقالا : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم و يستحب أن يذكر الحج و العمرة أو هما في إهلاله و يقدم العمرة على الحج في الذكر إذا أهل بهما فيقول لبيك بعمرة و حجة لما روينا [ عن النبي A أنه قال : أتاني آت من ربي و أنا بالعقيق فقال صل في هذا الوادي المبارك ركعتين و قل لبيك بعمرة و حجة ] و إنما يقدم العمرة على الحج في الذكر لأن النبي A أمر أنم يقول كذلك و لأن العمرة تقدم على الحج في الفعل فكذا في الذكر .
ثم يلبي في دبر كل صلاة و هو الأفضل عندنا و قال الشافعي : الأفضل أن يلبى بعدما استوى على راحلته .
و قال مالك بعدما استعوى على البيداء : و إنما اختلفوا فيه لاختلاف الرواية في أول تلبية النبي A روي عن ابن عباس Bه أنه لبى دبر صلاته .
و روي عن ابن عمر Bه : أنه لبى حين ما استوى على راحلته و روى جابر بن عبد الله Bه A حين استوى على البيداء و أصحابنا ابن عباس Bه لأنها محكمة في الدلالة على الأولية و رواية ابن عمر و جابر Bهما محتملة لجواز أن ابن عمر Bه : [ فلم يشهد تلبية النبي A دبر الصلاة و إنما شهد تلبية حال استوائه على الراحلة فظن أن ذلك أول تلبية فروى ما أرى و جابر لم ير تلبيته إلا عند استوائه على البيداء فظن أنه لأوب تلبيته فروى ما رأى ] .
و الدليل على صحة هذا التأويل [ ما روي عن سعيد بن جبير أنه قال : قلت لابن عباس : كيف اختلفت أصحاب رسول الله A في إهلاله فقال : أنا أعلم بذلك رسول الله A في مسجد ذي الحليفة ركعتين و أهل بالحج و كانت ناقته مسرجة على باب المسجد و ابن عمر عندها فرآه قوم فقالوا : أهل عقيب الصلاة ثم استوى على راحلته و أهل فكان الناس يأتونه أرسالا فأدركه قوم فقالوا : إنما أهل حين استوى على راحلته ثم ارتفع على البيداء فأهل فأدركه قوم فقالوا : إنما أهل حين ارتفع على البيداء و أيم الله لقد أوجبه في مصلاة ] .
و يكثر التلبية بعد ذلك في أدبار الصلوات فرائض كانت أو نوافل و ذكر الطحاوي أنه يكثر في أدبار المكتوبات دون النوافل و الفوائت و أجراها مجرى التكبير في أيام التشريق و المذكور في ظاهر الرواية في أدبار الصلوات عاما من غير تخصيص و لأن فضيلة التلبية عقيب الصلاة لا تصالها بالصلاة التي هي ذكر الله D إذ الصلاة من أولها إلى آخرها ذكر الله تعالى و هذا يوجد في التلبية عقيب كل صلاة و كلما علا شرفا و كلما هبط واديا و كلما لقي ركبا و كلما استيقظ من منامه و بالأسحار [ لما روي أن أصحاب رسول الله A كذا كانوا يفعلون ] .
و يرفع صوته بالتلبية لما روي عن النبي A أنه قال : [ أفضل الحج العج و الثج ] و العج هو رفع الصوت بالتلبية و الثج هو سيلان الدم و عن خلاد بن السائب عن ابيه Bه عن النبي A أنه قال [ : أتاني جبريل و أمرني أن أمر أصحابي و من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج ] أمر برفع الصوت في التلبية و أشار إلى المعنى و هو انها من شعائر الحج و السبيل في أذكار هي من شعائر الحج إشهارها و إظهارها كالأذان و نحوه .
و السنة أن يأتي بتلبية و رسول الله A و هي أن يقول : [ لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك ] كذا روي عن ابن مسعودة و ابن عمر هذه الألفاظ في تلبية رسول الله A فالسنة أن يأتي بها و لا ينقص منها و إن زاد عليها فهو مستحب عندنا .
و عند الشافعي : لا يزيد عليها كما لا ينقص منها و هذا غير سديد لأنه لو نقص منها ترك شيئا من السنة و لو زاد عليها فقد أتى بالسنة و زيادة و الدليل عليه ماروي عن جماعة من الصحابة Bهم أنهم كانوا يزيدون على تلبية رسول الله A كان ابن مسعود Bه يزيد لبيك عدد التراب لبيك لبيك ذا المعارج لبيك لبيك إله الحق لبيك .
و كان ابن عمر يزيد : لبيك و سعديك و الخير كله بيديك لبيك و الرغباء إليك و يروى : و العمل و الرغباء إليك و لأن هذا من باب الحمد تعالى و الثناء عليه فالزيادة عليه تكون مستحبة لا مكروهة .
ثم اختلفت الرواية في تلبية رسول الله A في هذه الكلمة في قوله : [ لبيك إن الحمد و النعمة لك ] رويت بالكسر و الفتح و الكسر أصح و هكذا ذكر محمد في الأصل أن الأفضل أن يقول : بالكسر و إنما كان كذلك لأن معنى الفتح يكون على التفسير أو التعليل أي ألبي بأن الحمد لك و ألبي لأن الحمد لك أي لأجل أن الحمد لك و إذا كسرتها صار ما بعدهما ثناء و ذكرا مبتدأ لا تفسيرا و لا تعليلا فكان أبلغ في الذكر و الثناء فكان أفضل .
و إذا قدم مكة فلا يضره ليلا دخلها لما روي عن النبي A دخلها نهارا و روي : أنه دخلها ليلا و كذا روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها دخلتها ليلا .
و روي أن الحسن و الحسين رضي الله تعالى عنهما دخلاها ليلا و ما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه نهى عن دخول مكة ليلا فلا يدري أين نزل في غير موضع النزول فيتأدى به و يدخل المسجد الحرام .
و الأفضل أن يدخل من باب بني شيبة و يقول : اللهم افتح لي أبواب رحمتك و أعذني من الشيطان الرجيم و إذا وقع نظره على البيت يقول و يخفي سبحان الله و الحمد الله و لا إله إلا الله و الله أكبر اللهم هذا بيتك عظمته و شرفته فرده تعظيما و تشريفا و تكريما و يبدأ بالحجر الأسود فإن أستقبله كبر و رفع يديه كما يرفعهما في الصلاة لكن حذو لما روي عن مكحول أن النبي A لما دخل المسجد بدأ بالحجر الأسود فاستقبله و كبر و هلل .
و روينا أن النبي A في كتاب الصلاة أنه قال : [ لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن و ذكر من جملتها : عند استلام الحجر الأسود ] ثم يرسلها و يستلم الحجر إن أمكنه ذلك من غير أن يؤدي أحدا .
و الأ فضل أن يقلبه لما روي أن عمر رضي الله تعالى عنه التزمه و قبله و قال : رأيت رسول الله A بك حفيفا .
و روي أنه قال : و الله إني لأعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع و لولا أني رأيت رسول الله A يقبلك ما قبلتك في رواية أخرى قال : لولا أني رأيت رسول الله A ما أستلمتك ثم أستلمه .
و [ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله A استقبل الحجر فاستمله ثم وضع شفتيه عليه فبكي طويلا ثم التفت فإذا هو بعمر يبكي فقال له ما يبيك فقال يا رسول الله رأيتك تبكي فبكيت لبكائك فقال رسول الله A ههنا تسكب العبرات ] .
و عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : [ طاف رسول الله A في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن ثم يرده إلى فيه ] و عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله A أنه قال [ ليبعثن الحجر يوم القيامة و له عينان يبصر بهما و أذنان يستمع بهما و لسان ينطق به فيشهد لمن استلمه بالحق ] .
و روي أن أصحاب رسول الله A كانوا يستلمون الحجر ثم يقبلونه فيلتزمه و يقبله أن أمكنه ذلك من غير أن يؤذي أحدا لما روي عن رسول الله A أنه قال لعمر : [ يا أبا حفص إنك رجل قوي و إنك تؤذي الضعيف فإذا وجدت مسلكا فاستلم و إلا فدع و كبر و هلل ] و لأن الاستلام سنة و إيذاء المسلم حرام و ترك الحرام أولى من الإتيان بالسنة و إذا لم يمكنه ذلك من غير أن يؤذي استقبله و كبر و هلل و حمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي A كما يصلي عليه في الصلاة .
و لم يذكر عن أصحابنا فيه دعاء بعينه لأن الدعوات لا تحصى و عن مجاهد أنه كان يقول : إذا أتيت الركن فقل : اللهم إني أسألك إجابة دعوتك و ابتغاء رضوانك و ابتاع سنة نبيك .
و عن عطاء رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله A إذا مر بالحجر الأسود قال : [ أعوذ برب هذا الحجر من الدين و الفقر و عذاب القبر ] و لا يقطع التلبية عند استلام الحجر و يقطعها في العمرة لما نذكر إن شاء الله ثم يفتح و هذا الطواف يسمى طواف اللقاء و طواف التحية و طواف أول عهد بالبيت و أنه سنة عند عامة العلماء و قال مالك : إنه فرض .
و احتج بظاهر قوله D : { و ليطوفوا بالبيت العتيق } أمر بالطواف بالبيت فدل على الوجوب و الفرضية .
و لنا : أنه لا يجب على أهل مكة بالإجماع و لو كان ركنا لوجب عليهم لأن الأركان لا تختلف بين أهل مكة و غيرهم كطواف الزيارة فلما لم يجب على أهل أنه ليس بركن و المراد من الآية طواف الزيارة لإجماع أهل التفسير و لأنه خاطب الكل بالطواف بالبيت و طواف الزيارة هو الذي يجب على الكل فأما طواف اللقاء فإنه لا يجب على أهل مكة دل على أن المراد هو طواف الزيارة و كذا سياق الآية دليل عليه لأنه أمرنا بذبح الهدايا بقوله D : { و يذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } و أمر بقضاء التفث و هو الحلق و الطواف باليت عقيب ذبح الهدي لأن كلمة ثم للترتيب مع التعقيب فيقتضي أن يكون الحلق و الطواف مرتين على الذبح و الذبح يختص بأيام النحر لا يجوز قبلها فكذا الحلق و الطواف و هو طواف الزيارة .
فأما طواف اللقاء فإنه يكون سابقا على أيام النحر فثبت أن المراد من الآية الكريمة طواف الزيارة و به نقول إنه ركن .
و إذا افتتح الطواف يأخذ عن يمينه مما يلي الباب فيطوف بالبيت سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الأول و يمشي على هيبته في الأربعة الباقية .
والأصل فيه ما روي عن رسول الله A : [ أنه استلم الحجر ثم أخذ عن يمينه مما يلي الباب فطاف بالبيت سبعة أشواط ] .
و أما الرمل فالأصل فيه أن كل طواف بعده سعي فمن سننه الإضطباع و الرمل في الثلاثة الأشواط الأول منه و كل طواف ليس بعده سعي فلا رمل فيه و هذا قول عامة الصحابة رضي الله تعالى إلا ما حكي عن ابن عباس Bهما أن الرمل في الطواف ليس بسنة .
وجه قوله : أن النبي A : [ إنما رمل وندب أصحابه إليه الإظهار الجلد للمشركين و إبداء القوة لهم من أنفسهم ] روي أنه دخل رسول الله A و أصحابه مكة و كفار قريش قد صفت عند دار الندوة ينظرون إليهم و يستضعفونهم و يقولون أوهنتهم حمي يثرب فلما دخل رسول الله A المسجد اضطبع بردائه و رمل ثم قال رحم الله امرءا ابدئ من نفسه جلدا و روي أنه A قال : [ رحم امرءا أراهم اليوم من نفسه قوة ] .
و ذلك المعنى قد زال فلم يبق الرمل سنة لكنا نقول الرواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا تكاد تصح [ لأنه قد صح أن رسول الله A رمل بعد فتح مكة ] .
و روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال : [ كان رسول الله A إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا و مشى أربعا ] و كذا الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعد رملوا و كذا المسلمون إلى يومنا هذا فصار الرمل سنة متواترة فإما أن يقال إن أول الرمل كان لذلك السبب و هو إظهار الجلادة و إبداء القوة للكفرة ثم زال ذلك السبب و بقيت سنة الرمل على الأصل المعهود أن بقاء السبب ليس بشرط لبقاء الحكم كالبيع و النكاح و غيرهما و إما أن يقال لما رمل النبي A بعد زوال ذلك السبب صار الرمل سنة مبتدأة فنتبع النبي A في ذلك و إن كان لا نعقل معناه و إلى هذا أشار عمر رضي الله تعالى عنه حين رمل في الطواف و قال : مالي أهز كتفي و ليس ههنا أحد رأيته لكن اتبع رسول الله A أو قال لكن أفعل ما فعل رسول الله A .
و يرمل من الحجر إلى الحجر و هذا قول عامة العلماء .
و قال سعيد بن جبير و عطاء و مجاهد و طاوس Bهم : لا يرمل بين الركن اليماني و بين الحجر الأسود و إنما يرمل من الجانب الآخر .
وجه قولهم : إن الرمل في الأصل كان لإظهار الجلادة للمشركين و المشركون إنما كانوا يطلعون على المسلمين من ذلك الجانب فإذا صاروا إلى الركن اليماني لم يطلعوا لصيرورة البيت حائلا بينهم و بين المسلمين و لنا ما روي [ أن رسول الله A رمل ثلاثا من الحجر إلى الحجر ] .
و الجواب عن قولهم : إن الرمل كان لإظهار القوة و الجلادة أن الرمل الأول كان لذلك و قد زال و بقي حكمه أو صار الرمل بعد ذلك سنة مبتدأة لا لما شرع له الأول بل لمعنى آخر لا نعقله .
و أما الاضطباع : فلما روينا [ أن رسول الله A كان يرمل مضطبعا بردائه ] و تفسير الاضطباع بالرداء هو أن يدخل الرداء من تحت إبطه الأيمن و يرد طرفه على يساره و يبدي منكبه الأيمن و يغطي الأيسر سمي اضطباعا لما فيه من الضبع و هو العضد لما فيه من إيذاء الضبعين و هما العضدان فإن زوحم في الرمل وقف فإذا وجد فرجة رمل لأنه ممنوع من فعله إلا على وجه السنة فيقف إلى أن يمكنه فعله على وجه السنة .
و يستلم الحجر في كل شوط يفتح به إن استطاع من غير أن يؤذي أحدا لما روي [ أن رسول الله A كان كلما مر بالحجر الأسود استلمه ] و لأن كل شوط طواف على حدة فكان الاستلام الحجر فيه مسنونا كالشوط الأول و إن لم يستطيع استقبله و كبر و هلل .
و أما الركن اليماني فلم يذكر في الأصل أن استلامه سنة و لكنه قال : إن استلمه فحسن و إن تركه لم يضره في قول أبي حنيفة C و هذا يدل على أنه مستحب و ليس بسنة : .
و قال محمد C : يستلمه و لا يتركه و هذا يدل على أن استلامه سنة و لا خلاف في أن تقبيله ليس بسنة و قال الشافعي : يستلمه و يقبل يده وجه قول محمد ما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال : [ رأيت رسول الله A يستلم هذين الركنين و لا يستلم غيره ] .
و عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : [ كان رسول الله A يستلم الركن اليماني و يضع خده عليه ] .
وجه ما ذكر في الأصل و هو انه مستحب وليس بمسنون أنه ليس من السنة تقبيله و لو كان مسنونا لسن تقبيله كالحجر الأسود و عن جابر Bه [ أن النبي A استلم الركن اليماني و لم يقبله ] و هذا يدل على أنه مستحب و ليس بسنة .
و أما الركنان الآخران و هما العراقي و الشامي فلا يستلمهما عند عامة الصحابة Bهم و هو قولنا .
و عن معاوية و زيد بن ثابت و سويد بن غفلة Bهم أنه يستلم الأركان الأربعة .
و عن ابن عباس Bهما أنه رأى معاوية و سويدا استلما جميع الأركان فقال ابن عباس لمعاوية : إنما يستلم هذين الركنين فقال معاوية : ليس شيء من البيت مهجورا .
و الصحيح قول العامة لأن الاستلام إنما عرف سنة بفعل رسول الله A و رسول الله A ما استلم غير الركنين .
و لما روينا عن عمر Bه أنه قال : [ رأيت رسول الله A يستلم هذين الركنين و لا يستلم غيرهما ] و لأن الاستلام لأركان البيت و الركن الشامي و العراقي ليسا من الأركان حقيقة لأن ركن الشيء ناحيته و هما في وسط البيت لأن الحطيم من البيت وجعل طوافه من وراء الحطيم فلو لم يجعل طوافه من ورائه لصار تاركا الطواف ببعض البيت إلا أنه لا يجوز التوجه إليه في الصلاة لما ذكرنا فيما تقدم .
و إذا فرغ من الطواف يصلي ركعتين عند المقام أو حيث تسير عليه من المسجد و ركعتا الطواف واجبة عندنا .
و قال الشافعي : سنة بناء على أنه لا يعرف الواجب إلا الفرض و ليستا بفرض [ و قد واظب عليهما رسول الله A فكانتا سنة ] و نحن نفرق بين الفرض و الواجب و نقول الفرض ما ثبت وجوبه بدليل مقطوع به و الواجب ما ثبت وجوبة بدليل غير مقطوع به و دليل الوجوب قوله عز و جل : { و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } .
قيل : في بعض وجوه التأويل إن مقام إبراهيم ما ظهر فيه آثار قدميه الشريفين عليه الصلاة و السلام و هو حجارة كان يقوم عليها حين نزوله و ركوبه من الإبل حين كان يأتي إلى زيارة هاجر و ولده إسماعيل [ فأمر النبي A باتخاذ ذلك الموضع مصلى يصلي عنده صلاة الطواف مستقبلا الكعبة على ما روي أن النبي عليه السلام لما قدم مكة إلى الركن اليماني ليصلي فقال عمر رضي الله تعالى عنه : ألا نتخذ مقام إبراهيم مصلى ] فأنزل الله تعالى { و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } و مطلق الأمر لوجوب العمل .
و روي أن [ النبي A لما فرغ من الطواف أتى المقام و صلى عنده ركعتين ] و تلا قوله تعالى { و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } .
و روي عن عمر Bه : [ أنه نسي ركعتين الطواف فقضاهما بذي طوى فدل أنها واجبة ثم يعود إلى الحجر الأسود فيستلمه ليكون افتتاح السعي بين الصفا و المروة باستلام الحجر كما يكون افتتاح الطواف باستلام الحجر الأسود و الأصل فيه أن كل طواف بعده سعي فإنه يعود بعد الصلاة إلى الحجر و كل طواف لا سعى بعده لا يعود إلى الحجر ] كذا روي عن عمر و ابن عمر و ابن مسعود Bهم .
و عن عائشة Bها أنه لا يعود و إن كان بعده سعى و هو قول عمر بن عبد العزيز و الصحيح أنه يعود لما روي عن جابر Bه أن النبي A لما فرغ من طوافه صلى ركعتين خلف المقام و قرأ فيها آيات من سورة البقرة و قرأ فيهما { و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } و رفع صوته يسمع الناس ثم رجع إلى الركن فاستلمه و لأن السعي مرتب على الطواف لا يجوز قبله .
و يكره أن يفصل بين الطواف و بين السعي فصار كبعض أشواط الطواف و الاستلام بين كل شوطين سنة و هذا المعنى لا يوجد في طواف لا يكون بعده سعي لأنه إذا لم يكن بعده سعي لا يوجد الملحق له بالأشواط فلا يعود إلى الحجر .
ثم يخرج إلى الصفا لما روى جابر [ أن النبي A استلم الركن و خرج إلى الصفا فقال : نبدأ بما بدأ الله به ] و تلا قوله تعالى : { إن الصفا و المروة من شعائر الله } و لم يذكر في الكتاب أنه من أي باب يخرج من باب الصفا أو من حيث تيسر له و ما روي أن رسول الله A خرج من باب الصفا فذلك ليس على وجه السنة عندنا و إنما خرج منه لقربه من الصفا أو لأمر آخر و يصعد على الصفا إلى حيث يرى الكعبة فيحول وجهه إليها و يكبر و يهلل و يحمد الله تعالى و يثني عليه و يصلي على النبي A و يدعو الله تعالى بحوائجه و يرفع يديه و يجعل بطون كفيه إلى السماء لما روي عن جابر [ Bه أن النبي A رقى على الصفا حتى بدا له البيت ثم كبر ثلاثا و قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحي و يميت و هو على كل شيء قدير لا إله إلا الله أنجز وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده و جعل يدعو بعد ذلك ثم يهبط نحو المروة فيمشي على هينته حتى ينتهي إلى بطن الوادي ] .
فإذا كان عند الميل الأخضر في بطن الوادي سعى حتى يجاوز الميل الأخضر فيسعى بين الميلين الأخضرين لحديث جابر [ أن النبي A لما فرغ من الدعاء مشى نحو المروة حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي سعى و قال في سعيه رب اغفر و ارحم و تجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم ] .
و كان عمر Bه إذا رمل بين الصفا و المروة قال : [ اللهم استعملني بسنة نبيك و توفني على ملته و أعدني من عذاب القبر ثم يمشي على هينته حتى يأتي المروة فيصعد عليها و يقوم مستقبل القبلة فيحمد الله تعالى و يثني عليه و يكبر و يهلل و يصلي على النبي A و يسأل الله تعالى حوائجه فيفعل على المروة مثل ما فعل على الصفا ] لما روي أن النبي A هكذا فعل .
و يطوف بينهما سبعة أشواط هكذا يبدأ بالصفا و يختم بالمروة و يسعى في بطن الوادي في كل شوط و يعد البداية شوطا و العود شوطا آخر خلافا لما قاله الطحاوي أنهما يعدان جميعا شوطا واحدا و أنه خلاف ظاهر الرواية لما بينا فيما تقدم فإذا فرغ من السعي فإن كان محرما بالعمرة و لم يسق الهدى يحلق أو يقصر فيحل لأن أفعال العمرة هي الطواف و السعي فإذا أتى بهما لم يبق عليه شيء من أفعال العمرة فيحتاج إلى الخروج منها بالتحلل و ذلك بالحلق أو التقصير كالتسليم في باب الصلاة و الحلق أفضل لما ذكرنا فيما تقدم فإذا حلق أو قصر حل له جميع محظورات الإحرام .
و هذا الذي ذكرنا قول أصحابنا .
و قال الشافعي : يقع التحلل من العمرة بالسعي و من الحج بالرمي و المسألة قد مرت في بيان واجبات الحج و إن كان قد سابق الهدى لا يحلق و لا يقصر للعمرة بل يقيم حراما إلى يوم النحر لا يحل له التحلل إلا يوم النحر عندنا .
و عند الشافعي : سوق الهدي لا يمنع من التحلل و نذكر المسألة في التمتع إن شاء الله تعالى .
و إن كان محرما بالحج فإن كان مفردا به يقيم على إحرامه و لا يتحلل لأن أفعال الحج عليه باقية فلا يجوز له التحلل إلى يوم النحر و من الناس من قال : يجوز له أن يفتتح إحرام الحج بفعل العمرة و هو الطواف و السعي و التحلل منها بالحلق أو التقصير لما روي عن جابر Bه أن أصحاب رسول الله A كانوا أهلوا بالحج مفردين فقال : لهم النبي A [ أحلوا من إحرامكم بطواف البيت و بين الصفا و المروة و قصروا ثم أقيموا حلالا و قصروا ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج ] .
فالجواب أن ذلك كان ثم نسخ .
و عن أبي ذر Bه أنه قال : [ أشهد أن فسخ الإحرام كان خاصا للركب الذين كانوا مع النبي A ] .
و إن كان قارنا فإنه يطوف طوافين و يسعى سعيين عندنا فيبدأ أولا بالطواف و السعي للعمرة فيطوف و يسعى للعمرة ثم يطوف و يسعى للحج كما وصفنا و عند الشافعي يطوف لهما جميعا طوافا واحدا و يسعى لهما سعيا واحدا و هذا بناء على أن القارن عندنا محرم بإحرامين العمرة و إحرام الحج و لا يدخل إحرام في الحج و عنده يحرم بإحرام واحد و يدخل إحرام العمرة في إحرام الحج لأن نفس العمرة لا تدخل في الحجة و لأن الإحرام على أصله ركن لما نذكر فكان من أفعال الحج و الأفعال يجوز فيها التداخل كسجدة التلاوة و الحدود و غيرها .
و لنا ما روي [ عن علي و عبد الله بن مسعود و عمران بن الحصين Bهم أن النبي صلى الله عليه و سلم فرق بين الحج و العمرة و طاف لهما طوافين و سعى لهما سعيين ] و لأن القارن محرم بالعمرة و محرم بالحجة حقيقة لأن قوله لبيك بعمرة و حجة معناه لبيك بحجة كقوله جاءني زيد و عمرو أن معناه جاءني عمرو و إذا محرما بكل واحد منهما يطوف و يسعى لكل واحد منهما طوافا على حدة و سعيا على حدة و كذا تسمية القران يدل على ما قلنا إذ القران حقيقة يكون بين شيئين إذ هو ضم شيء إلى شيء و معنى الضم حقيقة فيما قلنا لا فيما قاله و اعتبار الحقيقة أصل في الشريعة .
و أما الحديث فمعناه دخل وقت العمرة في وقت الحج لأن سبب ذلك أنهم كانوا يعدون العمرة في وقت الحج من أفجر الفجور ثم رخص لهم النبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ] أي دخل وقت العمرة في وقت الحجة و هو أشهر الحج و يحتمل ما قلنا و يحتمل ما قاله فلا يكون حجة مع الاحتمال .
و لو طاف القارن طوافين متواليين و سعى سعيين متواليين أجزأه و قد أساء أما الجواز فلأنه أتى بوظيفة من الطوافين و السعيين و أما الإساءة فلتركه السنة و هي تقديم أفعال الحج على أفعال العمرة و لو طاف أولا بحجته و سعى لها ثم طاف لعمرته و سعى لها فنيته لغو و طوافه الأول و سعيه يكونان للعمرة لما مر أن أفعال العمرة تترتب على ما أوجبه إحرامه و إحرامه أوجب تقديم أفعال العمرة على أفعال الحج فلغت نيته .
و إذا فرغ من أفعال العمرة لا يحلق و لا يقص لأنه محرما بإحرام الحج و إن كان متمتعا فإذا قدم مكة فإنه يطوف و يسعى لعمرته ثم يحرم بالحج في أشهر الحج و يلبس الإزار و الرداء و يلبي بالحج لأن هذا ابتداء دخوله في الحج للإحرام بالحج و له أن يحرم من جوف مكة او من الأبطح أو من أي حرم إن شاء و له أن يحرم يوم التروية عند الخروج إلى منى و قيل يوم التروية و كلما قدم الإحرام بالحج على يوم التروية فهو أفضل عندنا .
و قال الشافعي : الأفضل أن يحرم يوم التروية