وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فصل : و يتصل بهذا بيان ما يعم المحرم و الحلال جميعا .
و يتصل بهذا بيان ما يعم المحرم و الحلال جميعا و هو محظورات الحرم فذكرها فنقول بالله التوفيق محظورات الحرم نوعان : نوع يرجع إلى الصيد و نوع يرجع إلى النبات أما الذي يرجع إلى الصيد فهو أنه لا يحل قتل صيد الحرم للمحرم و الحلال جميعا إلا المؤذيات المبتدئة بالأذى غالبا و قد بيننا ذلك في صيد الإحرام و الأصل فيه قوله تعالى : { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } و قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم } .
و قوله تعالى : { و حرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } و هذا يتناول صيد الإحرام و الحرم جميعا لأنه يقال أحرم إذا أدخل في الإحرام و أحرم إذا دخل في الحرم كما يقال أنجد إذا دخل نجد و أتهم إذا دخل تهامة و أعرق إذا دخل العراق و أحرم إذا دخل في الشهر الحرام و منه قول الشاعر في عثمان Bه : .
( قتل ابن عفان الخليفة محرما ... و دعا فلم أر مثله مخذولا ) .
الخليفة محرما أي في الشهر الحرام و اللفظ و إن كان مشتركا لكن المشترك في محل النفي يعم لعدم التنافي إلا أن الدخول في الشهر الحرام ليس بمراد بالإجماع لأن أخذ الصيد في الأشهر الحرم لم يكن محظورا ثم قد نسخت الأشهر الحرم فبقي الدخول في الحرم و الإحرام مرادا بالآتين إلا ما خص بدليل و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ألا إن مكة حرام حرمها الله تعالى يوم خلق السموات و الأرض لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي و إنما أحلت لي ساعة من نهار ثم عادت حراما إلى يوم القيامة لا يختلي خلاها و لا يعضد شجرها و لا ينفر صيدها ] و الاستدلال به من وجوه : .
أحدها : قوله : [ مكة حرام ] .
و الثاني : قوله : [ حرمها الله تعالى ] .
و الثالث : قوله : [ و لا تحل لأحد بعدي ] .
و الرابع : قوله : [ ثم عادت حراما إلى يوم القيامة ] .
و الخامس : قوله : [ لا يختلي خلاها و لا يعضد شجرها و لا ينفر صيدها ] فإن قتل صيد الحرم فعليه الجزاء محرما كان القاتل أو حلالا لقوله تعالى : { و من قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل } و جزاؤه ما هو جزاء قاتل صيد الإحرام و هو أن تجب عليه قيمته فإن بلغت هديا له أن يشتري بها هديا أو طعاما إلا أنه لا يجوز الصوم هكذا ذكر في الأصل و هكذا ذكر القاضي في شرحه مختصر الطحاوي إن حكمه حكم صيد الإحرام إلا أنه لا يجوز فيه الصوم .
و ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي إن الإطعام يجزيء في صيد الحرم و لا يجزيء الصوم عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر : يجزيء و به أخذ الشافعي و في الهدي روايتان .
وجه قول زفر : الاعتبار يصيد الإحرام لأن كل واحد من الضمانين يجب حقا لله تعالى ثم يجزىء الصوم في أحدهما كذا في الآخر .
و لنا : الفرق بين الصيدين و الضمانين و هو أن صيد الإحرام وجب لمعنى يرجع إلى الفاعل لأنه وجب جزاء على جنايته على الإحرام فأما ضمان صيد الحرم فإنما وجب لمعنى يرجع إلى المحل و هو تفويت أمن الحرم رعاية لحرمة الحرم فكان بمنزلة ضمان سائر الأموال لا يدخل فيه الصوم كذا هذا .
و أما الهدي فوجه رواية عدم الجواز ما ذكرنا أن هذا الضمان يشبه ضمان سائر الأموال لأن وجوبه لمعنى في المحل فلا يجوز فيه الهدي كما لا يجوز في سائر الأموال إلا أن تكون قيمته مذبوحا مثل قيمة الصيد فيجزىء عن الطعام وجه رواية الجواز أن ضمان صيد الحرم له شبه بأصلين ضمان الأموال و ضمان الأفعال أما شبهه بضمان الأفعال و هو ضمان الإحرام فلأنه يجب حقا لله تعالى فيعمل بالشبهين فنقول : إنه لا يدخل فيه الصوم اعتبارا لشبه الأموال و يدخل فيه الهدي اعتبارا لشبه الأفعال و هو الحرام عملا بالشبهين بالقدر الممكن إذ لا يمكن القول بالعكس و لأن الهدي مال فكان بمنزلة الإطعام و الصوم ليس بمال و لا فيه معنى المال فاقترفا و لو قتل المحرم صيدا في المحرم فعليه ما على المحرم إذا قتل صيدا في الحل و ليس عليه لأجل الحرم شيء و هذا استحسان .
و القياس : أن يلزمه كفارتين لوجود الجناية على شيئين و هما الإحرام و الحرم فأشبه القارن إلا أنهم استحسنوا و أوجبوا كفارة الإحرام لا غير لأن حرمة الإحرام أقوى من حرمة الحرم فاستتبع الأقوى الأضعف و بيان أن حرمة الإحرام أقوى من وجوه : .
أحدها : أن حرمة الإحرام ظهر أثرها في الحرم و الحل جميعا حعتى حرم على المحرم الصيد في الحرم و الحل جميعا و حرمة لا يظهر أثرها إلا في الحرم حتى يباح للحلال الاصطياد لصيد الحرم إذا خرج إلى الحل .
و الثاني : أن الإحرام يحرم الصيد و غيره مما ذكرنا من محظورات الإحرام و الحرم لا يحرم إلا الصيد و ما يحتاج إليه الصيد من الخلي و الشجر .
و الثالث : أن حرمة الإحرام تلازم حرمة الحرم وجودا لأن المحرم يدخل الحرم لا محالة و حرمة الحرم لا تلازم حرمة الإحرام وجودا فثبت أن حرمة الإحرام أقوى فاستتبعت الأدنى بخلاف القارن لأن ثمة كل واحدة من الحرمتين أعني حرمة إحرام الحج و حرمة إحرام العمرة أصل .
ألا ترى أنه يحرم إحرام العمرة ما يحرمه إحرام الحج فكان كل واحد منهما أصلا بنفسها فلا تستتبع إحداهما صاحبتها و لو اشترك حلالان في قتل صيد في الحرم فعلى كل واحد منهما نصف قيمته فإن كانوا أكثر من ذلك يقسم الضمان بين عددهم لأن الضمان بين عددهم لأن ضمان صيد الحرم يجب لمعنى في المحل و هو حرمة الحرم فلا يتعدد بتعدد الفاعل كضمان سائر الأموال بخلاف ضمان صيد الإحرام فإن اشترك محرم و حلال فعلى المحرم جميع القيمة و على الحلال النصف لأن الواجب على المحرم ضمان الإحرام لما بينا ذلك لا يجزأ و الواجب على الحلال ضمان المحل و أنه متجزىء و سواء كان شريك الحلال ممن يجب عليه الجزاء و لا يجب كالكافر و الصبي أنه يجب على الحلال بقدر ما يخصه من القيمة لأن الواجب بفعله ضمان المحل فيستوي في حقه الشريك الذي يكون من أهل وجوب الجزاء و من لا يكون من أهله .
فإن قتل حلال و قارن صيان في الحرم فعلى الحلال نصف الجزاء نصف الجزاء و على القارن جزاآن لأن الواجب على الحلال ضمان المحل و الواجب على المحرم على المحرم جزاء الجناية و القرن جنى على إحرامين فيلزمه جزآان لأن الواجب على الحلال ضمان المحل و الواجب على الحلال ضمان المحل و الواجب على المحرم جزاء الجناية و القرن جنى على إحرامين فليزمه جزآان و لو اشترك حلال و مفرد و قارن في قتل صيد فعلى الحلال ثلث الجزاء و على المفرد جزاء كامل و على القارن جزآان لما قلنا .
و إن صاد حلال صيدا في الحرم فقتله في يده آخر فعلى الذي كان في يده جزاء كامل و على القتل جزاء كامل أما القاتل فلا شك فيه لأنه أتلف صيدا في الحرم حقيقة و أما الصائد فلأن الضمان قد وجب عليه باصطياده و هو أخذه لتفويته الأمن عليه بالأخذ و أنه سبب لوجوب الضمان إلا أنه يسقط بالإرسال و قد تعذر الإرسال بالتقل فتقرر تفويت الأمن فصار كأنه مات في يده و هذا بخلاف المغصوب إذا أتلفه إنسان في يد الغاصب أنه لا يجب إلا ضمان واحد يطالب المالك أيهما شاء لأن ضمان الغصب ضمان المحل و ليس فيه معنى الجزاء لأنه يجب حقا للمالك و المحل الواحد لا يقابله إلا ضمان واحد و ضمان صيد الحرم و إن كان ضمان المحل لكن فيه معنى الجزاء لأنه يجب حقا لله تعالى فجاز أن يجب على القاتل و الآخذ و للآخذ أن يرجع على القاتل بالضمان .
أما على أصل أبي حنيفة فلا يشكل لأنه يرجع عليه في صيد الإحرام عند هكذا في صيد الحرم و الجامع أن القاتل فوت على الآخذ ضمانا كان يقدر على إسقاطه بالإرسال و أما على أصلهما فيحتاج إلى الفرق بين صيد الحرم و الإحرام لأنهما قالا : في صيد الإحرام إنه لا يرجع .
و وجه الفرق : أن الواجب في صيد الحرم ضمان يجب لمعنى يرجع إلى المحل و ضمان المحل يحتمل الرجوع كما في الغضب و الواجب في صيد الإحرام جزاء فعله لا بدل المحل ألا ترى لا يملك الصيد بالضمان و إذا كان جزاء فعله لا يرجع به على غيره و لو دل حلال حلالا على صيد الحرم أو .
دل محرما فلا شيء على الدال في قول أصحابنا الثلاثة و قد أساء و أثم .
و قال زفر : على الدال الجزاء و روي عن أبي يوسف مثل قول زفر و على هذا الاختلاف الآمر و المشير .
وجه قول زفر : اعتبار الحرم و هو اعتبار صحيح لأن كل واحد منهما سبب لحرمة الاصطياد ثم الدلالة في الإحرام توجب الجزاء كذا في الحرم .
و لنا : الفرق بينهما و هو أن ضمان صيد الحرم يجري ضمان الأموال لأنه يجب لمعنى يرجع إلى المحل و هو حرمة الحرم لا لمعنى يرجع إلى القاتل لا تصمن بالدلالة من غير و إنما صار مسيئا آثما لكون الدلالة و الإشارة و تأمر حراما لأنه من باب المعاونة على الإثم و العدوان و قد قال الله تعالى : { و لا تعاونوا على الإثم و العدوان } و لو أدخل صيدا من الحل وجب إرساله و إن ذبحه فعليه الجزاء و لا يجوز بيعه و قال الشافعي : يجوز بيعه .
وجه قوله : أن الصيد كان ملكه في الحل و إدخاله في الحرم لا يوجب زوال ملكه فكان قائما فكان محلا للبيع .
و لنا : أنه لما حصل الصيد في الحرم وجب ترك التعرض له رعاية لحرمة الحرمة كما لو أحرم و الصيد في يده و ذكر محمد في الأصل و قال : لا خير فيما يترخض به أهل من الحجل و اليعاقيب و لا يدخل شيء منه في الحرم حيا لما ذكرنا أن الصيد إذا حصل في الحرم وجب إظهار حرمة الحرم بترك التعرض له بالإرسال فإن قيل : إن أهل مكة يبيعون الحجل و اليعاقيب و هي كل ذكر و أنثى من القبج من غير نكير و لو كان حراما لظهر النكير عليهم فالجواب أن ترك النكير عليهم ليس لكونه حلالا بل لكونه محل الاجتهاد فإن المسألة مختلفة بين عثمان و علي Bهما و الإنكار لا يلزم في محل الاجتهاد إذا كان الاختلاف في الفروع .
و أما وجوب الجزاء بذبحه فلأنه ذبح صيدا مستحق الإرسال و أما فساد البيع فلأن إرساله واجب و البيع ترك الإرسال و لو باعه عليه فسخ البيع و استرداد المبيع لأنه بيع فاسد و البيع الفاسد مستحق الفسخ حقا للشرع فإن كان لا يقدر على فسخ البيع و استرداد المبيع فعليه الجزاء لأنه وجب عليه إرساله فإذا باعه و تعذر عليه فسخ البيع و استراد المبيع فكأنه أتلفه فيجب عليه الضمان و كذلك إن أدخل صقرا أو بازيا فعليه إرساله لما ذكرنا في سائر الصيود فإن أرسله فجعل يقتل حمام الحرم لم يكن عليه في ذلك شيء لأن الواجب عليه الإرسال و قد أرسل فلا يلزمه شيء بعد ذلك كما لو أرسله في الحل ثم دخل الحرم فجعل يقتل صيد الحرم و لو أرسل كلبا في الحل على صيد في الحل فأتبعه الكلب فأخذه في الحرم فقتله فلا شيء على المرسل و لا يؤكل الصيد .
أما عدم وجوب الجزاء فلأن العبرة في وجوب الضمان بحالة الإرسال إذا الإرسال هو السبب الموجب للضمان و الإرسال وقع مباحا لوجوده في الحل فلا يتعلق به الضمان .
و أما حرمة أكل الصيد فلأن فعل الكلب ذبح للصيد و أنه حصل في الحرم فلا يحل أكله كما لو ذبحه آدمي إذ فعل الكلب لا يكون أعلى من فعل الآدمي و لو رمى صيدا في الحل فنفر الصيد فوقع السهم به في الحرم فعليه الجزاء قال محمد في الأصل و هو قول أبي حنيفة C فيما أعلم و كان القياس فيه أنه لا يجب عليه الجزاء كما لا يجب عليه في إرسال الكلب لأن كل واحد منهما مأذون فيه لحصوله في الحل و الأخذ و الإصابة كل واحد منهما يضاف إلى المرسل و الرامي و خاصة على أصل أبي حنيفة C تعالى فإنه يعتبر حال الرمي في المسائل حتى قال : فيمن رمى إلى مسلم فارتد المرمي إليه ثم أصابه السهم مثلا أنه تجب عليه الدية اعتبارا بحالة الرمي إلا أنهم استحسنوا فإوجبوا الجزاء في الرمي و لم يوجبوا في الإرسال لأن الرمي هو المؤثر في الإصابة بمجرى العادة إذا لم يتخلل بين الرمي و الإصابة فعل اختياري يقطع نسبة الأثر إليه شرعا فبقيت الإصابة مضافة إليه شرعا في الأحكام فصار كأنه ابتدأ الرمي بعدما حصل الصيد في الحرم و ههنا قد تخلل بين الإرسال و الأخذ فعل فاعل مختار و هو الكلب فمنع إضافة الأخذ إلى المرسل و صار كما لو أرسل بازيا في الحرم فأخذ حمام الحرم و قتله أنه لا يضمن لما قلنا كذا هذا .
و لو أرسل كلبا على ذئب في الحرم أو نصب له شركا فأصاب صيدا أو وقع في الشرك صيد فلا جزاء عليه لأن الإرسال على الذئب و نصب الشبكة له مباح لأن قتل الذئب مباح في الحل و الحرم للمحرم و الحلال جميعا لكونه من المؤذيات المبتدئة بالأذى عادة فلم يكن متعديا في التسبب فيضمن و لو نصب شبكة أو حفر حفيرة في الحرم للصيد فأصاب صيدا فعليه جزاؤه لأنه غير مأذون في نصب الشبكة و الحفر لصيد الحرم فكان متعديا في التسبب فيضمن .
و لو نصب خيمة فتعقل به صيد أو حفر للماء فوقع فيه صيد الحرم لا ضمان عليه لأنه غير متعد في التسبب و قالوا : فيمن أخرج ظبية من الحرم فأدى جزاءها ثم ولدت ثم ماتت و مات أولادها لا شيء عليه لأنه متى أدى جزاءها ملكها فحدثت الأولاد على ملكه .
و روى ابن سماعة عن محمد في رجل أخرج صيدا من الحرم إلى الحل أن ذبحه و الانتفاع بلحمه ليس بحرام سواء كان أدى جزاءه أو لم يؤد غير أني أكره هذا الصنيع و أحب إلي أن يتنزه عن أكله أما حل الذبح فلأنه صيد حل في الحال فلا يكون ذبحهع حراما .
و أما كراهة هذا الصنيع فلأن الانتفاع به يؤدي إلى استئصال صيد الحرم لأن كل من احتاج إلى شيء من ذلك أخذه و أخرجه من الحرم و ذبحه و انتفع بلحمه و أدى قيمته فإن انتفع به فلا شيء عليه لأن الضمان سبب لملك المضمون على أصلنا فإذا ضمن قيمته فقد ملكه فلا يضمن بالإنتفاع به و إن باعه و استعان بثمنه في جزائه كان له ذلك لأن الكراهة في حق الأكل خاصلة و كذا إذا قطع شجر الحرم حتى ضمن قيمته يكره له النتفاع به لأن الانتفاع به يؤدي إلى استئصال شجر الحوم على ما بينا في الصيد و لو اشتراه إنسان من القاطع لا يكره له الانتفاع به لأنه تناوله بعد انقطاع النماء عنه و الله الموفق .
فصل : و أما الذي يرجع إلى النبات فكا ما ينبت بنفسه مما لا ينبته الناس عادة و هو رطب و جملة الكلام فيه أن نبات الحرم لا يخلو إما أن يكون مما لا ينبته الناس عادة و إما أن يكون مما ينبته الناس عادة فإن كان مما لا ينبته الناس عادة إذا نبت بنفسه و هو رطب فهو محظور القطع و القلع على المحرم و الحلال جميعا نحو الحشيش الرطب و الشجر الرطب إلا ما فيه و هو الأذخر فإن قلعه إنسان أو قطعه فعليه قيمته لله تعالى سواء محرما أو حلالا بعد أن كان مخاطبا بالشرائع و الأصل فيه قوله تعالى : { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } أخبر الله تعالى أنه جعل الحرم آمنا مطلقا فيجب العمل بإطلاقه إلا ما قيد بدليل .
و قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ أنه إن مكة حرام حرمها الله تعالى ] إلى قوله [ لا يختلى خلاها و لا يعضد شجرها ] نهى عن اختلاء كل خلي و عضد كل شجر فيجري على عمومه إلا ما خص بدليل و هو الإذخر فإنه روي أن النبي صلى الله عليه و سلم لما ساق الحديث إلى قوله : [ لا يختلى خلاها و لا يعضد شجرها ] فقال العباس Bه : إلا الإذخر يا رسول الله فإنه متاع لأهل مكة لحيهم و ميتهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم [ إلا الإذخر ] و المعنى فيه ما أشار إليه العباس Bه و هو حاجة أهل مكة إلى ذلك في حياتهم و مماتهم .
فإن قيل : إن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن اختلاء خلي مكة عاما فكيف استثنى باستثناء العباس و كان صلى الله عليه و سلم لا ينطق عن الهوى و قد قيل : في الجواب عنه من وجهين : أحدهما : يحتمل أن النبي صلى الله عليه و سلم كان في قلبه هذا الاستثناء إلا أن العباس Bه سبقه به فأظهر النبي صلى الله عليه و سلم بلسانه ما كان في قلبه .
و الثاني : يحتمل أن الله تعالى أمره أن يخبر بتحريم كل خلي مكة إلا ما يستثنيه العباس و ذلك غير ممنوع و يحتمل وجها ثالثا و هو أن النبي صلى الله عليه و سلم عم القضية بتحريم كل خلي فسأله العباس الرخصة في الأدخر لحاجة أهل مكة ترفيها بهم فجاءه جبريل عليه السلام بالرخصة في الأذخر فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إلا الإذخر ] .
فإن قيل : من شرط صحة الاستثناء و التحاقه بالكلام الأول أن يكون متصلا به ذكرا و هذا منفصل لأنه ذكر بعد انقطاع الكلام الأول و بعد سؤال العباس Bه الاستثناء بقوله : [ إلا الإذخر ] و الاستثناء المنفصل لا يصح و لا يلحق المستثنى منه كالجواب إن هذا ليس باستثناء حقيقة و إن كانت صيغته صيغة الاستثناء بل هو إما تخصيص و التخصيص المتراخي عن العام جائز عند مشايخنا و هو النسخ و النسخ قبل التمكن من الفعل بعد التمكن من الاعتقاد جائز عندنا و الله الموفق .
و إنما يستوي فيه المحرم و الحلال لأنه لا فصل في النصوص المقتضية للأمن و لأن حرمة التعرض لجل الحرم فيستوي فيه المحرم و الحلال و إذا وجب عليه قيمته فسبيلها جزاء صيد الحرم أنه إن شاء اشترى طعاما يتصدق به على الفقراء على كل فقير نصف صاع من بر و إن شاء اشترى بها هديا إن بلغت قيمته هديا على رواية الأصل و الطحاوي فيذبح في الحرم و لا يجوز فيه الصوم عندنا خلافا لزفر على ما مر في صيد الحرم .
و إذا أدى قيمته يكره له الانتفاع بالمقلوع والمقطوع لأنه وصل إليه بسبب خبيث و لأن الانتفاء يؤدي إلى نبات استئصال الحرم لأنه إذا احتاج إلى شيء من ذلك يقلع و يقطع و يؤدي قيمته على ما ذكرنا في الصيد فإن باعه يجوز و يتصدق بثمنه لأنه ثمن مبيع حصل بسب خبيث و لا بأس يقلع الشجر اليابس و الانتفاع و كذا الحشيش اليابس لأنه قد مات و خرج عن حد النمو و لا يجوز رعي حشيش الحرم في قول أبي حنيفة و محمد و قال أبو يوسف : لا بأس بالرعي .
وجه قوله : أن الهدايا تحمل إلى الحرم و لا يمكن حفظها من الرعي فكان فيه ضرورة و لهما أنه لما منع من التعرض لحشيش الحرم استوى فيه التعرض بنفسه و بإرسال البهيمة عليه لأن فعل البهيمة مضاف إليه كما في الصيد فإنه لما حرم عليه التعرض لصيده استوى فيه اصطياده بنفسه و بإرسال الكلب كذا هذا و إن كان مما ينبته الناس عادة من الزروع و الأشجار التي ينبتونها فلا بأس بقطعة و قلعه لإجماع الأمة على ذلك فغن الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا يزرعون في الحرم و يحصدونه من غير نكير من أحد و كذا ما لا ينبه الناس عادة إذا أنبته أحد مثل شجر أم غيلان و شجر الأراك و نحوهما فلا بأس بقلعه و إذا قطعه فلا ضمان عليه لأجل الحرم أنه ملكه بالإبنات فلم يكن من شجر الحرم فصار كالذي ينبته الناس عادة شجرة أصلها في الحرم و أغصانها في الحل فهي من شجر الحرم و إن كان أصلها في الحل و أغصانها في الحرم فهي من شجر الحل ينظر في ذلك غلى الصل لا إلى الأغصان لأن الأغصان تابعةو للأصل فيعتبر فيه موضع الأصل لا التابع .
و إن كان بعض أصلها في الحرم و البعض في الحل فهي من شجر الحرم لأنه اجتمع فيه الحظر و الإباحة فيرجح الحاظر احتياطا و هذا بخلاف الصيد فإن المعتبر فيه موضع قوائم الطير إذا كان مستقرا به فإن كان الطير على غصن هو في الحرم لا يجوز له أن يرميه و إن كان الأصل الشجر في الحل و إن كان على غصن هو في الحل فلا بأس له أن يرميه و إن كان أصل الشجر في الحرم ينظر إلى مكان قوائم الصيد لا إلى أصل الشجر لأن قوام الصيد بقوائمه حتى لورمى صيدا قوائمه في الحرم و رأسه في الحل فهو من صيدالحرم لايجوز للمحرم و الحلال أن يقتله .
و لورمى صيدا قوائمه في الحل و رأسه في الحرم فهو من صيد الحل و لابأس للحلال أن يقتله و كذا إذا كان بعض قوائمه في الحرم و بعضها في الحل فهو صيد الحرم ترجيحا لجانب رمة احتياطا هذا إذا كان قائما فأما إذا نام فجعل قوائمه في الحل و رأسه في الحرم فهو منم صيد الحرم لأن القوائم إنما تعتبر إذا كان مستقرا بها و هو غير مستقر بقوائمه بل هو كالملقى على الأرض و إذا بطل اعتبار القوائم فاجتمع فيه الحاظر و المبيح فيترجح جانب الحاظر احتياطا و لا بأس يأخذ كمأة الحرم لأن الكمأة ليست من جنس النبات بل هي من ودائع الأرض .
و قال أبو حنيفة : لا بأس بإخراج حجارة الحرم و ترابه إلى الحل لأن الناس يخرجون القدور من مكة من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا من غير نكير و لأنه يجوز استهلاكه باستعماله في الحرم فيجوز أخراجه إلى الحل .
و عن ابن عباس و ابن عمر Bهما كراهة ذلك بقوله D : { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا } جعل الله تعالى نفس الحرما آمنا و لأن الحرم لما أفاد الأمن فلان يفيد لنفسه أولى ثم إنما يجب على المحرم اجتناب محظورات الإحرام و الحرم و تثبت أحكامها إذا فعل إذا كان خاطبا بالشرائع فأما إذا لم يكن مخاطبا كالصبي كالعاقل لا يجب و لا يثبت حتى لوفعل شيئا من المحظورات الإحرام فلا شيء عليه و لا على واليه لأن الحرمة بسبب الإحرام تأديا و تعودا يأمره بالصلاة .
و أما العبد إذا أحرم بإذن مولاه فإنه يجب عليه الاجتناب لأنه من أهل الخطاب فإن فعل شيئا من المحظورات فإن كان مما يجوز فيه الصوم وإن كان مما لا يجوز فيه إلا الفدية أو إلا طعام لا يجب عليه ذلك في الحال و إنما يجب بعد العتق و لو فعل في حال الرق لا يجوز لأنه لا ملك له و كذا لو فعل عنه مولاه أو غيره لأنه ليس من أهل الملك فلا يملك و إن ملك