وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فصل : ما ينقض الوضوء .
وأما بيان ما ينقض الوضوء : .
فالذي ينقضه الحدث والكلام في الحدث في الأصل في موضعين : أحدهما : في بيان ماهيته .
والثاني : في بيان حكمه .
أما الأول فالحدث نوعان : حقيقي وحكمي .
أما الحقيقي : فقد اختلف فيه قال أصحابنا الثلاثة : هو خروج النجس من الآدمي الحي سواء كان من السبيلين الدبر والذكر أو فرج المرأة أو من غير السبيلين الجرح والقرح والأنف والفم من الدم والقيح والرعاف والقيء .
وسواء كان الخارج من السبيلين معتادا كالبول والغائط والمني والمذي والودي ودم الحيض والنفاس أو غير معتاد كدم الاستحاضة .
وقال زفر : ظهور النجس من الآدمي الحي .
وقال مالك في قول : هو خروج النجس المعتاد من السبيل المعتاد فلم يجعل دم الاستحاضة حدثا .
لكونه غير معتاد .
وقال الشافعي : هو خروج شيء من السبيلين فليس بحدث وهو أحد قولي مالك .
أما قول مالك : فمخالف للسنة وهو قوله صلى الله عليه و سلم : [ المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة ] .
وقوله للمستحاضة : [ توضئي وصلي وإن قطر الدم على الحصير قطرا ] .
وقوله : [ توضئي فإنه دم عرق انفجر ] ولأن المعنى الذي يقتضي كون الخروج من السبيلين حدثا لا يوجب الفصل بين المعتاد وغير المعتاد لما يذكر فالفصل يكون تحكما على الدليل .
وأما الكلام مع الشافعي فهو احتج بما روي [ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنه قاء فغسل فمه فقيل له : ألا تتوضأ وضوءك للصلاة فقال : هكذا الوضوء من القيء ] .
وعن عمر Bه أنه حين طعن كان يصلي والدم يسيل منه ولأن خروج النجس من البدن زوال النجس عن البدن وزوال النجس عن البدن كيف يوجب تنجيس البدن مع أنه لا نجس على أعضاء الوضوء حقيقة و هذا هو القياس في السبيلين إلا أن الحكم هناك عرف بالنص غير معقول فيقتصر على مورد النص .
و لنا ما روي [ عن أبي أمامة الباهلي Bه أنه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه و سلم فغرفت له غرفة فأكلها فجاء المؤذن فقلت : الوضوء يا رسول الله فقال صلى الله عليه و سلم : إنما علينا الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل ] علق الحكم بكل ما يخرج أو بمطلق الخارج من غير اعتبار المخرج إلا أن خروج الطاهر ليس بمراد فبقي خروج النجس مرادا .
و روي [ عن عائشة Bها عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : من قاء أو رعف في صلاته فلينصرف و ليتوضأ و ليبن على صلاته ما لم يتكلم ] .
والحديث حجة على الشافعي في فصلين : في وجوب الوضوء بخروج النجس من غير السبيلين وفي جواز البناء عند سبق الحدث في الصلاة .
و [ روي أنه قال لفاطمة بنت حبيش : توضيء فإنه دم عرق انفجر ] أمرها بالوضوء وعلل بانفجار دم العرق لا بالمرور على المخرج .
و [ عن تميم الداري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : الوضوء من كل دم سائل ] .
والأخبار في هذا الباب وردت مورد الاستفاضة حتى روي عن عشرة من الصحابة أنهم قالوا مثل مذهبنا وهم : عمر وعثمان وعلي و ابن مسعود و ابن عباس و ابن عمر وثوبان وأبو الدرداء وقيل : في التاسع والعاشر أنهما زيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وهؤلاء فقهاء الصحابة متبع لهم في فتواهم .
فيجب تقليدهم وقيل : أنه مذهب العشرة المبشرين بالجنة ولأن الخروج من السبيلين إنما كان حدثا لأنه يوجب تنجيس ظاهر البدن لضرورة تنجس موضع الإصابة فنزول الطهارة ضرورة إذ النجاسة والطهارة ضدان فلا يجتمعان في محل واحد في زمان واحد ومتى زالت الطهارة عن ظاهر البدن خرج من أن يكون أهلا للصلاة التي هي مناجاة مع الله تعالى فيجب تطهيره بالماء ليصير أهلا لها .
وما رواه الشافعي محمول يحتمل أنه قاء أقل من ملء الفم وكذا اسم الوضوء يحتمل غسل الفم فلا يكون حجة مع الاحتمال أو نحمله على ما قلنا توفيقا بين الدلائل .
وأما حديث عمر فليس فيه أنه كان يصلي بعد الطعن من غير تجديد الوضوء بل يحتمل أنه توضأ بعد الطعن مع سيلان الدم وصلى وبه نقول كما في المستحاضة وقوله : أن خروج النجس عن البدن زوال .
النجس عن البدن فكيف يوجب تنجسه مسلم أنه يزول به شيء من نجاسة الباطن لكن يتنجس به الظاهر لأن القدر الشي زال إليه أوجب زوال الطهارة عنه والبدن في حكم الطهارة والنجاسة لا يتجزأ والعزيمة .
هي غسل كل البدن إلا أنه أقيم غسل أعضاء الوضوء مقام غسل كل البدن رخصة وتيسيرا ودفعا للحرج وبه تبين أن الحكم في الأصل معقول فيتعدى إلى الفرع وقوله : لا نجاسة على أعضاء الوضوء حقيقية ممنوع بل عليها نجاسة حقيقية معنوية وإن كان الحس لا يدركها وهي نجاسة الحدث على ما عرف في الخلافيات .
وإذا عرف ماهية الحدث نخرج عليه المسائل فنقول : .
إذا ظهر شيء من البول والغائط على رأس المخرج انتقضت الطهارة لوجود الحدث وهو خروج النجس وهو انتقاله من الباطن إلى الظاهر لأن رأس المخرج عضو ظاهر وإنما انتقلت النجاسة إليه من موضع آخر فإن موضع البول المثانة وموضع الغائط موضع في البطن يقال له : قولون وسواء كان الخارج قليلا أو كثيرا سال عن رأس المخرج أو لم يسل لما قلنا وكذا المني والمذي والودي ودم الحيض والنفاس ودم الاستحاضة لأنها كلها أنجاس لما يذكر في بيان أنواع الأنجاس وقد انتقلت من الباطن إلى الظاهر فوجد خروج النجس من الآدمي الحي فيكون حدثا إلا أن بعضها يوجب الغسل وهو المني ودم الحيض والنفاس وبعضها يوجب الوضوء - وهو المذي والودي ودم الاستحاضة - لما يذكر إن شاء الله تعالى .
وكذلك خروج الولد والدودة والحصا واللحم وعود الحقنة بعد غيبوبتها لأن هذه الأشياء وإن كانت طاهرة في أنفسها لكنها لا تخلو عن قليل نجس يخرج معها والقليل من السبيلين خارج لما بينا وكذا الريح الخارجة من الدبر لأن الريح وإن كانت جسما طاهرا في نفسه لكنه لا يخلو عن قليل نجس يقوم به لانبعاثه من محل الأنجاس .
وروي [ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا وضوء إلا من صوت أو ريح ] .
وروي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ إن الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين إليتيه فيقول : أحدثت أحدثت فلا ينصرفن .
حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ] .
وأما الريح الخارجة من قبل المرأة أو ذكر الرجل فلم يذكر حكمها في ظاهر الرواية .
وروي عن محمد أنه قال : فيها الوضوء .
وذكر الكرخي : أنه لا وضوء فيها إلا أن تكون المرأة مفضاة فيخرج منها ريح منتنة فيستحب لها الوضوء .
وجه رواية محمد : أن كل واحد منهما مسلك النجاسة كالدبر فكانت الريح الخارجة منهما كالخارجة من الدبر فيكون حدثا .
وجه ما ذكره الكرخي : أن الريح ليست بحدث في نفسها لأنها طاهرة وخروج الطاهر لا يوجب انتقاض الطهارة وإنما انتقاض الطهارة بما يخرج بخروجها من أجزاء النجس وموضع الوطء من فرج المرأة ليس بمسلك البول فالخارج منه من الريح لا يجاوره النجس وإذا كانت مفضاة فقد صار مسلك البول ومسلك الوطء مسلكا واحدا فيحتمل أن الريح خرجت من مسلك البول فيستحب لها الوضوء ولا يجب لأن الطهارة الثابتة بيقين لا يحكم بزوالها بالشك وقيل : إن خروج الريح من الذكر لا يتصور وإنما هو اختلاج .
يظنه الإنسان ريحا هذا حكم السبيلين .
فأما حكم غير السبيلين من الجرح والقرح فإن سال الدم والقيح والصديد عن رأس الجرح والقرح ينتقض الوضوء عندنا لوجود الحدث وهو خروج النجس وهو انتقال النجس من الباطن إلى الظاهر .
وعند الشافعي : لا ينتقض لانعدام الخروج من السبيلين .
وعند زفر : ينتقض سواء سال أو لم يسل بناء على ما ذكر فلو ظهر الدم على رأس الجرح ولم يسل لم يكن حدثا عند أصحابنا الثلاثة وعند زفر يكون حدثا سال أو لم يسل بناء على ما ذكرنا أن الحدث الحقيقي عنده هو ظهور النجس من الآدمي الحي وقد ظهر وجه قوله أن ظهور النجس اعتبر حدثا في السبيلين سال عن رأس المخرج أو لم يسل فكذا في غير السبيلين .
ولنا : أن الظهور ما اعتبر حدثا في موضع ما وإنما انتقضت الطهارة في السبيلين إذا طهر النجس على رأس المخرج لا بالظهور بل بالخروج وهو الانتقال من الباطن إلى الظاهر على ما بينا كذا ههنا وهذا لأن الدم إذا لم يسل كان في محله لأن البدن محل الدم والرطوبات إلا أنه كان مستترا بالجلدة وانشقاقها يوجب زوال السترة لا زوال الدم عن محله ولا حكم للنجس ما دام في محله ألا ترى أنه تجوز الصلاة مع ما في البطن من الأنجاس فإذا سال عن رأس الجرح فقد انتقل عن محله فيعطى له حكم النجاسة وفي السبيلين وجد الانتقال لما ذكرنا وعلى هذا خروج القيء ملء الفم أنه يكون حدثا وإن كان أقل من ملء الفم لا يكون حدثا وعند زفر يكون حدثا قل أو كثر .
ووجه البناء : على هذا الأصل أن الفم له حكم الظاهر عنده بدليل أن الصائم إذا تمضمض لا يفسد صومه فإذا وصل القيء إليه فقد طهر النجس من الآدمي الحي فيكون حدثا وإنا نقول له مع الظاهر حكم .
الظاهر كما ذكره زفر وله مع الباطن حكم الباطن بدليل أن الصائم إذا ابتلع ريقه لا يفسد صومه فلا يكون الخروج إلى الفم حدثا لأنه انتقال من بعض الباطن إلى بعض وإنما الحدث هو الخروج من الفم لأنه انتقال من الباطن إلى الظاهر والخروج لا يتحقق في القليل لأنه يمكن رده وإمساكه فلا يخرج بقوة نفسه بل بالإخراج فلا يوجد السيلان ويتحقق في الكثير لأنه لا يمكن رده وإمساكه فكان خارجا بقوة نفسه لا بالإخراج فيوجد السيلان .
ثم نتكلم في المسألة ابتداء فحجة زفر ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ القلس حدث ] من غير فصل بين القليل والكثير ولأن الحدث إن كان اسم لخروج النجس وقد وجد لأن القليل خارج نجس كالكثير فيستوى فيه القليل والكثير كالخارج من السبيلين .
ولنا ما روى عن علي Bه موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه عد الأحداث جملة وقال فيها : [ أو دسعة تملا الفم ] ولو كان القليل حدثا لعده عند عد الأحداث كلها .
وأما الحديث فالمراد منه القيء ملء الفم لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف وهو القيء ملء الفم أو يحمل على هذا توفيقا بين الحديثين صيانة لهما عن التنافض وقوله : وجد خروج النجس في القليل قلنا : .
إذا سلمنا ذلك ففي قليل القيء ضرورة لأن الإنسان لا يخلو منه خصوصا حال الامتلاء ومن صاحب السعال ولو جعل حدثا لوقع الناس في الحرج والله تعالى ما جعل علينا في الدين من حرج ولا ضرورة في القليل من السبيلين ولا فرق بين أن يكون القيء مرة صفراء أو سوداء وبين أن يكون طعاما أو ماء صافيا لأن الحدث اسم لخروج النجس والطعام أو الماء صار نجسا لاختلاطه بنجاسات المعدة ولم يذكر في ظاهر الرواية تفسير ملء الفم .
وقال أبو علي الدقاق : هو أن يمنعه من الكلام .
وعن الحسن بن زياد : هو أن يعجز عن إمساكه ورده وعليه اعتمد الشيخ أبو منصور وهو الصحيح لأن ما قدر على إمساكه ورده فخروجه لا يكون بقوة نفسه بل بالإخراج فلا يكون سائلا وما عجز عن إمساكه ورده فخروجه يكون بقوة نفسه فيكون سائلا والحكم متعلق بالسيلان : ولو قاء أقل من ملء الفم مرارا هل يجمع ويعتبر حدثا لم يذكر في ظاهر الرواية .
وروي عن أبي يوسف أنه إن كان في مجلس واحد يجمع وإلا فلا وروي عن محمد أنه إن كان بسبب غثيان واحد يجمع وإلا فلا .
وقال أبو علي الدقاق : يجمع كيفما كان .
وجه قول أبي يوسف : أن المجلس جعل في الشرع جامعا لأشياء متفرقة كما في باب البيع وسجدة التلاوة ونحو ذلك .
وقول محمد : أظهر لأن اعتبار المجلس اعتبار المكان واعتبار الغثيان اعتبار السبب والوجود يضاف إلى السبب لا إلى المكان ولو سال الدم إلى ما لان من الأنف أو إلى صماخ الأذن يكون حدثا لوجود خروج النجس وهو انتقال الدم من الباطن إلى الظاهر .
وروي عن محمد في رجل أقلف خرج البول أو المذي من ذكره حتى صار في قلفته فعليه الوضوء .
وصار بمنزلة المرأة إذا خرج المذي أو البول من فرجها ولم يظهر ولو حشا الرجل إحليله بقطنة فابتل الجانب الداخل منها لم ينتقض وضوؤه لعدم الخروج وإن تعدت البلة إلى الجانب الخارج ينظر إن كانت .
القطنة عالية أو محاذية لرأس الإحليل ينتقض وضوؤه لتحقق الخروج وإن كانت مستفلة لم ينتقض لأن الخروج لم يتحقق .
ولو حشت المرأة فرجها بقطنة فإن وضعتها في الفرج الخارج فابتل الجانب الداخل من القطنة كان حدثا وإن لم ينفذ إلى الجانب الخارج لا يكون حدثا لأن الفرج الخارج منها بمنزلة الإليتين من الدبر فوجد الخروج وإن وضعتها في الفرج الداخل فابتل الجانب الداخل من القطنة لم يكن حدثا لعدم الخروج وإن تعدت البلة إلى الجانب الخارج فإن كانت القطنة عالية أو محاذية لجوف الفرج كان حدثا لوجود الخروج وإن كانت مستفلة لم يكن حدثا لعدم الخروج وهذا كله إذا لم تسقط القطنة فإن سقطت القطنة فهو حدث وحيض في المرأة سواء ابتل الجانب الخارج أو الداخل لوجود الخروج .
ولو كان في أنفه قرح فسال الدم عن رأس القرح يكون حدثا وإن لم يخرج من المنخر لوجود السيلان عن محله ولو بزق فخرج معه الدم إن كانت الغلبة للبزاق لا يكون حدثا لأنه ما خرج بقوة نفسه وإن كانت الغلبة للدم يكون حدثا لأن الغالب إذا كان هو البزاق لم يكن خارجا بقوة نفسه فلم يكن سائلا وإن كان الغالب هو الدم كان خروجه بقوة نفسه فكان سائلا وإن كانا سواء فالقياس أن لا يكون حدثا وفي الاستحسان يكون حدثا وجه القياس أنهما إذا استويا احتمل أن اسم خرج بقوة نفسه واحتمل أنه خرج بقوة .
البزاق فلا يجعل حدثا بالشك وللاستحسان وجهان : .
أحدهما : أنهما إذا استويا تعارضا فلا يمكن أن يجعل أحدهما تبعا للآخر فيعطي كل واحد منهما حكم نفسه فيعتبر خارجا بنفسه فيكون سائلا .
والثاني : أن الأخذ بالاحتياط عند الاشتباه واجب وذلك فيما قلنا ولو ظهر الدم على رأس الجرح فمسحه مرارا فإن كان بحال لو تركه لسال يكون حدثا وإلا فلا لأن الحكم متعلق بالسيلان ولو ألقى عليه الرماد أو التراب فتشرب فيه أو ربط عليه رباطا فابتل الرباط ونفذ قالوا : يكون حدثا لأنه سائل وكذا لو كان الرباط ذا طاقين فنفذ إلى أحدهما لما قلنا .
ولو سقطت الدودة أو اللحم من القرح م يكن حدثا ولو سقطت من السبيلين يكون حدثا والفرق أن الدودة الخارجة من السبيل نجسة في نفسها لتولدها من الأنجاس وقد خرجت بنفسها وخروج النجس بنفسه حدث بخلاف الخارجة من القرح لأنها طاهرة في نفسها لأنها تتولد من اللحم واللحم طاهر وإنما النجس ما عليها من الرطوبات وتلك الرطوبات خرجت بالدابة لا بنفسها فلم يوجد خروج النجس فلا يكون حدثا .
ولو خلل أسنانه فظهر الدم على رأس الخلال لا يكون حدثا لأنه ما خرج بنفسه وكذا لو عض على شيء فظهر الدم على أسنانه لما قلنا ولو سعط في أنفه ووصل السعوط إلى رأسه ثم رجع إلى الأنف أو إلى الأذن لا يكون حدثا لأن الرأس ليس موضع الأنجاس ولو عاد إلى الفم ذكر الكرخي أنه لا يكون حدثا لما قلنا .
وروى علي بن الجعد عن أبي يوسف أن حكمه حكم القيء لأن ما وصل إلى الرأس لا يخرج من الفم إلا بعد نزوله في الجوف ولو قاء بلغما لم يكن حدثا في قول أبي حنيفة و محمد وعند أبي يوسف يكون حدثا فمن مشايخنا من قال : لا خلاف في المسألة لأن جواب أبي يوسف في الصاعد من المعدة وهو حدث عند الكل وجوابهما في المنحدر من الرأس وهو ليس بحدث عند الكل ومنهم من قال : في المنحدر من الرأس اتفاق أنه ليس بحدث وفي الصاعد من المعدة اختلاف .
وجه قول أبي يوسف : أنه نجس لاختلاطه بالأنجاس لأن المعدة معدن الأنجاس فيكون حدثا كما لو قاء طعاما أو ماء و لهما أنه شيء صقيل لا يلتصق به شيء من الأنجاس فكان طاهرا على أن الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم اعتادوا أخذ البلغم بأطراف أرديتهم و أكمامهم من غير نكير فكان إجماعا منهم على طهارته .
وذكر أبو منصور : أنه لا خلاف في المسألة في الحقيقة لأن جواب أبي يوسف في الصاعد من المعدة وأنه حدث بالإجماع لأنه نجس وجوابهما في الصاعد من حواشي الحلق وأطراف الرئة وأنه ليس بحدث بالإجماع لأنه طاهر فينظر إن كان صافيا غير مخلوط بشيء من الطعام وغيره تبين أنه لم يصعد من المعدة فلا يكون نجسا فلا يكون حدثا وإن كان مخلوطا بشيء من ذلك تبين أنه صعد منها فكان نجسا فيكون حدثا وهذا هو الأصح .
وأما إذا قاء دما فلم يذكر في ظاهر الرواية نصا وذكر المعلى عن أبي حنيفة و أبي يوسف أنه يكون حدثا قليلا كان أو كثيرا جامدا كان أو مائعا وروي عن الحسن بن زياد عنهما أنه إن كان مائعا ينقض قل أو كثر وإن كان جامدا لا ينقض ما لم يملأ الفم .
وروى ابن رستم عن محمد : أنه لا يكون حدثا ما لم يملأ الفم كيفما كان وبعض مشايخنا صححوا رواية محمد وحملوا رواية الحسن والمعلى في القليل من المائع على الرجوع وعليه اعتمد شيخنا لأنه الموافق لأصول أصحابنا في اعتبار خروج النجس لأن الحدث اسم له والقليل ليس بخارج لما مر وإليه أشار في الجامع الصغير من غير خلاف فإنه قال : وإذا قلس أقل من ملء الفم لم ينتقض الوضوء من غير فصل بين الدم وغيره وعامة مشايخنا حققوا الاختلاف وصححوا قولهما لأن القياس في القليل من سائر أنواع القيء أن يكون حدثا لوجود الخروج حقيقة وهو الانتقال من الباطن إلى الظاهر لأن الفم له حكم الظاهر على الإطلاق وإنما سقط اعتبار القليل لأجل الحرج لأنه يكثر وجوده ولا حرج في .
اعتبار القليل من الدم لأنه لا يغلب وجوده بل يندر فبقي على أصل القياس والله أعلم هذا الذي ذكرنا حكم الأصحاء .
وأما أصحاب الأعذار كالمستحاضة وصاحب الجرح السائل والمبطون ومن به سلس البول ومن به رعاف دائم أو ريح ونحو ذلك ممن لا يمضي عليه وقت صلاة إلا ويوجد ما ابتلي به من الحدث فيه فخروج النجس من هؤلاء لا يكون حدثا في الحال ما دام وقت الصلاة قائما حتى أن المستحاضة لو توضأت في أول الوقت فلها أن تصلي ما شاءت من الفرائض والنوافل ما لم يخرج الوقت وإن دام السيلان وهذا عندنا .
وقال الشافعي : إن كان العذر من أحد السبيلين كالاستحاضة وسلس البول وخروج الريح يتوضأ لكل فرض ويصلي ما شاء من النوافل .
وقال مالك في أحد قوليه : يتوضأ لكل صلاة واحتجا بما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة ] فمالك عمل بمطلق اسم الصلاة و الشافعي قيده بالفرض لأنه الصلاة المعهودة ولأن طهارة المستحاضة طهارة ضرورية لأنه قارنها ما ينافيها أو طرأ عليها والشيء لا يوجد ولا .
يبقى مع المنافي إلا أنه لم يظهر حكم المنافي لضرورة الحاجة إلى الأداء والضرورة إلى أداء فرض الوقت .
فإذا فرغ من الأداء ارتفعت الضرورة فظهر حكم المنافي والنوافل اتباع الفرائض لأنها شرعت لتكميل الفرائض جبرا للنقصان للتمكن فيها فكانت ملحقة بأجزائها والطهارة الواقعة لصلاة واقعة لها بجميع أجزائها بخلاف فرض آخر لأنه ليس يتبع بل هو أصل بنفسه .
ولنا : ما روى أبو حنيفة بإسناده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة ] هذا نص في الباب ولأن العزيمة شغل جميع الوقت بالأداء شكرا للنعمة بالقدر الممكن وإحرازا للثواب على الكمال إلا أنه جوز ترك شغل بعض الوقت بالأداء رخصة وتيسيرا فضلا من الله ورحمة تمكينا من استدراك الفائت بالقضاء والقيام بمصالح القوام وجعل ذلك شغلا لجميع الوقت حكما فصار وقت الأداء شرعا بمنزلة وقت الأداء فعلا ثم قيام الأداء مبق للطهارة فكذلك الوقت القائم مقامه .
وما رواه الشافعي فهو حجة عليه لأن مطلق الصلاة ينصرف إلى الصلاة المعهودة والمطلق ينصرف إلى المعهود المتعارف كما في قوله صلى الله عليه و سلم : [ الصلاة عماد الدين ] وما روي [ أنه صلى الله عليه و سلم صلى صلوات بوضوء واحد ] ونحو ذلك والصلوات المعهودة هي الصلوات الخمس في اليوم والليلة فكأنه قال : المستحاضة تتوضأ في اليوم والليلة خمس مرات فلو أوجبنا عليها الوضوء لكل صلاة أو لكل فرض تقضي لزاد على الخمس بكثير وهذا خلاف النص ولأن الصلاة تذكر على إرادة وقتها .
قال النبي صلى الله عليه و سلم في حديث التيمم : [ أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت ] والمدرك هو الوقت دون الصلاة التي هي فعله .
وقال صلى الله عليه و سلم : [ إن للصلاة أولا وآخرا ] أي لوقت الصلاة ويقال : آتيك لصلاة الظهر أي لوقتها فجاز أن .
تذكر الصلاة ويراد بها وقتها ولا يجوز أن يذكر الوقت ويراد به الصلاة فيحمل المحتمل على المحكم توفيقا بين الدليلين صيانة لهما عن التناقض .
و إنما تبقى طهارة صاحب العشر في الوقت إذا لم يحدث حدثا آخر أما إذا أحدث حدثا آخر فلا تبقى لأن الضرورة في الدم السائل لا في غيره فكان هو في غيره كالصحيح قبل الوضوء وكذلك إذا توضأ للحدث أولا ثم سال الدم فعليه الوضوء لأن ذلك الوضوء لم يقع لدم العذر فكان عدما في حقه وكذا إذا سال الدم من أحد منخريه فتوضأ ثم سال من المنخر الآخر فعليه الوضوء لأن هذا حدث جديد لم يكن موجودا وقت الطهارة فلم تقع الطهارة له فكان هو والبول والغائط سواء فأما إذا سال منهما جميعا فتوضأ ثم انقطع أحدهما فهو على وضوء ما بقي الوقت لأن طهارته حصلت لهما جميعا والطهارة متى وقعت لعذر لا يضرها السيلان ما بقي الوقت فبقي هو صاحب عذر بالمنخر الآخر وعلى هذا حكم صاحب القروح إذا كان البعض سائلا ثم سال الآخر أو كان الكل سائلا فانقطع السيلان عن البعض .
ثم اختلف أصحابنا في طهارة المستحاضة أنها تنتقض عند خروج الوقت أم عند دخوله أم عند أيهما كان .
قال أبو حنيفة و محمد : تنتقض عند خروج الوقت لا غير وقال زفر : عند دخول الوقت لا غير وقال أبو يوسف عند أيهما كان وثمرة هذا الاختلاف لا تظهر إلا في موضعين : .
أحدهما : أن يوجد الخروج بلا دخول كما إذا توضأت في وقت الفجر ثم طلعت الشمس فإن طهارتها تنتقض عند أبي حنيفة و أبي يوسف و محمد لوجود الخروج وعند زفر لا تنتقض لعدم الدخول .
والثاني : أن يوجد الدخول بلا خروج كما إذا توضأت قبل الزوال ثم زالت الشمس فإن طهارتها لا تنتقض عند أبي حنيفة و محمد لعدم الخروج وعند أبي يوسف و زفر تنتقض لوجود الدخول .
وجه قول زفر : أن سقوط اعتبار المنافي لمكان الضرورة ولا ضرورة قبل دخول الوقت فلا يسقط وبه يحتج أبو يوسف في جانب الدخول وفي جانب الخروج بقول كما لا ضرورة إلى إسقاط اعتبار المنافي قبل الدخول لا ضرورة إليه بعد الخروج فيظهر حكم المنافي و لأبي حنيفة و محمد ما ذكرنا أن وقت الأداء .
شرعا أقيم مقام وقت الأداء فعلا لما بينا من المعنى ثم لا بد من تقديم وقت الطهارة على وقت الأداء حقيقة فكذا لا بد من تقديمها على وقت الأداء شرعا حتى يمكنه شغل جميع الوقت بالأداء وهذه الحالة انعدمت بخروج الوقت فظهر حكم الحدث .
ومشايخنا أداروا الخلاف على الدخول والخروج فقالوا : تنتقص طهارتها بخروج الوقت أو بدخوله لتيسير الحفظ على المتعلمين لا لأن للخروج أو الدخول تأثيرا في انتقاض الطهارة وإنما المدار على ما .
ذكرنا .
ولو توضأ صاحب العذر بعد طلوع الشمس لصلاة العيد أو لصلاة الضحى وصلى هل يجوز له أن يصلي الظهر بتلك الطهارة ؟ .
أما على قول أبي يوسف و زفر فلا يشكل أنه لا يجوز لوجود الدخول وأما على قول أبي حنيفة و محمد فقد اختلف المشايخ فيه .
قال بعضهم : لا يجوز لأن هذه طهارة وقعت لصلاة مقصودة فتنتقض بخروج وقتها .
وقال بعضهم : يجوز لأن هذه الطهارة إنما صحت للظهر لحاجته إلى تقديم الطهارة على وقت الظهر على ما مر فيصح بها أداء صلاة العيد والضحى والنفل كما إذا توضأ للظهر قبل الوقت ثم دخل الوقت أنه يجوز له أن يؤدي بها الظهر وصلاة أخرى في الوقت كذا هذا .
ولو توضأ لصلاة الظهر وصلى ثم توضأ وضوءا آخر في وقت الظهر للعصر ودخل وقت العصر هل يجوز له أن يصلي العصر بتلك الطهارة على قولهما اختلف المشايخ فيه .
قال بعضهم : لا يجوز لأن طهارته قد صحت لجميع وقت الظهر فتبقى ما بقي الوقت فلا تصح الطهارة الثانية مع قيام الأولى بل كانت تكرارا للأولى فالتحقت الثانية بالعدم فتنتقض الأولى بخروج .
الوقت .
وقال بعضهم : يجوز لأنه يحتاج إلى تقديم الطهارة على وقت العصر حتى يشتغل جميع الوقت بالأداء والطهارة الواقعة لصلاة الظهر عدم في حق صلاة العصر وإنما تنتقض بخروج وقت الظهر طهارة .
الظهر لا طهارة العصر .
ولو توضأت مستحاضة ودمها سائل أو سال بعد الوضوء قبل خروج الوقت ثم خرج الوقت وهي في الصلاة فعليها أن تستقبل لأن طهارتها تنتقض بخروج الوقت لما بينا فإذا خرج الوقت قبل فراغها من الصلاة انتقضت طهارتها فتنتقض صلاتها ولا تبني لأنها صارت عند خروج الوقت من حين درور الدم كالمتيمم إذا وجد الماء قبل الفراغ من الصلاة .
و لو توضأت و الدم منقطع و خرج الوقت و هي في خلال الصلاة قبل سيلان الدم ثم سال الدم توضأت و بنت لأن هذا حدث لاحق و ليس بسابق لأن الطهارة كانت صحيحة لانعدام ما ينافيها وقت حصولها و قد حصل الحدث للحال مقتصرا غير موجب ارتفاع الطهارة من الأصل .
و لو توضأت و الدم سائل ثم انقطع ثم صلت و هو منقطع حتى خرج الوقت و دخل وقت صلاة أخرى ثم سال الدم أعادت الصلاة الأولى لأن الدم لما انقطع و لم يسل حتى خرج الوقت لم تكن تلك الطهارة طهارة عذر في حقها لانعدام العذر فتبين أنها صلت بلا طهارة و أصل هذه المسائل في الجامع الكبير و هذا الذي ذكرناه حكم صاحب العذر .
و أما حكم نجاسة ثوبه فنقول : إذا أصاب ثوبه من ذلك أكثر من قدر الدرهم يجب غسله إذا كان الغسل مفيدا بأن لا يصيبه مرة بعد أخرى حتى لو لم يغسل و صلى لم يجزئه و إن لم يكن مفيدا لا يجب مادام العذر قائما و هو اختيار مشايخنا و كان محمد بن مقاتل الرازي يقول : يجب غسله في وقت كل صلاة قياسا على الوضوء و الصحيح قول مشايخنا لأن حكم الحدث عرفناه بالنص و نجاسة الثوب ليس في معناه ألا ترى أن القليل منها عفو فلا يلحق به و أما الحدث الحكمي فنوعان أيضا : .
أحدهما : أن يوجد أمر يكون سببا لخروج النجس الحقيقي غالبا فيقام السبب مقام المسبب احتياطا .
و الثاني : أن لا يوجد شيء من ذلك لكنه جعل حدثا شرعا تعبدا محضا أما الأول فأنواع : .
منها : المباشرة الفاحشة و هو أن يباشر الرجل المرأة بشهوة و ينتشر لها و ليس بينهما ثوب و لم ير بللا فعند أبي حنيفة و أبي يوسف يكون حدثا استحسانا و القياس أن لا يكون حدثا و هو قول محمد و هل تشترط ملاقاة الفرجين و هي مماستهما على قولهما لا يشترط ذلك في ظاهر الرواية عنهما و شرطه في النوادر و ذكر الكرخي : ملاقاة الفرجين أيضا .
وجه القياس : أن السبب إنما يقام مقام المسبب في موضع لا يمكن الوقوف على المسبب من غير حرج و الوقوف على المسبب ههنا ممكن بلا حرج لأن الحال يقظة فيمكن الوقوف على الحقيقة فلا حاجة إلى إقامة السبب مقامها .
وجه الاستحسان : ما روي أن أبا اليسر بائع العسل سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إني أصبت من امرأتي كل شيء إلا الجماع فقال صلى الله عليه و سلم : [ توضأ وصل ركعتين ] ولأن المباشرة على الصفة التي ذكرنا لا تخلو عن خروج المذي عادة إلا أنه يحتمل أنه جف لحرارة البدن فلم يقف عليه أو غفل عن نفسه لغلبة الشبق فكانت سببا مفضيا إلى الخروج وإقامة السبب مقام المسبب طريقة معهودة في الشريعة خصوصا في أمر يحتاط فيه كما يقام المس مقام الوطء في حق ثبوت حرمة المصاهرة بل يقام نفس النكاح مقامه ويقام نوم المضطجع مقام الحدث ونحو ذلك كذا ههنا