وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

فصل : و أما بيان شرائط الجواز و النفاذ فأنواع .
منها : أن يكون العاقد بالغا فإن نكاح الصبي العاقل و إن كان منعقدا على أصل أصحابنا فهو غير نافذ بل نفذاه يتوقف على إجازة وليه لأن نفاذ التصرف لاشتماله على وجه المصلحة و الصبي لقلة تأمله لا شتغاله باللهو و اللعب لا يقف على ذلك فلا ينفذ تصرفه بل يتوقف على إجازة وليه فلا يتوقف على بلوغه حتى لو بلغ قبل أن يجيزه الولي لا ينفذ بالبلوغ لأن العقد انعقد موقوفا على إجازة الولي و رضاه لسقوط اعتبار رضا الصبي شرعا و بالبلوغ زالت ولاية الولي فلا ينفذ ما لم يجزه بنفسه .
و عند الشافعي لا تنعقد تصرفات الصبي أصلا هي باطلة و قد ذكرنا المسألة في كتاب المأذون .
و منها : أن يكون حرا فلا يجوز نكاح مملوك بالغ عاقل إلا بإذن سيده و الأصل فيه قوله A : [ أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر ] .
و الكلام في هذا الشرط يقع في مواضع : فقي بيان أن إذن المولى شرط جواز نكاح المملوك لا يجوز من غير إذنه أو إجازته و في بيان ما يكون إجازة له و في بيان ما يملكه من النكاح بعد الإذن و في بيان حكم المهر في نكاح المملوك .
أما الأول : فلا يجوز نكاح مملوك بغير إذن مولاه و إن كان عاقلا سواء كان قنا أو مدبرا أو مدبرة أو أم ولد مكاتبة أو مكاتبا .
أما القن : فإن كان أمة فلا يجوز نكاحها بغير إذن سيدها بلا خلاف لأن منافع البضع مملوكة لسيدها و لا يحوز التصرف في ملك الغير بغير إذنه و كذلك المدبرة و أم الوالد لما قلنا و كذا المكاتبة لأنها ملك المولى رقبة و ملك المتعة يتبع ملك الرقبة إلا أنه منع من الاستمتاع بها لزوال ملك اليد و في الاستمتاع إثبات ملك اليد و لأن من الجائز أنها تعجز فترد إلى الرق فتعود قنة كما كانت فتبين أن نكاحها صادف المولى فلا يصح و إن كان عبدا فلا يجوز نكاحه أيضا عند عامة العلماء .
و قال مالك : يجوز وجه قوله : أن منافع بضع العبد لا تدخل تحت ملك المولى فكان المولى فيها على أصل الحرية و المولى أجنبي عنها فيملك النكاح كالحر بخلاف الأمة لأن منافع بعضها ملك المولى فمنعت من التصرف بغير إذنه .
و لنا : أن العبد بجمع أجزائه ملك المولى لقوله تعالى : { ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء } أخبر سبحانه و تعالى أن العبيد ليسوا شركاء فيما رزق السادات و لا هم بسواء في ذلك و معلوم أنه ما أراد به نفي الشركة في المنافع لاشتراكهم فيها دل أنه أراد به حقيقية الملك و لقوله تعالى : { ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء } و العبد اسم لجميع أجزائه و لأن سبب الملك أضيف إلى كله فيثبت الملك في كله إلا أنه منع من الانتفاع به ببعض أجزائه بنفسه و هذا لا يمنع ثبوت الملك له كالأمة المجوسية و غير ذلك .
و كذلك المأذون في التجارة لأنه عبد مملوك و لأنه كان محجورا قبل الإذن بالتجارة و النكاح ليس من التجارة لأن التجارة معاوضة المال بالمال و النكاح معاوضة البضع بالمال .
و الدليل عليه : أن المرأة إذا زوجت نفسها على عبد تنوي أن يكون العبد للتجارة لم يكن للتجارة و لو كان النكاح من التجارة لكان بدل البضع للتجارة كالبيع فكان هو بالنكاح متصرفا في ملك مولاه فلا يجوز كما لا يجوز نكاح الأمة و الدليل عليه قوله تعالى : { لا يقدر على شيء } و صف العبد المملوك بأنه لا يقدر على شيء .
و معلوم أنه إنما أراد به القدرة الحقيقية لأنها ثابتة له فتعين القدرة الشرعية و هي إذن الشرع و إطلاقه فكان نقي القدرة الشرعية نفيا للإذن و الإطلاق و لا يجوز إثبات التصرف الشرعي بغير إذن الشرع .
و كذلك المدبر لأنه عبد مملوك و كذلك المكاتب لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم و لأنه كان محجورا عن التزوج قبل الكتابة ما أفاد له إلا الإذن بالتجارة و النكاح ليس من التجارة لأن التجارة معاوضة المال بالمال و النكاح معاوضة البضع بالمال و الدليل عليه أن المرأة إذا زوجت نفسها على عبد تنوي أن العبد يكون للتجارة لم يكن للتجارة و لو كان النكاح من التجارة لكان بدل البضع للتجارة كالبيع .
و أما معتق البعض فلا يجوز نكاحه عند أبي حنيفة لأنه بمنزلة المكاتب عنده و عند أبي يوسف و محمد : يجوز لأنه بمنزلة حر عليه دين عندهما و لو تزوج بغير إذن المولى واحد ممن ذكرنا أنه لا يجوز تزويجه إلا بإذن المولى ثم إن أجاز المولى النكاح جاز لأن العقد صدر من الأهل في المحل إلا أنه امتنع النفاذ لحق المولى فإذا أجاز فقد زال المانع و لا يجوز للعبد أن يتسرى و إن أذن له مولاه لأن حل الوطء لا يثبت إلا بأحد الملكين قال الله تعالى : { و الذين هم لفروجهم حافظون } { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } و لم يوجد أحدهما .
و روى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا يتسرى العبد و لا يسريه مولاه و لا يملك العبد و لا المكاتب شيئا إلا الطلاق ] و هذا نص .
و أما بيان ما يكون إجازة فالإجازة قد ثبتت بالنص و قد ثبتت بالدلالة و قد ثبتت بالضرورة .
أما النص فهو الصريح بالإجازة و ما يجري مجراها نحو أن يقول : أجزت أو رضيت أو أذنت و نحو ذلك .
و أما الدلالة فهي قول أو فعل يدل على الإجازة مثل أن يقول المولى إذا أخبر بالنكاح حسن أو صواب أو لا بأس به و نحو ذلك أو يسوق إلى المرأة المهر أو شيئا منه في نكاح العبد و نحو ذلك مما يدل على الرضا .
و لو قال له المولى طلقها أو فارقها لم يكن إجازة لأن قوله طلقها أو فارقها يحتمل حقيقة الطلاق و المفارقة و يحتمل المتاركة لأن النكاح الفاسد و النكاح الموقوف يسمى طلاقا و مفارقة فوقع الشك و الاحتمال في ثبوت الإجازة فلا يثبت بالشك و الاحتمال و لو قال له : طلقها تطليقة تملك الرجعة فهو إجازة لارتفاع الترداد إذ لا رجعة في المتاركة للنكاح الموقوف و فسخه .
و أما الضرورة فنحو أن يعتق المولى العبد أو الأمة فيكون الإعتاق إجازة و لو أذن بالنكاح لم يكن الإذن بالنكاح إجازة .
و وجه الفرق بينهما من وجهين : .
أحدهما : أنه لو لم يجعل الإعتاق إجازة لكان لا يخلو إما أن يبطل بالنكاح الموقوف و إما أن يبقى موقوفا على الإجازة و لا سبيل إلى الأول لأن النكاح صدر من الأهل في المحل فلا يبطل إلا بإبطال من له ولاية الإبطال و لا سبيل إلى الثاني لأنه لو بقي موقوفا على الإجازة فأما إن بقي موقوفا على إجازة المولى أو على إجازة العبد لا وجه للأول لأن ولاية الإجازة لا تثبت إلا بالملك و قد زال بالإعتاق و لا وجه للثاني لأن العقد وجد من العبد فكيف يقف عقد الإنسان على إجازته و إذا بطلت هذه الأقسام و ليس ههنا قسم آخر لزم أن يجعل الإعتاق إجازة ضرورة و هذه الضرورة لم توجد في الإذن بالنكاح .
و للثاني : ان امتناع النفاذ مع صدور التصرف من الأهل في المحل لقيام حق المولى و هو الملك نظرا له .
دفعا للضرر عنه و قد زال ملكه بالإعتاق فزال المانع من النفوذ و الإذن بالتزويج لا يوجب زوال المانع وهو الملك لكنه بالإذن أقامه مقام نفسه في النكاح كأنه هو ثم ثبوت ولاية الإجازة له لم يكن إجازة ما لم يجز فكذا العبد ثم إذا لم يكن نفس الإذن من المولى بالنكاح إجازة لذلك العقد فإن أجازه العبد جاز استحسانا .
و القياس : أن لا يجوز و إن أجازه .
وجه القياس : أنه مأذون بالعقد و الإجازة مع العقد متغايران اسما وصورة و شرطا أما الاسم و الصورة فلا شك في تغايرهما و أما الشرط فإن محل العقد عليه و محل الإجازة نفس العقد و كذا الشهادة شرط العقد لا شرط الإجازة و الإذن بأحد المتغايرين لا يكون إذنا بالآخر .
وجه الاستحسان : أن العبد أتى ببعض ما هو مأذون فيه فكان متصرفا عن إذن فيجوز تصرفه و دلالة ذلك أن المولى أذن له بعقد نافذ مأذونا بتحصل أصل العقد و وصفه هو النفاذ و قد حصل النفاذ فيحصل و لهذا لو زوج فضولي هذا العبد امرأة بغير إذن المولى فأجاز العبد نفذ العقد دل أن تنفيذ العقد بالإجازة مأذون فيه من قبل مولى فينفذ بإجازته ثم إذا نفذ النكاح بالإعتاق وهي أمة فلا خيار لها الأن الكناح نفذ بعد العتق فالإعتاق لم يصادفها و هي منكوحة و المهر لها إن لم يكن الزوج دخل بها قبل الإعتاق و إن كان قد دخل بها قبل الإعتاق فالمهر للمولى هذا إذا أعتقها و هي كبيرة فأما إذا كانت صغيرة فأعتقها فإن الإعتاق لا يكون إجازة و يبطل العقد عند زفر و عندنا يبقى موقوفا على إجازة المولى إذا لم يكن لها عصبة فإن كان لها العصبة يتوقف على إجازة العصبة و يجوز بإجازة العصبة ثم إن كان المجيز غير الأب أو الجد فلها خيار الإدراك لأن العقد نفذ عليها في حالة الصغر و هي حرة و إن كان المجير أبوها أو جدها فلا خيار لها و لو مات المولى قبل الإجازة فإن ورثها من يحل له وطؤها بطل النكاح الموقوف لأن الحل النافذ قد طرأ عل الموقوف لوجود سبب الحل و هو الملك قال الله تعالى : { و الذين هم لفروجهم حافظون } { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } و من ضرورة ثبوت الحل له ارتفاع الموقوف و إن ورثها من لا يحل له وطؤها بأن كان الوارث ابن الميت و قد وطنها أبوه أو كانت الأمة أخته من الرضاع أو ورثها جماعة فللوارث الإجازة لأنه لم يوجد طريان الحل فبقي الموقوف على حاله و كذلك إذا باعها المولى قبل الإجازة فهو على التفصيل الذي ذكرنا في الوارث .
و على هذا قالوا : فيمن تزوج جارية غيره بغير إذن ووطئها ثم باعها المولى من رجل أن للمشتري الإجازة لأن وطء الزوج يمنع حل الوطء للمشتري .
و أما العبد إذا تزوج بغير إذن المولى فمات الولي أو باعه قبل الإجازة فللوارث و الشمتري الإجازة لأنه لا يتصور حل الوطء ههنا فلم يوجد طريان حل الوطء فبقي الموقوف بحاله و هذا الذي ذكرنا قول أصحابنا الثلاثة و قال زفر لا يجوز بإجازة الوارث و المشتري بل يبطل و الأصل فيه أن العقد الموقوف على إجازة إنسان يحتمل الإجازة من قبل غيره عندنا و عنده لا يحتمل .
وجه قوله : إن الإجازة إنما تلحق الموقوف لأنها تنفيذ الموقوف فإنما تلحقه على الوجه الذي وقف و إنما وقف على الأول لا على الثاني فلا يملك الثاني تنفيذه .
و لنا : أنه إنما وقف على إجازة الأول لأن الملك له و قد صار الملك الثاني فتنتقل الإجازة إلى الثاني و هذا لأن المالك يملك إنشاء النكاح بأصله و وصفه و هو النفاذ فلأن يملك تنفيذ النكاح الموقوف و أنه إثبات الوصف دون الأصل أولى و لو زوجت المكاتبة نفسها بغير إذن المولى حتى وقف على إجازته فأعتقها نفذ العقد و الإخبار فيه كما ذكرنا في الأمة القنة و كذلك إذا أدت فعتقت و إن عجزت فإن كان بضعها يحل للمولى يبطل العقد و إن كان لا يحل بأن كانت أخته من الرضاع أو كانت مجوسية توقف على إجازته و لو كان المولى هو الذي عقد عليها بغير رضاها حتى وقف على إجازتها فأجازت جاز العقد و إن أدت فعتقت أو أعتقها المولى توقف العقد على إجازتها إن كانت كبيرة و إن كانت صغيرة فهو على ما ذكرنا من الاختلاف في الأمة و تتوقف على إجازة المولى عندنا إذا لم يكن لها عصبة غير المولى فإن كان فأجازوا جاز و إذا أدركت فلها خيار الإدراك و إذا كان المجبر غير الأب و الجد على ما ذكرنا و إن لم يعتقها حتى عجزت بطل العقد و إن كان بعضها يحل للمولى و إن كان لا يحل له فلا يجوز إلا بإجازته .
و أما بيان ما يملكه من النكاح بعد الإذن فنقول : إذا أذن المولى للعبد بالتزويج فلا يخلو إما أن خص الإذن بالتزويج أو عمه فإن خص بأن قال له : تزوج لم يجز له أن يتزوج إلا أمرأة واحدة لأن الأمر المطلق بالفعل لا يقتضي التكرار و كذا إذا قال له : تزوج امرأة لأن قوله امرأة اسم لواحدة من هذا الجنس و إن عم بأن قال : تزوج ما شئت من النساء جاز له أن يتزوج ثنتين و لا يجوز له أن يتزوج أكثر من ذلك لأنه إذن له بنكاح ما شاء من النساء بلفظ الجمع فينصرف إلى جميع ما يملكه العبيد من النساء و هو التزوج باثنتين .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين ] و عليه إجماع الصحابة Bهم .
و روي عن الحكم أنه قال : [ اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين و لأن مالكية النكاح تشعر بكمال الحال لأنها من باب الولاية و العبد أنقص حالا من الحر فيظهر أثر النقصان في عدد المملوك له في النكاح كم ظهر أثره في القسم و الطلاق و العدة و الحدود و غير ذلك و هل يدخل تحت الإذن بالتزوج النكاح الفاسد ] ؟ .
قال أبو حنيفة : يدخل حتى لو زوج العبد امرأة نكاحا فاسدا و دخل بها لزمه المهر في الحال و قال أبي يوسف و محمد : لا يدخل و يتبع بالمهر بعد العتق .
وجه قولهما : أن غرض المولى من الإذن بالنكاح و هو حل الاستمتاع ليحصل به عفة العبد عن الزنا و هذا لا يحصل بالنكاح الفاسد أنه لا يفيد الحل فلا يكون مرادا من الإذن بالتزوج و لهذا لو حلف لا يتزوج ينصرف إلى النكاح الصحيح حتى لو نكح نكاحا فاسدا لا يحنث كذا هذا و لأبي حنيفة أن بالإذن بالتزوج مطلق فينصرف إلى الصحيح و الفاسد كالإذن بالبيع مطلقا و في مسألة اليمين إنما لم ينصرف لفظ النكاح إلى الفاسد لقرينة عرفية إلا أن الأيمان محمولة على العرف و العادة و المتعارف و المعتاد مما يقصد باليمين عن الصحيح لا الفاسد لأن فساد المحلوف عليه يكفي مانعا من الإقدام عليه فلا حاجة إلى الامتناع باليمين و الدليل على صحة هذا التخريج أن يمين الحالف لو كانت على الفعل الماضي ينصرف إلى الصحيح و الفاسد جميعا ويتفرع على هذا أنه إذا تزوج امرأة نكاحا فاسدا ثم أراد أن يتزوج أخرى نكاحا صحيحا ليس له ذلك عند أبي حنيفة لأن الإذن انتهى بالنكاح وعندهما له ذلك لأن الإذن قد بقي و لو أذن له بنكاح فاسد نصا و دخل بها يلزمه المهر في الحال في قولهم جميعا .
أما على أصل أبي حنيفة فظاهر و أما على أصلهما فلأن الصرف إلى الصحيح لضرب دلالة أوجبت إليه فإذا جاء النص بخلافة بطلت الدلالة و الله عز و جل الموفق .
و أما بيان حكم المهر في نكاح المملوك فنقول : إذا كانت الإجازة قبل الدخول بالأمة لم يكن على الزوج إلا مهر واحد و إن كان بعد الدخول بها فالقياس أن يلزمه مهران مهر بالدخول قبل الإجازة و مهر بالإجازة .
وجه القياس : أنه وجد سبب وجوب مهرين : .
أحدهما : الدخول لأن الدخول في النكاح الموقوف دخول في نكاح الفاسد و هو بمنزلة الدخول في نكاح فاسد و ذا يوجب المهر كذا هذا .
و الثاني : النكاح الصحيح لأن النكاح قد صح بالإجازة و للاستحسان وجهان : .
أحدهما : أن النكاح كان موقوفا على إذن المالك كنكاح الفضولي و العقد الموقوف إذا اتصلت به الإجازة تستند الإجازة إلى وقت العقد و إذا استندت الإجازة إليه صار كأنه عقده بإذنه إذ الإجازة اللاحقة كالإذن السابق فلا يجب إلا مهر واحد .
و الثاني : أن مهر المثل لو وجب لكان لوجوده تعلقا بالعقد لأنه لولاه لكان الفعل زنا و لكان الواجب هو الحد لا المهر و قد وجب المسمى بالعقد فلو وجب به مهر المثل أيضا لوجب بعقد واحد مهران و أنه ممتنع .
ثم كل ما وجب من مهر الأمة فهو للمولى سواء وجب بالعقد أو بالدخول و سواء كان المهر مسمى أو مهر المثل و سواء كانت الأمة قنة أو مدبرة أو أم ولد إلا المكاتبة و المعتق بعضها فإن المهر لهما لأن المهر وجب عوضا عن المتعة و هي منافع البضع ثم إن كانت منافع البضع ملحقة بالأجزاء و الأعيان فعوضها يكون للمولى كالأرش و إن كانت مبقاة على حقيقية المنفعة فبدلها يكون للمولى أيضا كالأجرة بخلاف المكاتبة لأن هناك الأرش و الأجرة لها فكان المهر لها أيضا و كل مهر لم العبد فإن كان قنا و النكاح بإذن المولى يتعلق بكسبه و رقبته تباع فيه إن لم يكن له كسب عندنا لأنه دين ثابت في حق العبد ظاهر في حق المولى و مثل هذا الدين يتعلق العبد برقبة العبد على أصل أصحابنا و المسألة ستأتي في كتاب المأذون .
و إن كان مدبرا أو مكاتبا فإنهما بسعيان في المهر فيستوفي من كسبهما لتعذر الاستيفاء من رقبتهما بخروجهما عن احتمال بسبب لم يظهر في حق المولى فأشبه الدين الثابت بإقرار العبد المحجور أنه لا يلزمه للحال و يتبع به بعد العتاق لما قلنا كذا هذا و الله أعلم .
و منها : الولاية في النكاح فلا ينعقد إنكاح من ولاية له و الكلام في هذا الشرط يقع في مواضع في بيان أنواع الولاية و في بيان شرط ثبوت كل نوع و ما يتصل به .
أما الأول : فالولاية في باب النكاح أنواع أربعة : ولاية الملك و ولاية القرابة و ولاية الولاء و ولاية الامامة أما ولاية الملك فسبب ثبوتها الملك لأن ولاية الإنكاح ولاية نظر و الملك داعي إلى الشفقة النظر في حق المملوك فكان سببا لثبوت الولاية و لا ولاية للمملوك لعدم الملك له إذ هو مملوك في نفسه فلا يكون مالكا .
و أما شرائط ثبوت هذه الولاية : فمنها : عقل المالك و منها : بلوغه فلا يجوز الإنكاح من المجنون و الصبي الذي لا يعقل و لا من الصبي العاقل لأن هؤلاء ليسوا من أهل الولاية لأن أهلية الولاية بالقدرة على تحصيل النظر في حق المولى عليه و ذلك بكمال الرأي و العقل و لم يوجد ألا ترى أنه ولاية لهم على أنفسهم فكيف يكون على غيرهم .
و منها : الملك المطلق و هو أن يكون المولى عليه مملوكا للمالك رقبة و يدا و على هذا يخرج إنكاح الرجل أمته أو مدبرته أو أم ولده أو عبده أو مدبره أنه جائز رضي به المملوك أو لا لا يجوز إنكاح المكاتب و المكاتبة إلا برضاهما أما إنكاح الأمة و المدبرة و أم ولد فلا خلاف في جوازه صغيرة كانت أو كبيرة و أما إنكاح العبد فإن كان صغيرا يجوز و إن كان كبيرا فقد ذكر في ظاهر الرواية أنه يجوز من غير رضاه .
و روي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز إلا برضاه و به أخذ الشافعي .
وجه هذه الرواية : أن منافع بضع العبد لم تدخل تحت ملك المولى بل هو أجنبي عنها و الإنسان لا يملك التصرف في ملك غيره رضاه و لهذا لا يملك إنكاح المكاتب و المكاتبة بخلاف الأمة لأن منافع بعضها مملوكة للمولى و لأن نكاح المكره لا ينفذ ما وضع له من المقاصد المطلوبة منه لأن حصولها بالدوام على النكاح و القرار عليه و نكاح المكره لا يدوم بل يزيله العبد بالطلاق فلا يفيد فائدة .
وجه ظاهر الرواية قوله تعالى : { و أنكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم و إمائكم } أمر الله سبحانه و تعالى الموالي بإنكاح العبيد و الإماء مطلقا عن شرط الرضا فمن شرطه يحتاج إلى الدليل و لأن إنكاح المملوك من المولى تصرف لنفسه لأن مقاصد النكاح ترجع إليه فإن الولد في إنكاح الأمة له و كذا في إنكاح أمته من عبده و منفعة العقد عن الزنا الذي يوجب نقصان مالية مملوكة حصل له أيضا فكان هذا الإنكاح تصرفا لنفسه و من تصرف في ملك نفسه لنفسه ينفذ و لا يشترط فيه رضا المتصرف فيه كما في البيع و الإجارة و سائر التصرفات و لأن العبد ملكه بجميع أجزائه مطلقا لما ذكرنا من الدلائل فيما تقدم و لكل مالك ولاية التصرف في ملكه إذا كان التصرف مصلحة و إنكاح العبد مصلحة في حقه لما فيه من صيانة ملكه عن النقصان بواسطة الصيانة عن الزنا .
و قوله : منافع غير مملوكة لسيده ممنوع بل هي مملوكة إلا أن مولاها إذا كانت أمة منعت من استيفائها لما فيه من الفساد و هذا لا يمنع ثبوت الملك كالجارية المجوسية و الأخت من الرضاعة أنه يمنع المولى من الاستمتاع بهما مع قيام الملك كذا هذا .
و الملك المطلق لم يوجد في المكاتب لزوال ملك اليد بالكتابة حتى كان أحق بالكتابة و لهذا لم يدخل تحت مطلق اسم المملوك في قوله كل مملوك لي فهو حر إلا بالنية فقام ملك الرقبة إن اقتضى ثبوت الولاية فانعدام ملك اليد يمنع من الثبوت فلا تثبت الولاية بالشك و لأن في التزويج من غير رضا المكاتب ضررا لأن المولى بعقد الكتابة جعله أحق بمكاسبه ليتوصل بها إلى شرف الحرية فالتزويج من غير رضاه يوجب تعلق المهر و النفقة بكسبه فلا يصل إلى الحرية فيتضرر به بشرط رضاه دفعا للضرر عنه .
و قوله : لا فائدة في هذا النكاح ممنوع فإن في طبع كل فحل التوقان إلى النساء فالظاهر هو قضاء الشهوة خصوصا عند عدم المانع و هو الحرمة و كذا الظاهر من حال العبد الامتناع من بعض تصرف المولى احتراما له فيبقى النكاح فيفيد فائدة تامة و الله الموفق .
و أما ولاية القرابة فسبب ثبوتها هو أصل القرابة و ذاتها لا كمال القربة و إنما الكمال شرط التقدم على ما نذكر و هذا عند أصحابنا .
و عند الشافعي السبب هو القرابة القريبة و هي قرابة الولاد و على هذا يبني أن لغير الأب و الجد كالأخ و العم ولاية الإنكاح خلافا له .
و احتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر ] .
و حقيقية اسم اليتيمية للصغيرة لغة قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يتم بعد الحلم ] نهى صلى الله عليه و سلم عن إنكاح اليتيمة و مده إلى غاية الاستثمار و لا يصير أهلا للاستثمار إلا بعد البلوغ فيتضمن البلوغ كأنه قال صلى الله عليه و سلم : [ حتى تبلغ و تستأمر ] و لأن النكاح عقد إضرار في جانب النساء لما نذكر إن شاء الله تعالى في مثله إنكاح البنت البالغة و مثل هذا التصرف لا يدخل تحت ولاية المولى كالطلاق و العتاق و الهبة و غيرهما إلا أنه تثبت الولاية للأب و الجد بالنص و الإجماع لكمال شفقتهما و شفقة غير الأب و الجد قاصرة و قد ظهر أثر القصور في سلب ولاية التصرف في الحال بالإجماع و سلب ولاية اللزوم عندكم فتعذر الإلحاق .
و لنا : قوله تعالى : { و أنكحوا الأيامى منكم } هذا الخطاب لعامة المؤمنين لأنه بني على قوله تعالى : { و توبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون } ثم خص منه الأجانب فبقيت الأقارب تحته إلا من خص بدليل و لأن سبب ولاية التنفيذ في الأب و الجد هو مطلق القرابة لا القرابة القريبة و إنما قرب القرابة سبب زيادة الولاية و هي ولاية الإلزام لأن مطلق القرابة حاصل على أصل الشفقة أعني به شفقة زائدة على شفقة الجنس و شفقة الإسلام و هي داعية إلى تحصيل النظر في حق المولى عليه و شرطها عجز الملوى عليه عن تحصيل النظر بنفسه مع حاجته إلى التحصيل لأن مصالح النكاح مضمنة تحت الكفاءة و الكفء عزيز الوجود فيحتاج إلى إحرازه للحال لاستيفاء مصالح النكاح بعد البلوغ و فائدتها و قوعها وسيلة إلى ما وضع النكاح له و كل ذلك موجود في إنكاح الأخ و العم فينفذ إلا أنه لم يلزم تصرفه لانعدام شرط اللزوم و هو قرب القرابة و لم تثبت له ولاية التصرف في المال لعدم الفائدة لأنه لا سبيل إلى القول باللزوم لأن قرابة غير الأب و الجد ليست بملزمة و لا سبيل إلى التولي بالنفاذ بدون اللزوم لأنه لا يفيد إذ المقصود من التصرف في المال و هو الربح لا يحصل إلا بتكرار التجارة و لا يحصل ذلك مع عدم اللزوم لأنه إذا اشترى شيئا يحتاج إلى أن يمسكه إلى وقت البلوغ فلا يحصل المقصود فسقطت ولاية التصرف في المال بطريق الضرورة و هذه الضرورة منعدمة في ولاية الإنكاح فثبت ولاية الإنكاح .
و أما الحديث : فالمراد منه اليتيمة البالغة بدلالة الاستثمار و هذا و إن كان مجازا لكن فيما ذكره أيضا إضمار فوقعت المعارضة فسقط الإحتجاج به أو نحمله على ما قلنا بين الدليلين صيانة لهما عن التناقض ثم إذا زوج الصغير أو الصغيرة فلهما الخيار إذ بلغا عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف لا خيار لهما و نذكر المسئلة إن شاء الله تعالى في شرائط اللزوم .
و أما شرائط ثبوت هذه الولاية فنوعان في الأصل نوع هو شرط ثبوت أصل الولاية و نوع هو شرط التقدم أما شرائط ثبوت أصل الولاية فأنواع بعضهما يرجع إلى الولي و بعضها يرجع إلى المولى عليه و بعضها يرجع إلى نفس التصرف .
أما الذي يرجع إلى الولي فأنواع منها : عقل الولي و منها : بلوغه فلا تثبت الولاية للمجنون و الصبي لأنهما ليسا من أهل الولاية لما ذكرنا في ولاية الملك و لهذا لهما الولاية على أنفسهما مع أنهما أقرب إليهما فلأن تثبت على غيرهما أولى .
و منها : أن يكون ممن يرث الخروج لأن سبب ثبوت الولاية و الوراثة واحد و هو القرابة و كل من يرثه يلي عليه و من لا يرثه لا يلي عليه و هذا يطرد على أصل أبي حنيفة خاصة و ينعكس عند الكل فيخرج عليه مسائل فنقول : لا ولاية للمملوك على أحد لأنه يرث أحدا و لأن المملوك ليس من أهل الولاية .
ألا ترى انه لا ولاية على نفسه و لأن الولاية تنبئ عن المالكية و الشخص الواحد كيف يكون مالكا و مملوكا في زمان واحد لأن هذه ولاية و مصلحة و مصالح النكاح لا يتوقف عليها إلا بالتأمل و التدبر و المملوك لاشتغاله بخدمة مولاه لا يتفرغ للتأمل و التدبر فلا يعرف كون إنكاحه مصلحة و الله عز و جل الموفق .
و لا ولاية للمرتد على أحد لا على مسلم و لا على كافر و لا على مرتد مثله لأنه لا يرث أحدا و لأنه لا ولاية على نفسه حتى لا يجوز نكاحه أحدا لا مسلما و لا كافرا و لا مرتدا مثله فلا يكون له ولاية على غيره و لا ولاية للكافر على المسلم لأنه لا ميراث بينهما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يتوارث أهل ملتين شيئا ] و لأن الكافر ليس من أهل الولاية على المسلم لأن الشرع قطع ولاية الكافر على المسلمين قال الله تعالى : { و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } و قال صلى الله عليه و سلم : [ الإسلام يعلو و لا يعلى ] و لأن اثبات الولاية للكافر على المسلم تشعر بإذلال المسلم من جهة الكافر و هذا لا يجوز و لهذا صينت المسلمة عن نكاح الكافر و كذلك أن كان الولي مسلما و المولى عليه كافرا فلا ولاية له عليه لأن المسلم لا يرث الكافر كما أن الكافر لا يرث المسلم قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا يرث المؤمن الكافر و لا الكافر المؤمن ] إلا أن ولد المرتد إذا كان مؤمنا صار مخصوصا عن النص و أما إسلام الولي فليس بشرط لثبوت الولاية في الجملة فيلي الكافر على الكافر لأن الكفر لا يقدح في الشفقة الباعثة عن تحصيل النظر في حق المولى عليه و لا في الوراثة فإن الكافر يرث الكافر و لهذا كان من أهل الولاية على نفسه فكذا على غيره .
و قال الله عز و جل : { الذين كفروا بعضهم أولياء بعض } و كذا العدالة ليست بشرط لثبوت الولاية عند أصحابنا و للفاسق أن يزوج ابنه و ابنته الصغرين و عند الشافعي : شرط و ليس للفاسق ولاية التزويج و احتج بما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا نكاح إلا بولي مرشد ] و المرشد بمعنى الرشيد كالمصلح بمعنى الصالح و الفاسق ليس برشد و لأن الولاية من باب الكرامة و الفسق سبب الإهانة و لهذا لم أقبل شهادته .
و لنا : عموم قوله تعالى : { و أنكحوا الأيامى منكم } .
و قوله صلى الله عليه و سلم : [ زوجوا بناتكم الأكفاء ] من غير فصل .
و لنا : إجماع الأمة أيضا فإن الناس عن آخرهم عامهم و خاصهم من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا يزوجون بناتهم من غير نكير من أحد خصوصا الأعراب و الأكراد و الأتراك و لأن هذه ولاية نظر و الفسق لا يقدح في القدرة على تحصيل النظر و لا في الداعي إليه و هو الشفقة و كذا لا يقدح في الوارثة فلا يقدح في الولاية كالعدل و لأن الفاسق من أهل الولاية على نفسه فيكون من أهل الولاية على غيره كالعدل و لهذا قبلنا شهادته و لأنه من أهل أحد نوعي الولاية و هو ولاية الملك حتى يزوج أمته فيكون من أهل النوع الآخر و أما الحديث فقد قيل إنه لم يثبت بدون هذه الزيادة فكيف يثبت مع الزيادة و لو ثبت فنقول بموجبة و الفاسق مرشد لأنه يرشد غيره لوجود آلة الإرشاد و هو العقل فكان هذا نفي الولاية للمجنون و به نقول : إن المجنون لا يصلح وليا و المحدود في القذف إذا تاب فله ولاية الإنكاح بلا خلاف لأنه إذا تاب فقد صارعدلا و إن لم يثبت فهو على الاختلاف لأنه فاسق و الله الموفق .
و أما كون المولى من العصبات فهل هو شرط ثبوت الولاية أم لا ؟ .
فنقول و بالله التوفيق : جملة الكلام فيه أنه لا خلاف في أن للأب و الجد ولاية الإنكاح إلا شيء يحكى عن عثمان البتي و ابن شبرمة أنهما قالا : ليس لهما ولاية التزويج .
وجه قولهما : أن حكم النكاح إذا ثبت لا يقتصر على حال الصغر بل يدوم و يبقى إلى ما بعد البلوغ إلى أن يوجد ما يبطله و في هذا ثبوت الولاية على البالغة و لأنه استبد أو كأنه أنشأ الإنكاح بعد البلوغ و هذا لا يجوز .
و لنا قوله تعالى : { و أنكحوا الأيامى منكم } و الايم اسم لأنثى من بنات آدم عليه الصلاة و السلام كبيرة كانت أو صغيرة لا زوج لها و كلمة من إن كانت للتبعيض يكون هذا خطابا للآباء و إن كانت للتجنيس يكون خطابا لجنس المؤمنين و عموم الخطاب يتناول الأب و الجد [ و أنكح الصديق Bه عائشة Bها و هي بنت ست سنين من رسول الله صلى الله عليه و سلم و تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم ] .
و زوج علي ابنته أم كلثوم و هي صغيرة من عمر بن الخطاب Bه و زوج عبد الله بن عمر ابنته و هي صغيرة عروة بن الزبير Bهم و به تبين أن قولهما خرج مخالفا لإجماع الصحابة و كان مردودا .
و أما قولهما : أن حكم النكاح بقي بعد البلوغ فنعم و لكن بالإنكاح السابق لا بإنكاح مبتدأ بعد البلوغ و هذا جائز كما في البيع فإن لهما ولاية بيع مال الصغير و إن كان حكم البيع و هو الملك يبقى بعد البلوغ لما قلنا كذا هذا و للأب قبض صدق ابنته البكر صغيرة كانت أو بالغه و يبرأ الزوج بقبضه .
أما الصغيرة فلا شك فيه لأن له ولاية التصرف في مالها .
و أما البالغة فلأنها تستحي من المطالبة به بنفسها كما تستحي عن التكلم بالنكاح فجعل سكوتها رضا بقبض الأب كما جعل رضا و لأن الظاهر أنها ترضى بقبض الأب لأنه يقبض مهرها فيضم إليه أمثاله فيجهزها به هذا هو الظاهر فكان مأذونا بالقبض من جهتها دلالة حتى لو نهته عن القبض لا يتملك القبض و لا يبرأ الزوج و كذا الجد يقوم مقامه عند عدمه .
و إن كانت ابنته عاقلة و هي ثيب فالقبض إليها لا إلى الأب و يبرأ الزوج بدفعه إليها و لا يبرأ بالدفع إلى الأب و ما هو سوى الأب و الجد من الأولياء ليس لهم ولاية القبض سواء كانت صغيرة أو كبيرة إلا إذا كان الولي و هو الوصي فله حق القبض إذا كانت صغيرة كما يقبض سائر ديونها و ليس للوصي حق القبض إلا إذا كانت صغيرة .
و إذا ضمن الولي المهر صح ضمانه لأن حقوق العقد لا تتعلق به فصار كالأجنبي بخلاف الوكيل بالبيع إذا ضمن عن المشتري الثمن و للمرأة الخيار في مطالبة زوجها أو وليها لوجود ثبوت سبب حق المطالبة من كل واحد منهما و هو العقد من الزوج و الضمان من الولي و لا خلاف بين أصحابنا في أن لغير الأب و الجد من العصبات ولاية الإنكاح و الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات في الميراث و اخلتفوا في غير العصبات .
قال أبو يوسف و محمد : لا يجوز إنكاحه حتى لو لم يتوارثا بذلك النكاح و يقف على إجازة العصية .
و عن أبي حنيفة فيه روايتان و هذا يرجع إلى ما ذكرنا أن عصوبة الولي هل هي شرط لثبوت الولاية مع اتفاقهم على أنها شرط التقديم فعندهما هي شرط ثبوت أصل الولاية و هي رواية الحسن عن أبي حنيفة فإنه روي عنه أنه قال : لا يزوج الصغيرة إلا العصبة .
و روى أبو يوسف و محمد عن أبي حنيفة : أنها ليست بشرط لثبوت أصل الولاية و إنما هي شرط التقدم على قرابة الرحم حتى أنه إذا كان هناك عصبة لا تثبت لغير العصبة ولاية الإنكاح و إن لم يكن ثمة عصبة فلغير العصبة من القرابات من الرجال و النساء نحو الأم و الأخت و الخالة ولاية التزويج الأقرب فالأقرب إذا كان المزوج ممن يرث المزوج و هو الرواية المشهورة عن أبي حنيفة .
وجه قولهما : ما روي علي Bه أنه قال : النكاح إلى العصبات فوض كل نكاح إلى كل عصبة لأنه قابل الجنس بالجنس أو بالجمع فيقتضي مقابلة الفرد بالفرد و لأن الأصل في الولاية هم العصبات فإن الرأي و تدبير القبيلة وصيانتها عما يوجب العار و الشين إليهم فكانوا هم الذين يحرزون عن ذلك بالنظر و التأمل في أمر النكاح فكانوا هم المحقين بالولاية و لهذا كانت قرابة التعصيب مقدمة على قرابة الرحم بالإجماع .
و لأبي حنيفة عموم قوله تعالى : { و أنكحوا الأيامى منكم و الصالحين } من غير فصل بين العصبات و غيرهم فتثبت ولاية الإنكاح على العموم إلا من خص بدليل لأن سبب ثبوت الولاية هو مطلق القرابة و ذاتها لما بينا أن القرابة حاملة على الشفقة في حق القريب داعية إليها و قد وجد ههنا فوجد السبب و وجد شرط الثبوت أيضا و هو عجز المولى عليه عن المباشرة بنفسه و إنما العصوبة و قرب القرابة شرط التقدم لا شرط ثبوت أصل الولاية فلا جرم العصبة تتقدم على ذي الرحم و الأقرب من غير العصبة يتقدم على الأبعد و لأن ولاية الإنكاح مرتية على استحقاق الميراث لاتحاد سبب ثبوتها و هو القرابة فكل من استحق من الميراث استحق الولاية .
ألا ترى أن الأب إذا كان عبدا ولاية له لأن العبد لا يرث أحدا و كذا إذا كان كافرا و المولى عليه مسلم لا ولاية له لأنه لا يرثه و كذا إذا كان مسلما و المولى عليه كافر لا ولاية له لأنه لا ميراث له منه فثبت أن الولاية تدور مع استحقاق الميراث فثبت لكل قريب يرث يزوج و لا يلزم على هذه القاعدة المولى أنه يزوج و لا يرث .
و كذا الإمام يزوج و لا يرث لأن هذا عكس العلة لأن طرد ما قلنا أن كل من يرث يزوج .
و هذا مطرد على أصل أبي حنيفة عكسه أن كل من لا يرث لا يزوج .
و الشرط في العلل الشرعية الطراد دون الانعكاس لجواز إثبات الحكم الشرعي بعلل ثم نقول : ما قلناه منعكس أيضا ألا ترى أن للمولى الولاء في مملوكه و هو نوع إرث .
و أما الإمام فهو نائب عن جماعة المسلمين و هم يرثون من لا ولي له من جهة الملك و القرابة و الولاء ألا ترى أن ميراثه لبيت المال و بيت المال ما لهم فكانت الولاية في الحقيقة لهم و إنما الإمام نائب عنهم فيتزوجون و يرثون أيضا فاطرد هذا الأصل و انعكس بحمد الله تعالى .
و أما قوله علي Bه : النكاح إلى العصبات فالمراد منه حال العصبة لاستحالة تفويض النكاح إلى العصبة و لا عصبة و نحن به نقول : إن النكاح إلى العصبات حال وجود العصبة و لا كلام فيه و الله أعلم