وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

الكلام في الرجعة .
ثم الكلام في الرجعة في مواضع : في بيان شرعية الرجعة و في بيان ماهيتها وفي بيان ركنها و في بيان شرائط جواز الركن .
أما الأول : فالرجعة مشروعة عرفت شرعيتها بالكتاب و السنة و الإجماع و المعقول أما الكتاب العزيز فقوله تعالى : { و بعولتهن أحق بردهن } أي رجعتهن و قوله تعالى : { و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف } و الإمساك بالمعروف هو الرجعة .
و أما السنة فما روينا عن عبد الله بن عمر Bهما لما طلق امرأته في حالة الحيض قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمر Bه : [ مر ابنك يراجعها ] الحديث .
و روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما طلق حفصة Bها جاءه جبريل صلى الله عليه و سلم فقال له : [ راجع حفصة فإنها صوامة قوامة فراجعها ] و كذا روي [ أنه صلى الله عليه و سلم طلق سودة بنت زمعة Bها ثم راجعها ] و عليه الإجماع .
و أما المعقول فلأن الحاجة تمس إلى الرجعة لأن الإنسان قد يطلق امرأته ثم يندم على ذلك على ما أشار الرب سبحانه و تعالى جل جلاله بقوله : { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } فيحتاج إلى تدارك فو لم تثبت الرجعة لا يمكنه التدارك لما عسى لا توافقه المرأة في تجديد النكاح و لا يمكنه الصبر عنها فيقع في الزنا .
و اما بيان ماهية الرجعة فالرجعة عندنا استدامة الملك القائم و منعه من الزوال و فسخ السبب المنعقد لزوال الملك .
و عند الشافعي : هي استدامة من وجه و إنشاء من وجه بناء على أن الملك عند قائم من وجه زائل من وجه و هو عندنا قائم من كل وجه و على هذا ينبني أن الشهادة ليست بشرط لجواز الرجعة عندنا و عنده شرط .
وجه البناء : أن الشهادة شرط ابتداء العقد و إنشائه لا شرط البقاء و الرجعة استيفاء العقد عندنا فلا يشترط له الشهادة و عنده هي استيفاء من وجه و إنشاء من وجه فيشترط لها الشهادة من حيث هي إنشاء لا من حيث هي استيفاء فصح البناء .
ثم الكلام فيه على وجه الابتداء احتج الشافعي بقوله تعالى : { و أشهدوا ذوي عدل منكم } فظاهر الأمر وجوب العمل فيقتضي وجوب الشهادة .
و لنا : نصوص الرجعة من الكتاب و السنة مطلقة عن شرط الإشهاد إلا أنه يستحب الإشهاد عليها إذ لو لم يشهد لا يأمن من أن تنقضي العدة فلا تصدقه المرأة في الرجعة و يكون القول قولها بعد انقضاء العدة فندب إلى الإشهاد لهذا و على هذا تحمل الآية الكريمة و في الآية ما يدل عليه لأنه سبحانه و تعالى قال : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } جمع بين الفرقة و الرجعة أمر سبحانه بالإشهاد بقوله : { و أشهدوا ذوي عدل منكم } .
و معلوم أن الإشهاد على الفرقة ليس بواجب بل هو مستحب كذا على الرجعة أو تحمل على هذا توفيقا بين النصوص بقدر الإمكان و كذا لا مهر في الرجعة و لا يشترط فيها رضا المرأة لأنها من شرائط ابتداء العقد لا من شرط البقاء و كذا إعلامها بالرجعة ليس بشرط حتى لو لم يعلمها بالرجعة جازت لأن الرجعة حقه على الخلوص لكونه تصرفا في ملكه بالاستيفاء و الاستدامة فلا يشترط فيه إعلام الغير كالإجازة في الخيار لكنه مندوب إليه و مستحب لأنه إذا راجعها و لم يعلمها بالرجعة فمن الجائز أنها تتزوج عند مضي ثلاث حيض ظنا منها أن عدتها قد انقضت فكان ترك الإعلام فيه تسببا إلى عقد حرام عسى فاستحب له أن يعلمها .
و لو راجعها و لم يعلمها حتى انقضت مدة عدتها و تزوجت بزوج آخر ثم جاء زوجها الأول فهي امرأته سواء كان دخل بها الثاني أو لم يدخل و يفرق بينها و بين الثاني لأن الرجعة قد صحت بدون علمها فتزوجها الثاني و هي امرأة الأول فلم يصح و على هذا تبنى الرجعة بالفعل بأن جامعها أنها جائزة عندنا .
و عند الشافعي : لا يجوز الرجعة إلا بالقول .
وجه البناء على هذا الأصل : أن الرجعة عنده إنشاء النكاح من وجه و إنشاء النكاح من كل وجه لا يجوز إلا بالقول فكذا إنشاؤه من وجه و عندنا هي استدامة النكاح من كل وجه فلا تختص بالقول و يبنى أيضا على حل الوطء و حرمته .
وجه البناء : أن الوطء لما كان حلالا عندنا فإذا وطئها فلو لم يجعل الوطء دلالة الرجعة و ربما لا يراجعها بالقول بل بتركها حتى تنقضي عدتها فيزول الملك عند انقضاء العدة بالطلاق السابق لأنه لا فعل منه إلا ذلك فيزول الملك مستندا إلى وقت وجود الطلاق قتبين أن الملك كان زائلا من وقت الطلاق من وجه فيظهر أن الوطء كان حراما فجعل الإقدام على الوطء دلالة الرجعة صيانة له عن الحرام و عنده لما كان الوطء حراما لا يقدم عليه فلا ضرورة إلى جعله دلالة الرجعة .
ثم ابتداء الدليل في المسألة قوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن } سمى الرجعة ردا و الرد لا يختص بالقول كرد المغصوب و رد الوديعة .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ على اليد ما أخذت حتى ترده ] و قوله تعالى : { فأمسكوهن بمعروف } و قوله عز و جل { : فإمساك بمعروف } سمى الرجعة إمساكا و الإمساك حقيقة يكون بالفعل و كذا إن جامعته و هو نائم أو مجنون لأن ذلك حلال لها عندنا فلو لم يجعل رجعة لصارت مرتكبة للحرام على تقدير انقضاء العدة من غير رجعة من الزوج فجعل ذلك منها رجعة شرعا ضرورة التحرز عن الحرام و لأن جماعها كجماعه لها في باب التحريم فكذا في باب الرجعة .
و كذلك إذا لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها عن شهوة فهو مراجع لما قلنا و إن لمس أو نظر لغير شهوة لم يكن رجعة لأن ذلك حلال في الجملة ألا ترى أن القابلة و الطبيب ينظران إلى الفرج و يمس الطبيب عند الحاجة إليه بغير شهوة فلا ضرورة إلى جعله رجعة .
و كذلك إذا نظر إلى غير الفرج لشهوة لأن ذلك أيضا مباح في الجملة و يكره التقبيل و اللمس لغير شهوة إذا لم يرد به المراجعة و كذا يكره أن يراها متجردة لغير شهوة كذا قال أبو يوسف لأنه لا يأمن من أن يشتهي فيصير مراجعا من غير إشهاد و ذلك مكروه و كذا لا يأمن من الإضرار بها لجواز أن يشتهي فيصير به مراجعا و هو يريد إمساكها فيطلقها فتطول العدة عليها فتتضرر به و الله تعالى نهى عن ذلك بقوله : { و لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } و كذا قال أبو يوسف : إن الأحسن إذا دخل عليها أن يتنحنح و يسمعها خفق نعليه ليس من أجل أنها حرام و لكن لا يأمن من أن يرى الفرج بشهوة فيكون رجعة بغير إشهاد و هذه عبارة أبي يوسف .
و لو نظر إلى دبرها موضع خروج الغائط بشهوة لم يكن ذلك رجعة كذا ذكر في الزيادات و هو قول محمد الأخير و كان يقول أولا : إنه يكون رجعة ثم رجع حكى إبراهيم بن رستم رجوعه و هو قياس قول أبي حنيفة لأن ذلك السبيل لا يجري مجرى الفرج .
ألا ترى أن الوطء فيه لا يوجب الحد عنده فكان النظر إليه كالنظر إلى سائر البدن و لأن النظر إلى الفرج بشهوة إنما كان رجعة لكون الوطء حلالا تقديرا للحل صيانة عن الحرام و النظر إلى هذا المحل عن شهوة مما لا يحتمل الحل بحال كما أن الفعل فيه لا يحتمل الحل بحال فلا يصلح دليلا على الرجعة .
و لو نظرت إلى فرجه بشهوة قال أبو يوسف : قياس قول أبي حنيفة أن يكون رجعة و هذا قبيح و لا يكون رجعة و كذا قال أبو يوسف : و الصحيح قياس قول أبي حنيفة لما ذكرنا فيما إذا جامعته و هو نائم أو مجنون و لأن النظر حلال لها كالوطء فيجعل رجعة تقريرا للحل و صيانة عن الحرمة و لأن النظرين يستويان في التحريم .
ألا ترى أن نظرها إلى فرجه كنظره إلى فرجها في التحريم فكذا في الرجعة و لو لمسته لشهوة مختلسة أو كان نائما أو اعترف الزوج أنه كان بشهوة فهو رجعة في قول أبي حنيفة و محمد و قال أبو يوسف : ليس برجعة فأبو حنيفة سوى بينها و بين الجارية المشتراة بشرط الخيار للمشتري إذا لمست المشتري أنه يبطل خياره و محمد فرق بينهما فقال : ههنا يكون رجعة و هناك لا يكون إجازة للبيع .
و عن أبي يوسف في الجارية روايتان : في رواية فرق فقال : ثمة يكون إجازة للبيع و ههنا لا يكون رجعة و في رواية سوى بينهما فقال : فعلها لا يكون رجعة ههنا و لا فعل الأمة يكون إجازة ثمة فعلى هذه الرواية لا يحتاج إلى الفرق بين المسألتين .
و وجه الفرق له : على الرواية الأخرى أن بطلان الخيار لا يقف على فعل المشتري بل قد يبطل بغير فعله كما إذا تعينت في يده بآفة سماوية .
فأما الرجعة فلا يجوز أن تثبت إلا باختيار الزوج حتى قال أبو يوسف : إنها إذا لمسته فتركها و هو يقدر على منعها كان ذلك رجعة لأنه لما مكنها من اللمس فقد حصل ذلك باختياره فصار كأنه لمسها و كذلك قال أبو يوسف إذا ابتدأت اللمس و هو مطاوع لها أنه يكون رجعة لما قلنا .
و وجه الفرق لمحمد : أن إسقاط الخيار إدخال لشيء في ملك المشتري و الأمة لا تملك ذلك و ليست الرجعة إدخال المرأة على ملك الزوج لأنها على ملكه فلو جعلناه مراجعا بفعلها لم تملكه ما لم يكن ملكا له فصحت الرجعة و لأبي حنيفة على نحو ما ذكرنا و هو أن اللمس حلال من الجانبين عندنا فلزم تعذر الحل فيه و صيانته عن الحرمة و ذلك يجعله رجعة على ما سبق بيانه كما قال في الجارية إن اللمس منها لو لم يجعل إجازة للبيع و ربما يفسخ البيع فيتبين أن اللمس حصل في ملك الغير من وجه و ما ذكره أبو يوسف : أن الرجعة لا تعتبر بغير اختيار الزوج يشكل بما إذا جامعته و هو نائم أنه تثبت الرجعة من غير اختيار الزوج و ما ذكره محمد : أن إسقاط الخيار إدخال المبيع في ملك المشتري و ليس بممنوع بل المبيع يدخل في ملكه بالسبب السابق عند سقوط الخيار على أن هذا فرق بين المسألتين فيما وراء المعنى المؤثر .
و الفرق بين المسألتين فيما وراء المعنى المؤثر لا يقدح في الجمع بينهما في المعنى المؤثر .
قال محمد : و لو صدقها الورثة بعد موته أنها لمسته بشهوة لكان ذلك رجعة لأن الورثة قاموا مقامه فكأنه صدقها قبل موته .
قال : و لو شهد الشهود أنها قبلته لشهوة لم تقبل شهادتهم لأن الشهوة معنى في القلب لا يقف عليه الشهود فلا تقبل شهادتهم فيه و إن شهدوا على الجماع قبلت لأن الجماع معنى يوقف عليه و يشاهد و لا يحتاج إلى شرط الشهوة فتقبل فيه الشهادة .
و أما ركن الرجعة فهو قول أو فعل يدل على الرجعة .
أما القول : فنحو أن يقول لها : راجعتك أو رددتك أو رجعتك أو أعدتك أو راجعت امرأتي أو راجعتها أو رددتها أو أعدتها و نحو ذلك لأن الرجعة رد إلى الحالة الأولى و لو قال لها : نكحتك أو تزوجتك كان رجعة في ظاهر الرواية .
و روي عن أبي حنيفة : أنه لا يكون رجعة .
وجه هذه الرواية : أن النكاح بعد الطلاق الرجعي قائم من كل وجه فكان قوله : نكحتك إثبات الثابت و أنه محال فلم يكن مشروعا فكان ملحقا بالعدم شرعا فلم يكن رجعة بخلاف قوله : راجعتك لأن ذلك ليس بإثبات النكاح بل هو استيفاء النكاح الثابت و أنه محل للإستيفاء لأنه انعقد سبب زواله و الرجعة فسخ السبب و منع له عن العمل فيصح .
وجه ظاهرالرواية : أن النكاح و إن كان ثابتا حقيقة لكن المحل لا يحتمل الإثبات فيجعل مجازا عن استيفاء الثابت لما بينهما من المشابهة تصحيحا لتصرفه بقدر الإمكان و قد قيل : في أحد تأويلي قوله تعالى : { و بعولتهن أحق بردهن في ذلك } أي أزواجهن أحق بنكاحهن في العدة من غيرهم من الرجال و النكاح المضاف إلى المطلقة طلاقا رجعيا فدل على ثبوت الرجعة بالنكاح .
و أما الفعل الدال على الرجعة فهو أن يجامعها أو يمس شيئا من أعضائها لشهوة أو ينظر إلى فرجها عن شهوة أو يوجد شيء من ذلك ههنا على ما بينا و وجه دلالة هذه الأفعال على الرجعة ما ذكرنا فيما تقدم و هذا عندنا فأما عند الشافعي : فلا تثبت الرجعة إلا بالقول بناء على أصل ما ذكرناه و الله عز و جل أعلم