وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

بيان مقدار الواجب منها .
فصل : و أما بيان مقدار الواجب منها فالكلام في هذا الفصل في موضعين أحدهما : في بيان ما تقدر به هذه النفقة و الثاني : في بيان من تقدر به أما الأول فقد اختلف العلماء فيه .
قال أصحابنا : هذه النفقة غير مقدرة بنفسها بل بكفايتها و قال الشافعي مقدرة بنفسها على الموسر مدان و على المتوسط مد و نصف على المعسر نصف مد و احتج بظاهر قوله تعالى : { لينفق ذو سعة من سعته } أي قدر سعته فدل أنها مقدرة و لأنه إطعام واجب فيجب أن يكون مقدرا كالإطعام في الكفارات و لأنها وجبت بدلا لأنها تجب بمقابلة الملك عندي و مقابلة الحبس عندكم فكانت مقدرة كالثمن في البيع و المهر في النكاح .
و لنا قوله تعالى : { و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف } مطلقا عن التقدير فمن قدر فقد خالف النص و لأنه أوجبها باسم الرزق و رزق الإنسان كفايته في العرف و العادة كرزق القاضي و المضارب .
و روي : [ أن هند امرأة أبي سفيان قالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح و أنه لا يعطيني ما يكفيني و ولدي فقال صلى الله عليه و سلم : خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك و ولدك بالمعروف ] نص عليه أفضل الصلاة و السلام على الكفاية فدل أن نفقة الزوجة مقدرة بالكفاية و لأنها وجبت بكونها محبوسة بحق الزوج ممنوعة عن الكسب لحقه فكان وجوبها بطريق الكفاية كنفقة القاضي و المضارب .
و أما الآية فهي حجة عليه لأن فيها أمر الذي عنده السعة بالإنفاق على قدر السعة مطلقا عن التقدير بالوزن فكان التقدير به تقييدا لمطلق قلا يجوز إلا بدليل و قوله إنه إطعام واجب يبطل بنفقة الأقارب فإنه إطعام واجب و هي غير مقدرة بنفسها بل بالكفاية و التقدير بالوزن في الكفارات ليس لكونها نفقة واجبة بل لكونها عبادة محضة لوجوبها على وجه الصدقة كالزكاة فكانت مقدرة بنفسها كالزكاة و وجوب هذه النفقة ليس على وجه الصدقة بل على وجه الكفاية فتتقدر بكفايتها كنفقة الأقارب .
و أما قوله : إنها وجبت بدلا ممنوع و لسنا نقول : إنها تجب بمقابلة الحبس بل تجب جزاء على الحبس و لا يجوز أن تكون واجبة بمقابلة ملك النكاح لما ذكرنا و إذا كان وجوبها على سبيل الكفاية فيجب على الزوج من النفقة قدر ما يكفيها من الطعام و الإدام و الدهن لأن الخبز لا يؤكل عادة إلا مأدوما و الدهن لا بد منه للنساء و لا تقدر نفقتها بالدراهم و الدنانير على أي سعر كانت لأن فيه إضرارا بأحد الزوجين إذ السعر قد يغلو و قد يرخص بل تقدر لها على حسب اختلاف الأسعار غلاء و رخصا رعاية للجانبين و يجب عليه من الكسوة في كل سنة مرتين صيفية و شتوية لأنها كما تحتاج إلى الطعام و الشراب تحتاج إلى اللباس لستر العورة و لدفع الحر و البرد و يختلف ذلك باليسار و الإعسار و الشتاء و الصيف على ما نذكر إن شاء الله تعالى .
و ذكر في كتاب النكاح أن المعسر يفرض عليه خمسة دراهم في الشهر و الموسر عشرة و ذلك محمول على اعتبار قرار السعر في الوقت و لو جاء الزوج بطعام يحتاج إلى الطبخ و الخبز فأبت المرأة الطبخ و الخبز يعني أن تطبخ و تخبز لما روي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قسم الأعمال بين علي و فاطمة Bهما فجعل أعمال الخارج على علي و أعمال الداخل على فاطمة Bهما و لكنها لا تجبر على ذلك إن أبت و يؤمر الزوج أن يأتي لها بطعام مهيأ و لو استأجرها للطبخ و الخبز لم يجز و لا يجوز لها أخذ الأجرة على ذلك لأنها لو أخذت الأجرة لأخذتها على عمل واجب عليها في الفتوى فكان في معنى الرشوة فلا يحل لها الأخذ .
و ذكر الفقيه أبو الليث : أن هذا إذا كان بها علة لا تقدر على الطبخ و الخبز أو كانت من بنات الأشراف فأما إذا كانت تقدر على ذلك و هي ممن تخدم بنفسها تجبر على ذلك و إن كان لها خادم يجب لخادمها أيضا النفقة و الكسوة إذا كانت متفرغة / لشغلها و لخدمتها لا شغل لها غيرها لأن أمور البيت لا تقوم بها وحدها فتحتاج إلى خادم و لا يجب عليه لأكثر من خادم واحد في قول أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف يجب لخادمين و لا يجب أكثر من ذلك و روي عنه رواية أخرى أن المرأة إذا كانت يجل مقدارها عن خدمة خادم واحد و تحتاج إلى أكثر من ذلك يجب لأكثر من ذلك بالمعروف و به أخذ الطحاوي .
وجه ظاهر قول أبي يوسف : أن خدمة امرأة لا تقوم بخادم واحد بل تقع الحاجة إلى خادمين يكون أحدهما معينا للآخر .
وجه قولهما : أن الزوج لو قام بخدمتها بنفسه لا يلزمه نفقة خادم أصلا و خادم واحد يقوم مقامه فلا يلزمه غيره لأنه إذا قام مقامه صار كأنه خدم بنفسه و لأن الخادم الواحد لابد منه و الزيادة على ذلك ليس له حد معلوم يقدر به فلا يكون اعتبار الخادمين أولى من الثلاثة و الأربعة فبقدر بالأقل و هو الواحد .
هذا إذا كان الزوج موسرا فأما إذا كان معسرا فقد روى الحسن عن أبي حنيفة أنه ليس عليه نفقة خادم و إن كان لها خادم و قال محمد : إن كان لها خادم فعليه نفقته و إلا فلا .
وجه قول محمد : أنه لما كان لها خادم علم أنها لا ترضى بالخدمة بنفسها فكان على الزوج نفقة خادمها و إن لم يكن لها خادم دل أنها راضية بالخدمة بنفسها فلا يجبر على اتخاذ خادم لم يكن .
وجه رواية الحسن : أن الواجب على الزوج المعسر من النفقة أدنى الكفاية و قد تكفي المرأة بخدمة نفسها فلا يلزمه نفقة الخادم و إن كان لها خادم و أما الثاني و هو بيان من يقدر به هذه النفقة فقد اختلف فيه أيضا ذكر الكرخي أن قدر النفقة و الكسوة يعتبر بحال الزوج في يساره و إعساره لا بحالها و هو قول الشافعي أيضا .
و ذكر الخصاف : أنه يعتبر بحالهما جميعا حتى لو كانا موسرين فعليه نفقة اليسار و إن كانا معسرين فعليه نفقة الإعسار و كذلك إذا كان الزوج معسرا و المرأة موسرة و لا خلاف في هذه الجملة فأما إذا كان الزوج موسرا و المرأة معسرة فعليه نفقة اليسار على ما ذكره الكرخي .
و على قول الخصاف : عليه أدنى من نفقة الموسرات و أوسع من نفقة المعسرين حتى لو كان الزوج مفرطا في اليسار يأكل خبز الحواري و لحم الجمل و الدجاج و المرأة مفرطة في الفقر تأكل في بيتها خبز الشعير لا يجب عليه أن يطعمها ما يأكله و لا يطعمها ما كانت تأكل في بيت أهلها أيضا و لكن يطعمها خبز الحنطة و لحم الشاة و كذلك الكسوة على هذا الاعتبار .
وجه قول الخصاف : أن في اعتبار حالتهما في تقدير النفقة و الكسوة نظرا من الجانبين فكان أولى من اعتبار حال أحدهما و الصحيح ما ذكره الكرخي لقوله تعالى : { لينفق ذو سعة من سعته و من قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها } و هذا نص في الباب .
و إذا عرف هذا فنقول : إذا كان الزوج معسرا ينفق عليها أدنى ما يكفيها من الطعام و الإدام و الدهن بالمعروف و من الكسوة أدنى ما يكفيها من الصيفية و الشتوية و إن كان متوسطا ينفق عليها أوسع من ذلك بالمعروف و من الكسوة أرفع من ذلك بالمعروف و إن كان غنيا ينفق عليها أوسع من ذلك كله بالمعروف و من الكسوة أرفع من ذلك كله بالمعروف و إنما كانت النفقة و الكسوة بالمعروف لأن دفع الضرر عن الزوجين واجب و ذلك في إيجاب الوسط من الكفاية و هو تفسير المعروف فيكفيها من الكسوة في الصيف قميص و خمار و ملحفة و سراويل أيضا في عرف ديارنا على قدر حاله من الخشن و اللين و الوسط و الخشن إذا كان من الفقراء و اللين إذا كان من الأغنياء و الوسط إذا كان من الأوساط و ذلك كله من القطن أو الكتان على حسب عادات البلدان إلا الخمار فإنه يفرض على الغني خمار حرير و في الشتاء يزاد على ذلك حشويا و فروة بحسب اختلاف البلاد في الحر و البرد .
و أما نفقة الخادم : فقد قيل إن الزوج الموسر يلزمه نفقة الخادم كما يلزم المعسر نفقة امرأته و هو أدنى الكفاية و كذا الكسوة .
و لو اختلفا فقالت المرأة إنه موسر و عليه نفقة الموسرين و قال الزوج : إني معسر و علي نفقة المعسرين و القاضي لا يعلم بحاله ذكر في كتاب النكاح أن القول قول الزوج مع يمينه و كذا ذكر القاضي و الخصاف .
و ذكر محمد في الزيادات أن القول قول المرأة مع يمينها و أصل هذا أنه متى وقع الاختلاف بين الطالب / و بين المطلوب في يسار المطلوب و إعساره في سائر الديون فالمشايخ اختلفوا فيه : منهم من جعل القول قول المطلوب مطلقا و منهم من جعل القول قول الطالب مطلقا و منهم من حكم فيه رأي المطلوب و محمد فصل بين الأمرين فجعل القول قول الطالب في البعض و قول المطلوب في البعض و ذكر في الفصل أصلا يوجب أن يكون القول في النفقة قول المرأة و كذا فصل الخصاف لكنه ذكر أصلا يقتضي أن يكون القول في النفقة قول الزوج و بيان الأصلين و ذكر الحجج يأتي في كتاب الحبس إن شاء الله تعالى .
فإن أقامت المرأة البينة على يساره قبلت بينتها و إن أقاما جميعا البينة فالبينة لأنها مثبتة و بينة الزوج لا تثبت شيئا و لو فرض القاضي لها نفقة شهر و هو معسر ثم أيسر قبل تمام الشهر يزيدها في الفرض لأن النفقة تختلف باختلاف اليسار و الإعسار و كذلك لو فرض لها فريضة للوقت و السعر رخيص ثم غلا فلم يكفها ما فرض لها فإنه يزيدها في الفرض لأن الواجب كفاية الوقت و ذلك يختلف باختلاف السعر و لو فرض لها نفقة شهر فدفعها الزوج إليها ثم ضاعت قبل تمام الشهر فليس عليه نفقة أخرى حتى يمضي الشهر و كذا إذا كساها الزوج فضاعت الكسوة قبل تمام المدة فلا كسوة لها عليه حتى تمضي المدة التي أخذت لها الكسوة بخلاف نفقة الأقارب فإن هناك يجبر على نفقة أخرى و كسوة أخرى لتمام المدة التي أخذ لها الكسوة إذا حلف أنها ضاعت .
و وجه الفرق : أن تلك النفقة تجب للحاجة ألا ترى أنها لا تجب إلا للمحتاج و قد تحققت الحاجة إلى نفقة أخرى و كسوة أخرى و وجوب هذه النفقة ليس معلولا بالحاجة بدليل أنها تجب للموسرة إلا أن لها شبها بالأعواض و قد جعلت عوضا عن الاحتباس في جميع الشهر فلا يلزمه عوض آخر في هذه المدة و لو فرض القاضي لها نفقة أو كسوة فمضى الوقت الذي أخذت له و قد بقيت تلك النفقة أو الكسوة بأن أكلت من مال آخر أو لبست ثوبا آخر فلها عليه نفقة أخرى و كسوة أخرى بخلاف نفقة الأقارب .
و الفرق : ما ذكرنا أن نفقة الأقارب تجب بعلة الحاجة صلة محضة و لا حاجة عند بقاء النفقة و الكسوة و نفقة الزوجات لا تجب لمكان الحاجة و إنما تجب جزاء على الاحتباس لكن لها شبهة العوضية عن الاحتباس و قد جعلت عوضا في هذه المدة و هي محتبسة بعد مضي هذه المدة بحبس آخر فلا بد لها من عوض آخر و لو نفذت نفقتها قبل مضي المدة التي لها أخذت أو تخرق الثوب فلا نفقة لها على الزوج و لا كسوة حتى تمضي المدة بخلاف نفقة الأقارب و كسوتهم و الفرق نحو ما ذكرنا و الله أعلم