وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

صفة الإعتاق - القسم الثاني .
و الأصل في هذه الجملة : أن الحال إن كانت تشهد لأحدهما فالقول قوله لأن الحال شاهد صادق أصله مسألة الطاحونة و إن كانت لا تشهد لأحدهما فالقول قول المعتق لأنه منكر فإن كان العبد قائما وقت الخصومة و اتفقا على العتق في الحال و اختلفا في قيمته بأن قال المعتق قد أعتقه اليوم و قيمته كذا و قال شريكه نعم أعتقه اليوم إلا أن قيمته أكثر من ذلك يرجع إلى قيمته للحال و لا يعتبر التحالف و البينة لأن الحال أصدق .
و كذا لو اختلفا في حال العتق فقال المعتق أعتقته قبل هذا و كانت قيمته كذا و قال الآخر أعتقته اليوم و قيمته أكثر أو قال المعتق أعتقته اليوم و قيمته كذا و قال الآخر : بل أعتقته قبل ذلك و قيمته كانت أكثر رجع إلى قيمته في الحال لأن الحال إذا شهدت لأحدهما فالظاهر أن قيمته كانت كذلك وقت الإعتاق إذ الأصل دوام الحال و التغير خلاف الأصل فكان الظاهر شاهدا له فأشبه اختلاف صاحب الطاحونة مع الطحان في انقطاع الماء و جريانه أنه يحكم الحال فيه كذا هذا .
و إن اتفقا على أن العتق كان متقدما على زمان الخصومة لكن قال المعتق قيمته كانت كذا و قال الشريك بل كانت أكثر فههنا لا يمكن تحكيم الحال بالرجوع إلى قيمة العبد في الحال لأنها تزيد و تنقص في المدة و يكون القول قول المعتق لأن الشريك يدعي عليه زيادة ضمان و هو ينكر فكان القول قوله كالمتلف و الغاصب و قالوا في الشفعة إذا احترق البناء و اختلف الشفيع و المشتري في قيمته و قيمة الأرض إن المرجع إلى قيمة الأرض في الحال و القول قول المشتري في البناء لأن الشفيع يريد أن يتملك عليه الأرض بالشفعة فلا يجوز أن يتملكها إلا بقوله فأما المعتق فلا يريد أن يتملك على شريكه و إنما شريكه يدعي عليه زيادة ضمان و هو ينكر .
و كذلك إذا كان العبد هالكا فالقول قول المعتق لما قلنا إنه منكر للزيادة و الله عز و جل أعلم .
فإن هلك العبد قبل أن يختار الشريك الذي لم يعتق شيئا هل له أن يضمن المعتق إذا كان موسرا و اختلفت الرواية فيه عن أبي حنيفة روى محمد عنه و هو رواية الحسن و إحدى روايتي أبي يوسف أن له أن يضمن المعتق و روى أبو يوسف رواية أخرى عنه أنه لا ضمان على المعتق .
وجه هذه الرواية : أن تضمين المعتق ثبت نصا بخلاف القياس لما بينا فيما تقدم أن الشريك بالإعتاق تصرف في نصيب نفسه على وجه الاقتصار عليه لبقاء نصيب الشريك على ملكه و يده بعد الإعتاق إلا أن ولاية التضمين ثبتت شرعا بشريطة نقل ملك المضمون إلى الضمان فإذا هلك لم يبق الملك فلا يتصور نقله فتبقى ولاية التضمين على أصل القياس .
وجه رواية محمد : أن ولاية التضمين قد ثبتت بالإعتاق فلا تبطل بموت العبد كما إذا مات العبد المغصوب في يد الغاصب .
و أما قوله : ملك الشريك بهلاك العبد خرج عن احتمال النقل فنقول الضمان يستند إلى وقت الإعتاق فيستند ملك المضمون إلى ذلك الوقت كما في باب الغصب و هو في ذلك الوقت كان محتملا للنقل فأمكن إيجاب الضمان و إذا ضمن المعتق يرجع المعتق بما ضمنه في تركة العبد إن كان له تركة و إن لم يكن فهو دين عليه لما ذكرنا من أصل أبي حنيفة أن نصيب الشريك يبقى على ملكه و له أن يضمن المعتق إن كان موسرا و إذا ضمنه ملك المعتق نصيبه بالسبب السابق و هو الإعتاق و كان له أن يرجع بذلك في تركة العبد كما كان له أن يأخذ منه لو كان حيا و إن كان معسرا فله أن يرجع في تركة العبد و إن لم يترك شيئا فلا شيء للشريك لأن حقه عليه و هو قد مات مفلسا .
هذا إذا مات العبد و أما إذا مات أحد الشريكين فإن مات المعتق فلا يخلو إما أن يكون الإعتاق منه في حال صحته و إما أن يكون في حال مرضه فإن كان في حال صحته يؤخذ نصف قيمة العبد من تركته بلا خلاف و إن كان في حال مرضه لم يضمن شيئا حتى لا يؤخذ من تركته و هذا قول أبي حنيفة .
و قال أبو يوسف و محمد : يستوفي الشريك من ماله قيمة نصيبه و هذا مبني على الأصل الذي ذكرنا أن الإعتاق لا يتجزأ عندهما و عنده يتجزأ .
و وجه البناء على هذا الأصل : أن الإعتاق لما لم يكن متجزئا عندهما كان ضمان العتق ضمان إتلاف و ضمان الإتلاف لا يختلف بالصحة و المرض و لما كان متجزئا عنده كان المعتق متصرفا في ملك نفسه على طريق الاقتصار و مثل هذا لا يوجب الضمان في أصول الشرع و لهذا لو كان معسرا لا يجب الضمان و لو كان إعتاقه إتلافا أو إفسادا لنصيب شريكه معنى لوجب الضمان لأن ضمان الإتلاف لا يختلف باليسار و الإعسار إلا أنا عرفنا وجوب الضمان بالنص و أنه ورد في حال اليسار المطلق و ذاك في حالة الصحة لأنها حال خلوص أمواله و في مرض الموت يتعلق بها حق الورثة حتى لا يصح إقراره للورثة أصلا و لا يصح تبرعه على الأجنبي إلا من الثلث و لا تصح كفالته و لا إعتاقه إلا من الثلث فلم يكن حال المرض حال يسار مطلق و لا ملك مطلق فبقي الأمر فيها على أصل القياس و لأن ضمان العتق ضمان صلة و تبرع لوجوبه من غير صنع من جهة المعتق في نصيب الشريك .
ألا ترى أنه لا يجب على المعسر و الصلات إذا لم تكن مقبوضة تسقط بالموت كنفقة الأقارب و الزكاة و غير ذلك .
و إلى هذا أشار محمد لأبي حنيفة أنه لو وجب الضمان على المريض و يؤخذ من تركته يكون هذا من مال / الوارث و المعنى فيه أن الشرع جعل الثلث للمريض في حال مرض موته و الثلثين للورثة .
قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة على أعمالكم ] و هكذا نقول في حالة الصحة أنه يجب صلة ثم ينقلب معاوضة في حالة البقاء فإنه يثبت به الملك في المضمون في حق الإعتاق و الاستسعاء كالهبة بشرط العوض أنه ينعقد صلة ثم ينقلب معاوضة و كذا الكفالة تنعقد تبرعا حتى لا تصح إلا ممن هو أهل التبرع ثم تنقلب معاوضة و إنما انقلبت معاوضة لأنه يوجب الملك في رقبة الغير مجازاة لصلته أو تحملا عن العبد لأن الضمان عليه في الحقيقة لحصول النفع له ثم له حق الرجوع في مالية العبد بالسعاية كما في الكفالة أن الكفيل يكون متبرعا في التحمل عن المكفول عنه ثم إذا صح تحمله و ملك ما في ذمته بالأداء إلى المكفول له انقلبت معاوضة .
ألا ترى أن من قال في حال الصحة ما كان لك على فلان فهو علي ثم كان له على فلان في مرضه فأخذ ذلك من المريض فإنه يعتبر من جميع المال لا من الثلث و يؤخذ من تركته و لو وجد ابتداء الكفالة في المرض يكون المؤدى معتبرا من الثلث فدل على التفرقة بين الفصلين .
و إن مات الشريك الذي لم يعتق ثبت الخيار لورثته فإن اجتمعوا على شيء من الإعتاق أو التضمين أو الاستسعاء و غير ذلك فلهم ذلك بلا خلاف لأنهم يخلفون الميت و يقومون مقامه و كان للموروث ذلك قبل موته فكذا لهم و إن انفردوا فأراد بعضهم الإعتاق و بعضهم التضمين ذكر في الأصل أن لهم ذلك و قال الحسن بن زياد إنه ليس لهم ذلك إلا أن يعتقوا أو يستسعوا أو يضمنوا و الظاهر أنه رواية عن أبي حنيفة لأن الإعتاق عند الحسن لا يتجزأ كما لا يتجزأ عند أبي يوسف و محمد فلا يصح هذا التفريع على مذهبه وجه ما ذكر في الأصل أن نصيب الشريك قد بقي على ملكه عند أبي حنيفة لتجزؤ الإعتاق عنده و قد انتقل نصيبه إلى الورثة بموته فصاروا كالشركاء في الأصل في العبد أعتق أحدهم نصيبه أن للباقين أن يختار كل واحد منهم ما يشاء كذا هذا .
وجه رواية الحسن : أن الورثة انتقل إليهم ما كان للميت و ما كان له أن يختار الضمان في البعض و السعاية في البعض فكذا لهم و لأن المستسعى بمنزلة المكاتب عند أبي حنيفة و من كاتب عبده ثم مات ليس لورثته أن ينفردوا بأن يختار بعضهم الإعتاق و بعضهم التضمين و بعضهم الاستسعاء بل ليس لهم إلا أن يجتمعوا على شيء واحد إما العتق و إما الضمان كذا هذا .
ثم على رواية الحسن : لو أعتق بعضهم كان إعتاقه باطلا ما لم يجتمعوا على الإعتاق لأن المستسعى كالمكاتب على أصل أبي حنيفة و لو مات المولى فأعتق بعض الورثة المكاتب كان إعتاقه باطلا ما لم يجتمعوا عليه كذا هذا .
فإن اجتمعوا على عتقه يعتق بلا خلاف و الولاء يكون للميت حتى ينتقل إلى الذكور من ورثته دون الإناث و هو فائدة كونه للميت لأن من أصل أبي حنيفة أن المعتق بعضه في معنى المكاتب و المكاتب لا ينتقل فيه بالإرث فكان ولاؤه للميت كذا هذا .
و إذا كان المعتق موسرا يوم أعتقه فاختار الشريك تضمينه ثم أراد أن يرجع عن ذلك و يختار السعاية ذكر في الأصل أنه ليس له ذلك و لم يفصل بين ما إذا رضي المعتق بالضمان أو حكم به الحاكم أو لم يرض به المعتق و لا حكم به الحاكم و روى ابن سماعة عن محمد أن له ذلك ما لم يقبل المعتق منه التضمين أو يحكم به الحاكم فإن قبل أو حكم به الحاكم فليس له ذلك من المشايخ من لم يجعل في المسألة اختلاف الرواية و جعل ما ذكره ابن سماعة عن محمد من التفصيل تفسيرا لما ذكره في ظاهر الرواية و إليه ذهب الجصاص و قال أراد بما ذكر في الكتاب إذا قضى به القاضي أو رضي به الشريك .
و حكى عن الكرخي و الجصاص أنهما جعلا مسألة الغاصب و غاصب الغاصب على هذا أنه إذا اختار المغصوب منه تضمين أحدهما ثم بدا له و اختار تضمين الآخر فله ذلك إلا أن يرضى به المضمن أو يقضي به القاضي و منهم من جعل في المسألة روايتين .
وجه ما ذكر في الأصل أن له خيار التضمين و خيار السعاية و المخير بين شيئين إذا اختار أحدهما سقط حقه من الآخر فكان اختياره التضمين إبراء للعبد عن السعاية و لهذا لو اختار السعاية لم يكن له أن يختار الضمان و كانت نفس اختيار السعاية إبراء له عن الضمان من غير قضاء و لا رضا كذا إذا اختار الضمان .
وجه رواية / ابن سماعة : أن اختيار الشريكين تضمين المعتق إيجاب الملك له في المضمون بعوض و هو الضمان و ذلك لا يتم إلا بالرضا أو بالقضاء فما لم يوجد أحدهما لا يتم له الاختيار و كان له الرجوع عنه إلى السعاية بخلاف ما إذا اختار الشريك السعاية أنه لا يكون له خيار التضمين بعد ذلك رضي بذلك العبد أو لم يرض لأن اختيار السعاية على العبد ليس فيه إيجاب الملك للعبد بعوض حتى يقف ذلك على رضاه فلا يقف عليه فإن أعتق أحدهما نصيب صاحبه لم يعتق منه شيء .
أما على أصل أبي حنيفة فظاهر لأن العتق يتجزأ فيقتصر العتق على نصيب المعتق فإذا صادف ملك غيره لم ينفذ و أما على أصلهما فالعتق و إن كان لا يتجزأ لكن لا بد من ثبوت العتق في نصيبه ثم يسري إلى نصيب شريكه فإذا أضاف الإعتاق إلى نصيب شريكه لم يثبت العتق في نصيب نفسه فلا يتعدى إلى نصيب الشريك و إن كان المعتق جارية حاملا لا يضمن المعتق من قيمة الولد شيئا لأن الحمل بمنزلة طرف من أطرافها و الأطراف بمنزلة الأوصاف و الأوصاف لا تفرد بالضمان إلا بعد وجود سبب وجوب الضمان فيها مقصودا و لأن الحمل في الآدمية نقصان فكيف يلزمه بنقصان المتلف زيادة ضمان و كذلك كل حمل يعتق أمه إذا كان المعتق مالكهما كما في الرهن و إن لم يكن مالكا للولد كما في الجارية الموصى برقبتها لرجل و بحملها لآخر فأعتق صاحب الرقبة الأم يعتق الحمل و يضمن قيمته لصاحبه لأن الولد انفرد عن الأم في الملك فجاز أن يتفرد بالضمان .
و إن كان العبد بين جماعة فأعتق أحدهما نصيبه فاختار بعض الشركاء الضمان و بعضهم السعاية و بعضهم العتق فذلك لهم و لكل واحد منهم ما اختار في قول أبي حنيفة لأن إعتاق نصيبه أوجب لكل واحد منهم الخيارات و نصيب كل واحد لا يتعلق بنصيب الآخر فكان لكل واحد منهم ما اختار .
و على هذا الأصل قال أبو حنيفة في عبد بين ثلاثة : أعتق أحدهم نصيبه ثم أعتق الآخر بعده فللثالث أن يضمن المعتق الأول إن كان موسرا و إن شاء أعتق أو دبر أو كاتب أو استسعى لأن نصيبه بقي على ملكه فثبت له الخيارات للتخريج إلى الإعتاق و ليس له أن يضمن المعتق الثاني و إن كان موسرا لأن تضمين الأول ثبت على مخالفة القياس لما ذكرنا أنه لا صنع للمعتق في نصيب الشريك بإتلاف نصيبه و إنما عرفناه بالنص نظرا للشريك و إنه يحصل بتضمين الأول و لأن ضمان العتق ضمان معاوضة في الأصل فإذا أعتق الأول فقد ثبت للشريك حق نقل الملك المضمون إليه باختيار الضمان و تعلق بذلك النقل حق الولاء و الولاء لا يلحقه الفسخ فلا يملك نقل حق التضمين إلى غيره فإن اختار تضمين الأول فالأولى أن يعتق و إن شاء دبر و إن شاء كاتب و إن شاء استسعى لأنه قام مقام المضمن و ليس له أن يضمن المعتق الثاني لأن الأول لم يكن له أن يضمنه فكذا من قام مقامه .
و أما على أصلهما : فلما أعتق الأول أعتق جميع العبد فلم يصح إعتاق الثاني و ليس للثاني و الثالث إلا التضمين إن كان المعتق موسرا و السعاية إن كان معسرا و على هذا من كان له عبد فأعتق نصفه فعلى قول أبي حنيفة يعتق نصفه و يبقى الباقي رقيقا يجب تخريجه إلى العتاق فإن شاء أعتق و إن شاء دبر و إن شاء كاتب و إن شاء استسعى و إذا أدى السعاية أو بدل الكتابة يعتق كله و ليس له أن يتركه على حاله .
و على قولهما : يعتق كله سواء كان المعتق موسرا أو معسرا من غير سعاية و كذا إذا أعتق جزءا من عبده أو شقصا منه يمضي منه ما شاء و يبقى الباقي رقيقا يخرج إلى العتاق بالخيارات التي وصفنا في قول أبي حنيفة لأن الإعتاق عنده متجزىء إلا أن ههنا أضاف العتق إلى مجهول فيرجع في البيان إليه كما لو قال أحد عبيدي حر .
و قيل : ينبغي في قياس قول أبي حنيفة في السهم أن يعتق منه سدسه لأن السهم عبارة عن السدس في عرف الشرع لما روي [ عن ابن مسعود Bه : أن رجلا أوصى في زمن النبي صلى الله عليه و سلم بسهم من ماله لرجل فأعطاه النبي صلى الله عليه و سلم سدس ماله ] .
و عن جماعة من أهل اللسان أن السهم عبارة عن السدس في اللغة و عندهما يعتق كله لأن العتق لا يتجزأ عبد بين رجلين دبره أحدهما صار نصيبه مدبرا ثم إن كان المدبر موسرا فللشريك ست خيارات إن شاء أعتق و إن شاء دبر و إن شاء كاتب و إن شاء ضمن و إن شاء استسعى و إن شاء تركه على حاله و إن كان معسرا فلشريكه خمس خيارات إن شاء أعتق و إن شاء دبر و إن شاء كاتب و إن شاء استسعى و إن شاء تركه على حاله و ليس له / أن يضمن و هذا قول أبي حنيفة لأن التدبير عنده متجزىء كالإعتاق فيثبت له الخيارات أما خيار العتق و التدبير و المكاتبة و السعاية فلأن نصيبه بقي على ملكه في حق التخريج إلى العتاق .
و أما خيار التضمين فلأنه بالتدبير أخرجه من أن يكون محلا للتمليك مطلقا بالبيع و الهبة و الرهن و نحو ذلك فقد أتلفه في حق هذه التصرفات فكان للشريك ولاية التضمين .
و أما خيار الترك على حاله فلأن الحرية لم تثبت في جزء منه فجاز بقاؤه على الرق و أنه مفيد لأن له أن ينتفع به منفعة الاستخدام فلا يكلف تخريجه إلى الحرية ما لم يمت المدبر فإن اختار تضمين المدبر فللمدبر أن يرجع بما ضمن على العبد لأن الشريك كان له أن يستسعيه فلما ضمن شريكه قام مقامه فيما كان له فإذا أدى عتق و الولاء كله للمدبر لأن كله عتق على ملكه لانتقال نصيب شريكه إليه و إن اختار الاستسعاء أو الإعتاق كان الولاء بينهما لأن نصيب كل واحد منهما عتق على ملكه و أما إذا كان معسرا فلا حق له في الضمان لأن ضمان التدبير لا يجب مع الإعسار كما لا يجب ضمان الإعتاق فبقي أربع خيارات .
و أما على قول أبي يوسف و محمد : صار كله مدبرا لأن التدبير على أصلهما لا يتجزأ كالإعتاق المعجل و ليس للشريك إلا التضمين موسرا كان المدبر أو معسرا على الرواية المشهورة عنهما لأن ضمان النقل و التمليك لا يختلف باليسار و الإعسار كالبيع .
و لو كان العبد بين ثلاثة رهط دبره أحدهم و هو موسر ثم أعتقه الثاني و هو موسر فللشريك الثالث أن يضمن المدبر ثلث قيمته و يرجع به المدبر على العبد و ليس له أن يضمن المعتق و للمدبر أن يضمن المعتق ثلث قيمته مدبرا و ليس له أن يضمنه ما انتقل إليه من نصيب الثالث و هذا قول أبي حنيفة .
و قال أبو يوسف و محمد : العبد كله مدبر للذي دبره و يضمن ثلثي قيمته لشريكه موسرا كان أو معسرا لأن التدبير لما كان متجزئا عند أبي حنيفة فلما دبره أحدهم فقد ثبت لكل واحد من الشريكين ست خيارات فلما أعتقه الثاني فقد استوفى ما كان له لم تبق له ولاية تضمين المدبر و للساكت أن يضمنه لأنه أتلف عليه نصيبه فكان له ولاية التضمين و ليس له أن يضمن المعتق لأن ضمان المعتق ضمان معاوضة في الأصل و هو ضمان التملك و هو أن يكون بمقابلة الضمان ملك المضمون كضمان الغاصب .
و لو ضمن المعتق لا يملك المعتق المضمون لأن التدبير انعقد سببا لوجوب الضمان على المدبر و إنه يوجب ملك المضمون فصار ذلك النصيب بحال لا يحتمل النقل إلى غير المدبر فتعذر تضمين المعتق و لأن المدبر بالتدبير قد ثبت له حق الولاء و الولاء لا يلحقه الفسخ فلا يجوز أن ينقله إلى الغير و للمدبر أن يضمن المعتق لأنه بالإعتاق أتلف نصيبه بإخراجه من أن يكون منتفعا به منفعة الاستخدام فيضمن له قيمة نصيبه لكن مدبرا لأن المتلف مدبر و يرجع به المدبر على العبد لأن نصيب الساكت انتقل إليه فقام هو مقامه و كان له أن يستسعي العبد فكذا للمدبر و لأن الحرية لم تثبت في جزء منه فجاز إبقاؤه على الرق و لم يمكن أن يجعل هذا ضمان معاوضة لأن نصيبه مدبر و المدبر لا يحتمل النقل إلى ملك الغير فجعل ضمان جناية بطريق الضرورة و إن شاء المدبر أعتق نصيبه الذي دبره لأن بإعتاق شريكه لم يزل ملكه و إن شاء استسعى العبد كما في عتق أحد الشريكين فإذا اختار الضمان كان للمعتق أن يستسعي العبد لأن المدبر أقامه مقام نفسه فكان له أن يستسعيه فكذا له و ليس له أن يضمن المعتق قيمة الثلث الذي انتقل إليه من الثالث لأن المدبر إنما ملك ذلك الثلث عند القضاء بالضمان مستندا إلى وقت التدبير و المستند قبل ثبوته في المحل يكون ثابتا من وجه دون وجه فلا يظهر ملكه في حق المعتق فلا يضمن المعتق له ذلك .
و أما عندهما : فالتدبير لما لم يكن متجزئا صار الكل مدبرا و يضمن ثلثي قيمته للشريكين لإتلاف نصيبهما عليهما سواء كان موسرا أو معسرا لا تجب السعاية هنا بخلاف الإعتاق لأن بالإعتاق يزول ملكه فيسعى و هو حر و ههنا بالتدبير لا يزول ملكه بل يصير العبد كله مدبرا له و كسب المدبر للمولى فتعذر الاستسعاء .
و على هذا إذا شهد أحد الشريكين على الآخر بالإعتاق بأن كان العبد بين رجلين و شهد أحدهما على صاحبه أنه أعتقه و أنكر صاحبه لا تقبل شهادته على صاحبه و يجوز / إقراره على نفسه و لم يجز على صاحبه و لا يعتق نصيب الشاهد و لا يضمن لصاحبه و يسعى العبد في قيمته بينهما موسرين كانا أو معسرين في قول أبي حنيفة .
و عندهما : إن كان المشهود عليه موسرا فلا سعاية للشاهد على العبد و إن كان معسرا فله السعاية عليه .
أما عدم قبول شهادته فلأن شهادة الفرد في هذا الباب غير مقبولة و لو كانا اثنين لكان لا تقبل شهادتهما أيضا لأنهما بشهادتهما يجران المغنم إلى أنفسهما لأنهما يثبتان به حق التضمين لأنفسهما [ و لا شهادة لجار المغنم على لسان رسول الله صلى الله عليه و سلم ] إلا أنه بشهادته على صاحبه صار مقرا بفساد نصيبه بإقراره على صاحبه بإعتاق نصيبه فشهادته على صاحبه و إقراره عليه إن لم يحز فإقراره بفساد نصيب نفسه جائز لأن الإنسان يصدق بإقراره على نفسه خصوصا فيما يتضرر به و لا يعتق نصيب الشريك الشاهد لأنه لم يوجد منه الإقرار بعتق نصيبه و إنما أقر بالعتق في نصيب شريكه إلا أن إقراره بالعتق في نصيب شريكه في حق شريكه لم ينفذ فينفذ إقراره بالعتق في نصيب شريكه في حقه و لا يضمن الشاهد لشريكه لأنه لم يعتق نصيب نفسه .
و أما السعاية : فلأن فساد نصيبه يوجب التخرج إلى العتق بالسعاية و يسعى العبد لهما في قيمته بينهما فيسعى للشاهد في نصف قيمته و يسعى للمنكر في نصف قيمته سواء كان المنكر موسرا أو معسرا في قول أبي حنيفة لأن السعاية ثبتت مع اليسار و الإعسار على أصله .
أما حق الاستسعاء للشاهد و إن كان المشهود عليه موسرا فلأن في زعمه أن شريكه قد أعتق و أن له حق التضمين أو الاستسعاء إلا أنه تعذر التضمين لأن إقراره لم يجز عليه في حقه فبقي له حق الاستسعاء .
و أما المنكر فلأن في زعمه أن نصيبه على ملكه و قد تعذر عليه التصرف فيه بإقرار شريكه فكان له أن يستسعي .
و أما عندهما : فإن كان المنكر موسرا فلا سعاية للشاهد على العبد لأنه يزعم أنه عتق بإعتاق شريكه و أنه لا يستحق إلا الضمان لأن السعاية لا تثبت مع اليسار على أصلهما و إن كان معسرا فللشاهد أن يستسعي .
و أما المنكر فيستسعي على كل حال بالإجماع معسرا كان أو موسرا لأن نصيبه على ملكه و لم يوجد منه الإقرار بسقوط حقه عن السعاية فإن أعتق كل واحد منهما بعد ذلك نصيبه قبل الاستسعاء جاز في قول أبي حنيفة لأن نصيب المنكر على ملكه و كذلك نصيب الشاهد عنده لأن الإعتاق يتجزأ فإذا أعتقا نفذ عتقهما و الولاء بينهما لأن العتق منهما و كذلك إن استسعيا و أدى السعاية فالولاء لهما .
و أما على قولهما : فالولاء في نصيب الشاهد موقوف لأن في زعم الشاهد أن جميع الولاء لشريكه لأن الإعتاق لا يتجزأ على أصلهما و شريكه يجحد ذلك فيسلم له النصف و يوقف له النصف و إن شهد كل واحد منهما على صاحبه و أنكر الآخر يحلف أولا كل واحد منهما على دعوى صاحبه لأن كل واحد منهما بدعوى العتق على صاحبه يدعي وجوب الضمان على صاحبه أو السعاية على العبد و صاحبه ينكر فيحلف كل واحد منهما لصاحبه و هذا لأن فائدة الاستخلاف النكول ليقضي به و النكول إما بذل أو إقرار و الضمان مما يصح بذله و الإقرار به .
و إذا تحالفا سعى العبد لكل واحد منهما في نصف قيمته في قول أبي حنيفة لأن في زعم كل واحد منهما أن شريكه قد أعتق و أن له الضمان أو السعاية و تعذر التضمين حيث لم يصدقه الآخر فبقي الاستسعاء و لا فرق عند أبي حنيفة بين حال اليسار و الإعسار .
و أما على قولهما : فإن كانا موسورين فلا سعاية لواحد منهما لأن كل واحد منهما يدعي الضمان على شريكه و يزعم أن لا سعاية له مع اليسار فلم يثبت له ما أبرأ العبد عنه .
و إن كانا معسرين يسعى العبد لكل واحد منهما لأن كل واحد منهما يزعم أن شريكه أعتق و هو معسر فلا حق له إلا السعاية .
و إن كان أحدهما موسرا و الآخر معسرا يسعى العبد للموسر و لم يسع للمعسر يزعم أن لا ضمان على شريكه و إنما له السعاية على العبد و المعسر إنما يزعم الضمان على الشريك و إنه قد أبرأ العبد ثم هو عبد في قول أبي حنيفة و يسعى و هو رقيق إلى أن يؤدي ما عليه لأن المستسعى في حكم المكاتب على أصله و عندهما هو حر عليه دين حين شهد الموليان فيسعى و هو حر لأن في زعم كل واحد منهما أنه حر من جهة صاحبه .
و من أقر بحرية عبد في ملكه عتق عليه عبد بين رجلين قال أحدهما : إن كنت دخلت هذه الدار أمس فأنت حر و قال الآخر : إن لم تكن دخلتها أمس فأنت حر و لا يدري أكان دخل / أو لم يدخل عتق نصف العبد بينهما و يسعى في نصف قيمته بين الموليين موسرين أو معسرين في قول أبي حنيفة .
و قال أبو يوسف : إن كانا معسرين سعى في نصف قيمته بينهما و إن كانا موسرين فلا يسعى لأحد و إن كان أحدهما موسرا و الآخر معسرا سعى للمعسر في ربع قيمته و لا يسعى للموسر و قال محمد : إن كانا موسرين لا يسعى و إن كانا معسرين يسعى لهما في جميع قيمته .
وجه قول محمد : أن كل واحد منهما يدعي على صاحبه أنه أعتقه فصار كشهادة كل واحد منهما على صاحبه و لأن من عتق عليه نصف العبد مجانا بغير سعاية مجهول لأن الحانث منهما مجهول فكان من يقضي عليه بسقوط نفس السعاية مجهولا فلا يمكن القضاء به .
و لأبي حنيفة و أبي يوسف : أن نصف العبد قد عتق بيقين لأن أحد الشريكين حانث بيقين إذ العبد لا يخلو من أن يكون دخل الدار أو لم يدخل إذ لا واسطة بين الدخول و العدم و ليس أحدهما بتعيينه للحنث أولى من الآخر و المقضي له بالعتق يتعين فيقسم نصف العتق بينهما فإذا أعتق نصف العبد بيقين تعذر إيجاب كل السعاية عليه فتجب نصف السعاية ثم على أصل أبي حنيفة يسعى في نصف قيمته بينهما سواء كانا موسرين أو معسرين لأن ضمان السعاية عنده لا يختلف باليسار و الإعسار و عند أبي يوسف : يختلف فإن كانا معسرين سعى لهما و إن كانا موسرين لا يسعى لهما و إن كان أحدهما موسرا و الآخر معسرا يسعى للمعسر و لا يسعى للموسر و ما ذكره محمد أن هذه كشهادة كل واحد منهما على الآخر غير سديد لأن ههنا تيقنا بحرية نصف العبد لما بينا و في مسألة الشهادة لم نستيقن بالحرية لاحتمال أن تكون الشهادتان كاذبتين .
و أما قوله : أن الذي يقضى عليه بالعتق بغير سعاية مجهول فنعم لكن هذا لا يمنع القضاء إذا كان المقضى له معلوما لأن المقضي له إذا كان معلوما يمكن رفع الجهالة التي من جانب المقضي له بالقسمة و التوزيع و إذا كان مجهولا لا يمكن فإن حلف رجلان على عبدين كل واحد منهما لأحدهما فقال أحدهما لعبده إن كان زيد قد دخل هذه الدار اليوم فأنت حر و قال الآخر لعبده : إن لم يكن زيد دخل هذه الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم و لا يدري أدخل الدار أم لم يدخل لم يعتق واحد من العبدين لأن ههنا المقضي له و عليه كل واحد منهما مجهول و لا وجه للقضاء عند تمكن الجهالة في الطرفين و في الفصل الأول المقضي له بالعتق متيقت معلوم و القضاء في مثله جائز كمن أعتق واحدة من جواريه العشر ثم جهلها .
و على هذا قال أبو يوسف : في عبدين بين رجلين قال أحدهما لأحد العبدين : أنت حر إن لم يدخل فلان هذه الدار اليوم و قال الآخر للعبد الآخر : إن دخل فلان هذه الدار اليوم فأنت حر فمضى اليوم و تصادقا على أنهما لا يعلمان دخل أو لم يدخل فإن هذين العبدين يعتق من كل واحد منهما ربعه و يسعى في ثلاثة أرباع قيمته بين الموليين نصفين و قال محمد قياس قول أبي حنيفة أن يسعى كل واحد منهما في جميع قيمته بينهما نصفين .
وجه قول أبي يوسف : أن نصف أحد العبد غير عين قد عتق بيقين لأن فلانا لا يخلو من أن يكون دخل الدار اليوم أو لم يكن دخل فكان نصف أحدهما حرا بيقين و ليس أحدهما بذلك أولى من الآخر فيقسم نصف الحرية بينهما فيعتق من كل واحد منهما ربعه و يسعى كل واحد منهما في ثلاثة أرباع قيمته للتخريج إلى العتق كما في المسألة المتقدمة إلا أن هناك العبد واحد فيعتق منه نصفه و يسعى في النصف الباقي و ههنا عبدان فيعتق نصف أحدهما غير عين و يقسم بين الموليين فيعتق على كل واحد منهما الربع و يسعى كل واحد منهما في الباقي و ذلك ثلاثة أرباع قيمته .
وجه قياس قول أبي حنيفة : أن المقضي له و عليه مجهولان و لا سبيل إلى القضاء بالحرية مع جهالتهما فيسعى كل واحد منهما في جميع قيمته بخلاف المسألة المتقدمة لأن ثمة المقضي له غير مجهول و من هذا النوع ما ذكره ابن سماعة عن أبي يوسف في عبد بين رجلين زعم أحدهما أن صاحبه أعتقه منذ سنة و أنه هو أعتقه اليوم و قال شريكه : لم أعتقه و قد أعتقت أنت اليوم فاضمن لي نصف القيمة لعتقك فلا ضمان على الذي زعم أن صاحبه أعتقه منذ سنة لأن قوله : أنا أعتقته اليوم ليس بإعتاق بل هو إقرار بالعتق و أنه حصل بعد إقراره على شريكه بالعتق فلم يصح و كذا لو قال : أنا أعتقه أمس و أعتقه صاحبي منذ سنة و إن / لم يقر بإعتاق نفسه لكن قامت عليه بينة أنه أعتقه أمس فهو ضامن لشريكه لظهور الإعتاق منه بالبينة فدعواه على شريكه العتق المتقدم لا يمنع ظهور الإعتاق منه بالبينة و يمنع ظهوره بإقراره و الله عز و جل الموفق