وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

شروط الإجارة .
و لو استأجر على إرضاع ولده خادم أمه فخادمها بمنزلتها فما جاز فيها جاز في خادمها و ما لم يجز فيها لم يجز في خادمها لأنها هي المستحقة لمنفعة خادمها فصار كنفقتها و كذا مدبرتها لأنها تملك منافعها فإن استأجر مكاتبتها جاز لأنها لا تملك منافع المكاتبة فكانت كالأجنبية .
و لو استأجرت المرأة زوجها ليخدمها في البيت بأجر مسمى فهو جائز لأن خدمة البيت غير واجبة على الزوج فكان هذا استئجارا على أمر غير واجب على الأجير و كذا لو استأجرته لرعي غنمها لأن رعي الغنم لا يجب على الزوج و إن شئت عبرت عن هذا الشرط فقلت : و منها أن لا ينتفع الأجير بعمله فإن كان ينتفع به لم يجز لأنه حينئذ يكون عاملا لنفسه فلا يستحق الأجر و لهذا قلنا إن الثواب على الطاعات من طريق الإفضال لا الاستحقاق لأن العبد فيما يعمله من القربات و الطاعات عامل لنفسه قال سبحانه و تعالى { من عمل صالحا فلنفسه } و من عمل لنفسه لا يستحق الأجر على غيره و على هذه العبارة أيضا يخرج الاستئجار على الطاعات فرضا كانت أو واجبة أو تطوعا لأن الثواب موعود للمطيع على الطاعة فينتفع الأجير بعمله فلا يستحق الأجر .
و على هذا يخرج ما إذا استأجر رجلا ليطحن له قفيزا من حنطة بربع من دقيقها أو ليعصر له قفيزا من سمسم بجزء معلوم من دهنه أنه لا يجوز لأن الأجير ينتفع بعمله من الطحن و العصر فيكون عاملا لنفسه .
و قد روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ أنه نهى عن قفيز الطحان ] و لو دفع إلى حائك غزلا لينسجه بالنصف فالإجارة فاسدة لأن الحائك ينتفع بعمله و هو الحياكة و كذا هو في معنى قفيز الطحان فكان الاستئجار عليه منهيا و إذا حاكه فللحائك أجر مثل عمله لاستيفائه المنفعة بأجرة فاسدة و بعض مشايخنا ببلخ جوز هذه الإجارة و هو محمد بن سلمة و نصر بن يحيى .
و منها : أن تكون المنفعة مقصودة يعتاد استيفاؤها بعقد الإجارة و يجري بها التعامل بين الناس لأنه عقد شرع بخلاف القياس لحاجة الناس و لا حاجة فيما لا تعامل فيه للناس فلا يجوز استئجار الأشجار لتجفيف الثياب عليها و الاستظلال بها لأن هذه منفعة غير مقصودة من الشجر .
ولو اشترى ثمرة شجرة ثم استأجر الشجرة لتبقية ذلك فيه لم يجز لأنه لا يقصد من الشجر هذا النوع من المنفعة و هو تبقية الثمر عليها فلم تكن منفعة مقصودة عامة و كذا لو استأجر الأرض التي فيها ذلك الشجر يصير مستأجرا باستئجار الأرض و لا يجوز استئجار الشجر .
و قال أبو يوسف : إذا استأجر ثيابا ليبسطها ببيت ليزين بها و لا يجلس عليها فالإجارة فاسدة لأن بسط الثياب من غير استعمال ليس منفعة مقصودة عادة و قال عمرو عن محمد في رجل استأجر دابة ليجنبها يتزين بها فلا أجر عليه لأن قود الدابة للتزيين ليس بمنفعة مقصودة و لا يجوز استئجار الدراهم و الدنانير ليزين الحانوت و لا استئجار المسك و العود و غيرهما من المشمومات للشم لأنه ليس بمنفعة مقصودة ألا ترى أنه لا يعتاد استيفاؤها بعقد الإجارة و الله عز و جل الموفق .
و أما الذي يرجع إلى محل المعقود عليه فهو أن يكون مقبوض المؤاجرة إذا كان منقولا فإن لم يكن في قبضه فلا تصح إجارته [ لنهي النبي صلى الله عليه و سلم عن بيع ما لم يقبض ] و الإجارة نوع بيع فتدخل تحت النهي و لأن فيه غرر انفساخ العقد لاحتمال هلاك المبيع قبل القبض فينفسخ البيع فلا تصح الإجارة و قد [ نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع فيه غرر ] و إن لم يكن منقولا فهو على الاختلاف المعروف في بيع العين أنها تجوز عند أبي حنيفة و أبي يوسف و لا تجوز عند محمد و قيل في الإجارة لا تجوز بالإجماع .
و أما الذي يرجع إلى ما يقابل المعقود عليه و هو الأجرة و الأجرة في الإجارات معتبرة بالثمن في البياعات لأن كل واحد من العقدين معاوضة المال بالمال فما يصلح ثمنا في البياعات يصلح أجرة في الإجارات و ما لا فلا و هو أن تكون الأجرة مالا متقوما معلوما و غير ذلك مما ذكرناه في كتاب البيوع .
و الأصل في شرط العلم بالأجرة قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ من استأجر أجيرا فليعلمه أجره ] و العلم بالأجرة لا يحصل إلا بالإشارة و التعيين أو بالبيان و جملة الكلام فيه أن الأجر لا يخلو إما إن كان شيئا بعينه و إما إن كان بغير عينه فإن كان بعينه فإنه يصير معلوما بالإشارة و لا يحتاج فيه إلى ذكر الجنس و الصفة و النوع و القدر سواء كان مما يتعين بالتعيين أو مما لا يتعين كالدراهم و الدنانير و يكون تعيينها كناية عن ذكر الجنس و الصفة و النوع و القدر على أصل أصحابنا لأن المشار إليه إذا كان مما له حمل و مؤنة يحتاج إلى بيان مكان الإيفاء عند أبي حنيفة و إن كان بغير عينه فإن كان مما يثبت دينا في الذمة في المعاوضات المطلقة كالدراهم و الدنانير و المكيلات و الموزونات و المعدودات المتقاربة و الثياب لا يصير معلوما إلا ببيان الجنس و النوع من ذلك الجنس و الصفة و القدر إلا أن في الدراهم و الدنانير إذا لم يكن في البلد إلا نقد واحد لا يحتاج فيها إلى ذكر النوع و الوزن و يكتفى بذكر الجنس و يقع على نقد البلد و وزن البلد و إن كان في البلد نقود مختلفة يقع على النقد الغالب و إن كان فيه نقود غالبة لابد من البيان فإن لم يبين فسد العقد و لا بد من بيان مكان الإيفاء فيما له حمل و مؤنة في قول أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد لا يشترط ذلك و يتعين مكان العقد للإيفاء و قد ذكرنا المسألة في كتاب البيوع .
و هل يشترط الأجل ؟ ففي المكيلات و الموزونات و العدديات المتقاربة لا يشترط لأن هذه الأشياء كما تثبت دينا في الذمة مؤجلا بطريق السلم تثبت دينا في الذمة مطلقا لا بطريق السلم بل بطريق القرض فكان لثبوتها أجلان فإن ذكر الأجل جاز و ثبت الأجل كالسلم و إن لم يذكر جاز كالقرض .
و أما في الثياب فلا بد من الأجل لأنها لا تثبت دينا في الذمة إلا مؤجلا فكان لثبوتها أجل واحد و هو السلم فلا بد فيها من الأجل كالسلم و إن كان مما لا يثبت دينا في الذمة في عقود المعاوضات المطلقات كالحيوان فإنه لا يصير معلوما بذكر الجنس و النوع و الصفة و القدر .
ألا ترى أنه لا يصلح ثمنا في البياعات فلا يصلح أجرة في الإجارات و حكم التصرف في الأجرة قبل القبض إذا وجبت في الذمة حكم التصرف في الثمن قبل القبض إن كان دينا و قد بينا ذلك في كتاب البيوع و إذا لم يجب أن يشترط فيها التعجيل فحكم التصرف فيها نذكره في بيان حكم الإجارة إن شاء الله عز و جل و ما كان منها عينا مشارا إليها فحكمه حكم الثمن إذا كان عينا حتى لو كان منقولا لا يجوز التصرف فيه قبل القبض و إن كان عقارا فعلى الاختلاف المعروف في كتاب البيوع أنه يجوز عند أبي حنيفة و أبي يوسف و عند محمد لا يجوز و هي من مسائل البيوع .
و لو استأجر عبدا بأجر معلوم و بطعامه أو استأجر دابة بأجر معلوم و يعلفها لم يجز لأن الطعام أو العلف يصير أجرة و هو مجهول فكانت الأجرة مجهولة و القياس في استئجار الظئر بطعامها و كسوتها أنه لا يجوز و هو قول أبي يوسف و محمد لجهالة الأجرة و هي الطعام و الكسوة إلا أن أبا حنيفة استحسن الجواز بالنص و هو قوله عز و جل : { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } من غير فصل بين ما إذا كانت الوالدة منكوحة أو مطلقة و قوله عز و جل : { وعلى الوارث مثل ذلك } أي الرزق و الكسوة و ذلك يكون بعد موت المولود له و قوله تعالى { وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف } نفى الله سبحانه و تعالى الجناح عن الاسترضاع مطلقا .
و قولهما : الأجرة مجهولة مسلم لكن الجهالة لا تمنع صحة العقد لعينها بل لإفضائها إلى المنازعة و جهالة الأجرة في هذا الباب لا تفضي إلى المنازعة لأن العادة جرت بالمسامحة مع الأظآر و التوسيع عليهن شفقة على الأولاد فأشبهت جهالة القفيز من الصبرة .
و لو استأجر دارا بأجرة معلومة و شرط الآجر تطيين الدار و مرمتها أو تعليق باب عليها أو إدخال جذع في سقفها على المستأجر فالإجارة فاسدة لأن المشروط يصير أجرة و هو مجهول فتصير الأجرة مجهولة .
و كذا إذا آجر أرضا و شرط كري نهرها أو حفر بئرها أو ضرب مسناة عليها لأن ذلك كله على المؤاجر فإذا شرط على المستأجر فقد جعله أجرة و هو مجهول فصارت الأجرة مجهولة .
و منها : أن لا تكون الأجرة منفعة هي من جنس المعقود عليه كإجارة السكنى بالسكنى و الخدمة بالخدمة و الركوب بالركوب و الزراعة بالزراعة حتى لا يجوز شيء من ذلك عندنا و عند الشافعي : ليس بشرط و تجوز هذهالإجارة و إن كانت الأجرة من خلاف الجنس جاز كإجارة السكنى بالخدمة و الخدمة بالركوب و نحو ذلك و الكلام فيه فرع في كفاية انعقاد هذا العقد فعندنا ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المنفعة فلم تكن كل واحدة من المنفعتين معينة بل هي معدومة وقت العقد فيتأخر قبض أحد المستأجرين فيتحقق ربا النساء و الجنس بانفراده يحرم النساء عندنا كإسلام الهروي في الهروي و إلى هذا أشار محمد فيما حكي أن ابن سماعة كتب يسأله عن هذه المسألة أنه كتب إليه في الجواب : أنك أطلت الفكرة فأصابتك الحيرة و جالست الجبائي فكانت منك زلة أما علمت أن بيع السكنى بالسكنى كبيع الهروي بالهروي بخلاف ما إذا اختلف جنس المنفعة لأن الربا لا يتحقق في جنسين .
و عند الشافعي : منافع المدة تجعل موجودة وقت العقد كأنها أعيان قائمة فلا يتحقق معنى النسبة و لو تحقق فالجنس بانفراده لا يحرم النساء عنده و تعليل من علل في هذه المسألة أن هذا في معنى بيع الدين بالدين لأن المنفعتين معدومتان وقت العقد فكان بيع الكاليء بالكاليء غير سديد لأن الدين اسم لموجود في الذمة أخر بالأجل المضروب بتغيير مقتضى مطلق العقد فأما ما لا وجود و تأخر و جوده إلى وقت فلا يسمى دينا .
و حقيقة الفقه في المسألة ما ذكر الشيخ أبو منصور الماتريدي هي : أن الإجارة عقد شرع بخلاف القياس لحاجة الناس و لا حاجة تقع عند اتحاد الجنس فبقي على أصل القياس و الحاجة تتحق عند اختلاف الجنس فيجوز و يستوي في ذلك العبد و الأمة حتى لو استأجر عبدا يخدمه شهرا بخدمة أمة كان فاسدا لاتحاد جنس المنفعة ثم في إجارة الخدمة بالخدمة إذا خدم أحدهما ولم يخدم الآخر روي عن أبي يوسف أنه لا أجرة عليه و ذكر الكرخي و قال : الظاهر أن له أجر المثل .
وجه رواية أبي يوسف : أنه لما قابل المنفعة بجنسها و لم تصح هذه المقابلة فقد جعل بإزاء المنفعة ما لا قيمة له فكان راضيا ببذل المنفعة بلا بدل .
وجه ما ذكره الكرخي : أنه استوفى المنافع بعقد فاسد و المنافع تقوم بالعقد الصحيح و الفاسد لما لما نذكر تحقيقه أنها تقوم بالعقد الفاسد الذي لم يذكر فيه بدل رأسا بأن استأجر شيئا و لم يسم عوضا أصلا فإذا سمى العوض و هو المنفعة الأولى و قالوا في عبد مشترك تهايأ الشريكان فيه فخدم أحدهما يوما و لم يخدم الأخر إنه لا أجر له لأن هذا ليس بمبادلة بل هو إفراز و يجوز استئجار العبدين لعملين مختلفين كالخياطة و الصياغة لأن الجنس قد اختلف .
و ذكر الكرخي في الجامع : إذا كان عبد بين اثنين أجر أحدهما نصيبه من صاحبه يخيط معه شهرا على أن يصوغ نصيبه معه في الشهر الداخل أن هذا لا يجوز في العبد الواحد و إن اختلف العمل و إنما يجوز في العملين المختلفين إذا كانا في عبدين لأن هذا مهايأة منهما لأنهما فعلا ما يستحق عليهما من غير إجارة و المهايأة من شرط جوازها أن تقع على المنافع المطلقة فإما أن يعين أحد الشريكين على الآخر المنفعة فلا يجوز و الله عز و جل أعلم .
و أما الذي يرجع إلى ركن العقد فخلوه عن شرط لا يقتضيه العقد و لا يلائمه حتى لو أجره داره على أن يسكنها شهرا ثم يسلمها إلى المستأجر أو أرضا على أن يزرعها ثم يسلمها إلى المستأجر أو دابة على أن يركبها شهرا أو ثوبا على أن يلبسه شهرا ثم يسلمه إلى المستأجر فالإجارة فاسدة لأن هذا شرط لا يقتضيه العقد و أنه شرط لا يلائم العقد و زيادة منفعة مشروطة في العقد لا يقابلها عوض في معاوضة المال بالمال يكون ربا أو فيها شبهة الربا و كل ذلك مفسد للعقد .
و على هذا يخرج أيضا شرط تطيين الدار و إصلاح ميزابها و ما هي منها و إصلاح بئر الماء و البالوعة و المخرج و كري الأنهار و في إجارة الأرض و طعام العبد و علف الدابة في إجارة العبد و الدابة و نحو ذلك لأن ذلك كله شرط يخالف مقتضى العقد و لا يلائمه و فيه منفعة لأحد العاقدين .
و ذكر في الأصل إذا استأجر دارا في مدة معلومة بأجرة مسماة على أن لا يسكنها فالإجارة فاسدة و لا أجرة على المستأجر إذ لم يسكنها و إذا سكنها فعليه أجر مثلها لا ينقص مما سمى أما فساد العقد فظاهر لأن شرطه أن لا يسكن نفي موجب العقد و هو الانتفاع بالمعقود عليه و أنه شرط يخالف مقتضى العقد و لا يلائم العقد فكان شرطا فاسدا .
و أما عدم وجوب الأجر رأسا إن لم يسكن و وجوب أجر المثل إن سكن فظاهر أيضا لأن أجر المثل في الإجارات الفاسدة إنما يجب باستيفاء المعقود عليه لا بنفس التسليم و هو التخلية كما في النكاح الفاسد لأن التخلية هي التمكين و لا يتحقق مع الفساد لوجود المنع من الانتفاع به شرعا فأشبه المنع الحسي من العباد و هو الغضب بخلاف الإجارة الصحيحة لأنه لا منع هناك فتحقق التسليم فلئن لم ينتفع به المستأجر فقد أسقط حق نفسه في المنفعة فلا يسقط حق الآجر في الأجرة و إذا سكن فقد استوفى المعقود عليه بعقد فاسد و أنه يوجب أجر المثل .
و أما قوله : لا ينتقص من المسمى ففيه إشكال لأنه قد صح من مذهب أصحابنا الثلاثة أن الواجب في الإجارة الفاسدة بعد استيفاء المعقود عليه الأقل من المسمى و من أجر المثل إذا كان الأجر مسمى و قد قال في هذه المسألة إنه لا ينقص من المسمى من المشايخ من قال : المسألة مؤولة تأويلها أنه لا ينقص من المسمى إذا كان أجر المثل و المسمى واحدا .
و منهم : من أجرى الرواية على الظاهر فقال إن العاقدين لم يجعلا المسمى بمقابلة المنافع حيث شرط المستأجر أن لا يسكن و لا بمقابلة التسليم لما ذكرنا أنه لا يتحقق مع فساد العقد فإذا سكن فقد استوفى منافع ليس في مقابلتها بدل فيجب أجر المثل بالغا ما بلغ كما إذا لم يذكر في العقد تسمية أصلا إلا أنه قال : لا ينقص من المسمى لأن المستأجر رضي بالمسمى بدون الانتفاع فعند الانتفاع أولى .
و لو آجره داره أو أرضه أو عبده أو دابته و شرط تسليم المستأجر جاز لأن تسليم المستأجر من مقتضيات العقد ألا ترى أنه يثبت بدون الشرط فكان هذا شرطا مقررا مقتضى العقد لا مخالفا له فصار كما لو أجره على أن يملك المستأجر منفعة المستأجر .
و لو آجر بشرط تعجيل الأجرة أو شرط على المستأجر أن يعطيه بالأجرة رهنا أو كفيلا جاز إذا كان الرهن معلوما و الكفيل حاضرا لأن هذا شرط يلائم العقد و إن كان لا يقتضيه كما ذكرنا في البيوع فيجوز كما في بيع العين .
و أما شرط اللزوم فنوعان : نوع هو شرط انعقاد العقد لازما من الأصل و نوع هو شرط بقائه على اللزوم .
أما الأول فأنواع : .
منها : أن يكون العقد صحيحا لأن العقد الفاسد غير لازم بل هو مستحق النقض و الفسخ رفعا للفساد حقا للشرع فضلا عن الجواز .
و منها : أن لا يكون بالمستأجر عيب في وقت العقد أو وقت القبض يخل بالانتفاع به فإن كان لم يلزم العقد حتى قالوا في العبد المستأجر للخدمة إذا ظهر أنه سارق له أن يفسخ الإجارة لأن السلامة مشروطة دلالة فتكون كالمشروط نصا كما في بيع العين .
و منها : أن يكون المستأجر مرئي المستأجر حتى لو استأجر دارا لم يرها ثم رآها فلم يرض بها أنه يردها لأن الإجارة بيع المنفعة فيثبت فيها خيار الرؤية كما في بيع العين فإن رضي بها بطل خياره كما في بيع العين .
و أما الثاني فنوعان : .
أحدهما : سلامة المستأجر عن حدوث عيب به يخل بالانتفاع به فإن حدث به عيب يخل بالانتفاع به لم يبق العقد لازما حتى لو استأجر عبدا يخدمه أو دابة يركبها أو دارا يسكنها فمرض العبد أو عرجت الدابة أو انهدم بعض بناء الدار فالمستأجر بالخيار إن شاء مضى على الإجارة و إن شاء فسخ بخلاف البيع إذا حدث بالمبيع عيب بعد القبض أنه ليس للمشتري أن يرده لأن الإجارة بيع المنفعة و المنافع تحدث شيئا فشيئا فكان كل جزء من أجزاء المنافع معقودا مبتدأ فإذا حدث العيب بالمستأجر كان هذا عيبا حدث بعد العقد قبل القبض و هذا يوجب الخيار في بيع العين كذا في الإجارة فلا فرق بينهما من حيث المعنى و إذا ثبت الخيار للمستأجر فإن لم يفسخ و مضى على ذلك إلى تمام المدة فعليه كمال الأجرة لأنه رضي بالمعقود عليه مع العيب فيلزمه جميع البدل كما في بيع العين إذا اطلع المشتري على عيب فرضي به و إن زال العيب قبل أن يفسخ بأن صح العبد و زال العرج عن الدابة و بنى المؤاجر ما سقط من الدار بطل خيار المستأجر لأن الموجب للخيار قد زال و العقد قائم فيزول الخيار .
هذا إذا كان العيب مما يضر بالانتفاع بالمستأجر فإن كان لا يضر بالانتفاع به بقي العقد لازما و لا خيار للمستأجر كالعبد المستأجر إذا ذهبت إحدى عينيه و ذلك لا يضر بالخدمة أو سقط شعره أو سقط من الدار المستأجرة حائط لا ينتفع به في سكناها لأن العقد ورد على المنفعة لا على العين إذا الإجارة بيع المنفعة لا بيع العين و لا نقصان في المنفعة بل في العين و العين غير معقود عليها في باب الإجارة و تغير عين المعقود عليه لا يوجب الخيار بخلاف ما إذا كان العيب الحادث مما يضر بالانتفاع لأنه إذا كان يضر بالانتفاع فالنقصان يرجع إلى المعقود عليه فأوجب الخيار فله أن يفسخ ثم إنما يلي الفسخ إذا كان المؤاجر حاضرا فإن كان غائبا فحدث بالمستأجر ما يوجب حق الفسخ فليس للمستأجر أن يفسخ لأن فسخ العقد لا يجوز إلا بحضور العاقدين أو من يقوم مقامهما .
و قال هشام عن محمد : في رجل استأجر أرضا سنة يزرعها شيئا ذكره فزرعها فأصاب الزرع آفة من برد أو غيره فذهب به و تأخر وقت زراعة ذلك النوع فلا يقدر أن يزرع قال إن أراد أن يزرع شيئا غيره مما ضرره على الأرض أقل من ضرره فله ذلك و إلا فسخت عليه الإجارة و ألزمته أجر ما مضى لأنه إذا عجز عن زراعة ذلك النوع كان استيفاء الإجارة ضررا به قال : و إذا نقص الماء عن الرحى حتى صار يطحن أقل من نصف طحنه فذلك عيب لأنه لا يقدر على استيفاء العقد إلا بضرر و هو نقصان الانتفاع .
و لو انهدمت الدار كلها و انقطع الماء عن الرحى و انقطع الشرب عن الأرض فقد اختلفت إشارة الروايات فيه : ذكر في بعضها ما يدل على أن العقد ينفسخ فإنه ذكر في إجارة الأصل إذا سقطت الدار كلها فله أن يخرج كان صاحب الدار شاهدا أو غائبا فهذا دليل الانفساخ حيث جوز للمستأجر الخروج من الدار مع غيبة المؤاجر و لو لم تنفسخ توقف جواز الفسخ على حضوره و الوجه فيه المنفعة المطلوبة من الدار قد بطلت بالسقوط إذ المطلوب منها الانتفاع بالسكنى و قد بطل ذلك فقد هلك المعقود عليه فينفسخ العقد و ذكر في بعضها ما يدل على أن العقد لا ينفسخ لكن يثبت حق الفسخ فإنه ذكر في كتاب الصلح إذا صالح على سكنى دار فانهدمت لم ينفسخ الصلح و روى هشام عن محمد فيمن استأجر بيتا و قبضه ثم انهدم فبناه الآجر فقال المستأجر بعدما بناه لا حاجة لي فيه قال محمد ليس للمستأجر ذلك و كذلك لو قال المستأجر آخذه و أبى الآخر ليس للآجر ذلك و هذا يجري مجرى النص على أن الإجارة لم تنفسخ و وجهه : أن الدار بعد الانهدام بقيت منتفعا بها منفعة السكنى في الجملة بأن يضرب فيها خيمة فلم يفت المعقود عليه رأسا فلا ينفسخ العقد على أنه إن فات كله لكن فات على وجه يتصور عوده و هذا يكفي لبقاء العقد كمن اشترى عبدا فأبق قبل القبض .
و الأصل فيه : أن العقد المنعقد بيقين لتوهم الفائدة لأن الثابت بيقين لا يزول بالشك كما أن غير الثابت بيقين لا يثبت بالشك .
و ذكر القدوري و قال : الصحيح أن العقد ينفسخ لما ذكرنا أن المنفعة المطلوبة من الدار قد بطلت و ضرب الخيمة في الدار ليس بمنفعة مطلوبة من الدار عادة فلا يعتبر بقاؤه لبقاء العقد و قال فيما ذكره محمد في البيت إذا بناه المؤاجر إنه لما بناه تبين أن العقد لم ينفسخ حقيقة و إن حكم بفسخه ظاهرا فيجبر على التسليم و القبض و ليس يمتنع الحكم بانفساخ عقد في الظاهر مع التوقف في الحقيقة كمن اشترى شاة فماتت في يد البائع فدبغ جلدها أنه يحكم ببقاء العقد بعد الحكم بانفساخه ظاهرا بموت الشاة كذا ههنا و إذا بقي العقد يجبر على التسليم و التسليم وقبل البناء لا يعلم أن العقد لم ينفسخ حقيقة فيجب العمل بالظاهر .
و ذكر محمد : في السفينة إذا نقضت و صارت ألواحا ثم بناها المؤاجر أنه لا يجبر على تسليمها إلى المستأجر فقد فرق بين السفينة و بين البيت .
و وجه الفرق : أن العقد في السفينة قد انفسخ حقيقة لأن الأصل فيها الصناعة و هي التركيب و الألواح تابعة للصناعة بدليل أن من غصب خشبة فعملها سفينة ملكها فكان تركيب الألواح بمنزلة اتخاذ سفينة أخرى فلم يجبر على تسليمها إلى المستأجر بخلاف الدار لأن عرصة الدار ليست بتابعة للبناء بل العرصة فيها أصل فإذا بناها فقد بنى تلك الدار بعينها فيجبر على التسليم .
و قال محمد فيمن استأجر رحى ماء سنة فانقطع الماء بعد ستة أشهر فأمسك الرحى حتى مضت المدة فعليه أجر للستة أشهر الماضية و لا شيء عليه لما بقي لأن منفعة الرحى قد بطلت فانفسخ العقد قال : فإن كان البيت ينتفع به لغير الطحن فعليه من الأجر بحصته لأنه بقي شيء من المعقود عليه له حصة في العقد فإذا استوفى لزمه حصته فإن سلم المؤاجر الدار إلا بيتا منها ثم منعه رب الدار أو غيره بعد ذلك من البيت فلا أجر على المستأجر في البيت لأنه استوفى بعض المعقود عليه دون بعض فلا يكون عليه حصة ما لم يستوف و للمستأجر أن يمتنع من قبول الدار بغير البيت و أن يفسخ الإجارة إذا حدث ذلك بعد قبضه لأن الصفقة تفرقت في المعقود عليه و هو المنافع و تفرق الصفقة يوجب الخيار .
و لو استأجر دارا أشهرا مسماة فلم تسلم إليه الدار حتى مضى بعض المدة ثم أراد أن يتسلم الدار فيما بقي من المدة فله ذلك و ليس للمستأجر أن يأبى ذلك و كذلك لو كان المستأجر طلبها من المؤاجر فمنعه إياها ثم أراد أن يسلمها فذلك له و ليس للمستأجر أن يمتنع لأن الخيار إنما يثبت بحدوث تفرق الصفقة بعد حصولها مجتمعة و الصفقة ههنا حينما وقعت وقعت متفرقة لأن المنافع تحدث شيئا فشيئا فكان كل جزء من المنافع كالمعقود عليه عقدا مبتدأ فكان أول جزء من المنفعة مملوكا بعقد و الثاني مملوكا بعقد آخر و ما ملك بعقدين فتعذر التسليم في أحدهما لا يؤثر في الآخر فإن استأجر دارين فسقطت إحداهما أو منعه مانع من إحداهما أو حدث في إحداهما عيب فله أن يتركها جميعا لأن العقد وقع عليهما صفقة واحدة و قد تفرقت عليه فيثبت له الخيار و الله عز و جل أعلم .
و الثاني : عدم حدوث عذر بأحد العاقدين أو بالمستأجر فإن حدث بأحدهما أو بالمستأجر عذر لا يبقى العقد لازما و له أن يفسخ و هذا عند أصحابنا و عند الشافعي : هذا ليس بشرط بقاء العقد لازما و لقب المسألة أن الإجارة تفسخ بالأعذار عندنا خلافا له .
وجه قوله : أن الإجارة أحد نوعي البيع فيكون لازما كالنوع الآخر و هو بيع الأعيان و الجامع بينهما أن العقد انعقد باتفاقهما فلا ينفسخ إلا باتفاقهما .
و لنا أن الحاجة تدعو إلى الفسخ عند العذر لأنه لو لزم العقد عند تحقق العذر للزم صاحب العذر ضرر لم يلتزمه بالعقد لما نذكر في تفصيل الأعذار الموجبة للفسخ فكان الفسخ في الحقيقة امتناعا من التزام الضرر و له ولاية ذلك و قد خرج الجواب عن قوله إن هذا بيع لأنا نقول نعم لكنه عجز عن المضي في موجبه إلا بضرر يلحقه لم يلتزمه بالعقد فكان محتملا للفسخ في هذه الحالة كما في بيع العين إذا اطلع المشتري على عيب بالمبيع و كما لو حدث عيب بالمستأجر و كذا عن قوله العقد انعقد باتفاقهما فلا ينفسخ إلا باتفاقهما أن هذا هكذا إذا لم يعجز عن المضي على موجب العقد إلا بضرر غير مستحق بالعقد و قد عجز ههنا فلا يشترط التراضي على الفسخ كما في بيع العين و حدوث العيب بالمستأجر ثم إنكار الفسخ عند تحقق العذر خروج عن العقل و الشرع لأنه يقتضي أن من اشتكى ضرسه فاستأجر رجلا ليقلعها فسكن الوجع يجبر على القلع و من وقعت في يده آكلة فاستأجر رجلا ليقطعها فسكن الوجع ثم برأت يده يجبر على القطع و هذا قبيح عقلا و شرعا