وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

كيفية السبب .
و أما بيان كيفية السبب فالكلام فيه موضعين : .
أحدهما : يعم حال انفراد الأسباب و اجتماعها .
و الثاني : يخص حال الاجتماع .
أما الذي يعم الحالين جميعا فهو أن السبب أصل الشركة لا قدرها و أصل الجوار لا قدره حتى لو كان للدار شريك واحد أو جار واحد أخذ كل الدار بالشفعة كثر شركته و جواره أو قل .
و على هذا يخرج قول أصحابنا Bهم في قسمة الشفعة بين الشركاء عند اتحاد السبب و هو الشركة أو الجوار أنها تقسم على عدد الرؤوس لا على قدر الشركة و عند الشافعي C على قدر الشركة في ملك المبيع حتى لو كانت الدار بين ثلاثة نفر لأحدهم نصفها و للآخر ثلثها و لآخر سدسها فباع صاحب النصف نصيبه كانت الشفعة بين الباقين نصفين عندنا على عدد الرؤوس و عنده أثلاثا ثلثاه لصاحب الثلث و ثلثه لصاحب السدس على قدر الشركة .
وجه قوله : أن حق الشفقة من حقوق الملك لأنه ثبت لتكميل منافع الملك فيتقدر بقدر الملك كالثمرة و الغلة .
و لنا : أن السبب في موضع الشركة و قد استويا فيه فيستويان في الاستحقاق و الدليل على أن السبب أصل الشركة دلالة الإجماع و المعقول أما دلالة الإجماع فلأن الشفيع إذا كان واحدا يأخذ كل الدار بالشفعة و لو كان السبب قدر الشركة لتقدر حق الأخذ بقدرها .
و أما المعقول : فلأن حق الشفعة إنما يثبت لدفع أذى الدخيل و ضرره و الضرر لا يندفع إلا بأخذ كل الدار بالشفعة فدل أن سبب الاستحقاق في الشركة هو أصل الشركة و قد استويا فيه فبعد ذلك لا يخلو : إنما أن يأخذ أحدهما الكل دون صاحبه و إما أن يأخذ كل واحد منهما الكل لا سبيل إلى الأول لأن ليس أحدهما بأولى من صاحبه و لا سبيل إلى الثاني لاستحالة تملك دار واحدة في زمان واحد من اثنين على الكمال فتنصف بينهما عملا بكمال السبب بقدر الإمكان و مثل هذا جائز فإن من هلك عن ابنين كان ميراثه بينهما نصفين لأن بنوة كل واحد منهما سبب لاستحقاق كل الميراث إلا أنه لا يمكن إثبات الملك في مال واحد لكل واحد منهما على الكمال لتضايق المحل فينصف بينهما فكذا هذا .
و كذلك إذا كان لدار واحد شفيعان جاران جوارهما على التفاوت بأن كل جوار أحدهما بخمسة أسداس الدار و جوار الآخر لسدسها كانت الشفعة بينهما نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق و هو أصل الجوار .
و على هذا يخرج ما إذا كان للدار شفيعان فأسقط أحدهما الشفعة أن للآخر أن يأخذ كل الدار بالشفعة لوجود سبب الاستحقاق للكل في حق كل واحد منهما و إنما القسمة للتزاحم و التعارض على ما بينا فإذا أسقط أحدهما زال التزاحم و التعارض فظهر حق الآخر في الكل فيأخذ الكل .
و كذلك لو كان الشفعاء جماعة فأسقط بعضهم حقه للباقين أن يأخذوا الكل بالشفعة لما قلنا .
و لو كان الدار شفيعان و أحدهما غائب فللحاضر أن يأخذ كل الدار بالشفعة لأن سبب ثبوت الحق على الكمال وجد في حقه و قد تأكد حقه بالطلب و لم يعرف تأكد حق الغائب لأنه محتمل يحتمل أن يطلب و يحتمل أن يطلب و يحتمل أن لا يطلب أو يعرض فلم يقع التعارض و التزاحم فلا يمنع الحاضر من استيفاء حقه الثابت المتأكد بحق يحتمل التأكد و العدم بل يقضى له بالكل عملا بكمال السبب من غير تعارض بخلاف ما إذا كان لرجلين على رجل ألف درهم فهلك الرجل و ترك ألف درهم و أحد صاحبي الدين غائب أنه لا يسلم إلى الحاضر إلا خمسمائة لأن هناك حق كل واحد منهما يساوي حق الآخر في التأكد فيقسم بينهما على السوية لوقوع التعارض و التزاحم .
و كذلك لو كان للدار شفعاء بعضهم غائب و بعضهم حاضر يقضي بالدار بين الحضور على عدد رؤوسهم لما قلنا و لو جعل بعضهم نصيبه لبعض لم يصح جعله في حق غيره و سقط حق الجاعل و قسمت على عدد رؤوس من بقي لأن حق الشفعة مما لا يحتمل النقل لأنه ليس بأمر ثابت في المحل فبطل الجعل في حق غيره و سقط حقه لكون الجعل دليل الإعراض و بقي كل الدار بين الباقين فيقسمونها على عدد الرؤوس لما ذكرنا .
و لو كان أحدهم حاضرا فقضي له بكل الدار ثم جاء آخر يقضى له بنصف ما في يد الحاضر فإن جاء ثالث يقضى له بثلث ما في يد كل منهما لوقوع التعارض و التزاحم لاستواء الكل في سبب ثبوت الحق و تأكده فيقسم بينهم على السوية .
و لو أخذ الحاضر الكل ثم قدم الغائب و أراد أن يأخذ النصف فقال له الحاضر أنا اسلم لك الكل فإما أن تأخذ أو تدع فليس له ذلك و للذي قدم أن يأخذ النصف لأن القاضي لما قضى للحاضر بكل الدار تضمن قضاؤه بطلان حق الغائب عن النصف و صار الغائب مقضيا عليه في ضمن القضاء للحاضر بالكل فبعد ذلك و إن بطل القضاء لكن الحق بعدما بطل لا يتصور عوده و لو قضي بالدار للحاضر ثم وجد به عيبا فرده ثم قدم الغائب فليس له أن يأخذ بالبيع الأول إلا نصف الدار سواء كان الرد بالعيب بقضاء أو بغير قضاء و سواء كان قبل القبض أو بعده لما ذكرنا أنه لما قضى القاضي للحاضر بكل الدار بالشفعة فقد أبطل حق الغائب عن النصف و صار هو مقضيا عليه ضرورة القضاء على المشتري فبطلت شفعته في هذا النصف فلا يحتمل العود سواء كان الرد بالعيب بقضاء أو بغير قضاء لأنه إنما بطل حقه في النصف بالقضاء بالشفعة و بالرد بالعيب لا يتبين أن القضاء بالشفعة لم يكن و كذا يستوي فيه الرد قبل القبض و بعده لما قلنا .
و لو أراد الغائب أن يأخذ كل الدار بالشفعة برد الحاضر بالعيب و يدع البيع الأول ينظر إن كان الرد بغير قضاء فله ذلك لأن الرد بغير قضاء بيع مطلق فكان بيعا جديدا في حق الشفعة فيأخذ الكل بالشفعة كما يأخذ بالبيع المبتدأ هكذا ذكر محمد و أطلق الجواب و لم يفصل بينهما إذا كان الرد بالعيب قبل القبض أو بعده من مشايخنا من قال ما ذكر من الجواب محمول على ما بعد القبض لأن الرد قبل القبض بغير قضاء بيع جديد و بيع العقار قبل القبض لا يجوز على أصله و إنما يستقيم إطلاق الجواب على أصل أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله .
و منهم من قال : يستقيم على مذهب الكل لأن رضا الشفيع ههنا غير معتبر لكونه مجبورا في التمليك فكان رضاه ملحقا بالعدم و إن كان بقضاء فليس له أن يأخذ لأنه فسخ مطلق ورفع العقد من الأصل لأنه لم يكن و الأخذ بالشفعة يختص بالبيع .
و لو اطلع الحاضر على عيب قبل أن يقضى له بالشفعة ثم قدم الغائب فإن شاء أخذ الكل و إن شاء ترك لأن القاضي إذا لم يقض بالشفعةللحاضر لم يبطل حق الغائب بل بقي في كل الدار لوجود سبب استحقاق الكل إلا أنه لم يظهر لمزاحمة الحاضر في الكل و بالتسليم زالت المزاحمة فظهر حق الغائب في كل الدار .
و لو رد الحاضر الدار بالعيب بعدما قضي له بالشفعة ثم حضر شفيعان أخذا ثلثي الدار بالشفعة و الحكم في الاثنين و الثلاث سواء يسقط حق الغائب بقدر حصة الحاضر لما قلنا .
و كذا لو كان الشفيع الحاضر اشترى الدار من المشتري ثم حضر الغائب فإن شاء أخذ كل الدار بالبيع الأول و إن شاء أخذ كلها بالبيع الثاني و أما الأخذ بالبيع الأول فلأن حق الحاضر في الشفعة قد بطل بالشراء من المشتري لكون الشراء منه دليل الإعراض فزالت المزاحمة الموجبة للقسمة فبقي حق الغائب في كل الدار فيأخذ الكل بالبيع الأول إن شاء بخلاف الشفيع إذا اشترى الدار المشفوعة من صاحبها أنه لا تبطل شفعته لأن البطلان بالإقدام على الشراء و لا حق له قبل الشراء ليبطل به .
و أما الأخذ بالبيع الثاني فلأن البيع الثاني وجد و لا حق للحاضر في الشفعة لصيرورته معرضا بالشراء فيظهر حق الأخذ بالكل و لو كان المشتري الأول شفيعا للدار فاشتراها الشفيع الحاضر منه ثم قدم الغائب فإن شاء أخذ نصف الدار بالبيع الأول و إن شاء أخذ كلها بالبيع الثاني .
و أما أخذ النصف بالبيع الأول فلأن المشتري الأول لم يثبت له حق قبل الشراء حتى يكون بشرائه معرضا عنه فإذا باعه من الشفيع الحاضر لم يثبت للغائب إلا مقدار ما كان يخصه بالمزاحمة مع الأول و هو النصف .
و أما أخذ الكل بالعقد الثاني فلأن السبب عند البيع الأول أوجب الشفعة للكل في الدار و قد بطل حق الشفيع الحاضر بالشراء لكون الشراء دليل الإعراض فبقي حق المشتري الأول و الغائب في كل الدار فيقسم بينهما للتزاحم فيأخذ الغائب نصف الدار بالبيع الأول إن شاء و إن شاء أخذ الكل بالعقد الثاني لأن السبب عند العقد الثاني أوجب للشفيع حق الشفعة ثم بطل حق الشفيع الحاضر عند العقد الأول و لم يتعلق بإقدامه على الشراء الثاني بعقده حق لإعراضه فكان للغائب أن يأخذ كل الدار بالعقد الثاني .
و لو كان المشتري الأول أجنبيا اشتراها بألف فباعها من أجنبي بألفين ثم حضر الشفيع فالشفيع بالخيار إن شاء أخذ بالبيع الأول و إن شاء أخذ بالبيع الثاني لوجود سبب الاستحقاق و شرطه عند كل واحد من البيعين فكان له الخيار فإن أخذ بالبيع الأول سلم الثمن إلى المشتري الأول و العهدة عليه و ينفسخ البيع الثاني و يسترد المشتري الثاني الثمن من الأول و إن أخذ بالبيع الثاني تم البيعان جميعا و العهدة على الثاني غير أنه إن وجد المشتري الثاني و الدار في يده فله أن يأخذ بالبيع الثاني سواء كان المشتري الأول حاضرا أو غائبا و إن أراد أن يأخذ بالبيع الأول فليس له ذلك حتى يحضر المشتري الأول و الثاني هكذا ذكر القاضي الإمام الإسبيجابي عليه الرحمة في شرحه مختصر الطحاوي و لم يحك خلافا .
و ذكر الكرخي عليه الرحمة : أن هذا قول أبي حنيفة و محمد عليهما الرحمة و عند أبي يوسف C حضرة الأول ليست بشرط و للشفيع أن يأخذ من الذي في يده ويدفع إليه ألفا و يقال له اتبع الأول و خذ منه ألفا و إن كان الثاني اشتراه بألف يؤخذ منه و يدفع إليه ألفا .
وجه قول أبي يوسف : أن حق الشفعة حق متعلق بعين الدار فلا يشترط لاستيفائه حضرة المشتري .
وجه قولهما : أن الأخذ من غير حضرة المشتري الأول يكون قضاء على الغائب لأن الأخذ بالبيع الأول يوجب انفساخ البيع الأول على المشتري الأول على ما نذكره في موضعه إن شاء الله تبارك و تعالى فيكون قضاء على الغائب من غير أن يكون منه خصم حاضر و أنه لا يجوز و قوله حق الشفعة متعلق بالعين ممنوع بل لا حق في العين و إنما الثابت حق التمليك على المشتري فلا بد من حضرته و لو كان المشتري باع نصف الدار و لم يبع جميعها فجاء الشفيع و أراد أن يأخذ بالبيع الأول أخذ جميع الدار و يبطل البيع في النصف الثاني من المشتري الثاني لأن سبب استحقاق الجميع و شرطه موجود عند البيع الأول فإذا أخذ الكل بالبيع الأول انفسخ البيع في النصف الثاني من المشترى لأنه تبين أنه تقدم على حق الشفيع في قدر النصف .
و إذا أراد أن يأخذ النصف بالبيع الثاني فله ذلك لأن شرط الاستحقاق و هو البيع وجد في النصف و بطلت شفعته في النصف الذي في يد المشتري الأول لوجود دليل الإعراض .
و لو كان المشتري لم يبع الدار و لكنه وهبها من رجل أو تصدق بها على رجل و قبضها الموهوب له أو المتصدق عليه حضر الشفيع و المشتري و الموهوب له حاضران أخذها الشفيع بالبيع لا بالهبة لأن كون العقد معاوضة من شرائط الاستحقاق على ما نذكره إن شاء الله تعالى و لا بد من حضرة المشتري حتى لو حضر الشفيع و وجد الموهوب له فلا خصومة معه حتى يجد المشتري فيأخذها بالبيع الأول و الثمن للمشتري و تبطل الهبة كذا ذكر القاضي من غير خلاف .
و أما الكرخي فقد جعله على الخلاف الذي ذكرنا أن الذي في يده الدار و هو الموهوب له لم يكن خصما عندهما و عند أبي يوسف يكون خصما كما في البيع و لو وهب المشتري نصف الدار مقسوما و سلمه إلى الموهوب له ثم حضر الشفيع و أراد أن يأخذ النصف الباقي بنصف الثمن ليس له ذلك و لكنه يأخذ جميع الدار بجميع الثمن أو يدع لأن في أخذ البعض دون البعض تفريق الصفقة على المشتري و إذا أخذ الكل بطلت الهبة و كان الثمن كله للمشتري لا للموهوب له .
و لو اشترى دارا بألف ثم باعها بألفين فعلم الشفيع بالبيع الثاني و لم يعلم بالبيع الأول فأخذها بقضاء أو بغير قضاء ثم علم أن البيع الأول كان بألف فليس له أن ينقض أخذه لأنه لما أخذها بالبيع الثاني فقد ملكها و حق التمليك بالبيع الأول بعد ثبوت الملك له لا يتصور فسقط حقه في الشفعة في البيع الأول ضرورة ثبوت الملك له والثابت ضرورة يستوي فيه العلم و الجهل .
فإن اشتراها بألف ثم زاده في الثمن ألفا فعلم الشفيع بالألفين و لم يعلم أن الألف زيادة فأخذها بألفين فإذا أخذ بقضاء القاضي أبطل القاضي الزيادة و قضى له بالألف لأن الزيادة غير ثابتة شرعا في حق الشفيع فكان القضاء بالزيادة قضاء بما ليس بثابت فيبطلها القاضي و إن أخذها بغير قضاء فليس له أن ينقض أخذه لأن الأخذ بغير قضاء بمنزلة شراء مبتدأ فسقط حقه في الشفعة .
و لو كان المشتري حين اشتراه بألف ناقضه البيع ثم اشتراه بألفين فأخذ الشفيع بألفين و لم يعلم بالبيع الأول ثم علم به لم يكن له أن ينقضه سواء كان بقضاء أو بغير قضاء لأنه اجتمع بيعان لا يمكن الأخذ بهما فإذا أخذ بأحدهما انتقض الآخر و الله عز و جل أعلم .
و إذا كان للدار جاران أحدهما غائب و الآخر حاضر فخاصم الحاضر إلى قاض لا يرى الشفعة بالجوار فأبطل شفعته ثم حضر الغائب فخاصمه إلى قاض يرى الشفعة قضى له بجميع الدار لأن قضاء القاضي الأول صادفت محل الاجتهاد فنفذ و بطلت شفعة الحاضر فبقي حق الغائب في كل الدار لوجود سبب لاستحقاق الكل فيأخذ الكل بالشفعة و لو كان القاضي الأول قال : أبطلت كل الشفعة التي تتعلق بهذا البيع لم تبطل شفعة الغائب كذا قاله محمد و هو صحيح لأنه قضاء على الغائب و أنه لا يجوز و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و أما الذي يخص حالة الاجتماع فهو : أن أسباب استحقاق الشفعة إذا اجتمعت يراعى فيها الترتيب فيقدم الأقوى فالأقوى فيقدم الشريك على الخليط و الخليط على الجار لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الشريك أحق من الخليط و الخليط أحق من غيره ] و لأن المؤثر في ثبوت حق الشفعة هو دفع ضرر الدخيل و أذاه و سبب وصول الضرر و الأذى هو الاتصال و الاتصال على هذه المراتب فالاتصال بالشركة في عين المبيع أقوى من الاتصال بالخلط و الاتصال بالخلط أقوى من الاتصال بالجوار و الترجيح بقوة التأثير ترجيح صحيح فإن سلم الشريك وجبت للخليط .
و إن اجتمع خليطان يقدم الأخص على الأعم و إن سلم الخليط وجبت للجار لما قلنا و هذا جواب ظاهر الرواية و روي عن أبي يوسف أنه إذا سلم الشريك فلا شفعة لغيره .
وجه رواية أبي يوسف : أن الحق عند البيع كان للشريك لا لغيره ألا ترى أن غيره لا يملك المطالبة فإذا سلم سقط الحق أصلا و الصحيح جواب ظاهر الرواية لأن كل واحد من هذه الأشياء الثلاثة سبب صالح للاستحقاق إلا أنه يرجح البعض على البعض لقوة في التأثير على ما بينا فإذا سلم الشريك التحقت شركته بالعدم و جعلت كأنها لم تكن فيراعى الترتيب في الباقي كما لو اجتمعت الخلطة و الجوار ابتداء .
و بيان هذا في مسائل : دار بين رجلين في سكة غير نافذة طريقها من هذه السكة باع أحدهما نصيبه فالشفعة لشريكه لأن شريكه في عين الدار و شركة أهل السكة في الحقوق فكان الشريك في عين الدار أولى بالشفعة فإذا سلم فالشفعة لأهل السكة كلهم يستوي فيه الملاصق و غير الملاصق لأنهم كلهم خلطاء في الطريق فإن سلموا فالشفعة للجار و على ما روي عن أبي يوسف : إذا سلم الشريك سقطت الشفعة أصلا و لو انشعبت من هذه السكة سكة أخرى غير نافذة طريقها من هذه السكة باع أحدهما نصيبه فالشفعة لشريكة لأن شريكته في عين الدار و شركة أهل السكة في الحقوق فكان الشريك في عين الدار أولى بالشفعة فإذا سلم فالشفعة لأهل السكة كلهم يستوي فيه الملاصق و غير الملاصق لأنهم كلهم خلطاء في الطريق فإن سلموا فالشفعة للجار فعتها أهل السكة العليا و أهل السكة السفلى لأن خلطتهم في السكة العليا سواء فيستوون في الاستحقاق .
و قال محمد C : أهل الدرب يستحقون الشفعة بالطريق إذا كان ملكهم أو كان فناء غير مملوك أما إذا كان ملكا لهم فظاهر لوجود الخلطة و هي الشركة في الطريق و أما إذا كان فناء غير مملوك فلأنهم أخص به من غيرهم فكان في معنى المملوك و إن كانت السكة نافذة فبيعت دار فيها فلا شفعة إلا للجار الملاصق لأن الشركة العامة إباحة معنى لما قلنا .
و إن كان مملوكا فهو في حكم غير النافذ و الطريق النافذ الذي لا يستحق به الشفعة ما لا يملك أهله سده لأنه إذا كان كذلك يتعلق به حق جميع المسلمين فكانت شركته عامة فيشبه الإباحة .
و على هذا يخرج النهر إذا كان صغيرا يسقى منه أراضي معدودة أو كروم معدودة فبيع أرض منها أو كرم إن الشركاء في النهر كلهم شفعاء يستوي الملاصق و غير الملاصق لاستوائهم في الخلطة و هي الشركة في الشرب و إن كان النهر كبيرا فالشفعة للجار الملاصق بمنزلة الشوارع .
و اختلف في الحد الفاصل بين الصغير و الكبير قال أبو حنيفة و محمد رحمهما الله إذا كان تجري فيه السفن فهو كبير و إن كان لا تجري فهو صغير و روي عن أبي يوسف C أنه قال : لا أستطيع أن أحد هذا بحد هو عندي على ما أرى حين يقع ذلك .
و روي عن أبي يوسف C رواية أخرى : أنه إن كان يسقى منه مراحان أو ثلاثة أو بستانان أو ثلاثة ففيه الشفعة و ما زاد على ذلك فلا كذا ذكر الكرخي Bه الاختلاف بين أصحابنا و القاضي لم يذكر خلافهم و إنما ذكر اختلاف المشايخ رحمهم الله قال بعضهم : إن كان شراء النهر بحيث يحصون فهو صغير و إن كانوا لا يحصون فهو كبير .
و قال بعضهم : إن كانوا مائة فما دونهم فهو صغير و إن كانوا أكثر من مائة فهو كبير و قال بعضهم هو مفوض إلى رأي القاضي فإن رآه صغيرا قضى بالشفعة لأهله و إن رآه كبيرا قضى بها للجار الملاصق .
و لو نزع من هذا النهر نهر آخر فيه أرضون أو بساتين و كروم فبيع أرض أو بستان شربه من هذا النهر النازع فأهل هذا النهر أحق بالشفعة من أهل النهر الكبير ألا ترى أنهم مختصون بشرب النهر النازع فكانوا أولى كما في السكة المتشعبة من سكة غير نافذة و لو بيعت أرض على النهر الكبير كان أهله و أهل النهر النازع في الشفعة سواء لاستوائهم في الشرب .
قال محمد C : في قراح واحد في وسط ساقية جارية شرب هذا القرح منها من الجانبين فبيع القراح فجاء شفيعان أحدهما يلي هذه الناحية في القراح و الآخر يلي الجانب الآخر قال هما شفيعان في القرح و ليست الساقية بحائلة لأن الساقية من حقوق هذا القرح فلا يعتبر فاصلا كالحائط الممتد و لو كانت هذه الساقية بجوار القراح و يشرب منها ألف جريب من هذا القراح فأصحاب الساقية أحق بالشفعة من الجار لأنهم شركاء في الشرب و الشريك مقدم على الجار لما مر و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و على هذا يخرج ما روي عن أبي يوسف أنه قال في دار بين رجلين و لرجل فيها طريق فباع أحدهما نصيبه من الدار أن الشريك أحق بالشفعة من صاحب الطريق لأن الشريك في عين العقار أحق من الخليط .
و كذلك إذا كانت الدار بين رجلين و لأحدهما حائط بأرضه في الدار بينه و بين آخر فباع الذي له شركة في الحائط نصيبه من الدار و الحائط فالشريك في الدار أحق بشفعة الدار و الشريك في الحائط أولى بالحائط لأن الشريك في الحائط ليس بشريك في الدار بل هو جار لبقية الدار و الشريك مقدم على الجار و كذلك دار بين رجلين و لأحدهما بئر في الدار بينه و بين آخر فباع الذي له شركة في البئر نصيبه من الدار و البئر فالشريك في الدار أحق بشفعة الدار : و الشريك في البئر أحق بالبئر لما ذكرنا أن الشريك في البئر جار لبقية الدار و الشريك مقدم على الجار .
و كذلك سفل لرجلين و لأحدهما علو بينه و بين آخر فباع الذي له نصيب في السفل و العلو نصيبه فلشريكه في السفل الشفعة في السفل و لشريكه في العلو الشفعة في العلو و لا شفعة لشريكه في السفل في العلو و لا لشريكه في العلو في السفل لأن شريكه في السفل جار العلو و شريكه في حقوق العلو و إن كان طريق العلو فيه ليس بشريك له في العلو و الشريك في عين البقعة أو ما هو في معنى البقعة مقدم على الجار و الشريك في الحقوق و شريكه في العلو جار للسفل أو شريكه في الحقوق إذا كان طريق العلو في تلك الدار و لا شركة له في عين البقعة فكان الشريك في عين البقعة أولى .
و لو كان لرجل علو على دار و طريقه فيها و بقية الدار لآخر فباع صاحب العلو العلو بطريقه فالقياس أن لا شفعة لصاحب السفل في العلو و في الاستحسان تجب .
وجه القياس : أن من شرائط وجوب الشفعة أن يكون المبيع عقارا و العلو منقول فلا تجب فيه الشفعة كما لا تجب في سائر المنقولات .
وجه الاستحسان : أن العلو في معنى العقار لأن حق البناء على السفل حق لازم لا يحتمل البطلان فأشبه العقار الذي لا يحتمل الهلاك فكان ملحقا بالعقار فيعطى حكمه و لو كان طريق هذا العلو في دار رجل آخر فبيع العلو فصاحب الدار التي فيها الطريق شريك في الحقوق و صاحب الدار التي عليها العلو جار و الشريك مقدم على الجار فإن سلم صاحب الطريق الشفعة فإن لم يكن للعلو جار ملاصق أخذه صاحب الدار التي عليها العلو بالجوار لأنه جاره و إن كان للعلو جار ملاصق أخذه بالشفعة مع صاحب السفل لأنهما جاران و إن لم يكن جار العلو ملاصقا و بين العلو و بين مسكنه طائفة من الدار فلا شفعة له لأنه ليس بجار .
و لو باع صاحب السفل السفل كان صاحب العلو شفيعا لأنه جاره و ليس شريكه و هو كدارين متجاورين لأحدهما خشب على حائط الآخر إن صاحب الخشب لا يستحق إلا بالجوار و لا يستحق بالخشب شيئا و لو بيعت الدار التي فيها طريق العلو فصاحب العلو أولى بشفعة الدار من الجار لأنه شريك في الحقوق فكان مقدما على الجار .
و روي عن أبي يوسف أنه قال في بيت عليه غرفتان إحداهما فوق الأخرى و لكل غرفة طريق في دار أخرى و ليس بينهما شركة في الطريق فباع صاحب البيت الأوسط بيته و سلم صاحب الطريق فالشفعة لصاحب العلو لصاحب السفل جميعا لاستوائهما في الجوار فإن باع صاحب العلو كانت الشفعة للأوسط دون الأسفل لأن الجوار له لا للأسفل .
و على هذا يخرج ما روي عن أبي يوسف أنه قال : في دار فيها مسيل ماء لرجل آخر فبيعت الدار كانت له الشفعة بالجوار لا بالشركة و ليس المسيل كالشرب لأن صاحب المسيل مختص بمسيل الماء لا شركة للآخر فيه فصار كحائط لصاحب إحدى الدارين في الأخرى و لو أن حائطا بين داري رجلين و الحائط بينهما فصاحب الشرك في الحائط أولى بالحائط من الجار و بقية الدار يأخذها بالجوار مع الجار بينهما هكذا روي عن أبي يوسف و زفر رحمهما الله و روي عن أبي يوسف رواية أخرى أن الشريك في الحائط أولى بجميع الدار .
وجه هذه الرواية : أن الشريك في الحائط شريك في بعض المبيع فكان أولى من الجار الذي لا شركة له كالشريك في الشرب و الطريق .
وجه الرواية الأولى : أن الشريك في الحائط شريك لكن في بقعة معينة و هي ما تحت الحائط لا فيه بقية الدار بل هو جار في بقية الدار فكان أولى بما هو شريك فيه و بقية الدار بينه و بين الجار الآخر لاستوائهما في الجوار و كذلك الدار لرجل فيها بيت بينه و بين غيره فباع الرجل الدار و طلب الجار الشفعة و طلبها الشريك في البيت فصاحب الشركة في البيت أولى بالبيت و بقية الدار بينهما نصفان .
قال الكرخي عليه الرحمة : و أصح الروايات عن أبي يوسف أن الشريك في الحائط أولى ببقية الدار من الجار لما ذكرنا من تحقق الشركة في نفس المبيع و الشريك مقدم على الجار قال : و عن محمد مسألة تدل على أن الشريك في الحائط أولى فإنه قال في حائط بين دارين لكل واحد منهما عليه خشبة و لا يعلم أن الحائط بينهما إلا بالخشبة فبيعت إحدى الدارين قال : فإن أقام الآخر بينة أن الحائط بينهما فهو أحق من الجار لأنه شريك و إن لم يقم بينة لم أجعله شريكا و قوله أحق من الجار أي أحق بالجميع لا بالحائط خاصة و هذا مقتضى ظاهر هذا الإطلاق .
و روي عن أبي يوسف : فيمن اشترى حائطا بأرضه ثم اشترى ما بقي من الدار ثم طلب جار الحائط الشفعة فله الشفعة في الحائط و لا شفعة له فيما بقي من الدار لأنه لم يكن جارا لبقية الدار وقت البيع إذ الحائط حال بين ملكه و بقية الدار فلا تجب الشفعة له .
و روي عن أبي يوسف : في دار بين رجلين لرجل فيها طريق فباع أحدهما نصيبه من الدار فشريكه في الدار أحق بالشفعة في الدار و لصاحب الطريق الشفعة في الطريق لأن الطريق إذا كان معينا كان بمنزلة الحائط على ما ذكرناه و هذا على الرواية التي تقول الشريك في الحائط جار في بقية الدار على ما ذكرنا فيما تقدم و الله أعلم