وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

بيان أحكام الأشربة .
منها : أنه يحرم شرب قليلها و كثيرها إلا عند الضرورة لأنها محرمة العين فيستوي في الحرمة قليلها و كثيرها .
و الدليل على أنها محرمة العين قوله سبحانه و تعالى { رجس من عمل الشيطان } و صف سبحانه و تعالى الخمر بكونها رجسا و غير المحرم لا يوصف به فهذا يدل على كونها محرمة في نفسها و قوله عز من قائل : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة } الآية فدل على حرمة السكر فحرمت عينها و السكر منها .
و قال عليه الصلاة و السلام : [ حرمت الخمر لعينها قليلها و كثيرها و السكر من كل شراب ] إلا أنه رخص شربها عند شرورة العطش أو لإكراه قدر ما تندفع به الضرورة لأن حرمة قليلها ثبتت بالشرع المحض فاحتمل السقوط بالضرورة كحرمة الميتة و نحو ذلك و كذا لا يجوز الانتفاع بها للمداواة و غيرها لأن الله تعالى لم يجعل شفاءنا فيما حرم علينا و يحرم على الرجل أن يسقي الصغير الخمر فإذا سقاه فالإثم عليه دون الصغير لأن خطاب التحريم يتناوله .
و منها : أن يكفر مستحلها لأن حرمتها ثبتت بدليل مقطوع به و هو نص الكتاب الكريم فكان منكر الحرمة منكرا للكتاب .
و منها : أن يحد شاربها قليلا أو كثيرا لإجماع الصحابة Bه تعالى عنهم على ذلك و لو شرب خمرا ممزوجا بالماء إن كانت الغلبة للخمر يجب الحد و إن غلب الماء عليها حتى زال طعمها و ريحها لا يجب لأن الغلبة إذا كانت للخمر فقد بقي اسم الخمر و معناها و إذا كانت الغلبة للماء فقد زال الاسم و المعنى إلا أنه يحرم شرب الماء الممزوج بالخمر لما فيه من أجزاء الخمر حقيقة و كذا يحرم شرب الخمر المطبوخ لأن الطبخ لا يحل حراما و لو شربها يجب الحد لبقاء الاسم و المعنى بعد الطبخ و لو شرب دردي الخمر لا حد عليه إلا إذا سكر لأنه لا يسمى خمرا و معنى الخمرية فيه ناقص لكونه مخلوطا بغيره فأشبه المنصف و إذا سكر منه يجب حد السكر كما في المنصف و يحرم شربه لما فيه من أجزاء الخمر و من وجد منه رائحة الخمر أو قاء خمرا لا حد عليه لأنه يحتمل أنه شربها مكرها فلا يجب مع الاحتمال و لا حد على أهل الذمة و إن سكروا من الخمر لأنها حلال عندهم و عن الحسن بن زياد C أنهم يحدون إذا سكروا لأن السكر حرام في الأديان كلها .
و منها : أن حد شرب الخمر و حد السكر مقدار بثمانين جلدة في الأحرار لإجماع الصحابة Bهم و قياسهم على حد القذف حتى قال سيدنا علي Bه إذا سكر هدى و إذا هدى افترى و حد المفترين ثمانون جلدة و بأربعين في العبيد لأن الرق منصف للحد كحد القذف و الزنا قال الله جل و علا : { فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } .
و منها : أنه يحرم على المسلم تمليكها و تملكها بسائر أسباب الملك من البيع و الشراء و غير ذلك لأن كل ذلك انتفاع بالخمر و أنها محرمة الانتفاع على المسلم .
و روي عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : [ يا أهل المدينة إن الله تبارك و تعالى قد أنزل تحريم الخمر فمن كتب هذه الآية و عنده شيء منها فلا يشربها و لا يبيعها فسكبوها في طرق المدينة ] إلا أنها تورث لأن الملك في الموروث ثبت شرعا من غير صنع العبد فلا يكون ذلك من باب التمليك و التملك و الخمر إن لم تكن متقومة فهي مال عندنا فكانت قابلة للملك في الجملة .
و منها : أنه لا يضمن متلفها إذا كانت لمسلم لأنها ليست متقومة في حق المسلم و إن كانت مالا في حقه و إتلاف مال غير متقوم لا يوجب الضمان و إن كانت لذمي يضمن عندنا خلافا للشافعي C و هي من مسائل الغصب .
و منها : أنها نجسة غليظة حتى لو أصاب ثوبا أكثر من قدر الدرهم يمنع جواز الصلاة لأن الله تبارك و تعالى سماها رجسا في كتابه الكريم يقوله : { رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } و لو بل بها الحنطة فغسلت و جففت و طحنت فإن لم يوجد منها طعم الخمر و رائحتها يحل أكله و إن وجد لا يحل لأن قيام الطعم و الرائحة دليل بقاء أجزاء الخمر و زوالها دليل زوالها و لو سقيت بهيمة منها ثم ذبحت فإن ذبحت ساعة سقيت به تحل من غير كراهة لأنها في أمعائها بعد فتطهر بالغسل و إن مضى عليها يوم أو أكثر تحل مع الكراهة لاحتمال أنها تفرقت في العروق و الأعصاب .
و منها : إذا تخللت بنفسها يحل شرب الخل بلا خلاف لقوله عليه السلام : [ نعم الإدام الخل ] و إنما يعرف التخلل بالتغير من المرارة إلى الحموضة بحيث لا يبقى فيها مرارة أصلا عند أبي حنيفة Bه حتى لو بقي فيها بعض المرارة لا يحل و عند أبي يوسف و محمد تصير خلا بظهور قليل الحموضة فيها لأن من أصل أبي حنيفة C أن العصير من ماء العنب لا يصير خمرا إلا بعد تكامل معنى الخمرية فيه فكذا الخمر لا يصير خلا إلا بعد تكامل معنى الخلية فيه و عندهما يصير خمورا بظهور دليل الخمرية و يصير خلا بظهور دليل الخلية فيه هذا إذا تخللت بنفسها فأما إذا خللها صاحبها بعلاج من خل أو ملح أو غيرهما فالتخليل جائز و الخل حلال عندنا و عند الشافعي لا يجوز التخليل و لا يحل الخل و إن خللها بالنقل من موضع إلى موضع فلا شك أنه يحل عندنا و للشافعي C قولان .
و احتج بما [ روي أن بعد نزول تحريم الخمر كانت عند أبي طلحة الأنصاري C خمور لأيتام فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و قال : ما نصنع بها يا رسول الله فقال عليه الصلاة و السلام : أرقها فقال أبو طلحة : أفلا أخللها قال عليه الصلاة و السلام : لا ] نص عليه الصلاة و السلام على النهي عن التخليل و حقيقة النهي للتحريم و لأن في الاشتغال بالتخليل احتمال الوقوع في الفساد و يتنجس الظاهر منه ضرورة و هذا لا يجوز بخلاف ما إذا تخللت بنفسها .
و لنا : ما روي عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال [ أيما إهاب دبغ فقد طهر ] كالخمر إذا تخلل فيحل فحقق عليه الصلاة و السلام التخليل و أثبت حل الخل شرعا و لأن التخليل سبب لحصول الحل فيكون مباحا استدلالا بما أمسكها حتى تخللت .
و الدليل على أنه سبب لحصول الحل أن بهذا الصنع صار المائع حامضا بحيث لا يبين في الذوق أثر المرارة فلا يخلو إما إن كان ذلك لغلبة الحموضة المرارة مع بقائها في ذاتها و إما إن كان لتغير الخمر من المرارة إلى الحموضة لا سبيل إلى الأول لأنها لا حموضة في الملح لتغلب المرارة و كذا بإلقاء حلو قليل يصير حامضا في مدة قليلة لا تتخلل بنفسها عادة و القليل لا يغلب الكثير فتعين أن ظهور الحموضة بإجراء الله تعالى العادة على أن مجاوزة الخل يغيرها من المرارة إلى الحموضة في مثل هذا الزمان فثبت أن التخليل سبب لحصول الحل فيكون مباحا لأنه حينئذ يكون اكتساب مال متقوم عندنا و عنده يكون اكتساب المال و كل ذلك مشروع .
و أما الحديث : فقد روي أن أبا طلحة C لما قال : أفلا أخللها قال عليه الصلاة و السلام : [ نعم ] فتعارضت الروايتان فسقط الاحتجاج على أنه يحمل على النهي عن التخليل لمعنى في غيره و هو دفع عادة العامة لأن القوم كانوا حديثي العهد بتحريم الخمر فكانت بيوتهم لا تخلو عن خمر و في البيت غلمان و جواري و صبيان و كانوا ألفوا شرب الخمر و صار عادة لهم و طبيعة و النزوع عن العادة أمر صعب فقيم البيت إن كان ينزجر عن ذلك ديانة فقل ما يسلم الأتباع عنها لو أمر بالتخليل إذ لا يتخلل من ساعتها إلا بعد وقت معتبر فيؤدي إلى فساد العامة و هذا لا يجوز و قد انعدم ذلك المعنى في زماننا ليقرر التحريم و يألف الطبع تحريمها حملناه على هذا دفعا للتناقض عن الدليل و به تبين أن ليس فيما قلناه احتمال الوقوع في الفساد .
و قوله : تنجس الظاهر من غير ضرورة نعم لكن لحاجة و إنه لجائز كدبغ جلد الميتة و الله سبحانه و تعالى أعلم .
ثم لا فرق في ظاهر الرواية بين ما إذا ألقى فيها شيئا قليلا من الملح أو السمك أو الخل أو كثيرا تحل في الحالين جميعا .
و روي عن أبي يوسف أنه إن كان الخل كثيرا لا يحل .
وجه رواية أبي يوسف C أن الملقى من الخل إذا كان قليلا فهذا تخليل لظهور الحموضة فيها بطريق التغيير فأما إذا كان كثيرا فهذا ليس بتخليل بل هو تغليب لغلبة الحموضة المرارة فصار كما لو ألقى فيها كثيرا من الحلاوات حتى صار حلوا أنه لا يحل بل يتنجس الكل فكذا هذا .
وجه ظاهر الرواية أن كل ذلك تخليل أما إذا كان قليلا فظاهر و كذلك إذا كان كثيرا لما ذكرنا أن ظهور الحموضة عند إلقاء الملح و السمك لا يكون بطريق التغليب لانعدام الحموضة فيها فتعين أن يكون بطريق التغيير و في الكثير يكون أسرع و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و أما السكر و الفضيخ و نقيع الزبيب فيحرم شرب قليلها و كثيرها لما روي عن النبي عليه الصلاة و السلام أنه قال : [ الخمر من هاتين الشجرتين ] و أشار عليه الصلاة و السلام إلى النخلة و الكرمة و التي ههنا هو المستحق لاسم الخمر فكان حراما .
و سئل عبد الله بن مسعود Bه عن التداوي بالسكر فقال : إن الله تبارك و تعالى لم يجعل شفاؤكم فيما حرم عليكم .
و عن ابن عباس Bهما قال : السكر هي الخمر ليس لها كنية و روي أنه لما سئل عن نقيع الزبيب قال : الخمر أحيتها أشار إلى علة الحرمة و هي أن إيقاع الزبيب في الماء إحياء للخمر لأن الزبيب إذا نقع في الماء يعود عنبا فكان نقيعه كعصير العنب و لأن هذا لا يتخذ إلا للسكر فيحرم شرب قليلها و كثيرها .
فإن قيل : أليس أن الله تبارك و تعالى قال : { ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } و هذا خرج مخرج تذكير النعمة و التنبيه على شكرها فيدل على حلها ؟ فالجواب : قيل إن الآية منسوخة بآية تحريم الخمر فلا يصح الاحتجاج بها .
و الثاني : عن لم تكن منسوخة فيحتمل أن ذلك خرج مخرج التغيير أي إنكم تجعلون ما أعطاكم الله تعالى من ثمرات النخيل و الأعناب التي هي حلال بعضها حراما و هو الشراب و البعض حلالا و هو الدبس و الزبيب و الخل و نحو ذلك .
نظيره قوله تعالى { قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا } و على هذا كانت الآية حجة عليكم لأن التغيير على الحرام لا على الحلال و لا يكفر مستحلها و لكن يضلل لأن حرمتها دون حرمة الخمر لثبوتها بدليل غير مقطوع به من أخبار الآحاد و آثار الصحابة Bهم على ما ذكرنا و لا من كل شراب كحرمة الخمر لثبوتها بدليل مقطوع به و هو نص الكتاب العزيز قال الله تعالى عز شأنه في الآية الكريمة : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } و هذه المعاني تحصل بالسكر من كل شراب فكانت حرمة السكر من كل شراب ثابتة بنص الكتاب العزيز كحرمة الخمر و لهذا جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الحرمتين في قوله عليه الصلاة و السلام : [ حرمت عليكم الخمر لعينها قليلها و كثيرها و السكر من كل شراب ] .
و معلوم أنه عليه الصلاة و السلام ما أراد به أصل الحرمة لأن ذلك لا يقف على السكر في كل شراب دل أن المراد منه الحرمة الكاملة التي لا شبهة فيها كحرمة الخمر و كذا جمع سيدنا علي Bه بينهما في الحد فقال : فيما أسكر من النبيذ ثمانون و في الخمر قليلها و كثيرها ثمانون و يجوز بيعها عند أبي حنيفة مع الكراهة و عند أبي يوسف و محمد لا يجوز أصلا .
وجه قولهما : أن محل البيع هو المال و إنه اسم لما يباح الانتفاع به حقيقة و شرعا و لم يوجد فلا يكون مالا فلا يجوز بيعها كبيع الخمر .
وجه قول أبي حنيفة Bه أن البيع مبادلة شيء مرغوب فيه بشيء مرغوب فيه قال الله تبارك و تعالى : { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين } و قد وجد ههنا لأن الأشربة مرغوب فيها و المال اسم لشيء مرغوب فيه إلا الخمر مع كونها مرغوبا فيها لا يجوز بيعها بالنص الذي روينا و النص ورد باسم الخمر فيقتصر على مورد النص .
و على هذا الخلاف إذا أتلفها إنسان يضمن عنده و عندهما لا يضمن .
و منها : حكم نجاستها فقد روي عن أبي حنيفة Bه أنها لو أصابت الثوب أكثر من قدر الدرهم تمنع جواز الصلاة لنه يحرم شرب قليلها و كثيرها كالخمر فكانت نجاستها غليظة كنجاسة الخمر و روي أنها لا تمنع أصلا لأن نجاسة الخمر إنما تثبت بالشرع بقوله عز شأنه : { رجس من عمل الشيطان } فيختص باسم الخمر .
و عن أبي يوسف C أنه اعتبر فيها الكثير الفاحش كما في النجاسة الحقيقية لأنها و إن كانت محرمة الانتفاع لكن حرمتها دون حرمة الخمر حتى لا يكفر مستحلها و لا يحد بشرب القليل منها فأوجب ذلك خفة في نجاستها هذا الذي ذكرنا حكم النيء من عصير العنب و نبيذ التمر و نقيع الزبيب