وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

بسم الله الرحمن الرحيم ـ و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين بقية كتاب البيوع ـ شرائط الصحة ـ الخلو عن الشروط الفاسدة .
و منها : الخلو عن الشروط الفاسدة و هي أنواع : منها شرط في وجوده غرر نحو ما إذا اشترى ناقة على أنها حامل لأن المشروط يحتمل الوجود و العدم و لا يمكن الوقوف عليه للحال لأن عظم البطن و التحرك يحتمل أن يكون لعارض داء أو غيره فكان في وجوده غرر فيوجب فساد البيع لما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه : [ نهى عن بيع الغرر ] و المنهى عنه فاسد و روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة Bهما ان البيع بهذا الشرط جائز لأن كونها حاملا بمنزلة كون العبد كاتبا او خياطا و نحو ذلك و ذا جائز فكذا هذا .
و لو اشترى جارية على أنها حامل إلا رواية فيه عن أصحابنا و اختلف المشايخ فيه .
قال بعضهم : لا يجوز البيع قياسا على البهائم و إليه أشار محمد C في البيوع فإنه قال : لو باع و تبرأ من حملها جاز البيع و ليس هذا كالشرط .
و ظاهر قوله : و ليس هذا كالشرط يشير إلى أن شرط الخيار فيه مفسد و قال بعضهم : يجوز لأن الحبل في الجواري عيب بدليل أنه لو اشترى جارية فوجدها حاملا له أن يردها فكان ذكر الحبل في الجواري إبراء عن هذا العيب بخلاف البهائم لأن الحبل فيها زيادة .
ألا ترى أنه لو اشترى بهيمة فوجدها حاملا ليس له حق الرد فكان ذكر الحبل فيها شرطا في وجوده غرر فيفسد البيع و بعضهم فصل فيه تفصيل فقال : إن اشتراها ليتخذها ظئرا فالبيع فاسد لأنه شرط زيادة في وجودها خطر و هي مجهولة أيضا فأشبه اشتراط الحبل في بيع الناقة و إن لم يرد بالشراء ذلك جاز البيع لأن ذكره يكون إبراء عن هذا العيب على ما بينا .
و لو اشترى ناقة و هي حامل على أنها تضع حملها إلى شهر أو شهرين فالبيع فاسد لأن في وجود هذا الشرط غررا و كذا لو اشترى بقرة على أنها تحلب كذا كذا رطلا لما قلنا و لو اشترى بقرة على أنها حلوبة لم يذكر هذا في ظاهر الرواية و روى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة C أنه يجوز و هو قياس روايته في شرط الحبل .
و وجهه : أن شرط كونها حلوبة شرط زيادة صفة فأشبه شرط الطبخ و الخبز في الجواري و روى ابن سماعة في نوادره عن محمد رحمهما الله أنه لا يجوز و هو اختيار الكرخي C .
و وجهه : أن هذا شرط زيادة فيجري في وجودها غرر و هو مجهول و هو اللبن فلا يصلح شرطا في البيع و كونها حلوبة إن كان صفة لها لكنها لا توصف به إلا بوجود اللبن و في وجوده غرر و جهالة على ما ذكرنا فيوجب فساد البيع و لو اشترى بقرة على أنها لبون ذكر الطحاوي : أن هذا الشرط لا يفسد البيع و الجواب فيه كالجواب في الحلوبة و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و لو اشترى قمرية على أنها تصوت أو طيرا على انه يجيء من مكان بعيد او كبشا على أنه نطاح أو ديكا على أنه مقاتل فالبيع فاسد عند أبي حنيفة C و هو إحدى الروايتين عن محمد C لأنه شرط فيه غرر و الوقوف عليه غير ممكن لأنه لا يحتمل الجبر عليه فصار كشرط الحبل و لأن هذه صفات يتلهى بها عادة و التلهي محظور فكان هذا شرطا محظورا فيوجب فساد البيع .
و روي عن محمد C أنه إذا باع قمرية على انها تصوت فإذا صوتت جاز البيع لأنها لما صوتت علم أنها مصوتة فلم يتحقق غرر العدم و على هذه الرواية قالوا في المحرم إذا قتل قمرية مصوتة : أنه يضمن قيمتها مصوتة .
و لو اشترى جارية على انها مغنية على سبيل الرغبة فيها فالبيع فاسد لأن التغنية صفة محظورة لكونها لهوا فشرطها في البيع يوجب فساده و لو اشترى جارية على أنها مغنية على وجه إظهار العيب جاز البيع لأن هذا بيع بشرط البراءة عن هذا العيب فصار كما لو باعها بشرط البراءة عن عيب آخر فإن وجدها لا تغني لا خيار له لأن الغناء في الجواري عيب فصار كما لو اشترى على أنه معيب فوجده سليما .
و لو اشترى كلبا أو فهدا على أنه معلم قال أبو يوسف : يجوز البيع و هو إحدى الروايتين عن محمد لأن هذا شرط يمكن الوقوف عليه بأن يأخذ المصيد فيمسكه على صاحبه و ذا ليس بشرط محظور لأن تعليم الكلب و الاصطياد به مباح فأشبه شرط الكتابة في العبد و الطبخ في الجارية .
و روي عن محمد أن البيع فاسد لأنه شرط فيه غرر إذ لا يمكن الوقوف عليه إلا بالاصطياد و الجبر عليه غير ممكن و لو اشترى برذونا على أنه هملاج فالبيع جائز لأنه شرط يمكن الوقوف عليه بالتسيير فلم يكن في وجوده غرر و لا خطر أيضا و إن شئت أفردت لجنس هذه المسائل شرطا على حدة و خر جتها إليه فقلت و منها أن لا يكون المشروط محظورا فافهم .
و منها : شرط لا يقتضيه العقد و فيه منفعة للبائع أو للمشتري أو للمبيع إن كان من بني آدم كالرقيق و ليس بملائم للعقد و لا مما جرى به التعامل بين الناس نحو : ما إذا باع دارا على أن يسكنها البائع شهرا ثم يسلمها إليه أو أرضا على أن يزرعها سنة أو دابة على أن يركبها شهرا أو ثوبا على أن يلبسه أسبوعا أو على أن يقرضه المشتري قرضا أو على أن يهب له هبة أو يزوج ابنته منه أو يبيع منه كذا و نحو ذلك أو اشترى ثوبا على أن يخيطه البائع قميصا أو حنطة على أن يطحنها أو ثمرة على أن يجذها أو رطبة قائمة على الأرض على أن يجذها أو شيئا له حمل و مؤونة على أن يحمله البائع إلى منزله و نحو ذلك فالبيع في هذا كله فاسد لأن زيادة منفعة مشروطة في البيع تكون ربا لأنها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع و هو تفسير الربا و البيع الذي فيه الربا فاسد أو فيه شبهة الربا و إنها مفسدة للبيع كحقيقة الربا على ما نقرره إن شاء الله تعالى .
و كذا لو باع جارية على ان يدبرها المشتري أو على أن يستولدها فالبيع فاسد لأنه شرط فيه منفعة للمبيع و إنه مفسد و كذا لو باعها بشرط أن يعتقها المشتري فالبيع فاسد في ظاهر الرواية عن أصحابنا و روى الحسن عن أبي حنيفة Bهما أنه جائز و به أخذ الشافعي C .
و وجه هذه الرواية : أن شرط الإعتاق مما يلائم العقد لأن الإعتاق إنهاء الملك و إنهاء الملك تقرير له فكان ملائما و الدليل على أن الإعتاق إنهاء للملك : أن البيع ثبت مقتضى الأمر بالإعتاق في قول الرجل : أعتق عبدك عني على ألف درهم فأعتق حتى يقع العتق عن الآمر و لا عتق إلا بالملك و لا ملك إلا بالتمليك فلو كان الإعتاق إزالة الملك لما تصور وجود الإعتاق مقتضاه لأنه ضده والشيء لا يقتضي ضده و إذا كان إنهاء الملك كان تقرير له فكان ملائما للعقد فلا يوجب فساده و لظاهر الرواية وجهان : .
أحدهما : يعم الكل .
و الثاني : يخص أبا حنيفة عليه الرحمة .
أما الأول فهو : ان شرط العتق شرط لا يلائمه العقد لأن العقد يقتضي الملك و الملك و الملك يقتضي إطلاق التصرف في المملوك تحصيلا و تركا و شرط الإعتاق يقتضي الاستحقاق و اللزوم لا محالة فلا يلائمه بل يضاده .
و أما الثاني فلأن هذا الشرط يلائم العقد من وجه و لا يلائمه من وجه و هذا يوجب الفساد على ما نذكر تقريره ثم إذا باع بهذا الشرط فأعتقه المشتري انقلب جائزا بالإعتاق عند أبي حنيفة استحسانا حتى يجب على المشتري الثمن سواء أعتقه بعد القبض أو قبله هكذا روى ابن شجاع عن أبي حنيفة رحمهما الله .
و قال أبو يوسف و محمد رحمهما الله : لا ينقلب جائزا حتى تلزمه قيمة الجارية و هو القياس و هكذا روى أبو يوسف عن أبي حنيفة C .
و وجهه ظاهر لأن البيع وقع فاسدا من حين وجوده و بالإعتاق لا ينعدم الفساد بل يتقرر لأنه إنهاء للملك و إنه تقرير فيوجب تقرر الفساد للفاسد و الفاسد يفيد بالقيمة لا بالثمن و لهذا لو هلك العبد في يده قبل الإعتاق تلزمه القيمة .
و كذا لو باعه من رجل أو وهبه فعليه قيمته كذا ههنا و لأبي حنيفة C ما ذكرنا : أن شرط الإعتاق يلائم العقد من وجه و لا يلائمه من وجه لأنه إنهاء من وجه و إزالة من وجه فمن حيث إنه إنهاء كان يلائمه لأنه تقرير لكن من حيث إنه إزالة لا يلائمه لأنه تغيير موجب العقد فيجب العمل بالشبهين فعملنا بشبه الإزالة فقلنا بفساد العقد في الابتداء و عملنا بشبه الإنهاء فقلنا بجوازه في الانتهاء عملا بالشبهين بقدر الإمكان .
فإن قيل : لم لا يعمل بهما على القلب مما قلتم قيل : لأنه لا يمكن لأنا لم نجد جائزا انقلب فاسدا في أصول الشريعة و وجدنا فاسدا انقلب جائزا كما في بيع الرقم بخلاف ما إذا باع أو وهب لأن ذلك ليس إنهاء الملك و بخلاف ما إذا باع بشرط التدبير أو الاستيلاد فدبرها المشتري أو استولدها أن البيع لا ينقلب إلى الجواز لأن التدبير و الاستيلاد لا يوجبان إنهاء الملك بيقين لاحتمال قضاء القاضي بجواز بيع المدبر و بجواز بيع أم الولد في الجملة فكان ذلك شرطا لا يلائم العقد أصلا فأوجب لزوم الفساد .
و كذا لو باع عبدا أو جارية بشرط أن لا يبيعه و أن لا يهبه و أن لا يخرجه عن ملكه فالبيع فاسد لأن هذا شرط ينتفع به العبد و الجارية بالصيانة عن تداول الأيدي فيكون مفسدا للبيع .
و اما فيما سوى الرقيق إذا باع ثوبا على أن لا يبيعه المشتري أو لا يهبه أو دابة على أن لا يبيعها أو يهبها أو طعاما على أن يأكله و لا يبيعه ذكر في المزارعة ما يدل على جواز البيع فإنه قال : لو شرط أحد المزارعين في المزارعة على أن لا يبيع الآخر نصيبه و لا يهبه فالمزارعة جائزة و الشرط باطل و هكذا روى الحسن في المجرد عن أبي حنيفة C و في الإملاء عن أبي يوسف أن البيع بهذا الشرط فاسد .
و وجهه : أنه شرط لا يقتضيه العقد و لا يلائمه و لا جرى به التعارف بين الناس فيكون مفسدا كما في سائر الشرائط المفسدة و الصحيح ما ذكر في المزارعة لأن هذا شرط لا منفعة فيه لأحد فلا يوجب الفساد و هذا لأن فساد البيع في مثل هذه الشروط لتضمنها الربا و ذلك بزيادة منفعة مشروطة في العقد لا يقابلها عوض و لم يوجد في هذا الشرط لأنه لا منفعة فيه لأحد إلا أنه شرط فاسد في نفسه لكنه لا يؤثر في العقد فالعقد جائز و الشرط باطل .
و لو باع ثوبا على أن يحرقه المشتري أو دارا على أن يخربها فالبيع جائز و الشرط باطل لأن شرط المضرة لا يؤثر في البيع على ما ذكرنا و لو باع جارية على أن لا يطأها المشتري ذكر ذلك في الاختلاف بين أبي يوسف و محمد رحمهما الله اختلافا و لم يذكر قول أبي حنيفة عليه الرحمة فقال البيع فاسد و الشرط باطل عند أبي يوسف و عند محمد : البيع جائز و الشرط باطل .
و لو باع بشرط أن يطأها جاز البيع و الشرط في قولهم جميعا و روي عن أبي حنيفة C : أن البيع فاسد في الموضعين جميعا .
وجه قول محمد : أن هذا شرط لا منفعة فيه لأحد فلا يؤثر في فساد البيع كما لو باع ما سوى الرقيق على أن لا يبيع أو لا يهب إلا أنه نوع مضرة للمشتري فكان باطلا و البيع صحيحا .
وجه قول أبي يوسف : أن هذا شرط يخالف مقتضى العقد لأن حل الوطء أمر يقتضيه العقد و هذا الشرط ينفيه ما إذا باع بشرط أن يطأها لأن ذلك شرط يقرر مقتضى العقد لأن إباحة الوطء مما يقتضيه العقد .
و لأبي حنيفة C على ما روي عنه : أن شرط الوطء مما لا يقتضيه العقد أيضا بل ينفيه لأن البيع يقتضي الحل لا الاستحقاق و قضية الشرط الاستحقاق و اللزوم و هما مما لا يقتضيه العقد بل ينفيه .
و أما الشرط الذي يقتضيه العقد فلا يوجب فساده كما إذا اشترى بشرط أن يتملك المبيع أو باع بشرط أن يتملك الثمن أو باع بشرط أن يحبس المبيع أو اشترى على أن يسلم المبيع أو اشترى جارية على أن تخدمه أو دابة على أن يركبها أو ثوبا على أن يلبسه أو حنطة في سنبلها و شرط الحصاد على البائع و نحو ذلك فالبيع جائز لأن البيع يقتضي هذه المذكورات من غير شرط فكان ذكرها في معرض الشرط تقريرا لمقتضى العقد فلا توجب فساد العقد .
و لو اشترى شيئا بشرط أن يوفيه في منزله فهذا لا يخلو : إما أن يكون المشتري و البائع بمنزلهما في المصر و إما أن يكون أحدهما في المصر و الآخر خارج المصر فإن كان كلاهما في المصر فالبيع بهذا الشرط جائز عند أبي حنيفة و أبي يوسف استحسانا إلا إذا كان في تصحيح هذا الشرط تحقيق الربا كما إذا تبايعا حنطة بحنطة و شرط أحدهما على صاحبه الإيفاء في منزله و عند محمد البيع بهذا الشرط فاسد و هو القياس لأنه شرط لا يقتضيه العقد و فيه منفعة للمشتري فأشبه ما إذا اشترى بشرط الحمل إلى منزله أو يشترط الإيفاء في منزله و أحدهما في المصر و الآخر خارج المصر .
و لهما : أن الناس تعاملوا البيع بهذا الشرط إذا كان المشتري في المصر فتركنا القياس لتعامل الناس و لا تعامل فيما إذا لم يكونا في المصر و في شرط الحمل إلى المنزل فعملنا بالقياس فيه .
و كذلك الشرط الذي لا يقتضيه العقد لكنه ملائم للعقد لا يوجب فساد العقد أيضا لأنه مقرر لحكم العقد من من حيث المعنى مؤكد إياه على ما نذكر إن شاء الله تعالى فيلحق بالشرط الذي هو من مقتضيات العقد و ذلك نحو ما إذا باع على أن يعطيه المشتري بالثمن رهنا أو كفيلا و الرهن معلوم و الكفيل حاضر فقبل .
و جملة الكلام في البيع بشرط إعطاء الرهن أن الرهن لا يخلو إما أن يكون معلوما أو مجهولا فإن كان معلوما فالبيع جائزا استحسانا و القياس أن لا يجوز لأن الشرط الذي يخالف مقتضى العقد مفسد في الأصل و شرط الرهن الكفالة مما يخالف مقتضى العقد فكان مفسدا إلا أن استحسنا الجواز لأن هذا الشرط لو كان مخالفا مقتضى العقد صورة فهو موافق له معنى لأن الرهن بالثمن شرع توثيقا للثمن .
و كذا الكفالة فإن حق البائع يتأكد بالرهن و الكفالة فكان كل واحد منهما مقررا لمقتضى العقد معنى فأشبه اشتراط صفة الجودة للثمن و أنه لا يوجب فساد العقد فكذا هذا و لو قبل المشتري المبيع على هذا الشرط ثم تمنع من تسليم الرهن لا يجبر على التسليم عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر : يجبر عليه وجه قوله : أن الرهن إذا شرط في البيع فقد صار حقا من حقوقه و الجبر على التسليم من حقوق البيع فيجبر عليه .
و لنا : أن الرهن عقد تبرع في الأصل و اشتراطه في البيع لا يخرجه عن أن يكون تبرعا و الجبر على التبرع ليس بمشروع فلا يجبر عليه و لكن يقال له : إما أن تدفع الرهن أو قيمته أو تؤدي الثمن أو يفسخ البائع البيع لأن البائع لم يرض بزوال المبيع عن ملكه إلا بوثيقة الرهن أو بقيمته لأن قيمته تقوم مقامه و لأن الدين يستوفى من مالية الرهن و هي قيمته و إذا أدى الثمن فقد حصل المقصود فلا معنى للفسخ .
و لو امتنع المشتري من هذه الوجوه فللبائع أن يفسخ البيع لفوات الشرط و الغرض و إن كان الرهن مجهولا فالبيع فاسد لأن جواز هذا الشرط مع أن القياس يأباه لكونه ملائما للعقد مقررا لمقتضاه معنى لحصول معنى التوثق و التأكد للثمن و لا يحصل ذلك إلا بالتسليم و أنه لا يتحقق في المجهول و لو اتفقا على تعيين رهن في المجلس جاز البيع لأن المانع هو جهالة الرهن و قد زال فكأنه كان معلوما معينا من الابتداء لأن المجلس له حكم حالة واحدة و إن افترقا عن المجلس تقرر الفساد .
و كذا إذا لم يتفقا على تعيين الرهن و لكن المشتري نقد الثمن جاز البيع أيضا لأن المقصود من الرهن هو الوصول إلى الثمن و قد حصل فيسقط اعتبار الوثيقة و كذلك البيع بشرط إعطاء الكفيل أن الكفيل إن كان حاضرا في المجلس و قبل جاز البيع استحسانا و إن كان غائبا فالبيع فاسد .
و كذا إذا كان حاضرا و لم يقبل لأن الجواز على مخالفة القياس ثبت لمعنى التوثيق و توكيد الثمن لما فيه من تقرير موجب العقد على ما بينا فإذا كان الكفيل غائبا أو حاضرا و لم يقبل لم تصح الكفالة فلم يحصل معنى التوثيق فبقي الحكم على ما يقتضيه القياس .
و كذا إذا كان الكفيل مجهولا فالبيع فاسد لأن كفالة المجهول لا تصح و لو كان الكفيل معينا و هو غائب ثم حضر و قبل الكفالة في المجلس جاز البيع لأنه جازت الكفالة بالقبول في المجلس و إذا حضر بعد الافتراق تأكد الفساد و لو شرط المشتري على البائع أن يحيله بالثمن على غريم من غرمائه أو على أن يضمن الثمن لغريم من غرماء البائع فالبيع فاسد لأن شرط الحوالة و الضمان شرط لا يقتضيه العقد و الشرط الذي لا يقتضيه العقد مفسد في الأصل إلا إذا كان فيه تقرير موجب العقد و تأكيده و الحوالة إبراء عن الثمن و إسقاط له فلم يكن ملائما للعقد بخلاف الكفالة و الرهن .
و كذلك إن كان مما لا يقتضيه العقد و لا يلائم العقد أيضا لكن للناس فيه تعامل فالبيع جائز كما إذا اشترى نعلا على أن يحدوه البائع أو جرابا على أن يخرزه له خفا أو ينعل خفه و القياس أن لا يجوز و هو قول زفر C .
وجه القياس : أن هذا شرط لا يتقضيه العقد و فيه منفعة لأحد العاقدين و انه مفسد كما إذا اشترى ثوبا بشرط أن يخيطه البائع له قميصا و نحو ذلك .
و لنا : أن الناس تعاملوا هذا الشرط في البيع كما تعاملوا الاستصناع فسقط القياس بتعامل الناس كما سقط في الاستصناع و لو اشترى جارية على أنها بكر و طباخة أو خبازة أو غلاما على انه كاتب أو خياط أو باع عبدا بألف درهم على أنها صحاح أو على أنها جياد نقد بيت المال أو اشترى على أنها مؤجلة فالبيع جائز لأن المشروط صفة للمبيع أو الثمن صفة محضة لا يتصور انقلابها أصلا و لا يكون لها حصة من الثمن بحال .
و لو كان موجودا عند العقد يدخل فيه من غير تسمية و انها صفة مرغوب فيها لا على وجه التلهي و المشروط إذا كان هذا سبيله كان من مقتضيات العقد و اشتراط شرط بقتضيه العقد لا يوجب فساد العقد كما إذا اشترى بشرط التسليم و تملك المبيع و الانتفاع به و نحو ذلك بخلاف ما إذا اشترى ناقة على انها حامل إن البيع يفسد في ظاهر الرواية لأن الشرط هناك عين و هو الحمل فلا يصلح شرطا و كون الناقة حاملا و إن كان صفة لها لكن لا تحقق له إلا بالحمل و هو عين في وجوده غرر و مع ذلك مجهول فأوجب ذلك فساد البيع .
و يخرج على هذا أيضا ما ذكرنا من المسائل إذا اشترى ناقة على أنها تحلب كذا و كذا رطلا أو على أنها حلوبة أو على أنها لبون أن البيع بهذه الشروط فاسد لأن المشروط في هذه المواضع عين فلا يصلح شرطا .
و على هذا يخرج ما إذا اشترى جارية على أنها مغنية على سبيل الرغبة فيها لأن جهة الغناء جهة التلهي فاشتراطها في البيع يوجب الفساد و كذا إذا اشترى قمرية على أنها تصوت أو طوطبا على أنه يتكلم أو حمامة على انها تجيء من مكان بعيد أو كبشا على انه نطاح أو ديكا على انه مقاتل لأن هذه الجهات كلها جهات التلهي بخلاف ما إذا اشترى كلبا على أنه معلم أو اشترى دابة على أنها هملاج لأنه صفة لا حظر فيها بوجه و الله عز شأنه الموفق .
و يجوز البيع بشرط البراءة عن العيب عندنا سواء عم العيوب كلها بأن قال : بعت على أني بريء من كل عيب أو خص بأن سمى جنسا من العيوب و قال الشافعي C : إن خص صح و إن عم لا يصح و إذا لم يصح الإبراء عنده هل يصح العقد له فيه قولان : في قول يبطل العقد أيضا و في قول يصح العقد و يبطل الشرط و على هذا الخلاف الإبراء عن الحقوق المجهولة و لو شرط على أني بريء من العيب الذي يحدث روي عن أبي يوسف C أن البيع بهذا الشرط فاسد .
وجه قول الشافعي C أن الإبراء عن كل عيب إبراء عن المجهول فلا يصح و لا شك أنه إبراء عن المجهول .
و الدليل على أن الإبراء عن كل عيب إبراء عن المجهول غير صحيح أن الإبراء إسقاط فيه معنى التمليك بدليل أنه يرتد بالرد و هذا آية التمليك إذ افسقاط لا يحتمل ذلك و تمليك المجهول لا يصح كالبيع و نحوه .
و لنا أن الإبراء و إن كان فيه معنى التمليك لكن الجهالة لا تمنع صحة التمليك لعينها بل لإفضائها إلى المنازعة ألا ترى أنها لا تمنع في موضع لا يفضي إلى المنازعة كما إذا باع قفيزا من هذه الصبرة أو عشرة دراهم من هذه النقرة و هذا النوع من الجهالة ههنا لا يفضي إلى المنازعة لأن قوله : كل عيب يتناول العيوب كلها فإذا سمى جنسا من العيوب لا جهالة له أصلا مع أن التمليك في الإبراء يثبت ضمنا و تبعا للإسقاط لأن اللفظ ينبىء عن الإسقاط لا عن التمليك فيعتبر التصرف إسقاطا لا تمليكا و الجهالة لا تمنع صحة الإسقاطات .
و الدليل على جواز الإبراء عن الحقوق المجهولة ما روي [ أن رجلين اختصما إلى النبي عليه الصلاة و السلام في مواريث و أشياء قد درست فقال لهما عليه الصلاة و السلام : استهما و أوجبا الحق و ليحلل كل واحد منكما صاحبه ] و على هذا إجماع المسلمين من استحلال معاملاتهم في آخر أعمارهم في سائر الأعصار من غير إنكار .
و أما بيع الثمر على الشجر بعد ظهوره و بيع الزرع في الأرض بشرط الترك فجملة الكلام فيه أنه لا يخلو إما أن كان لم يبد صلاحه بعد أن صار منتفعا به بوجه من الوجوه و إما إن كان قد بدا صلاحه بأن صار منتفعا به و كل ذلك لا يخلو من أن يكون بشرط القطع أو مطلقا أو بشرط الترك حتى يبلغ فإن كان لم يبد صلاحه فباع بشرط القطع جاز و على المشتري أن يقطع للحال و ليس له أن يترك من غير إذن البائع .
و من مشايخنا من قال : لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه و هو خلاف ظاهر الرواية على ما ذكرنا و لو باع مطلقا عن شرط جاز أيضا عندنا و عند الشافعي C : لا يجوز .
وجه قوله أن المطلق ينصرف إلى المتعارف و المتعارف هو الترك فكان هذا بيعا بشرط الترك دلالة فصار كما لو شرط الترك نصا .
و لنا : أن الترك ليس بمشروط نصا إذ العقد مطلق عن الشرط أصلا فلا يجوز تقييده بشرط الترك من غير دليل خصوصا إذا كان في التقييد فساد العقد و إن اشترى بشرط الترك فالعقد فاسد بالإجماع لأنه شرط لا يقتضيه العقد و فيه منفعة لأحد المتعاقدين و لا يلائم العقد و لا جرى به التعامل بين الناس و مثل هذا الشرط مفسد للبيع لما ذكرنا و لأنه لا يتمكن من الترك إلا بإعارة الشجرة و الأرض و هما ملك البائع فصار بشرط الترك شارطا الإعارة فكان شرطه صفقة في صفقة و أنه منهي هذا إذا لم يبد صلاحه .
و كذا إذا بدا صلاحه فباع بشرط القطع أو مطلقا فأما إذا باع بشرط الترك فإن لم يتناه عظمه فالبيع فاسد بلا خلاف لما قلنا و كذا إذا تناهى عظمه فالبيع فاسد عن أبي حنيفة و أبي يوسف و قال محمد : يجوز استحسانا لتعارف الناس و تعاملهم ذلك .
و لهما : ما ذكرنا أن شرط الترك فيه منفعة للمشتري و العقد لا يقتضيه و ليس بملائم للعقد أيضا و مثل هذا الشرط يكون مفسدا كما إذا اشترى حنطة على أن يتركها في دار البائع شهرا قوله : الناس تعاملوا ذلك قلنا : دعوى تعامل الناس شرط الترك في المبيع ممنوعة و إنما التعامل بالمسامحة بالترك من غير شرط في عقد البيع .
و لو اشترى مطلقا عن شرط فترك فإن كان قد تناهى عظمه و لم يبق إلا النضج لم يتصدق بشيء سواء ترك بإذن البائع أو بغير إذنه لأنه لا يزداد بعد التناهي و إنما يتغير إلى حال النضج و إن كان لم يتناه عظمه ينظر إن كان الترك بإذن البائع جاز و طاب له الفضل و إن كان بغير إذنه تصدق بما زاد في ذاته على ما كان عند العقد لأن الزيادة حصلت بجهة محظورة فأوجبت خبثا فيها فكان سبيلها التصدق فإن استأجر المشتري من البائع الشجر للترك إلى وقت الإدراك و طاب له الفضل لأن الترك حصل بإذن البائع و لكن لا تجب الأجرة لأن هذه الإجارة باطلة لأن جوازها ثبت على خلاف القياس لتعامل الناس فما لم يتعاملوا فيه لا تصح فيه الإجارة و لهذا لم تصح إجارة الأشجار لتجفيف الثياب و إجارة الأوتاد لتعليق الأشياء عليها و إجارة الكتب للقراءة و نحو ذلك حتى لم تجب الأجرة لما قلنا كذا هذا .
و لو أخرجت الشجرة في مدة الترك ثمرة أخرى فهي للبائع سواء كان الترك بإذنه أو بغير إذنه لأنه نماء ملك البائع فيكون له و لو حللها له البائع جاز و إن اختلط الحادث بعد العقد بالموجود عنده حتى لا يعرف ينظر إن كان قبل التخلية بطل البيع لأن المبيع صار معجوز التسليم بالاختلاط للجهالة و تعذر التمييز فأشبه العجز عن التسليم بالهلاك و إن كان بعد التخلية لم يبطل لأن التخلية قبض و حكم البيع يتم و يتناهى بالقبض و الثمرة تكون بينهما لاختلاط ملك أحدهما بالآخر اختلاطا لا يمكن التمييز بينهما فكان الكل مشتركا بينهما و القول قول المشتري في المقدار لأنه صاحب يد لوجود التخلية فكان الظاهر شاهدا له فكان القول قوله .
و لو اشترى ثمرة بدا صلاح بعضها دون بعض بأن أدرك البعض دون البعض بشرط الترك فالبيع فاسد على أصلهما لأنه لو كان أدرك الكل فاشتراها بشرط الترك فالبيع فاسد عندهما فبإدراك البعض أولى .
و أما على أصل محمد C و هو اختيار العادة فإن كان صلاح الباقي متقاربا جاز لأن العادة في الثمار أن لا يدرك الكل دفعة واحدة بل يتقدم إدراك البعض على البعض و يلحق بعضها بعضا فصار كأنه اشتراها بعد إدراك الكل و لو كان كذلك لصح الشراء عنده بشرط الترك كذا هذا و إن كان يتأخر إدراك البعض عن البعض تأخير فاحشا كالعنب ونحوه يجوز البيع فيما أدرك و لا يجوز فيما لم يدرك لأن عند التأخر الفاحش يلتحقان بجنسين مختلفين