وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

حكم الاستصناع .
و أما حكم الاستصناع : فحكمه في حق المستصنع إذا أتى الصانع بالمستصنع على الصفة المشروطة ثبوت ملك غير لازم في حقه حتى يثبت له خيار الرؤية إذا رآه إن شاء أخذه و إن شاء تركه و في حق الصانع ثبوت ملك لازم إذا رآه المستصنع و رضي به و لا خيار له و هذا جواب ظاهر الرواية .
و روي عن أبي حنيفة أنه غير لازم في حق كل واحد منهما حتى يثبت لكل واحد منهما الخيار .
و روي عن أبي يوسف C أنه لازم في حقهما حتى لا خيار لأحدهما لا للصانع و لا للمستصنع أيضا .
وجه رواية أبي يوسف : أن في إثبات الخيار للمستصنع إضرارا بالصانع لأنه قد أفسد متاعه و فرى جلده و أتى بالمستصنع على الصفة المشروطة فلو ثبت له الخيار لتضرر به الصانع فيلزم دفعا للضرر عنه .
وجه الرواية الأولى : أن في اللزوم إضرارا بهما جميعا أما إضرار الصانع فلما قال أبو يوسف و أما ضرر المستصنع فلأن الصانع متى لم يصنعه و اتفق له مشتر يبيعه فلا تندفع حاجة المستصنع فيتضرر به فوجب أن يثبت الخيار لهما دفعا للضرر عنهما .
وجه ظاهر الرواية : و هو إثبات الخيار للمستصنع لا للصانع أن المستصنع مشتر لم يره لأن المعقود عليه و هو المستصنع و إن كان معدوما حقيقة لكنه جعل موجودا شرعا حتى جاز العقد استحسانا و من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه و الصانع بائع شيئا لم يره فلا خيار له و لأن إلزام حكم العقد في جانب المستصنع إضرار لأن من الجائز أن لا يلائمه المصنوع و لا يرضى به فلو لزمه و هو مطالب بثمنه فيحتاج إلى بيعه من غيره و لا يشتري منه بمثل قيمته فيتضرر به و ليس في الإلزام في جانب الصانع ضرر لأنه إن لم يرض به المستصنع يبيعه من غيره بمثل قيمته و ذلك ميسر عليه لكثرة ممارسته .
هذا إذا استصنع شيئا و لم يضرب له أجلا فأما إذا ضرب له أجلا فإنه ينقلب سلما عند أبي حنيفة فلا يجوز إلا بشرائط السلم و لا خيار لواحد منهما كما في السلم و عندهما هو على حاله استصناع و ذكره الأجل للتعجيل و لو ضرب الأجل فيما لا تعامل فيه ينقلب سلما بالإجماع .
وجه قولهما : أن هذا استصناع حقيقة فلو صار سلما إنما يصير بذكره المدة و أنه قد يكون للاستعجال كما في الاستصناع فلا يخرج عن كونه استصناعا مع الاحتمال .
و لأبي حنيفة : أن الأجل في البيع من الخصائص اللازمة للسلم فذكره يكون ذكرا للسلم معنى و إن لم يذكره صريحا كالكفالة بشرط براءة الأصيل أنها حوالة معنى و إن لم يأت بلفظ الحوالة .
و قوله : ذكر الوقت قد يكون للاستعجال قلنا : لو حمل على الاستعجال لم يكن مفيدا لأن التعجيل غير لا زم و لو حمل على حقيقة التأجيل لكان مفيدا لأنه لازم فكان الحمل عليه أولى و لا يجوز السلم في اللحم في قول أبي حنيفة و قال أبو يوسف و محمد يجوز إذا بين جنسه و نوعه و صفته و قدره و سنه و موضعه لأن الفساد لمكان الجهالة و قد زالت ببيان هذه الأشياء و لهذا كان مضمونا بالمثل في ضمان العدوان .
و لأبي حنيفة : أن الجهالة تبقى بعد بيان ما ذكرناه من وجهين : .
أحدهما : من جهة الهزل و السمن .
و الثاني : من جهة قلة العظم و كثرته و كل واحدة منهما مفضية إلى المنازعة .
و قياس الوجه الثاني : أنه لو أسلم في منزوع العظم يجوز و هو رواية الكرخي عن أبي حنيفة رحمهما الله .
و قياس الوجه الأول : أنه لا يجوز كيف ما كان و هو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة و هو الصحيح لأنه إن زالت الجهالة من إحدى الجهتين بقيت من جهة أخرى و هي جهالة السمن و الهزل فكان المسلم فيه مجهولا فلا يصح السلم إلا أنه جعل مثلا في ضمان العدوان وسقط اعتبار التفاوت فيه شرعا تحقيقا لمعنى الزجر من وجه لأن ذلك لا يحصل بالقيمة لأن للناس رغائب في الأعيان ما ليس في قيمتها و يجوز السلم في الإلية و الشحم وزنا لأنه لا تختلف بالسمن و الهزل إلا يسيرا بخلاف اللحم فإن التفاوت بين غير السمين و السمين و المهزول و غير المهزول تفاوت فاحش .
و أما السلم في السمك فقد اختلفت عبارات الأصل في ذلك .
و الصحيح : أنه يجوز السلم في الصغار منه كيلا و وزنا مالحا كان أو طريا بعد أن كان في حيزه لأن الصغار منه لا يتحقق فيه اختلاف السمن و الهزل ولا اختلاف العظم بخلاف اللحم عند أبي حنيفة و في الكبار عن أبي حنيفة روايتان : في رواية لا يجوز طريا كان أو مالحا كالسلم في اللحم لاختلافهما بالسمن و الهزل كاللحم و في رواية يجوز كيف ما كان وزنا لأن التفاوت بين سمينة و مهزولة لا يعد تفاوتا عادة لقلته و عند أبي حنيفة و محمد لا يجوز بخلاف اللحم عندهما و الفرق لهما أن بيان الموضع من اللحم شرط الجواز عندهما و ذلك لا يتحقق في السمك فأشبه السلم في المساليخ و الله سبحانه و تعالى أعلم .
و أما السلم في الخبز عددا فلا يجوز بالإجماع لتفاوت فاحش بين خبز و خبز في الصغر و الكبر .
و أما وزنا فقد ذكر الكرخي أن السلم في الخبز لا يجوز في قولهم لتفاوت فاحش بين خبز و خبز في الخبز و الخفة و الثقل فتبقي جهالة مفضية إلى المنازعة و لأن جواز السلم ثبت بخلاف القياس يتعامل الناس و لا تعامل في الخبز و ذكر في نوادر ابن رستم أنه لا يجوز عند أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف يجوز .
و منها : أن يكون موجودا من وقت العقد إلى وقت الأجل فإن لم يكن موجودا عند العقد أو عند محل الأجل أو كان موجودا فيهما لكنه انقطع من أيدي الناس فيما بين ذلك كالثمار و الفواكه و اللبن و أشباه ذلك لا يجوز السلم و هذا عندنا و قال الشافعي C : الشرط وجوده عند محل الأجل لا غير .
وجه قوله : أن اعتبار هذا الشرط و هو الوجود ليس لعينه بل للقدرة على التسليم فيعتبر وقت وجوب التسليم و ذلك عند محل الأجل فأما قبل ذلك فالوجود فيه و العدم بمنزلة واحدة .
و نظير هذا في العقليات ما قلنا في استطاعة الفعل أنها مع الفعل لا تتقدمه لأن وجودها للفعل فيجب وجودها عند الفعل لا سابقا عليه كذا هذا .
و لنا : أن القدرة على التسليم ثابتة للحال و في وجودها عند المحل شك لاحتمال الهلاك فإن بقي حيا إلى وقت المحل ثبتت القدرة و إن هلك قبل ذلك لا تثبت و القدرة لم تكن ثابتة فوقع الشك في ثبوتها فلا تثبت مع الشك و لو كان موجودا عند العقد و دام وجوده إلى محل الأجل فحل الأجل و لم يقبضه حتى انقطع عن أيدي الناس لا ينفسخ السلم بل هو على حاله صحيح لأن السلم وقع صحيحا لثبوت القدرة على التسليم لكون المسلم فيه موجودا وقت العقد و دام وجوده إلى محل الأجل إلا أن عجز عن التسليم للحال لعارض الانقطاع مع عرضية حدوث القدرة ظاهرا بالوجود فكان في بقاء العقد فائدة و العقد إذا انعقد صحيحا يبقى لفائدة محتملة الوجود و العدم على السواء كبيع الآبق إذا أبق قبل القبض فلأن يبقى لفائدة عود القدرة في الثاني ظاهرا أولى لكن يثبت الخيار لرب السلم إن شاء فسخ العقد و إن شاء انتظر وجوده لأن الانقطاع قبل القبض بمنزلة تغير المعقود عليه قبل القبض و أنه يوجب الخيار و لو أسلم في حنطة قبل حدوثها لا يصح عندنا لأنه أسلم في المنقطع .
و على هذا يخرج ما إذا أسلم في حنطة موضع أنه إن كان مما لا يتوهم انقطاع طعامه جاز السلم فيه كما إذا أسلم في حنطة خراسانأو العراق أو فرغانة لأن كل واحد منها اسم لولاية فلا يتوهم انقطاع طعامها و كذا إذا أسلم في طعام بلدة كبيرة كسمرقند و بخارى أو كاشان جاز لأنه لا ينفد طعام هذه البلاد إلا على سبيل الندرة و النادر ملحق بالعدم .
و من مشايخنا من قال : لا يجوز إلا في طعام ولاية لأن وهم الانقطاع فيما وراء ذلك ثابت و السلم عقد جوز بخلاف القياس لكونه بيع المعدوم فتجب صيانته عن غرر الانقطاع ما أمكن .
و الصحيح : أن الموضع المضاف إليه الطعام و إن كان مما لا ينفد طعامه غالبا يجوز السلم فيه سواء كان ولاية أو بلدة كبيرة لأن الغالب في أحكام الشرع ملحق بالمتيقن و إن كان مما يحتمل أن ينقطع طعامه فلا يجوز فيه السلم كأرض بعينها أو قرية بعينها لأنه إذا احتمل الانقطاع لا على سبيل الندرة لا تثبت القدرة على التسليم لما ذكرنا أنه لا قدرة له للحال لأنه بيع المفاليس و في ثبوت القدرة عند محل الأجل شك لاحتمال الانقطاع فلا تثبت القدرة مع الشك .
و قد روي : [ أن زيد بن شعبة لما أراد أن يسلم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : أسلم إليك في تمر نخلة بعينها فقال عليه الصلاة و السلام : أما في تمر نخلة بعينها فلا ] و ذكر في الأصل إذا أسلم في حنطة هراة لا يجوز و أراد قرية من قرى الفرات المسماة بهراة لأنه مما يحتمل انقطاع طعامه ثم لو أسلم في ثوب هراة و ذكر شرائط السلم يجوز .
و وجه الفرق : بينهما ظاهر لأن إضافة الثوب إلى هراة ذكر شرط من شرائط السلم لا جواز له بدونه و هو بيان النوع لا تخصيص الثوب بالمكان المذكور بدليل أن المسلم إليه لو أتى بثوب نسج في غيره هراة لكن على صفة ثوب هراة يجبر رب السلم على القبول فإذا ذكر النوع و ذكر الشرائط الأخر كان هذا عقدا استجمع شرائطه فيجوز فأما إضافة الطعام إلى هراة فليس يفيد شرطا لا جواز للسلم بدونه ألا ترى أنه لو ترك الإضافة أصلا جاز السلم فبقيت الإضافة لتخصيص الطعام بموضع معين يحتمل انقطاع طعامه فلم يجز و الله عز و جل أعلم .
و منها : أن يكون مما يتعين بالتعيين فإن كان مما لا يتعين بالتعيين كالدراهم و الدنانير لا يجوز السلم فيه لأن المسلم فيه بيع لما روينا أن النبي صلى الله عليه و سلم : [ نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان و رخص في السلم ] سمي السلم بيعا فكان المسلم فيه مبيعا و المبيع مما يتعين بالتعيين و الدراهم و الدنانير لا تتعين في عقود المعاوضات فلم تكن مبيعة فلا يجوز السلم فيها و هل يجوز السلم في التبر و النقرة و المصوغ فعلى رواية كتاب الصرف لا يجوز لأنه جعلها بمنزلة الدراهم و الدنانير المضروبة .
و على رواية كتاب المضاربة يجوز لأنه جعلها بمنزلة العروض حيث لم يجوز المضاربة بها فتتعين بالتعيين فكانت مبيعة فيجوز السلم فيها .
و على هذا أيضا يخرج السلم في الفلوس عددا إنه جائز عند أبي حنيفة C و أبي يوسف لأن الفلوس ما تتعين بالتعيين في الجملة عندهما حتى جوز بيع فلس بفلس بأعيانها و عند محمد لا يجوز السلم فيها كما لا يجوز في الدراهم و الدنانير لأنها أثمان عنده و لهذا لم يجز بيع واحد منها باثنين بأعيانهما و يجوز السلم في القماقم و الأواني الصفرية التي تباع عددا لأنها تتعين بالتعيين فكانت مبيعة و إن كانت تباع وزنا لا يجوز السلم فيها ما لم يعرف وزنها لأنها مجهولة القدر و الله عز و جل أعلم .
و منها أن يكون مؤجلا عندنا حتى لا يجوز السلم في الحال .
و عند الشافعي هذا ليس بشرط و سلم الحال جائز .
وجه قوله : أن الأجل شرع نظرا للمسلم إليه تمكينا له من الاكتساب فلا يكون لازما كما في بيع العين .
و لنا : ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من أسلم فليسلم في كيل معلوم و وزن معلوم إلى أجل معلوم ] أوجب عليه الصلاة و السلام مراعاة الأجل في السلم كما أوجب مراعاة القدر فيه فيدل على كونه شرطا فيه كالقدر و لأن السلم حالا يفضي إلى المنازعة لأن السلم بيع المفاليس فالظاهر أن يكون المسلم إليه عاجزا عن تسليم المسلم فيه و رب السلم يطلب بالتسليم فيتنازعان على وجه تقع الحاجة إلى الفسخ و فيه إلحاق الضرر برب السلم لأنه سلم رأس المال إلى المسلم إليه و صرفه في حاجته فلا يصل إلى المسلم فيه و لا إلى رأس المال فشرط الأجل حتى لا يملك المطالبة إلا بعد حل الأجل و عند ذلك يقدر على التسليم ظاهرا فلا يؤدي إلى المنازعة المفضية إلى الفسخ و الإضرار برب السلم و لأنه عقد لم يشرع إلا رخصة لكونه بيع ما ليس عند الإنسان لما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم : [ نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان و رخص في السلم ] فهذا الحديث يدل على أن بيع ما ليس عند الإنسان لم يشرع إلا رخصة و إن السلم بيع ما ليس عند الإنسان أيضا على ما ذكرناه من قبل .
و الرخصة في عرف الشرع اسم لما يغير عن الأمر الأصلي بعارض عذر إلى تخفيف و يسر كرخصة تناول الميتة و شرب الخمر بالإكراه و المخمصة و نحو ذلك فالترخص في السلم هو تغيير الحكم الأصلي و هو حرمة بيع ما ليس عند الإنسان إلى الحل بعارض عذر العدم ضرورة الإفلاس فحالة الوجود و القدرة لا يلحقها اسم قدرة الرخصة فيبقى الحكم فيها على العزيمة الأصلية فكانت حرمة السلم الحال على هذا التقرير مستفادة من النص كأن ينبغي أن لا يجوز السلم من القادر على تسليم المسلم فيه للحال إلا أنه صار مخصوصا عن النهي العام فألحق بالعاجز عن التسليم للحال على اعتبار الأصل و إلحاق النادر بالعدم في أحكام الشرع و الله سبحانه و تعالى الموفق للصواب .
و منها : أن يكون مؤجلا باجل معلوم فإن كان مجهولا فالسلم فاسد سواء كانت الجهالة متفاحشة أو متقاربة لأن كل ذلك يقضي إلى المنازعة و أنها مفسدة للعقد لجهالة القدر و غيرها على ما ذكرنا .
و أما مقدار الأجل فلم يذكر في الأصل و ذكر الكرخي : أن تقدير الأجل إلى العاقدين حتى لو قدرا نصف يوم جاز .
و قال بعض مشايخنا : أقله ثلاثة أيام قياسا على خيار الشرط و هذا القياس غير سديد لأن أقل مدة الخيار ليس بمقدار و الثلاث أكثر المدة على أصل أبي حنيفة فلا يستقيم القياس .
و روي عن محمد : انه قدر بالشهر و هو الصحيح لأن الأجل إنما شرط في السلم ترفيها و تيسيرا على المسلم إليه ليتمكن من الاكتساب في المدة و الشهر مدة معتبرة يمكن فيها من الاكتساب فيتحقق معنى الترفيه .
فأما ما دونه ففي حد القلة فكان له حكم الحلول و الله عز و جل أعلم .
و لو مات المسلم إليه قبل الأجل حل الدين و كذلك كل دين مؤجل سواه إذا مات من عليه الدين .
و الأصل في هذا أن موت من عليه الدين يبطل الأجل و موت من له الدين لا يبطل الأجل و موت من له الدين لا يبطل لأن الأجل حق المديون لا حق صاحب الدين فتعتبر حياته و موته في الأجل و بطلانه و الله D أعلم .
و منها : بيان مكان إيفائه إذا كان له حمل و مؤونة عند أبي حنيفة و عند أبي يوسف و محمد ليس بشرط و على هذا الخلاف بيان مكان الأجرة في الإجارات إذا كان لها حمل و مؤونة و على هذا الخلاف إذا جعل المكيل الموصوف أو الموزون ثمنا في بيع العين أنه لا بد من بيان مكان التسليم عنده خلافا لهما كذا كذا أطلقه الكرخي و لم يفصل بين ما إذا كان مؤجلا أو غير مؤجل .
و من أصحابنا من فرقوا فقالوا : إذا كان حالا يتعين مكان العقد للتسليم بالإجماع و حاصل الاختلاف راجع إلى مكان العقد هل يتعين للإيفاء ؟ عنده لا يتعين و عندهما يتعين لأنه إذا لم يتعين مكان العقد للإيفاء عنده و لم يوجد منهما تعيين مكان آخر بقي مكان الإبقاء مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة فيفسد العقد و لما تعين مكان العقد للإيفاء عندهما صار مكان الإيفاء معلوما فيصح .
وجه قولهما : أن سبب وجوب الإيفاء هو العقد و العقد وجد في هذا المكان فيتعين مكان العقد لوجوب الإيفاء فيه كما في بيع العين إذا كان المسلم فيه شيئا له حمل و مؤونة فإنه يتعين مكان العقد لوجوب الإيفاء فيه لما قلنا كذا هذا .
و لأبي حنيفة C : أن العقد وجد مطلقا عن تعيين مكان فلا يتعين مكان العقد للإيفاء و الدليل على إطلاق العقد عن تعيين مكان الحقيقة و الحكم أما الحقيقة : فلأنه لم يوجد ذكر المكان في العقد نصا فالقول بتعيين مكان العقد شرعا من غير تعيين العاقدين تقييد لمطلق فلا يجوز إلا بدليل .
و أما الحكم فإن العاقدين لو عينا مكانا آخر جاز و لو كان تعيين مكان العقد من مقتضيات العقد شرعا لكان تعيين مكان آخر تغييرا لمقتضى العقد و أنه يعتبر فيه حكم الشرع فينبغي أن لا يجوز و إذا لم يتعين مكان العقد لإيفاء بقي مكان الإيفاء مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة لأن في الأشياء التي لها حمل و مؤونة تختلف باختلاف الأمكنة لما يلزم في حملها من مكان إلى مكان آخر من المؤونة فيتنازعان .
و أما قولهما : سبب وجوب التسليم هو العقد في هذا المكان .
قلنا : ليس كذلك فإن العقد فإن العقد قائم بالعاقدين لا بالمكان فلم يوجد العقد في هذا المكان و إنما هذا مكان المتعاقدين على أن العقد ليس بسبب لوجوب التسليم للحال و إنما يصير سببا عند حل الأجل مقصورا عليه و عند ذلك مكان العاقدين ليس بمتحد بل مختلف فيتنازعان .
و أما المسلم فيه إذا لم يكن له حمل و مؤونة فعن أبي حنيفة فيه روايتان في رواية لا يتعين مكان العقد هناك أيضا و هو رواية كتاب الإجارات و يوفيه في أي مكان شاء و هذا لا يوجب الفساد لأن الفساد ههنا لمكان الجهالة المفضية إلى المنازعة لاختلاف القيمة باختلاف الأمكنة و ما لا حمل له و لا مؤونة لا تختلف قيمته باختلاف الأماكن فلم تكن جهالة مكان الإيفاء مفضية إلى المنازعة و في رواية يتعين مكان العقد للإيفاء و هو قول أبي يوسف و محمد و هو رواية الجامع الصغير و رواية البيوع من الأصل .
و من مشايخنا من أول هذه الرواية و قال هي معنى قوله يوفيه في المكان الذي أسلم فيه إذا لم يتنازعا .
فإذا تنازعا يأخذه بالتسليم حيث ما لقيه و لو شرط رب السلم التسليم في بلد أو قرية فحيث سلم إليه في ذلك الموضع فهو جائز و ليس لرب السلم أن يتخير مكانا لأن المشروط هو التسليم في مكان منه مطلقا و قد وجد و إن سلم في غير المكان المشروط فلرب السلم أن يأتي لقوله عليه الصلاة و السلام : [ المسلمون عند شروطهم ] فإن أعطاه على ذلك أجرا لم يجز له اخذ الأجر عليه لأنه لما قبض المسلم فيه فقد تعين ملكه في المقبوض فتبين أنه أخذ الأجر على نقل ملك نفسه فلم يجز فيرد الأجر و له أن يرد المسلم فيه حتى يسلم في المكان المشروط لأن حقه في التسليم فيه و لم يرض ببطلان حقه إلا بعوض و لم يسلم له فبقي حقه في التسليم في المكان المشروط و هذا بخلاف ما إذا صلح الشفيع من الشفعة التي وجبت له على مال إنه لا يصح الصلح و يسقط حقه في الشفعة و عليه رد بدل الصلح و إذا رده لا يعود حقه في الشفعة لأنه ليس للشفيع حق ثابت في المحل قبل التمليك بالشفعة و إنما له حق يتملك و هذا ليس بحق ثابت في المحل فلا يحتمل الاعتياض و بطل حقه من الشفعة بإعراضه عن الطلب بإسقاطه صريحا و لرب السلم حق ثابت في التسليم في المكان المشروط فإذا لم يصح الاعتياض عنه التحق الاعتياض بالعدم و بقي الحق على ما كان و الذي يدل على التفرقة بينهما أنه لو قال أسقطت حقي في الشفعة يسقط و لو قال أسقطت حقي في التسليم في ذلك المكان لا يسقط و بن عز و جل أعلم