وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

البيع الفاسد .
و أما البيع الفاسد فهو كل بيع فاته شرط من شرائط الصحة و قد ذكرنا شرائط الصحة في مواضعها .
و أما حكمه فالكلام في حكمه يقع في ثلاث مواضع أحدها في بيان أصل الحكم و الثاني في بيان صفته و الثالث في بيان شرائطه أما أصل الحكم فهو ثبوت الملك في الجملة عندنا .
و قال الشافعي C : لا حكم للبيع الفاسد فالبيع عنده قسمان جائز و باطل لا ثالث لهما و الفاسد و الباطل سواء و عندنا الفاسد قسم آخر وراء الجائز و الباطل و هذا على مثال ما يقول في أقسام المشروعات أن الفرض و الواجب سواء و عندنا هما قسمان حقيقة على ما عرف في أصول الفقه .
وجه قوله أن هذا بيع منهي عنه فلا يفيد الملك قياسا على بيع الخمر و الخنزير و الميتة و الدم و دلالة الوصف ما روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين و لا الصاع بالصاعين ] .
و روي أنه عليه الصلاة و السلام : [ نهى عن بيع و شرط ] وروي أنه عليه الصلاة و السلام قال لعتاب بن أسيد حين بعثه إلى مكة : [ انههم عن أربع : عن بيع ما لم يقبضوا و عن ربح ما لم يضمنوا و عن شرطين في بيع و عن بيع و سلف ] .
و روي أنه عليه الصلاة و السلام قال : [ لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء ] و نحو ذلك و المنهي عنه يكون حراما و الحرام لا يصلح سببا لثبوت الملك لأن الملك نعمة و الحرام لا يصلح سببا لاستحقاق النعمة و لهذا بطل بيع الخمر و الخنزير و الميتة و الدم فكذا هذا .
و لنا : أن هذا بيع مشروع فيفيد الملك في الجملة استدلالا بسائر البياعات المشروعة و الدليل على أنه بيع أن البيع في اللغة مبادلة شيء مرغوب بشيء مرغوب مالا كان أو غير مال قال الله سبحانه و تعالى : { أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } سمى مبادلة الضلالة بالهدى اشتراء و تجارة فقاله سبحانه و تعالى : { فما ربحت تجارتهم } و التجارة مبادلة المال بالمال قال الله عز شأنه : { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة } سمى سبحانه و تعالى مبادلة الأنفس و الأموال بالجنة اشتراء و بيعا حيث قال تعالى في آخر الآية : { فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به } و في عرف الشرع هو مبادلة مال متقوم بمال متقوم و قد وجد فكان بيعا .
و الدليل على أنه مشروع النصوص العامة المطلقة في باب البيع من نحو قوله تعالى عز و جل : { و أحل الله البيع } و قوله عز شأنه : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } و نحو ذلك مما ورد النصوص في هذا الباب عاما مطلقا فمن ادعى التخصيص و التقييد فعليه الدليل .
و لنا : الاستدلال بدلالة الإجماع أيضا و هو أنا أجمعنا على أن البيع الخالي عن الشروط الفاسدة مشروع و مفيد للملك و قران هذه الشروط بالبيع ذكرا لم يصح فالتحق ذكرها بالعدم إذ الموجود الملحق بالعدم شرعا و العدم الأصلي سواء و إذا ألحق بالعدم في نفس البيع خاليا عن المفسد و البيع الخالي عن المفسد مشروع و مفيد للملك بالإجماع و هذا استدلال قوي .
و أما النهي فالجواب عن التعلق به أن هذا نهي عن غير البيع لا عن عينه لوجوه ثلاثة : .
أحدهما : أن شرعية أصل البيع و جنسه ثبت معقول المعنى و هو أنه سبب لثبوت الاختصاص و اندفاع المنازعة و أنه سبب بقاء العالم إلى حين إذ لا قوام للبشر إلا بالأكل و الشرب و السكنى و اللباس و لا سبيل إلى استبقاء النفس بذلك إلا بالاختصاص به و اندفاع المنازعة و ذلك سبب الاختصاص و اندفاع المنازعة و هو البيع .
و لا يجوز ورود الشرع بالنهي عما عرف حسنه أو حسن أصله بالعقل لأنه يؤدي إلى التناقض و لهذا لم يجز النهي عن الإيمان بالله عز و جل و شكر النعم و أصل العبادات لثبوت حسنها بالعقل فيحمل النهي المضاف إلى البيع على غيره ضرورة .
و الثاني : إن سلم جواز ورود النهي عن البيع في الجملة لكن حمله على الغير ههنا أولى من وجهين : .
أحدهما : أنه عمل بالدلائل بقدر الإمكان .
و الثاني : أن في الحمل على البيع نسخ المشروعية و في الحمل على غيره ترك العمل بحقيقة الكلام و الحمل على المجاز و لا شك أن الحمل على المجاز أولى من الحمل على التناسخ لأن الحمل على المجاز من باب نسخ الكلام و نسخ المشروعية نسخ الحكم و الحكم هو المقصود و الكلام وسيلة و نسخ الوسيلة أولى من نسخ المقصود و الله عز و جل أعلم .
و أما صفة هذا الحكم فنقول : له صفات منها : أنه ملك غير لازم بل هو مستحق الفسخ فيقع الكلام في هذه الصفة في مواضع : في بيان أن الثابت بهذا البيع مستحق الفسخ و في بيان من يملك الفسخ و في بيان ما يكون فسخا و في بيان شرط صحة الفسخ و في بيان ما يبطل به حق الفسخ بعد ثبوته أما بيان أن الثابت بهذا البيع اوجب الفسخ فهو أن البيع و إن كان مشروعا في ذاته فالفساد مقترن به ذكرا و دفع الفساد واجب و لا يمكن إلا بفسخ العقد فيستحق فسخه لكن لغيره لا لعينه حتى لو أمكن دفع الفساد بدون فسخ البيع لا يفسخ كما إذا كان الفساد لجهالة الأجل فأسقطاه يسقط و يبقى البيع مشروعا كما كان و لأن اشتراط الربا و شرط الخيار مجهول و إدخال الآجال المجهولة في البيع و نحو ذلك معصية و الزجر عن المعصية واجب و استحقاق الفسخ يصلح زاجرا عن المعصية لأنه إذا علم أنه يفسخ فالظاهر أنه يمتنع عن المباشرة .
و أما بيان من يملك الفسخ فنقول و بالله التوفيق : الفساد لا يخلو إما أن يكون راجعا إلى البدل بأن باع بالخمر و الخنزير و إما أن لم بكن راجعا إليه كالبيع بشرط منفعة زائدة لأحد العاقدين أو إلى أجل مجهول و الحال لا يخلو إما إن كان قبل القبض و إما إن كان بعده فإن كان قبل القبض فكل واحد من العاقدين يملك الفسخ من غير رضا الآخر كيف ما كان الفساد لأن البيع الفاسد لا يفيد الملك قبل القبض فكان الفسخ قبل القبض بمنزلة الامتناع عن القبول و الإيجاب فيملكه كل واحد منهما كالفسخ بخيار شرط العاقدين .
و إن كان بعد القبض فإن كان الفساد راجعا إلى البدل فالجواب فيه و فيما قبل القبض سواء لأن الفساد الراجع إلى البدل فساد في صلب العقد .
ألا ترى أنه لا يمكن تصحيحه بخلاف هذا المفسد لما أنه لا قوام للعقد إلا بالبدلين فكان الفساد قويا فيؤثر في صلب العقد بسلب اللزوم عنه فيظهر عدم اللزوم في حقهما جميعا و لو لم يكن راجعا إلى البدل فقد ذكر الإمام الأسبيجابي في شرحه مختصر الطحاوي أن ولاية الفسخ لصاحب الشرط لا لصاحبه و لم يحك خلافا لأن الفساد الذي لا يرجع إلى البدل لا يكون قويا لكونه محتملا للحذف و الإسقاط فيظهر في حق صاحب الشرط لا غير و يؤثر في سلب اللزوم في حقه لا في حق صاحبه .
و ذكر الكرخي الاختلاف في المسألة فقال في قول أبي حنيفة و أبي يوسف رحمهما الله : يملك كل واحد منهما الفسخ و على قول محمد C حق الفسخ لمن شرط له المنفعة لا غير .
وجه قوله على نحو ما ذكرنا أن من له شرط المنفعة قادر على تصحيح العقد بحذف المفسد و إسقاطه فلو فسخه الآخر لأبطل حقه عليه و هذا لا يجوز .
وجه قولهما : أن العقد في نفسه غير لازم لما فيه من الفساد بل هو مستحق الفسخ في نفسه رفعا للفساد و قوله : المفسد ممكن الحذف فنعم لكنه إلى أن يحذف فهو قائم و قيامه يمنع لزوم العقد و به تبين أن الفسخ من صاحبه ليس بإبطال لحق صاحب الشرط لأن إبطال الحق قبل ثبوته محال .
و أما بيان ما يكون فسخا لهذا العقد ففسخه بطريقين : قول و فعل فالقول هو أن يقول من يملك الفسخ فسخت أو نقضت أو ردت و نحو ذلك فينفسخ بنفس الفسخ و لا يحتاج إلى قضاء القاضي و لا إلى رضا البائع سواء كان قبل القبض أو بعده لأن هذا البيع إنما استحق الفسخ حقا لله عز و جل لما في الفسخ من رفع الفساد و رفع الفساد حق الله تعالى على الخلوص فيظهر في حق الكل فكان فسخا في حق الناس كافة فلا تقف صحته على القضاء و لا على الرضا .
و الفعل ان يرد المبيع على بائعه على أي وجه ما رده ببيع أو هبة أو صدقة أو إعارة أو إيداع بأن باعه منه أو وهبه أو تصدق عليه أو أعاره منه أو أودعه إياه يبرأ المشتري عن الضمان لأنه يستحق الرد على البائع فعلى أي وجه ما رده يقع عن جهة الاستحقاق بمنزلة رد العارية و الوديعة أنه يكون فسخا و الوديعة بأي طريق كان الرد لما قلنا كذا هذا .
و كذا لو باعه المشتري من وكيل البائع و سلمه إليه لأن حكم البيع يقع لموكله و هو البائع فكأنه باعه للبائع و لو باعه المشتري من عبد بائعه و هو مأذون له في التجارة فإن لم يكن عليه دين كان فسخا للبيع و لا يبرأ عن المشتري ضمانه حتى يصل إلى البائع لأنه إذا لم يكن عليه دين فحكم تصرفه وقع للمولى فكان بيعا من المولى و إن كان عليه دين لا يكون فسخا للبيع و يتقرر الضمان على المشتري لأنه إذا كان عليه دين فحكم تصرفه لا يقع للمولى فلم يكن ذلك بيعا من المولى فصار كما إذا باعه من أجنبي .
و لو اشترى من عبد مأذون لإنسان شيئا منه شراء فاسدا و قبضه ثم إنه باعه من مولاه فإن لم يكن عليه دين كان فسخا للبيع لأنه يكون مشتريا من المولى كأنه اشتراه من مولاه ثم باعه منه فإن كان عليه دين لم يكن فسخا لأنه يكون مشتريا منه لا من مولاه فكأنه اشترى من أجنبي و باعه من مولاه و لو باعه المشتري من مضارب البائع لم يكن فسخا للبيع و تقرر الضمان على المشتري بخلاف ما إذا باعه من وكيل بائعه بالشراء أنه يكون فسخا .
و وجه الفرق : أن الوكيل بالشراء يتصرف لموكله لا لنفسه ألا ترى أن حكم تصرفه يقع لموكله لا له فنزل منزلة البيع من الموكل و ذلك فسخ فأما المضارب فمتصرف لنفسه ألا ترى أن الربح مشترك بينهما فكان بمنزلة الأجنبي و لو كان البائع وكيلا لغيره بالشراء فاشترى المشتري شراء فاسدا لموكله لم يكن فسخا للبيع لأن حكم الشراء يقع لموكله لا له و وجب عليه الثمن للمشتري و تقرر على المشتري ضمان القيمة و يلتقيان قصاصا لعدم الفائدة في الاستيفاء و يترادان الفضل إن كان في أحدهما فضل و الله عز و جل أعلم .
و أما شرط صحة الفسخ فهو أن يكون الفسخ بمحضر من صاحبه ذكره الكرخي و لم يذكر الاختلاف فيه و ذكر القاضي الإمام الاسبيجاني C في شرحه مختصر الطحاوي أن هذا شرط عند أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف ليس بشرط و جعله على الاختلاف في خيار الشرط و الرؤية و قد ذكرنا المسألة فيما تقدم