وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

هل ينفرد إحدى الوكيلين بالتصرف فيهما وكلا به .
فصل : الوكيلان هل ينفرد أحدهما بالتصرف فيما وكلا به ؟ أما الوكيلان بالبيع فلا يملك أحدهما التصرف بدون صاحبه و لو فعل لم يجز حتى يجيز صاحبه أو الموكل لأن البيع مما يحتاج فيه إلى الرأي و الموكل إنما رضي برأيهما لا برأي أحدهما و اجتماعهما على ذلك ممكن فلم يمتثل أمر الموكل فلا ينفذ عليه و كذا الوكيلان بالشراء سواء كان الثمن مسمى أو لم يكن و سواء كان الوكيل الآخر غائبا أو حاضرا لما ذكر في البيع إلا أن في الشراء إذا اشترى أحدهما بدون صاحبه ينفذ على المشتري و لا يقف على الإجازة و في البيع يقف على الإجازة و قد مر الفرق و كذلك الوكيلان بالنكاح و الطلاق على مال و العتق على مال و الخلع و الكتابة و كل عقد فيه بدل هو مال لأن كل ذلك مما يحتاج إلى الرأي و لم يرض برأي أحدهما بانفراده و كذا ما خرج مخرج التمليك بأن قال لرجلين جعلت أمر امرأتي بيدكما أو قال لهما طلقا امرأتي إن شئتما لا ينفرد أحدهما بالتطليق لأنه جعل أمر اليد تمليكا ألا ترى أنه يقف على المجلس و التمليكات هي التي تختص بالمجلس و التمليك على هذا الوجه مشروط بالمشيئة كأنه قال طلقا امرأتي إن شئتما و هناك لا يملك أحدهما التطليق دون صاحبه لأن المعلق بشرطين لا ينزل إلا عند وجودهما فكذا هذا .
و كذا الوكيلان يقبض الدين لا يملك أحدهما أن يقبض دون صاحبه لأن قبض الدين مما يحتاج إلى الرأي و الأمانة و قد فوض الرأي إليهما جميعا لا إلى أحدهما و رضي بأمانتهما جميعا لا بأمانة أحدهما فإن قبض أحدهما لم يبرئه الغريم حتى يصل ما قبضه إلى صاحبه فيقع في أيديهما جميعا أو يصل إلى الموكل لأنه لما وصل المقبوض إلى صاحبه أو إلى الموكل فقد حصل المقصود بالقبض فصار كأنهما قبضاه جميعا ابتداء .
و أما الوكيلان بالطلاق على غير مال و العتق على غير مال و الوكيلان بتسليم الهبة و رد الوديعة و قضاء الدين فينفرد أحدهما بالتصرف فيما وكلا به لأن هذه التصرفات مما لا تحتاج إلى الرأي فكان إضافة الوكيل إليهما تفويضا للتصرف إلى كل واحد منهما بانفراده .
و أما الوكيلان بالخصومة فكل واحد منهما يتصرف بانفراده عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر لا ينفرد .
وجه قوله : أن الخصومة مما يحتاج إلى الرأي و لم يرض برأي أحدهما فلا يملكها أحدهما دون صاحبه .
وجه قول أصحابنا الثلاثة : أن الغرض من الخصومة إعلام القاضي بما يملكه المخاصم و استماعه و اجتماع الوكيلين على ذلك يخل بالإعلام و الاستماع لأن ازدحام الكلام يخل بالفهم فكان إضافة التوكيل إليهما تفويضا للخصومة إلى كل واحد منهما فأيهما خاصم كان تمثيلا إلا أنه لا يملك أحدهما القبض دون صاحبه .
و إن كان الوكيل بالخصومة يملك القبض عندنا لأن اجتماعهما على القبض ممكن فلا يكون راضيا يقبض أحدهما بانفراده .
و أما المضاربان فلا يملك أحدهما التصرف بدون إذن صاحبه إجماعا و في الوصيين خلاف بين أصحابنا نذكره في كتاب الوصية و الله تعالى أعلم .
الوكيل هل يملك الحقوق جملة الكلام فيه أن الموكل به نوعان : نوع لا حقوق له إلا ما أمر به الموكل كالوكيل بتقاضي الدين و التوكيل بالملازمة و نحوه و نوع له حقوق كالبيع و الشراء و النكاح و الخلع و نحوه .
أما التوكيل بالبيع و الشراء فحقوقها ترجع إلى الوكيل فيسلم المبيع و يقبضه و يقبض الثمن و يطالب به و يخاصم في العيب وقت الاستحقاق .
و الأصل أن كل عقد لا يحتاج فيه إلى إضافته إلى الموكل و يكتفي فيه بالإضافة إلى نفسه فحقوقه راجعة إلى العاقد كالمبيعات و الأشربة و الإجارات و الصلح الذي هو في معنى البيع فحقوق هذه العقود ترجع للوكيل و عليه و يكون الوكيل في هذه الحقوق كالمالك و المالك كالأجنبي حتى لا يملك الموكل مطالبة المشتري من الوكيل بالثمن .
و لو طالبه فأبى لا يجبر على تسليم الثمن إليه و لو أمره الوكيل بقبض الثمن ملك المطالبة و أيهما طالب المشتري بالثمن يجبر على التسليم إليه و لو نهاه الوكيل عن قبض الثمن صح نهيه .
و لو نهى الموكل الوكيل عن قبض الثمن لا يعمل نهيه غير أن المشتري إذا نقد الثمن إلى الموكل يبرأ عن الثمن استحسانا و كذ الوكيل هو المطالب بتسليم المبيع إذا نقد المشتري الثمن و لا يطالب به الموكل .
و إذا استحق المبيع في يد المشتري يرجع بالثمن على الوكيل إن كان نقد الثمن إليه و إن كان نقده إلى الموكل يرجع بالثمن عليه و كذا إذا وجد المشتري بالمبيع عيبا له أن يخاصم الوكيل .
و إذا أثبت العيب عليه و رده عليه بقضاء القاضي أخذ الثمن من الوكيل إن كان نقده الثمن و إن كان نقده إلى الموكل أخذه منه و كذا الوكيل بالشراء هو المطالب بالثمن دون الموكل و هو الذي يقبض المبيع دون الموكل و إذا استحق المبيع في يده فهو الذي يتولى الرجوع بالثمن على بائعه دون الموكل .
و لو وجد بالمبيع عيبا إن كان المبيع في يده و لم يسلمه إلى الموكل بعد فله أن يرده على بائعه بالعيب و إن كان قد سلمه إلى موكله ليس له أن يرده عليه إلا برضا موكله .
و كذلك هذا في الإجارة و الاستئجار و أخواتهما و كل عقد يحتاج فيه إلى إضافته إلى الموكل فحقوقه ترجع إلى الموكل كالنكاح و الطلاق على مال و العتاق على مال و الخلع و الصلح عن دم العمد و الكتابة و الصلح عن إنكار المدعى عليه و نحوه فحقوق هذه العقود تكون للموكل و عليه و الوكيل فيها يكون سفيرا و معبرا محضا حتى أن وكيل الزوج في النكاح لا يطالب بالمهر و إنما يطالب به الزوج إلا إذا ضمن المهر فيحنئذ يطالب به لكن بحكم الضمان و وكيل المرأة في النكاح لا يملك قبض المهر .
و كذا الوكيل بالكتابة و الخلع لا يملك قبض بدل الكتابة و الخلع إن كان وكيل الزوج و إن كان وكيل المرأة لا يطالب ببدل الخلع إلا بالضمان و كذا الوكيل بالصلح عن دم العمد و هذا الذي ذكرنا أن حقوق العقد في البيع و الشراء و أخواتهما ترجع إلى الوكيل مذهب علمائنا و قال الشافعي C : لا يرجع شيء من الحقوق إلى الوكيل و إنما يرجع إلى الموكل .
وجه قوله : أن الوكيل متصرف بطريق النيابة عن الموكل و تصرف النائب تصرف المنوب عنه ألا ترى أن حكم تصرفه يقع للموكل فكذا حقوقه لأن الحقوق تابعه للحكم و الحكم هو المتبوع فإن كان الأصل له فكذا التابع .
و لنا : أن الوكيل هو العاقد حقيقة فكانت حقوق العقد راجعة إليه كما إذا تولى الموكل نفسه و لا شك أن الوكيل هو العاقد حقيقة لأن عقده كلامه القائم بذاته حقيقة و يستحيل أن يكون الإنسان فاعلا بفعل الغير حقيقة و هذه حقيقة مقررة بالشريعة قال الله D : { و أن ليس للإنسان إلا ما سعى } و قال الله عز شأنه : { لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت } و كان ينبغي أن يكون أصل الحكم له أيضا لأن السبب وجد منه حقيقة و شرعا إلا أن الشرع أثبت أصل الحكم للموكل لأن الوكيل إنما فعله له بأمره و إنابته و فعل المأمور مضاف إلى الآمر فتعارض الشبهان فوجب اعتبارهما بقدر الإمكان فعلمنا بشبه الأمر و الإنابة بإيجاب أصل الحكم للموكل و نسبة الحقيقة المقررة بالشريعة بإثبات توابع الحكم للوكيل توفيرا على الشبهين حظهما من الحكم و لا يمكن الحكم بالعكس و هو إثبات أصل الحكم للوكيل و إثبات التوابع للموكل لأن الأصل في نفاذ تصرف الوكيل هو الولاية لأنها علة نفاذه إذ لا ملك له و الموكل أصل في الولاية و الوكيل تابع له لأنه لا يتصرف بولاية نفسه لعدم الملك بل بولاية مستفادة من قبل الموكل فكان إثبات أصل الحكم للموكل و إثبات التوابع للوكيل وضع الشيء في موضعه و هو حد الحكمة و عكسه وضع الشيء في غير موضعه و هو حد السفه بخلاف النكاح و أخواته لأن الوكيل هناك ليس بنائب عن الموكل بل هو سفير و معبر بمنزلة الرسول .
ألا ترى أنه لا يضيف العقد إلى نفسه بل إلى موكله فانعدمت النيابة فبقي سفيرا محضا فاعتبر العقد موجودا من الموكل من كل وجه فترجع الحقوق إليه ثم نقول : إنما تلزمه العهدة و ترجع الحقوق إليه إذا كان من أهل العهدة .
فأما إذا لم يكن بأن كان صبيا محجورا ينفذ بيعه و شراؤه و تكون العهدة على الموكل لا عليه لأن ذلك من باب التبرع و الصبي ليس من أهل التبرع لكونه من التصرفات الضارة المحضة فيقع محضا لحصول التجربة و الممارسة له في التصرفات و لا خيار للمشتري من الوكيل المحجور سواء علم أنه محجور أو لم يعلم في ظاهر الرواية .
و عن أبي يوسف : أنه إن كان عالما فلا خيار له فأما إذا كان عالما فلا خيار له فأما إذا كان جاهلا فله الخيار إن شاء فسخ العقد و إن شاء أمضاه .
وجه قوله : أن الرضا شرط جواز التجارة و قد اختل الرضا لأنه لما قدم على العقد على أن تكون العهدة على العاقد فإذا تبين أنها ليست عليه اختل رضاه فثبت له الخيار كما إذا ظهر به عيب .
وجه ظاهر الرواية : أن الجهل بالحجر ليس بعذر لأنه يمكنه الوصول إليه خصوصا في حق الصبي لأن الأصل فيه هو الحجر و الإذن بعارض الرشد فكان سبب الوصول إلى العلم قائما فالجهل به لتقصير من جهته فلا يعذر و يعتبر عالما و لو علم بالحجر حقيقة لما ثبت له الخيار كذا هذا و الله تعالى أعلم .
الوكيل بالهبة و الصدقة و الإعارة و الإيداع و الرهن و القرض إذا فعل ما أمر به و قبض لا يملك المطالبة برد شيء من ذلك إلى يده و لا أن يقبض الوديعة و العارية و الرهن و لا القرض ممن عليه لأن الحكم في هذه العقود يقف على القبض و لا صنع للوكيل في القبض بل هو صنع القابض في محل مملوك للمولى فكان حقوق العقد راجعة إليه و كان الوكيل سفيرا عنه بمنزلة الرسول بخلاف الوكيل بالبيع و أخوانه لأن الحكم فيها للعقد لا للقبض و هو العاقد حقيقة و شرعا على ما قررنا فكانت الحقوق عائدة إليه .
و كذا في التوكيل بالاستعارة و الارتهان و الاستيهاب الحكم و الحقوق ترجع إلى الموكل و كذا في التوكيل بالشركة و المضاربة لما قلنا : و للوكيل أن يوكل غيره في الحقوق لأنه أصل في الحقوق و المالك أجنبي عنها فملك توكيل غيره فيها .
و منها : أن المقبوض في يد الوكيل بجهة التوكيل بالبيع و الشراء و قبض الدين و العين و قضاء الدين أمانة بمنزلة الوديعة لأن يده نيابة عن الموكل بمنزلة يد المودع فيضمن بما يضمن في الودائع و يبرأ فيها و يكون القول قوله في دفع الضمان عن نفسه .
و لو دفع إليه مالا و قال : اقضه فلانا عن ديني فقال الوكيل : قد قضيت صاحب الدين فادفعه إلي و كذبه صاحب الدين فالقول قول الوكيل في براءة نفسه عن الضمان و القول قول الطالب في أنه لم يقبضه حتى لا يسقط دينه عن الموكل لأن الوكيل أمين فيصدق في دفعه الضمان عن نفسه و لا يصدق على الغريم في إبطال حقه و تجب اليمين على أحدهما لا عليهما لأنه لا بد للموكل من تصديق أحدهما و تكذيب الآخر فيحلف المكذب منهما دون المصدق فإن صدق الوكيل في الدفع يحلف الطالب بالله D ما قبضه فإن حلف لم يظهر قبضه و لم يسقط دينه و إن نكل ظهر قبضه و سقط دينه عن الموكل .
و إن صدق الطالب أنه لم يقبضه و كذب الوكيل يحلف بالله تعالى لقد دفعه إليه فإن حلف بريء و إن نكل لزمه ما دفع إليه .
و كذلك لو أودع ماله رجلا و أمره أن يدفع الوديعة إلى فلان فقال المودع دفعت و كذبه فلان فهو على التفصيل الذي ذكرنا و لو دفع المودع الوديعة إلى رجل و ادعى أنه قد دفعها إليه بأمر صاحب الوديعة و أنكر صاحب الوديعة الأمر فالقول قوله مع يمينه أنه لم يأمره بذلك لأن المودع يدعي عليه الأمر و هو ينكر و القول قول المنكر مع يمينه .
و لو كان المال مضمونا على رجل كالمغضوب في يد الغاصب أو الدين على الغريم فأمر الطالب أو المغضوب منه أن يدفعه إلى فلان فقال المأمور قد دفعت إليه و قال فلان ما قبضت فالقول قول فلان أنه لم يقبض و لا يصدق الوكيل على الدفع إلا ببينة أو بتصديق الموكل لأن الضمان قد وجب عليه و هو يدعي الدفع إلى فلان يريد إبراء نفسه عن الضمان الواجب فلا يصدق إلا ببينة أو بتصديق الموكل فإن صدقه الموكل يبرأ أيضا لأنه إذا صدقه فقد أبرأه عن الضمان و لكنهما لا يصدقان على القابض و يكون القول قوله أنه لم يقبضه مع يمينه لأن قولهما حجة في حق أنفسهما لا في إبطال حق الغير مع يمين الطالب لأنه منكر للقبض و القول قول المنكر عن يمينه .
و لو كذبه الموكل في الدفع و طلب الوكيل يمينه فإنه يحلف على العلم بالله تعالى ما يعلم أنه دفع فإن حلف أخذ منه الضمان .
و إن نكل سقط الضمان عنه و لو أن الوكيل المدفوع إليه المال قضى الدين من مال نفسه و أمسك ما دفع إليه الموكل جاز لأنه لو لم يدفع إليه الدراهم أصلا و قضى الوكيل من مال نفسه جاز على الموكل لأن الوكيل بقضاء الدين في الحقيقة وكيل بشراء الدين من الطالب و الوكيل بالشراء إذا نقد الثمن من مال نفسه جاز فهذا أولى و لو لم يدفع إليه شيئا و لكنه أمره بقضاء دينه فقال الوكيل قضيته و كذبه الطالب و الموكل فأقام الوكيل البينة أنه قد قضى صاحب الدين قبلت بينته و برئ الموكل من الدين و يرجع الوكيل على الموكل بما قضى عنه لأن الثابت بالبينة كالثابت حسا و مشاهدة .
و قد ثبت قضاء الدين بالبينة فله أن يرجع و لو لم تكن له بينة و كذبه الطالب و الموكل فالقول قولهما مع اليمين لأن الوكيل بدعوى القبض يريد إيجاب الضمان على الطالب لأنه يريد إسقاط الدين عن الموكل و ذلك بطريق المقاصاة و هو أن يصير المقبوض مضمونا على القابض الطالب دينا عليه و له على الموكل دين مثله فيلتقيان قصاصا و الطالب منكر .
و كذا الموكل منكر لوجوب الضمان عليه فكان القول قولهما مع اليمين أو يقال إن الوكيل بقوله قضيت يدعي على الطالب بيع دينه من الغريم و على المشتري الشراء منه و هما منكران فكان القول قولهما مع اليمين و يحلف الموكل على العلم لأنه يحلف على فعل غيره و هو قبض الطالب .
و إن صدقه الموكل في القضاء و كذبه الطالب يصدق على الموكل دون الطالب حتى يرجع على الموكل بما قضى و يغرم ألفا أخرى للطالب لأن الموكل صدقه في دعوى القضاء عنه بأمره و هو مصدق على نفسه في تصديقه فثبت القضاء في حقه فكان القول قوله مع يمينه هكذا ذكر القدوري C .
و ذكر في [ الجامع ] أن الوكيل لا يرجع على الموكل و إن صدقه الموكل لأن حق الرجوع يعتمد وجود القضاء و لم يوجد لأن الطالب منكر إلا أنا نقول إنكار الطالب يمنع وجود القضاء في حقه لأنه منكر ما لا يمنع وجوده في حق الموكل لأنه مقر و إقرار كل مقر حجة في حقه فكان الأول أشبه .
و لو دفع إلى إنسان مالا ليقضي دينه فقضاء الموكل بنفسه ثم قضاء الوكيل فإن كان الوكيل لم يعلم بما فعله الموكل فلا ضمان على الوكيل و يرجع الموكل على الطالب بما قبض من الوكيل و إن علم بأن الموكل قد قضاه بنفسه فهو ضامن لأن الموكل لما قضاه بنفسه فقد عزل الوكيل إلا أن عزل الوكيل لا يصح إلا بعد علمه به فإذا علم بفعل الموكل فقد علم بالعزل فصار متعديا في الدفع فيلزمه الضمان و إذا لم يعلم فلم يوجد منه التعدي فلا ضمان عليه و ليس هذا كالوكيل يدفع الزكاة إذا أدى الموكل بنفسه ثم أدى الوكيل أنه يضمن الوكيل علم بأداء الموكل أو لم يعلم عند أبي حنيفة C لأن الوكيل بأداء الزكاة مأمور بأداء الزكاة و أداء الزكاة هو إسقاط الفرض بتمليك المال من الفقير و لم يوجد ذلك من الوكيل لحصوله من الموكل فبقي الدفع من الوكيل تعديا محضا فكان مضمونا عليه .
فأما قضاء الدين فعبارة عن أداء مال مضمون على القابض على ما ذكرنا و المدفوع إلى الطالب مقبوض عنه و المقبوض بجهة الضمان مضمون كالمقبوض على سوم الشراء لكونه مقبوضا بجهة القضاء و المقبوض بجهة القضاء مضمون على القابض و يقال إن قضاء الدين عبارة عن نوع معاوضة و هو نوع شراء الدين بالمال و المقبوض من الوكيل مقبوض بجهة الشراء مضمون على المشتري بخلاف ما إذا دفعه على علمه بدفع الموكل لأن هناك لم يوجد القبض بجهة الضمان لانعدام القبض بجهة القضاء فبقي تعديا فيجب عليه ضمان التعدي و القول قول الوكيل في أنه لم يعلم بدفع الموكل لأن القول قول الأمين في دفع الضمان عن نفسه لكن مع اليمين .
و على هذا إذا مات الموكل و لم يعلم الوكيل بموته حتى قضى الدين لا ضمان عليه و إذا كان عالما بموته ضمن لما قلنا و الله D أعلم .
الوكيل ببيع العبد إذا قال بعت و قبضت الثمن و هلك هذا على وجهين إما أن كان الموكل سلم العبد إلى الوكيل أو كان لم يسلم إليه فإن لم يكن سلم العبد إليه فقال الوكيل : بعته من هذا الرجل و قبضت منه الثمن و هلك الثمن في يدي أو قال دفعته إلى الموكل فهذا لا يخلو إما أن صدقه في ذلك أو كذبه فإن كذبه بالبيع أو صدقه بالبيع و كذبه في قبض الثمن أو صدقه فيهما و كذبه في الهلاك فإن صدقه في ذلك كله يهلك الثمن من مال الموكل و لا شيء على الوكيل لأنه يهلك أمانة في يده و إن كذبه في ذلك كله بأن كذبه بالبيع أو صدقه بالبيع و كذبه في قبض الثمن فإن الوكيل يصدق في البيع و لا يصدق في قبض الثمن في حق الموكل لأن إقرار الوكيل في حق نفسه جائز عليه و المشتري بالخيار إن شاء نقد الثمن ثانيا إلى الموكل و أخذ منه المبيع و إن شاء فسخ البيع و له أن يرجع في الحالين جميعا على الوكيل بما نقده كذا لو أقر الوكيل بالبيع و زعم أن الموكل قبض من المشتري الثمن و أنكر الموكل ذلك فإن الوكيل يصدق في البيع و لا يصدق في إقراره على الموكل بالقبض لما ذكرنا و يجبر المشتري على ما ذكرنا إلا أن هناك لا يرجع على الوكيل بشيء لأنه لم يوجد منه الإقرار بقبض الثمن و إن صدقه الموكل في البيع و قبض الثمن و كذبه في الهلاك أو الدفع إليه فالقول قول الوكيل في دعوى الهلاك أو الدفع إليه مع يمينه لأنه أمين و يجبر الموكل على تسليم العبد إلى المشتري لأنه ثبت البيع و قبض الثمن بتصديقه إياه و لا يؤمر المشتري بنقد الثمن ثانيا إلى الموكل لأنه ثبت وصول الثمن إلى يد وكيله بتصديقه و وصول الثمن إلى يد وكيله كوصول إلى يده .
هذا إذا لم يكن العبد مسلما إلى الوكيل فأما إذا كان مسلما إليه فقال الوكيل بعته من هذا الرجل و قبضت منه الثمن فهلك عندي أو قال دفعته إلى الموكل أو قال قبض الموكل الثمن من المشتري فإن الوكيل يصدق في ذلك كله و يسلم العبد إلى المشتري و يبرأ المشتري من الثمن و لا يمين عليه .
أما إذا صدقه الموكل في ذلك كله فلا يشكل و كذا إذا كذبه في البيع أو صدقه فيه و كذبه في قبض الثمن لأن الوكيل أقر ببراءة المشتري عن الثمن فلا يحلف و يحلف الوكيل فإن حلف على ما يدعيه برئ من الثمن و إن نكل عن اليمين لزمه ضمان الثمن للموكل فإن استحق العبد بعد ذلك من يد المشتري فإنه يرجع بالثمن على الوكيل إذا أقر بقبض الثمن منه و الوكيل لا يرجع على الموكل بما ضمن من الثمن للمشتري لأن الموكل لم يصدقه على قبض الثمن فإقرار الوكيل في حقه جائز و لا يجوز في حق الرجوع على الموكل و له أن يحلف الموكل على العلم بقبض الوكيل فإن نكل رجع عليه بما ضمن .
و لو أقر الموكل بقبض الوكيل الثمن لكنه كذبه في الهلاك أو الدفع إليه فإن الوكيل يرجع بما ضمن عليه لأن يد وكيله كيده و لو كان الوكيل لم يقر بقبض الثمن بنفسه و لكنه أقر أن الموكل قبضه من المشتري لا يرجع المشتري على الوكيل لأنه لم يقبض منه الثمن و لا يرجع على الموكل أيضا لأن إقرارهما على الموكل لا يجوز و لو لم يستحق المبيع و لكنه وجد به عيبا كان له أن يخاصم الوكيل فإذا رد عليه بقضاء القاضي رجع عليه بالثمن إن أقر بقبض الثمن منه و للوكيل أن يرجع على الموكل بما ضمن إذا أقر الموكل بقبض الوكيل الثمن و يكون المبيع للموكل و إن لم يقر الموكل بقبض الوكيل الثمن لا يرجع الوكيل بما ضمن على الموكل و له أن يحلف الموكل على العلم بقبضه فإن نكل رجع عليه و إن حلف لا يرجع و لكنه يبيع العبد فيستوفي ما ضمن من ثمن العبد فإن كان فيه فضل رده على الموكل و إن كان فيه نقصان فلا يرجع بالنقصان على أحد .
و لو كان الوكيل لم يقر بقبض الثمن بنفسه و لكنه أقر بقبض الموكل لا يرجع المشتري بالثمن على الوكيل لأنه لم يدفعه إليه و لا يرجع على الموكل أيضا لأنهما لا يصدقان عليه بالقبض و على الموكل اليمين على البتات فإن نكل رجع عليه و المبيع له فإن حلف لا يرجع عليه بشيء و لكن المبيع يباع عليه و ذكر الطحاوي في الفصل الأول أن الوكيل يبيعه في قولهما و في قول أبي حنيفة C لا يبيعه و جعل هذا كبيع مال المديون المفلس و لكن الوكيل لو باعه يجوز بيعه لأنه لما رد عليه فسخا عادت الوكالة فإذا بيع العبد يستوفي الثمن منه إن أقر الوكيل بقبض الموكل و لم يقر بقبض نفسه و إن أقر بقبض الثمن و ضمن المشتري يأخذ من الثمن مقدار ما غرم فإن كان فيه فضل رده على الموكل و إن كان فيه نقصان لا يرجع على أحد .
و منها : الوكيل بقضاء الدين إذا لم يدفع الموكل إليه مالا ليقضي دينه منه فقضاه من مال نفسه يرجع بما قضى على الموكل لأن الأمر بقضاء الدين من مال غيره استقراض منه و المقرض يرجع على المستقرض بما أقرضه .
و كذلك الوكيل بالشراء من غير دفع الثمن إلى الوكيل توكيل بقضاء الدين و هو الثمن و الوكيل بقضاء الدين إذا قضى من مال نفسه يرجع على الموكل فكذا الوكيل بالشراء و له أن يحبس المبيع لاستيفاء الثمن من الموكل عند أصحابنا الثلاثة و عند زفر ليس له حبسه .
وجه قوله : أن المبيع أمانة في يد الوكيل ألا ترى أنه لو هلك في يده فالهلاك على الموكل حتى لا يسقط الثمن عنه و ليس للأمين حبس الأمانة بعد طلب أهلها قال الله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } فصار كالوديعة .
و لنا : أنه عاقد وجب الثمن له على من وقع له حكم البيع ضمانا للمبيع فكان له حق حبس المبيع لاستيفاء الثمن كالبائع من المشتري .
و إذا طلب منه الموكل فحبسه حتى هلك كان مضمونا عليه بلا خلاف بين أصحابنا لكنهم اختلفوا في كيفية الضمان .
قال أبو حنيفة و محمد : يكون مضمونا ضمان البيع .
و قال أبو يوسف : يكون مضمون ضمان الرهن .
و قال زفر : يكون مضمونا ضمان الغصب .
وجه قول زفر : ما ذكرنا أن المبيع أمانة في يده و الأمين لا يملك حبس الأمانة عن صاحبها فإذا حبسها فقد صار غاضبا و المغضوب مضمون بقدره من المثل أو بالقيمة بالغا ما بلغ .
وجه قول أبي يوسف : أن هذه عين محبوسة بدين يسقط بهلاكها فكانت مضمونة بالأقل من قيمتها و من الدين كالرهن .
وجه قولهما : أن هذه عين محبوسة بدين هو ثمن فكانت مضمونة ضمان البيع كالمبيع في يد البائع و كذلك الوكيل بالبيع إذا باع و سلم و قبض الثمن ثم استحق المبيع في يد المشتري فإنه يرجع بالثمن على الوكيل فيأخذ عينه إن كان قائما و مثله أو قيمته إن كان هالكا و الله أعلم