وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

158 - ـ فصل : في القناعة سلامة الدنيا و الدين .
رأيت النفس تنظر إلى لذات أرباب الدنيا العاجلة و تنسى كيف حصلت و ما يتضمنها من الأفات .
و بيان هذا أنك إن رأيت صاحب إمارة و سلطنة فتأملت نعمته وجدتها مشوية إن لم يقصد هو الشر حصل من عماله ثم هو خائف منزعج في كل أموره حذر من عدو أن يسيئه فلق ممن هو فوقه أن يعزله و من نظيره أن يكيده ثم أكثر زمانه يمضي في خدمة من يخافه من السلاطين و في حساب أموالهم و تنفيذ أوامرهم التي لا تخلو من أشياء منكرة و إن عزل أربى ذلك على جميع ما نال من لذة .
ثم تلك اللذة تكون مغمورة بالحذر فيها و منها و عليها .
و إن رأيت صاحب تجارة رأيته قد تقطع في البلاد فلم ينل ما نال إلا بعد علة السن و ذهاب زمان اللذة .
كما حكى أن رجلا من كان حال شبيبة فقيرا كما كبر استغنى و ملك أموالا و اشترى عبيدا من الترك و غيرهم و جواري من الروم فقال هذه الأبيات في شرح حاله : .
( ما كنت أرجوه إذ كنت ابن عشرينا ... ملكته بعد أن جاوزت سبعينا ) .
( تطوف بي من الأتراك أغزلة ... مثل الغصون على كثبان يبرينا ) .
( و خرد من بنات الروم رائعة ... يحكين بالحسن حور الجنة العينا ) .
( يغمزنني بأساريع منعمة ... تكاد تعقد من أطرفها لينا ) .
( يردن إحياء ميت لا حراك به ... و كيف يحيين ميتا صار مدفونا ) .
( قالوا أنينك طول الليل يسهرنا ... فما الذي تشتكي قلت الثمانينا ) .
و هذه الحالة هي الغالية فإن الإنسان لا يكاد يجتمع له كل ما يحبه إلا عند قرب رحيله فإن بدر ما يحب في بداية شبابه فالصبوة مانعة من فهم التدابير أو حسن الإلتزاز و الإنسان في حالة الصبوة لا يدري أين هو إلا أن يبلغ فإذا بلغ كانت همته في المنكوح كيفما اتفق و إن تزوج جاء الأولاد فمنعوه اللذة و انكسر في نسفه و افتقر إلى الكسب عليهم فبينما هو قد دعك في تلك المديدة القريبة من الثلاثين و خطه الشيب فانفرق من نفسه لعمله أن النساء يتفرقن منه كما قال ابن المعتز بالله : .
( لقد أتعبت نفسي في مشيبي ... فكيف تحبي الغيد الكعاب ) .
و هكذا لا ترى المتمتع بالمستحسنات إن و جدهن لم يجد مالا يبلغ به المراد و إن اشتغل بجمع المال ضاع زمن تمتعه و إذا تم المطلوب فالشيب أقبح قذى و أعظم مبغض .
ثم إن صاحب المال خائف على ماله محاسب لمعامليه مذموم إن أسرف و إن فتر .
ولده يرصد موته و جاريته قد لا ترضى بشخصه و هو مشغول بحفظ حواشيه فقد مضى زمانه في محن و اللذات فيها خلس معتادة لا لذة فيها ثم في القيامة يحشر الأمير و التاجر خزايا إلا من عصم الله .
فإياك أن تنظر إلى صورة نعيمهم فإنك تستطيبه لبعده عنك و لو قد بلغته كرهته ثم في ضمنه من محن الدنيا و الآخرة ما لا يوصف فعليك بالقناعة مهما أمكن ففيها سلامة الدنيا و الدين .
و قد قيل لبعض الزهاد و عنده خبز يابس : كيف تشتهي هذا ؟ .
فقال : أتركه حتى أشتهيه