وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

162 - ـ فصل : من يطع الرسول فقد أطاع الله .
الجادة السليمة و الطريق القومية الإقتداء بصاحب الشرع و البذار إلى الإستنان به فهو الكامل الذي لا نقص فيه فإن خلقا كثيرا إنحرفوا إلى جادة الزهد و حملوا أنفسهم فوق الجهد فأقاموا في أواخر العمر و البدن قد نهك و فانت أمور مهمة من العلم و غيره .
و إن أقواما إنحرفوا إلى صورة العلم فبالغوا في طلبه فأفاقوا في أواخر قدم و قد فاتهم العمل به .
فطريق المصطفى صلى الله عليه و سلم العلم و العمل و التلطف بالبدن .
ما أوصى عبد الله بن عمر عمر بن العاصي و قال له : إن لنفسك عليك حقا و لزوجك عليك حقا فهذه هي الطريق الوسطى و القول الفصل .
فأما اليبس المجرد فكم فوت من علم لو حصل نيل به أكثر مما نيل بالعمل .
فإن مثل العالم كرجل يعرف الطريق و العابد جاهل بها فيمشي العابد من الفجر إلى العصر و يقوم العالم قبيل العصر فيلتقيان و قد سبق العالم فضل شوطه .
فإن قال قائل : بين لي هذا ؟ .
قلت : صورة التعبد خدمة لله تعالى و ذل له و ربما لم يطلع العابد على معنى تلك الصورة لأنه ربما ظن أنه أهل لوجود الكرامة على يده و أنه مستحق تقبيل يده أو أنه خير من كثير من الناس و ذلك كله لقلة العلم و أعني بالعلم فهم أصول العلم لا كثرة الرواية و مطالعة مسائل الخلاف .
فإذا طالع العالم الأصولي سبق هذا العابد بحسن خلق و مداراة لناس و تواضعه في نفسه و إرشاده الخلق إلى الله تعالى فيعسر هذا على العابد و هو في ليل جهله بالحال راقد .
ربما تزوج العابد ثم حمل نفسه على التجفف فحبس زوجته عن مطلوبها و لم يطلقها و صار كالتي حبست الهرة فلا هي أطعمتها و لا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض .
و من تأمل حالة الرسول صلى الله عليه و سلم رأى كاملا من الخلق يعطي كل ذي حق حقه .
فتارة يمزح و تارة يضحك و يداعب الأطفال و يسمع الشعر و يتكلم بالمعاريض و يحسن معاشرة النساء و يأكل ما قدر عليه و أتيح له و إن كان لذيذا كالعسل و يستعذب له الماء و يفرش له في الظل و لم ينكر ذلك و لم يسمع عنه ما حدث بعده من جهال المتصوفة و المتزهدين من منع النفس شهواتها على الإطلاق .
فقد كان يأكل البطيخ بالرطب و يقبل و يمص اللسان و يطلب المستحسنات .
فأما أكل خبز الشعير و وزن المأكول و تجفيف البدن و هجر كل مشتهي فإنه تعذيب للنفس و هدم للبدن لا يقتضيه عقل و لا يمدحه شرع و إنما اقتنع أقوام بالقليل لأسباب مثل أن حديث شبهة فتقللوا أو إختلط طعام بطعام فتورعوا .
ثم كان النبي صلى الله عليه و سلم يوفي العبادة حقها بقيام الليل و الاجتهاد في الذكر .
فعليك بطريقته التي هي أكمل الطرق و بشرعته التي لا شوب فيها و دع حديث فلان و فلان من الزهاد و احمل أمرهم على أحسن محمل و أقم لهم الأعذار مهما قدرت فإن لم تجد عذرا فهم محجوبون بفعله إذ هو قدوة الخلق و سيد العقلاء و هل فسد الناس إلا بالإنحراف عن الشريعة ؟ .
و لقد حدثت آفات من المتصوفة و المتزهدين خرقوا بها شبكة الشريعة و عبروا فمنهم من يدعي المحبة و الشوق و لا يعرف المحبوب .
فتراه يصيح و يستغيث و يمزق ثيابه و يخرج عن حد الشرع بدعواه و مضمونها .
منهم من حمل على نفسه بالجوع و الصوم الدائم و قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم إنه قال لعبد الله بن عمرو : [ صم يوما و أفطر يوما فقال أريد أفضل من ذلك فقال لا أفضل ] .
و فيهم من خرج إلى السياحة فأفأت نفسه الجماعة و فيهم من دفن كتب العلم و قد يصلي و يصوم و لم يعلم أن دفنها خطأ قبيح لأن النفس تغفل و تحتاج إلى التذكير في كل وقت و نعم المذكر كتب العلم .
و إنما دخل إبليس على قوم منهم من حيث قدر و كان مقصوده بدفن الكتب إطفاء المصباح ليسير العابد في الظلمة .
و ما أحسن ما قال بعض العلماء لرجل سأله فقال : أريد أن أمضي إلى جبل الأكام فقال هذه ـ هوكلة ـ و هذه كلمة عامية معناها حب البطالة .
و على الحقيقة الزهاد في مقام الخفافيش قد دفنوا أنفسهم بالعزلة عن نفع الناس و هي حالة حسنة إذا لم تمنع من خير من جماعة و اتباع جنازة و عيادة مريض .
إلا أنها حالة الجنباء فأما الشجعان فهم يتعلمون و يعلمون و هذه مقامات الأنبياء عليهم السلام .
أترى كم بين العابد إذا نزلت به حادثة و بين الفقيه ؟ .
بالله لو مال الخلق إلى التعبد لضاعت الشريعة .
على أنه فهم معنى التعبد لم يقتصر به على الصلاة و الصوم فرب ماش في حاجة مسلم فضل تعبده ذلك على صوم سنة .
و العمل بالبدن سعى الآلات الظاهرة و العلم سعي الآلات الباطنة من العقل و الفكر و الفهم فلذلك كان أشرف .
فإن قلت : كيف تذم المعتزلين للشر و تنفي عنهم التعبد ؟ .
قلت : ما أذمهم بل حدثت منهم حوادث اقتضاها الجهل من الدعاوي و الآفات التي سببها قلة العلم و حملوا على أنفسهم التي لبست لهم و عن غير إذن الأمر ما لم يجز .
حتى إن أحدهم يرى أن فعل ما يؤذي النفس على الإطلاق فضيلة و حتى قال بعض الحمقى : دخلت الحمام فوجدت غفلة فآليت ألا أخرج حتى أسبح كذا و كذا تسبيحة فطال الأمر فمرضت .
و هذا رجل خاطر بنفسه في فعل ما ليس له و من المتصوفة و الزهاد من قنع بصورة اللباس و ركب من الجهل في الباطن ما لا يسعه كتاب .
طهر الله الأرض منهم و أعان العلماء عليهم .
فإن أكثر الحمقى معهم فلو أنكر عالم على أحدهم مال العوام على العالم بقوة الجهل .
و لقد رأيت كثيرا من المتعبدين و هو مقام العجائز يسبح تسبيحات لا يجوز النطق بها و يفعل في صلاته ما لم ترد به السنة .
و لقد دخلت يوما على بعض من كان يتعبد و قد أقام إماما و هو خلفه في جماعة يصلي بهم صلاة الضحى و يجهر غفلت لهم : إن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ صلاة النهار عجماء ] فغضب ذلك الزاهد و قال : كم ينكر هذا علينا ! .
و قد دخل فلان و أنكر فلان و أنكر نحن نرفع أصواتنا حتى لا ننام .
فقلت : واعجبا و من قال لكم لا تناموا أليس في الصحيحين من حديث ابن عمرو و أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : [ قم و نم و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام و لعله ما مضت عليه ليلة إلا و نام فيها ] .
و لقد شاهدت رجلا كان يقال له حسين القزويني بجامع المنصور و هو يمشي في الجامع مشيا كثيرا دائما فسألت ما السبب في هذا المشي ؟ فقيل لي : حتى لا ينام .
و هذا كلها حماقات أوجبتها قلة العلم لأنه إذا لم تأخذ النفس حظها من النوم إختلط العقل و فات المراد من التعبد لبعد الفهم .
و لقد حدثني بعض الصالحين المجاورين بجامع المنصور أن رجلا إسمه كثير دخل عليهم الجامع فقال : إني عاهدت الله على أمر و نقضته و قد جعلت تقوبتي لنفسي ألا آكل شيئا أربعين يوما قال : فمكث منها عشرة أيام قريب الحال يصلي في جماعة ثم في العشر الثاني بان ضعفه و كان يداري الأمر ثم صار في العشر الثالث يصلي قاعدا ثم استطرح في العشر الرابع فلم تمت الأربعون جيء بنقوع فشربه فسمعنا صوته في حلقه مثل ما يقع الماء على المقلاة ثم مات بعد أيام .
فقلت : يا لله العجب أنظروا ما فعل الجهل بأهله ظاهر هذا أنه في النار إلا أن يعفى عنه و لو فهم العلم و سأل العلماء لعرفوه أنه يجب عليه أن يأكل و أن ما فعله بنفسه حرام و لكن من أعظم الجهل إستبداد الإنسان بعلمه و كل هذه الحوادث نشأت قليلا قليلا حتى تمكنت .
فأما الشرب الأول فلم يكن فيه من هذا شيء و ما كانت الصحابة تفعل شيئا من هذه الأشياء و قد كانوا يؤثرون و يأكلون دون الشبع و يصبرون إذا لم يجدوا فمن أراد الإقتداء فعليه برسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه ففي ذلك الشفاء و المطلوب .
و لا ينبغي أن يخلد العاقل إلى تقليد معظم شاع إسمه فيقول : قال : أبو يزيد و قال الثوري فإن المقلد أعمى و كم قد رأينا أعمى يأنف من حمل عصا فمن هذا المشار إليه طلب الأفضل و الأعلى و الله الموفق