وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

188 - ـ فصل : في العزلة التفكير في زاد الرحيل .
ما أعرف نفعا كالعزلة عن الخلق خصوصا للعالم و الزاهد فإنك لا تكاد ترى إلا شامتا بنكبة أو حسودا على نعمة و من يأخذ عليك غلطاتك .
فيا للعزلة ما الذها سلمت من كدر غيبة و آفات تصنع و أحوال المداجاة و تضييع الوقت ثم خلا فيها القلب بالفكر لأنه مستلذ عنه بالمخالطة فدبر أمر دنياه و آخرته فمثله كمثل الحمية يخلو فيها المعي بالأخلاط فيذيبها .
و ما رأيت مثل ما يصنع المخالط لأنه يرى حالته الحاضرة من لقاء الناس و كلامهم فيشتغل بها عما بين يديه فمثله كمثل رجل يريد سفرا قد أزف فجالس أقواما فشغلوه بالحديث حتى ضرب البوق و ما تزود فلو لم يكن في العزلة إلا التفكير في زاد الرحيل و السلامة من شر المخالطة كفى .
ثم لا عزلة على الحقيقة إلا للعالم و الزاهد فإنهما يعلمان مقصود العزلة و إن كانا لا في عزلة .
أما العالم فعلمه مؤنسه و كتبه محدثه و النظر في سير السلف مقومه و التفكير في حوادث الزمان السابق فرجته .
فإن ترقى بعلمه إلى مقام المعرفة الكاملة للخالق سبحانه و تشبث بأذيال محبته تضاعفت لذاته و اشتغل بها عن الأكوان و ما فيها .
فخلا بحبيبه و عمل معه بمقتضى علمه .
و كذلك الزاهد تعبده أنيسه و معبوده جليسه فإن كشف لبصره عن المعمول معه غاب عن الخلق و غابوا عنه .
إنما اعتزلا ما يؤذي فهما في الوحدة بين جماعة فهذان رجلان قد سلما من شر الخلق و سلم الخلق من شرورهما .
بل هما قدوة للمتعبدين و علم للسالكين ينتفع بكلامهما السامع و تجري موعظتهما المدافع و تنتشر هيبتها في المجامع .
فمن أراد أن يشتبه بأحدهما فليصابر الخلوة و إن كرهها ليثمر له العسل و أعوذ با الله من عالم مخالط للعالم خصوصا لأرباب المال و السلاطين يجتلب و يجتلب و يختلب فما يحصل له شيء من الدنيا إلا و قد ذهب من دينه أمثاله .
ثم أين الأنفة من الذل للفساق ؟ .
فالذي لا يبالي بذلك هو الذي لا يذوق طعم العلم و لا يدري ما المراد به و كأنه به و قد وقع في بادية جرز و قفر مهلك في تلك البراري .
و كذلك المتزهد إذا خالط و خلط فإنه يخرج إلى الرياء و التصنع و النفاق فيفوته الحظان لا الدنيا و نعيمها تحصل له و لا الآخرة .
فنسأل الله D خلوة حلوة و عزلة عن البشر لذيذة يستصلحنا فيها لمناجاته و يلهم كلا منا طلب نجاته إنه قريب مجيب