وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

200 - ـ فصل : تذكر الموت .
حضرنا يوما جنازة شاب مات أحسن ما كانت الدنيا له فرأيت من ذم الناس للدنيا و عيب من سكن إليها و التقبيح للغافلين عن الاستعداد لهذا المصرع أمرا كبيرا من الحاضرين .
فقلت : نعم ما قلتم و لكن اسمعوا مني ما لم تسمعوه .
أعجب الأشياء أن العاقل إذا علم قرب هذا المصرع منه أوجب عليه عقله البدار بالعمل و القلق من الخوف .
وقد اشتد ذلك بأقوام فهاموا في البراري و طووا الأيام بالمجاعة و داموا على سهر الليل و لازموا المقابر فهلكوا سريعا .
و لعمري إن ما خافوه يستحق أكثر من هذا الفعل .
و لكن نرى العقل الذي أوجب هذا القلق قد أمر بما يوجب السكون فقال : إنما خلق هذا البدن ليحمل النفس كما تحمل الناقة الراكب .
و لا بد من التلطف بالناقة ليحصل المقصود من السير و لا يحسن في العقل دوام السهر و طول القلق لأنه يؤثر في البدن فيفوت اكثر المقصود .
كيف و قد خلق بدن الآدمي خلقا لطيفا فإذا هجر الدسم نشف الدماغ و إذا دام على السهر قوى اليبس و إذا لازم الحزن مرض القلب .
فلا بد من التلطف بالبدن بتناول ما يصلحه و بالقلب بما يدفع الحزن المؤذي له .
و إلا فمتى دام المؤذي عجل التلف .
ثم يأتي الشرع بما قد قاله العقل فيقول : [ إن لنفسك عليك حقا و إن لزوجك عليك حقا فصم و أفطر و قم و نم ] .
و يقول : [ كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ] .
و يحث على النكاح و دوام القلق و اليبس يترك الزوجة كالأرملة و الولد كاليتيم .
و لا وجه للتشاغل بالعلم مع هذا القلق .
و من أراد مصداق ما قلته فاليتأمل حالة الرسول صلى الله عليه و سلم فإنه كان يعدل ما عنده من الخوف فيمازح و يسابق عائشة و يكثر من التزوج و كان يتلطف ببدنه فيختار الماء البائت و يحب الحلوى و اللحم .
و لولا مساكنة نوع غفلة لما صنف العلماء و لا حفظ العلم و لا كتب الحديث .
لأن من بقول : ربما مت اليوم كيف يكتب و كيف يسمع و يصنف .
فلا يهولنكم ما ترون من غفلة الناس عن الموت و عدم ذكره حق ذكره فإنها نعمة من الله سبحانه بها تقوم الدنيا و يصلح الدين .
و إنما تذم قوة الغفلة الموجبة للتفرط و الإهمال للمحاسبة للنفس وتضييع الزمان في غير التزود وربما قويت فحملت على المعاصي .
فأما إذا كانت بقدر كانت كالملح في الطعام لا بد منه فإن كثر صار الطعام زعافا فالغفلة تمدح إذا كانت بقدر كما بينا و متى زادت وقع الذم .
فافهم ما قلته .
و لا تقل فلان شديد اليقظه ما ينام الليل و فلان غافل ينام أكثر الليل فإن غفلة توجب مصلحة البدن و القلب لا تذم و السلام