وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

332 - ـ فصل : العقل السليم في الجسم السليم .
معرفة الله سبحانه لا تحصل إلا لكامل العقل صحيح المزاج و الترقي إلى محبته بذلك يكون .
و إن أقواما قلت عقولهم و فسدت أمزجتهم فساءت مطاعمهم و قلت فتخايلت لهم الخيالات الفاسدة فإدعوا معرفة الحق و محبته و لم يكن عندهم من العلم ما يصدهم عما ادعوا فهلكوا .
و ليعلم أن في المأكولات ما يسبب إفساد العقل و فيها ما يزيد في السوداء فيوجب المالخوليا فترى صاحبها يحب الخلوة و يهرب من الناس و قد يقلل المطعم فيقوى مرضه فيتخايل خيالات يظنها حقا .
فمنهم من يقول : إني رأيت الملائكة و فيهم من يخرجه الأمر إلى دعوى محبة الحق و الولد فيه و لا يكون ذلك عن أصل معتمد عليه .
و إنما العاقل العالم يسير في الطريق بين الرفيقين : العلم و العقل .
فإن تقلل من الطعام فبعقل وحد التقلل ترك فضول المطعم و ما يخاف شره من شهبة أو شهوة يحذر تعودا .
و أما زيادة التقلل مع القدرة فليس لعقل و لا شرع إلا أن يكون الفقر عم فيتقلل ضرورة .
و من تأمل حال رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه و جدهم يأخذون بمقدار و لا يتركون حظوظ النفس التي تصلحها .
و ما أحسن الأمر و أعدله قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ ثلث طعام و ثلث شراب و ثلث نفس ] .
و قد قال لعلي بن أبي طالب Bه و هو مريض : [ أصب من هذا الطعام فهو أوفق لك من هذا ] .
و كان صلى الله عليه و سلم يشاور الأطباء و يحتجم و يحث على التداوي و يقول : [ ما أنزل الله داء إلا و أنزل له شفاء فتداووا ] .
فجاء أقوام جهلوا العلم و الحكمة في بنيان الأبدان .
فمنهم من أقام في الجبال يأكل البلوط فأصابه القولنج و منهم من قلل المطعم إلى أن ضعفت قواه و منهم من اقتصر على نبات الصحراء و منهم من كان لا يقوت إلا الباقلاء و الشعير فأوجبت هذه الأفعال أمراضا في البدن و ترقت إلى إفساد العقل .
و إتفق لهم قلة العلم إذ لو علموا لفهموا أن الحكمة تنهي عن مثل هذا فإن البدن مبني على أخلاط إذا اعتدلت وقعت السلامة و إذا زاد بعضها وقع المرض .
و أكثر هؤلاء مرضوا و تعجل لهم الموت و فيهم من خرج إلى التسودن و فيهم من لاحت له لوائح فإدعى رؤية الملائكة إلى غير ذلك .
فأما أهل العلم و العقل فهربهم من الخلق لخوف المعاصي و رؤية المنكر .
و فيهم من قويت معرفته فشغلته معرفة الحق و محبته على ملاقاة الخلق .
فهذه هي الخلوات الصافية لأنها تصدر عن علم و عقل فتحفظ البدن لأنه ناقة توصل .
و لا ينبغي أن يتهاون بالمأكولات خصوصا من لم يعتد التقشف و لا يلبس الصوف على البدن من لم يعتده .
و لينظر في طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم و صحابته فإنهم القدوة و لا يلتفت إلى بنيات الطريق فيقال : فلان الزاهد قد أكل الطين و فلان كان يمشي حافيا و فلان بقي شهرا ما أكل .
فإن المحققين من هؤلاء المخلصين لله تعالى على غير الجادة لأن الجادة إتباع رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه و ما كانوا يفعلون .
و هذا لعمري أنه قد كان فيهم من يقنع بالمذقة من اللبن و يصبر الأيام عن الطعام و لكن إما لضرورة أو لأنه معتاد لذلك كما يعتاد البدوي شرب اللبن وحده و لا يؤذيه ذلك .
و في الحديث : [ عودوا كل بدن ما إعتاد ] و في المتزهدين من أخرج ماله كله عن يده زهدا و معلوم أن الحاجات لا تنقضي فلما إحتاج تعرض للطلب و إفتقر إلى أخذ مال من يد من يعلم أنه ظالم و بذل وجهه .
و قد كانت الصحابة تنجر و تحفظ المال و جهال المتزهدين يرون جمع المال ينافي الزهد .
فمخضة هذا الفصل أن أقول : ينبغي لمن رزق فهما أن يسعى في صلاح بدنه و لا يحمل عليه ما يؤذيه و لا يناوله من القوت ما لا يوافقه و لا يضيع ماله و ليجتهد في إشتثماره لئلا يحتاج فإنه ما نافق زاهد إلا لأهل الدنيا .
و لينظر في سير الكاملين من السلف و ليتشاغل بالعلم فإنه الدليل فحينئذ يحمله الأمر على الخلوة بربه و الإشتغال بحبه فيكون ما ظهر منه ثمرة نضجة لا فجة و الله الموفق