وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

قوله : ( وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم للأموات ) .
ش : اتفق أهل السنة أن الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بأمرين : أحدهما : ما تسبب إليه الميت في حياته والثاني : دعاء المسلمين واستغفارهم له والصدقة والحج على نزاع فيما يصل إليه من ثواب الحج : فعن محمد بن الحسن : أنه إنما يصل إلى الميت ثواب النفقة والحج للحاج وعند عامة العلماء : ثواب الحج للمحجوج عنه وهو الصحيح واختلف في العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذكر : فذهب أبو حنيفة و أحمد وجمهور السلف إلى وصولها والمشهور من مذهب الشافعي و مالك عدم وصولها وذهب بعض أهل البدع من أهل الكلام إلى عدم وصول شيء البتة لا الدعاء ولا غيره وقولهم مردود بالكتاب والسنة لكنهم استدلوا بالمتشابه من قوله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وقوله : { ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون } قوله : { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } [ وقد ثبت عن النبي A أنه قال : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أوعلم ينتفع به من بعده ] فأخبر أنه إنما ينتفع بما كان تسبب فيه في الحياة وما لم يكن تسبب فيه في الحياة فهو منقطع عنه واستدل المقتصرون على وصول العبادات التي [ لا ] تدخلها النيابة بحال كالإسلام والصلاة والصوم وقراءة القرآن [ وأنه ] يختص ثوابها بفاعله لا يتعداه كما أنه في الحياة لا يفعله أحد عن أحد ولا ينوب فيه عن فاعله غيره - بما [ روى النسائي بسنده عن ابن عباس عن النبي A أنه قال : لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة ] .
والدليل على انتفاع الميت بغير ما تسبب فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح أما الكتاب فقال تعالى : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } فأثنى عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء وقد دل على انتفاع الميت بالدعاء إجماع الأمة على الدعاء له في صلاة الجنازة والأدعية التي وردت بها السنة في صلاة الجنازة مستفيضة وكذا الدعاء له بعد الدفن [ ففي سنن أبي داود من حديث عثمان بن عفان Bه قال : كان النبي A إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ] وكذلك الدعاء لهم عند زيارة قبورهم [ كما في صحيح مسلم من حديث بريدة بن الحصيب قال : كان رسول الله A يعلمهم اذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية ] وفي صحيح مسلم أيضا [ عن عائشة Bها : سألت النبي A : كيف تقول إذا استغفرت لأهل القبور ؟ قال : قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا [ ومنكم ] والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ] .
وأما وصول ثواب الصدقة ففي الصحيحين [ عن عائشة Bها : أن رجلا أتى النبي A فقال : يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت أفلها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال : نعم ] وفي صحيح البخاري [ عن عبد الله بن عباس Bهما : أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها فأتى النبي A فقال : يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت ؟ قال : نعم قال : فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عنها ] وأمثال ذلك كثيره في السنة .
وأما وصول ثواب الصوم ففي الصحيحين [ عن عائشة Bها أن رسول الله A قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليه ] وله نظائر في الصحيح ولكن أبو حنيفة C قال بالإطعام عن الميت دون الصيام عنه لحديث ابن عباس المتقدم والكلام على ذلك معروف في كتب الفروع .
وأما وصول ثواب الحج ففي صحيح البخاري [ عن ابن عباس Bهما : أن امرأة من جهينة جاءت الى النبي صص فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء ] ونظائره أيضا كثيرة واجتمع المسلمون على أن قضاء الدين يسقطه من ذمة الميت ولو كان من أجنبي ومن غير تركته وقد دل على ذلك [ حديث أبي قتادة حيث ضمن الدينارين عن الميت فلما قضاهما قال النبي A : الآن بردت عليه جلدته ] وكل ذلك جار على قواعد الشرع وهو محض القياس فإن الثواب حق العامل فإذا وهبه لأخيه المسلم لم يمنع من ذلك كما لم يمنع من هبة ماله في حياته وإبرائه له منه بعد وفاته وقد نبه الشارع بوصول ثواب الصوم على وصول ثواب القراءة ونحوها من العبادات البدنية يوضحه : أن الصوم كف النفس عن المفطرات بالنية وقد نص الشارع على وصول ثوابه إلى الميت فكيف بالقراءة التي هي عمل ونية ؟ ! .
والجواب عما استدلوا به من قوله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } - قد أجاب العلماء بأجوبة : أصحها جوابان : .
أحدهما : أن الإنسان بسعيه وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء وأولد الأولاد ونكح الأزواج وأسدى الخير وتودد إلى الناس فترحموا عليه ودعوا له وأهدوا له ثواب الطاعات فكان ذلك أثر سعيه بل دخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه في حياته وبعد مماته ودعوة المسلمين تحيط من ورائهم يوضحه : أن الله تعالى جعل الإيمان سببا لانتفاع صاحبه بدعاء إخوانه من المؤمنين وسعيهم فإذا أتى به فقد سعى في السبب الذي يوصل إليه ذلك .
الثاني وهو أقوى منه - : أن القرآن لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره وإنما نفى ملكه لغير سعيه وبين الأمرين فرق لا يخفى فأخبر تعالى أنه لا يملك إلا سعيه وأما سعي غيره فهو ملك لساعيه فإن شاء أن يبدله لغيره وإن شاء أن يبقيه لنفسه .
وقوله سبحانه : { ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } آيتان محكمتان مقتضيتان عدل الرب تعالى : فالأولى تقتضي أنه لا يعاقب أحدا بجرم غيره ولا يؤاخذه بجريرة غيره كما يفعله ملوك الدنيا والثانية تقتضي أنه لا يفلح إلا بعمله لينقطع طمعه من نجاته بعمل آبائه وسلفه ومشايخه كما عليه أصحاب الطمع الكاذب وهو سبحانه لم يقل لا ينتفع إلا بما سعى .
وكذلك قوله تعالى : { لها ما كسبت } وقوله : { ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون } على أن سياق هذه الآية يدل على أن المنفي عقوبة العبد بعمل غيره فإنه تعالى قال : { فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون } .
وأما استدلالهم [ بقوله A : إذا مات ابن آدم انقطع عمله ] فاستدلال ساقط فإنه لم يقل انقطاع انتفاعه وإنما أخبر عن انقطاع عمله وأما عمل غيره فهو لعامله [ فإن ] وهبه له وصل إليه ثواب عمل العامل لا ثواب عمله هو وهذا كالدين يوفيه الإنسان عن غيره فتبرأ ذمته ولكن ليس له ما وفى به الدين .
وأما تفريق من فرق بين العبادات المالية والبدنية - فقد شرع النبي A عن الميت كما تقدم مع أن الصوم لا تجزىء فيه النيابة وكذلك [ حديث جابر Bه قال : صليت مع رسول الله A عيد الاضحى فلما انصرف أتى بكبش فذبحه فقال : بسم الله والله أكبر اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي ] رواه أحمد و أبو داود و الترمذي وحديث الكبشين اللذين قال في أحدهما : [ اللهم هذا عن أمتي جميعا ] وفي الآخر : [ اللهم هذا عن محمد وآل محمد ] رواه أحمد والقربة في الاضحية إراقة الدم وقد جعلها لغيره .
وكذلك عبادة الحج بدنية وليس [ المال ] ركنا فيه وإنما هو وسيلة ألا ترى أن المكي يجب عليه الحج إذا قدر على المشي إلى عرفات من غير شرط المال وهذا هو الأظهر أعني أن الحج غير مركب من مال وبدن بل بدني محض كما قد نص عليه جماعة من أصحاب أبي حنيفة المتأخرين وانظر إلى فروض الكفايات : كيف قام فيها البعض عن الباقين ؟ ولأن هذا إهداء ثواب وليس من باب النيابة كما أن الأجير الخاص ليس له أن يستنيب عنه وله أن يعطي أجرته لمن شاء .
وأما استئجار قوم يقرؤون القرآن ويهدونه للميت ! ! فهذا لم يفعله أحد من السلف ولا أمر به أحد من أئمة الدين ولا رخص فيه والاستئجار على نفس التلاوة غير جائز بلا خلاف وإنما اختلفوا في جواز الاستئجار على التعليم ونحوه مما فيه منفعة تصل إلى الغير والثواب لا يصل إلى الميت إلا إذا كان العمل لله وهذا لم يقع عبادة خالصة فلا يكون [ له من ] ثوابه ما يهدى إلى الموتى ! ! ولهذا لم يقل أحد أنه يكتري من يصوم ويصلي ويهدي ثواب ذلك إلى الميت لكن إذا أعطى لمن يقرأ القرآن ويعلمه ويتعلمه معونة لأهل القرآن على ذلك كان هذا من جنس الصدقة عنه فيجوز وفي الاختيار : لو أوصى بأن يعطى شيء من ماله لمن يقرأ القرآن على قبره فالوصية باطلة لأنه في معنى الأجرة انتهى وذكر الزاهدي في الغنية : أنه لو وقف على من يقرأ عند قبره فالتعيين باطل .
وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعا بغير أجرة فهذا يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج فإن قيل : هذا لم يكن معروفا في السلف ولا أرشدهم إليه النبي A ؟ فالجواب : إن كان مورد هذا السؤال معترفا بوصول ثواب الحج والصيام والدعاء قيل له : ما الفرق بين ذلك وبين وصول ثواب قراءة القرآن ؟ وليس كون السلف لم يفعلوه حجة في عدم الوصول ومن أين لنا هذا النفي العام ؟ فإن قيل : فرسول الله A أرشدهم إلى الصوم والحج والصدقة دون القراءة ؟ قيل : هو A لم يبتدئهم بذلك بل خرج ذلك منه مخرج الجواب لهم فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له فيه وهذا سأله عن الصوم عنه فأذن له فيه ولم يمنعهم مما سوى ذلك وأي فرق بين وصول ثواب الصوم - الذي هو مجرد نية وإمساك - وبين وصول ثواب القراءة والذكر ؟ فإن قيل : ما تقولون في الإهداء إلى رسول A ؟ .
قيل : من المتأخرين من استحبه ومنهم من رآه بدعة لأن الصحابة لم يكونوا يفعلونه ولأن النبي A له مثل أجر كل من عمل خيرا من أمته من غير أن ينقص من أجر العامل شيء لأنه هو الذي دل أمته على كل خير وأرشدهم إليه .
ومن قال : إن الميت ينتفع بقراءة القرآن عنده باعتبار سماعه كلام الله - فهذا لم يصح عن أحد من الأئمة المشهورين ولا شك في سماعه ولكن انتفاعه بالسماع لا يصح فإن ثواب الاستماع مشروط بالحياة فإنه عمل اختياري وقد انقطع بموته بل ربما يتضرر ويتألم لكونه لم يمتثل أوامر الله ونواهيه أو لكونه لم يزدد من الخير .
واختلف العلماء في قراءة القرآن عند القبور على ثلاثة أقوال : هل تكره أم لا بأس بها وقت الدفن وتكره بعده ؟ فمن قال بكراهتها كأبي حنيفة و مالك و أحمد في رواية - قالوا : لأنه محدث لم ترد به السنة والقراءة تشبه الصلاة والصلاة عند القبور منهي عنها فكذلك القراءة ومن قال : لا بأس بها كمحمد بن الحسن و أحمد في رواية - استدلوا بما نقل عن ابن عمر Bه : أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها ونقل أيضا عن بعض المهاجرين قراءة سورة البقرة ومن قال : لا بأس بها وقت الدفن فقط وهو رواية عن أحمد - أخذ بما نقل عن عمر وبعض المهاجرين وأما بعد ذلك كالذين يتناوبون القبر للقراءة عنده - فهذا مكروه فإنه لم تأت به السنة ولم ينقل عن أحد من السلف مثل ذلك أصلا وهذا القول لعله أقوى من غيره لما فيه من التوفيق بين الدليلين