وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

قوله : ( ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم ) .
ش : فالمعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة و [ كذلك الكرامة ] في عرف أئمة أهل العلم المتقدمين ولكن كثير من المتأخرين يفرقون في اللفظ بينهما فيجعلون المعجزة للنبي والكرامة للولي وجماعها : الأمر الخارق للعادة فصفات الكمال ترجع إلى ثلاثة : العلم والقدرة والغنى وهذه الثلاثة لا تصلح على الكمال إلا لله وحده فإنه الذي أحاط بكل شيء علما وهو على كل شيء قدير وهو غني عن العالمين ولهذا أمر النبي A أن يتبرأ من دعوى هذه الثلاثة بقوله : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي } وكذلك قال نوح عليه السلام فهذا أول أولي العزم وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض وهذا خاتم الرسل وخاتم أولي العزم وكلاهما تبرأ من ذلك وهذا لأنهم يطالبونهم تارة بعلم الغيب كقوله تعالى : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } وتارة بالتأثير كقوله تعالى : { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا } الآيات وتارة يعيبون عليهم الحاجة البشرية كقوله تعالى : { وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } الآية فأمر الرسول أن يخبرهم بأنه لا يملك ذلك وإنما ينال من تلك الثلاثة بقدر ما يعطيه الله فيعلم ما علمه الله [ إياه ] ويستغني عما أغناه عنه ويقدر على ما أقدر عليه من الأمور المخالفة للعادة المطردة أو لعادة أغلب الناس فجميع المعجزات والكرامات ما تخرج عن هذه الانواع .
ثم الخارق : إن حصل به فائدة مطلوبة في الدين كان من الأعمال الصالحة المأمور بها دينا وشرعا إما واجب أو مستحب وإن حصل به أمر مباح كان من نعم الله الدنيوية التي تقتضي شكرا وإن كان على وجه يتضمن ما هو منهي عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه كان سببا للعذاب أو البغض كالذي أوتي الآيات فانسلخ منها : بلعام بن باعورا لاجتهاد أوتقليد أو نقص عقل أوعلم أو غلبة حال أو عجز أو ضرورة .
فالخارق ثلاثة أنواع : محمود في الدين ومذموم ومباح فإن كان المباح فيه منفعة كان نعمة وإلا فهو كسائرالمباحات التي لا منفعة فيها قال أبو علي الجوزجاني : كن طالبا للاستقامة لا طالبا للكرامة فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة .
قال الشيخ السهروردي في عوارفه : وهذا أصل كبير في الباب فإن كثيرا من المجتهدين المتعبدين سمعوا بالسلف الصالحين المتقدمين وما منحوا به من الكرامات وخوارق العادات فنفوسهم لا تزال تتطلع إلى شيء من ذلك ويحبون أن يرزقوا شيئا منه ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب متهما لنفسه في صحة عمله حيث لم يحصل له خارق ولو علموا بسر ذلك لهان عليهم الأمر فيعلم أن الله يفتح على بعض المجاهدين الصادقين من ذلك بابا والحكمة فيه أن يزداد بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة - يقينا فيقوى عزمه على الزهد في الدنيا والخروج عن دواعي الهوى فسبيل الصادق مطالبة النفس بالاستقامة فهي كل الكرامة .
ولا ريب أن للقلوب من التأثير أعظم مما للأبدان لكن إن كانت صالحة كان تأثيرها صالحا وإن كانت فاسدة كان تأثيرها فاسدا فالأحوال يكون تأثيرها محبوبا لله تعالى تارة ومكروها لله أخرى .
وقد تكلم الفقهاء في وجوب القود على من يقتل غيره في الباطن وهؤلاء يشهدون بواطنهم وقلوبهم الأمر الكوني ويعدون مجرد خرق العادة لأحدهم أنه كرامة من الله له ولا يعلمون أنه في الحقيقة إنما الكرامة لزوم الاستقامة وأن الله تعالى لم يكرم عبدا بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه وهو طاعته وطاعة رسوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه وهؤلاء هم أولياء الله الذين قال الله فيهم : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .
وأما ما يبتلي الله به عبده من السر بخرق العادة أو بغيرها أو بالضراء - فليس ذلك لأجل كرامة العبد على ربه ولا هوانه عليه بل قد سعد بها قوم إذا أطاعوه وشقي بها قوم إذا عصوه كما قال تعالى : { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا } ولهذا كان الناس في هذه الأمور ثلاثة أقسام : .
قسم ترتفع درجتهم بخرق العادة .
قسم يتعرضون بها لعذاب الله .
وقسم يكون في حقهم بمنزلة المباحات كما تقدم .
وتنوع الكشف والتأثير باعتبار تنوع كلمات الله وكلمات الله نوعان : كونية ودينية : .
فكلماته الكونية هي التي استعاذ بها النبي A في قوله : [ أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر ] قال تعالى : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } وقال تعالى : { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته } والكون كله داخل تحت هذه الكلمات وسائر الخوارق .
والنوع الثاني : الكلمات الدينية وهي القرآن وشرع الله الذي بعث به رسوله وهي أمره ونهيه وخبره وحظ العبد منها العلم بها والعمل والأمر بما أمر الله به كما أن حظ العباد عموما وخصوصا العلم بالكونيات والتأثير فيها أي بموجبها فالأولى تدبيرية كونية والثانية شرعية دينية فكشف الأولى العلم بالحوادث الكونية وكشف الثانية العلم بالمأمورات الشرعية وقدرة الأولى التأثير في الكونيات إما في نفسه كمشيه على الماء وطيرانه في الهواء وجلوسه في النار وإما في غيره بإصحاح وإهلاك وإغناء وإفقار وقدرة الثانية التأثير في الشرعيات إما في نفسه بطاعة الله ورسوله والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله باطنا وظاهرا وإما في غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله فيطاع في ذلك طاعة شرعية .
فإذا تقرر ذلك فاعلم أن عدم الخوارق علما وقدرة لا تضر المسلم في دينه فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات ولم يسخر له شيئا من الكونيات - : لا ينقص ذلك في مرتبته عند الله بل قد يكون عدم ذلك أنفع له فإنه إن اقترن به الدين وإلا هلك صاحبه في الدنيا والآخرة فإن الخارق قد يكون مع الدين وقد يكون مع عدمه أو فساده أو نقصه فالخوارق النافعة تابعة للدين خادمة له كما أن الرياسة النافعة هي التابعة للدين وكذلك المال النافع كما كان السلطان والمال [ النافع ] بيد النبي A و أبي بكر و عمر فمن جعلها هي المقصودة وجعل الدين تابعا لها ووسيلة إليها لا لأجل الدين في الأصل - : فهو شبيه بمن يأكل الدنيا بالدين وليست حاله كحال من تدين خوف العذاب أو رجاء الجنة فإن ذلك ما هو مأمور به وهو على سبيل نجاة وشريعة صحيحة والعجب أن كثيرا ممن يزعم أن همه قد ارتفع عن أن يكون خوفا من النار أو طلبا للجنة - يجعل همه بدينه أدنى خارق من خوارق الدنيا ! ! .
ثم إن الدين إذا صح علما وعملا فلا بد أن يوجب خرق العادة إذا احتاج إلى ذلك صاحبه قال تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب } وقال تعالى : { إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا } وقال تعالى : { ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا * وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما * ولهديناهم صراطا مستقيما } وقال تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } [ وقال رسول الله A : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ قوله { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } ] رواه الترمذي من رواية أبي سعيد الخدري [ وقال تعالى فيما يرويه عنه رسول الله A : من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه ] .
فظهر أن الاستقامة حظ الرب وطلب الكرامة حظ النفس وبالله التوفيق .
وقول المعتزلة في إنكار الكرامة : ظاهر البطلان فإنه بمنزلة إنكار المحسوسات وقولهم : لو صحت لأشبهت المعجزة فيؤدي إلى التباس النبي A بالولي وذلك لا يجوز ! وهذه الدعوى إنما تصح إذا كان الولي يأتي بالخارق ويدعي النبوة وهذا لا يقع ولو ادعى النبوة لم يكن وليا بل كان متنبئا كذابا وقد تقدم الكلام في الفرق بين النبي والمتنبىء عند قول الشيخ : وأن محمدا عبده المجتبى ونبيه المصطفى .
ومما ينبغي التنبيه عليه ههنا : أن الفراسة ثلاثة أنواع : .
إيمانية وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده وحقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب يثب عليه كوثوب الأسد على الفريسة ومنها اشتقاقها وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمن كان أقوى إيمانا فهو أحد فراسة قال أبو سليمان الداراني C : الفراسة مكاشفة النفس ومعاينة الغيب وهي من مقامات الإيمان انتهى .
وفراسة رياضية وهي التي تحصل بالجوع والسهر والتخلي فإن النفس إذا تجردت عن العوائق صار لها من الفراسة والكشف بحسب تجردها وهذه فراسة مشتركة بين المؤمن والكافر ولا تدل على إيمان ولا على ولاية ولا تكشف عن حق نافع ولا عن طريق مستقيم بل كشفها من جنس فراسة الولاة وأصحاب عبادة الرؤساء والأظناء ونحوهم .
وفراسة خلقية وهي التي صنف فيها الأطباء وغيرهم واستدلوا بالخلق على الخلق لما بينهما من الإرتباط الذي اقتضته حكمة الله كالإستدلال بصغر الرأس الخارج عن العادة على صغر العقل وبكبره على كبره وسعة الصدر على سعة الخلق وبضيقه على ضيقه وبجمود العينين وكلال نظرهما على بلادة صاحبهما وضعف حرارة قلبه ونحو ذلك