وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

قوله : ( نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله أن الله واحد لا شريك له ) .
ش : أعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل وأول منازل الطريق وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله D قال تعالى : { لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } وقال هود عليه السلام لقومه : { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } وقال صالح عليه السلام لقومه : { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } وقال شعيب عليه السلام لقومه : { اعبدوا الله ما لكم من إله غيره } وقال تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } وقال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } [ وقال A : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ] ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهاده أن لا إله إلا الله لا النظر ولا القصد إلى النظر ولا الشك كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم بل أئمة السلف كلهم متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان ومتفقون على أن من فعل ذلك قبل البلوغ لم يؤمر بتجديد ذلك عقب بلوغه بل يؤمر بالطهارة والصلاة إذا بلغ أو ميز عند من يرى ذلك ولم يوجب أحد منهم على وليه أن يخاطبه حينئذ بتجديد الشهادتين وإن كان الإقرار بالشهادتين واجبا باتفاق المسلمين ووجوبه يسبق وجوب الصلاة لكن هو أدى هذا الواجب قبل ذلك .
وهنا مسائل تكلم فيها الفقهاء : كمن صلى ولم يتكلم بالشهادتين أو أتى [ بغير ذلك من خصائص الإسلام ولم يتكلم بهما هل يصير مسلما أم لا ؟ والصحيح أنه يصير مسلما بكل ما هو من خصائص الإسلام فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا [ كما قال النبي A : من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ] ] وهو أول واجب وآخر واجب .
فالتوحيد أول الأمر وآخره أعني : توحيد الإلهية فإن التوحيد يتضمن ثلاث أنواع : .
أحدها : الكلام في الصفات والثاني : توحيد الربوبية وبيان أن الله وحده خالق كل شيء والثالث : توحيد الإلهية وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له .
أما الأول : فإن نفاة الصفات أدخلوا نفي الصفات [ في ] مسمى التوحيد كجهم بن صفوان ومن وافقه فإنهم قالوا : اثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب وهذا القول معلوم الفساد بالضرورة فإن اثبات ذات مجردة عن جميع الصفات لا يتصور لها وجود في الخارج وانما الذهن قد يفرض المحال ويتخيله وهذا غاية التعطيل وهذا القول قد أفضى بقوم الى القول بالحلول والإتحاد وهو أقبح من كفر النصارى فإن النصارى خصوه بالمسيح وهؤلاء عموا جميع المخلوقات ومن فروع هذا التوحيد : أن فرعون وقومه كاملو الإيمان عارفون بالله على الحقيقة .
ومن فروعه : أن عباد الأصنام على الحق والصواب وأنهم إنما عبدوا الله لا غيره .
ومن فروعه : أنه لا فرق في التحريم التحليل بين الأم والأخت والأجنبية ولا فرق بين الماء والخمر والزنا والنكاح والكل من عين واحدة لا بل هو العين الواحدة .
ومن فروعه : أن الأنبياء ضيقوا على الناس .
تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
وأما الثاني : وهو توحيد الربوبية كالإقرار بأنه خالق كل شيء وأنه ليس للعالم صانعان متكافئان في الصفات والأفعال وهذا التوحيد حق لا ريب فيه وهو الغاية عند كثير من أهل النظر والكلام وطائفة من الصوفية وهذا التوحيد لم يذهب إلى نقيضة طائفة معروفة من بني آدم بل القلوب مفطورة على الإقرار به أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم : { قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض } .
وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون وقد كان مستسيقنا به في الباطن كما قال له موسى : { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر } وقال تعالى عنه وعن قومه { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا } ولهذا [ لما ] قال : وما رب العالمين ؟ على وجه الإنكار له تجاهل العارف قال [ له ] موسى : { رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين * قال لمن حوله ألا تستمعون * قال ربكم ورب آبائكم الأولين * قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون } .
وقد زعم طائفة أن فرعون سأل موسى مستفهما عن الماهية وأن المسؤول عنه لما لم تكن له ماهية عجز موسى عن الجواب وهذا غلط وإنما هذا استفهام إنكار وجحد كما دل سائر آيات القرآن على أن فرعون كان جاحدا لله نافيا له لم يكن مثبتا له طالب للعلم بماهيته فلهذا بين لهم موسى أنه معروف وأن آياته ودلائل ربوبيته أظهر وأشهر من أن يسأل عنه بما هو ؟ بل هو سبحانه أعرف وأظهر وأبين من أن يجهل بل معرفته مستقرة في الفطر أعظم من معرفة كل معروف ولم يعرف عن أحد من الطوائف أنه قال : أن العالم له صانعان متماثلان في الصفات والأفعال فإن الثنوية من المجوس والمانوية القائلين بالأصلين : النور والظلمة وأن العالم صدر عنهما - : متفقون على أن النور خير من الظلمة وهو الإله المحمود وأن الظلمة شريرة مذمومة وهم متنازعون في الظلمة هل هي قديمة أو محدثة ؟ فلم يثبتوا ربين متماثلين .
وأما النصارى القائلون بالتثليت فانهم لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضهم عن بعض بل متفقون على أن صانع العالم واحد ويقولون : باسم الإبن والأب وروح القدس إله واحد وقولهم في التثليث متناقض في نفسه وقولهم في الحلول أفسد منه ولهذا كانوا مضطربين في فهمه وفي التعبير عنه لا يكاد واحد منهم يعبر عنه بمعنى معقول ولا يكاد أثنان يتفقان على معنى واحد فانهم يقولون : هو واحد بالذات ثلاثة بالاقنوم ! والاقانيم يفسرونها تارة بالخواص وتارة بالصفات وتارة بالأشخاص وقد فطر الله العباد على فساد [ هذه ] الاقوال بعد التصور التام وبالمجلة فهم لا يقولون باثبات خالقين متماثلين .
والمقصود هنا : أنه ليس في الطوائف من يثبت للعالم صانعين متماثلين مع أن كثيرا من أهل الكلام والنظر والفلسفة تعبوا في اثبات هذا المطلوب وتقريره ومنهم من اعترف بالعجز عن تقرير هذا بالعقل وزعم أنه يتلقى من السمع .
والمشهور عند أهل النظر اثباته بدليل التمانع وهو : أنه لو كان للعالم صانعان فعند اختلافهما مثل أن يريد أحدهما تحريك جسم وآخر تسكينه أو يريد أحدهما احياءه والآخر اماتته - : فإما أن يحصل مرادهما أو مراد أحدهما أو لا يحصل مراد واحد منهما والأول ممتنع لأنه يستلزم الجمع بين الضدين والثالث ممتنع لأنه يلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون وهو ممتنع ويستلزم أيضا عجز كل منهما والعاجز لا يكون إلها واذا حصل مراد أحدهما دون الآخر كان هذا هو الإله القادر والآخر عاجزا لا يصلح للإلهية .
وتمام الكلام على هذا الأصل معروف في موضعه وكثير من أهل النظر يزعمون أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } لاعتقادهم أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الإلهية الذي بينه القرآن ودعت اليه الرسل عليهم السلام وليس الامر كذلك بل التوحيد الذي دعت اليه الرسل ونزلت به الكتب هو توحيد الإلهية المتضمن توحيد الربوبية وهو عبادة الله وحده لا شريك له فإن المشركين من العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية وأن خالق السماوات والأرض واحد كما أخبر تعالى عنهم بقوله : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } { قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل أفلا تذكرون } ومثل هذا كثير في القرآن ولم يكونوا يعتقدون في الأصنام أنها مشاركة لله في خلق العالم بل كان حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي الأمم من الهند والترك والبربر وغيرهم تارة يعتقدون أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأنبياء والصالحين ويتخذونهم شفعاء ويتوسلون بهم الى الله وهذا كان أصل شرك العرب قال تعالى حكاية عن قوم نوح { وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } وقد ثبت في صحيح البخاري وكتب التفسير وقصص الأنبياء وغيرها عن ابن عباس Bهما وغيره من السلف أن هذه أسماء قوم صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم وأن هذه الأصنام بعينها صارت إلى قبائل العرب ذكرها ابن عباس Bهما قبيلة قبيلة وقد ثبت في صحيح مسلم [ عن أبي الهياج الاسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب Bه : ألا أبعثك على ما بعثني رسول الله A ؟ أمرني أن لا أدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته ] وفي الصحيحين [ عن النبي A أنه قال في مرض قبل موته : لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ] يحذره ما فعلوا قالت عائشة Bها : ولولا ذلك لأبرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجدا وفي الصحيحين [ أنه ذكر في مرض موته كنيسة بأرض الحبشة وذكر من حسنها وتصاوير فيها فقال : إن أولئك اذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصورا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ] وفي صحيح مسلم [ عنه A أنه قال قبل أن يموت بخمس : إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ] .
ومن أسباب الشرك عبادة الكواكب واتخاذ الاصنام بحسب ما يظن أنه مناسب للكواكب [ من ] طباعها .
وشرك قوم إبراهيم عليه السلام كان - فيما يقال - من هذا الباب وكذلك الشرك بالملائكة والجن واتخاذ الأصنام لهم .
وهؤلاء كانوا مقرين بالصانع وأنه ليس للعالم صانعان ولكن اتخذوا هؤلاء شفعاء كما أخبرعنهم تعالى بقوله : { والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون } .
وكذلك كان حال الأمم السالفة المشركين الذين كذبوا الرسل [ كما ] حكى الله تعالى عنهم في قصة صالح عليه السلام عن التسعة الرهط الذين تقاسموا بالله [ أي تحالفوا بالله ] لنبيتنه وأهله فهؤلاء المفسدون المشركون تحالفوا بالله عند قتل نبيهم وأهله وهذا بين أنهم كانوا مؤمنين بالله إيمان المشركين .
فعلم أن التوحيد المطلوب هو توحيد الإلهية الذي يتضمن توحيد الربوبية قال تعالى : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } { منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون * وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون * أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون * وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون } وقال تعالى : { أفي الله شك فاطر السماوات والأرض } [ وقال A : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ] ولا يقال : أن معناه يولد ساذجا لا يعرف توحيدا ولا شركا كما قال بعضهم - لما تلونا [ ولقوله A فيما يروي عن ربه D : خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين ] الحديث وفي الحديث المتقدم ما يدل على ذلك حيث [ قال : يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ] ولم يقل : ويسلمانه وفي رواية [ يولد على الملة ] وفي أخرى : [ على هذه الملة ] .
وهذا الذي أخبر به A هو الذي تشهد الأدلة العقلية بصدقه منها أن يقال : لا ريب أن الإنسان قد يحصل له من الأعتقادات والإرادات ما يكون حقا وتارة ما يكون باطلا وهو حساس متحرك بالإرادات ولا بد له من أحدهما ولا بد له من مرجح لأحدهما ونعلم أنه إذا عرض على كل أحد أن يصدق وينتفع وأن يكذب ويتضرر مال بفطرته إلى أن يصدق وينتفع وحينئذ فالاعتراف بوجود الصانع الإيمان به هو الحق أو نقيضه والثاني فاسد قطعا فتعين الأول فوجب أن يكون في الفطرة ما يقتضي معرفة الصانع والإيمان به وبعد ذلك : أما أن يكون في فطرته [ محبته أنفع للعبد أولا والثاني فاسد قطعا فوجب أن يكون في فطرته ] محبة ماينفعه .
ومنها : أنه مفطور على جلب المنافع ودفع المضار بحسه وحينئذ لم تكن فطرة كل واحد مستقلة بتحصيل ذلك بل يحتاج إلى سبب معين للفطرة كالتعليم ونحوه فإذا وجد الشرط وانتفى المانع استجابت لما فيها من المقتضي لذلك .
ومنها : أن يقال : من المعلوم أن كل نفس قابلة للعلم وإرادة الحق ومجرد التعليم والتحضيض لا يوجب العلم والإرادة لولا أن في النفس قوة تقبل ذلك وإلا فلو علم الجهال والبهائم وحضضا لم يقبلا ومعلوم أن حصول إقرارها بالصانع ممكن من غير سبب منفصل من خارج وتكون الذات كافية في ذلك فإذا كان المقتضي قائما في النفس وقدر عدم المعارض فالمقتضي السالم عن المعارض يوجب مقتضاه فعلم أن الفطرة السليمة إذا لم يحصل لها ما يفسدها كانت مقره بالصانع عابدة له ومنها : أن يقال إنه إذا لم يحصل المفسد الخارج ولا المصلح الخارج كانت الفطرة مقتضية للصلاح لأن المقتضي فيها للعلم والارادة قائم والمانع منتف .
ويحكى عن أبي حنيفة C : أن قوما من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية فقال لهم : أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلىء من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها فترسي بنفسها وتفرغ وترجع كل ذلك من غير أن يدبرها أحد ؟ ! ! فقالوا : هذا محال لا يمكن أبدا ! فقال لهم : إذا كان هذا محالا في سفينة فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله ! ! وتحكى هذه الحكاية أيضا عن غير أبي حنيفة .
فلو أقر رجل بتوحيد الربوبية الذي يقر به هؤلاء النظار ويفنى فيه كثير من أهل التصوف ويجعلونه غاية السالكين كما ذكره صاحب منازل السائرين وغيره وهو مع ذلك إن لم يعبد الله وحده ويتبرأ من عبادة ما سواه - كان مشركا من جنس أمثاله من المشركين .
والقرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه وضرب الأمثال له ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية ويبين أنه لا خالق إلا الله وأن ذلك مستلزم أن لا يعبد إلا الله فيجعل الأول دليلا على الثاني إذ كانوا يسلمون [ في ] الأول وينازعون في الثاني فيبين لهم سبحانه أنكم إذا كنتم تعلمون أنه لا خالق إلا الله [ وحده ] وأنه هو الذي يأتي العباد بما ينفعهم ويدفع عنهم ما يضرهم لا شريك له في ذلك فلم تعبدون غيره وتجعلون معه آلهة أخرى ؟ .
كقوله تعالى : { قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون * أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون } الآيات يقول الله تعالى في آخر كل آية : { أإله مع الله } أي أإله مع الله فعل هذا ؟ وهذا استفهام انكار يتضمن نفي ذلك وهم كانوا مقرين بأنه لم يفعل ذلك غير الله [ فاحتج عليهم بذلك وليس المعنى أنه استفهام هل مع الله إله كما ظنه بعضهم لأن هذا المعنى لا يناسب سياق الكلام والقوم كانوا يجعلون مع الله ] آلهة أخرى كما قال تعالى { أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد } وكانوا يقولون : { أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب } لكنهم ما كانوا يقولون : أن معه إلها { جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا } بل هم مقرون بأن الله وحده فعل هذا وهكذا سائر الآيات وكذلك قوله تعالى : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } وكذلك قوله في سورة الأنعام : { قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به } وأمثال ذلك .
واذا كان توحيد الربوبية الذي يجعله هؤلاء النظار ومن وافقهم من الصوفية هو الغاية في التوحيد - : داخلا في التوحيد الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب فليعلم أن دلائله متعددة كدلائل اثبات الصانع ودلائل صدق الرسول فإن العلم كلما كان الناس إليه أحوج كانت أدلته أظهر رحمة من الله بخلقه .
والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية لكن القرآن يبين الحق في الحكم والدليل فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ وما كان من المقدمات معلومة ضرورية متفقا عليها استدل بها ولم يحتج إلى الاستدلال عليها .
والطريقة الصحيحة في البيان أن تحذف وهي طريقة [ القرآن بخلاف ما يدعيه الجهال الذين يظنون أن القرآن ليس فيه طريقة ] برهانية بخلاف ما قد يشتبه ويقع فيه نزاع فإنه يبينه ويدل عليه .
ولما كان الشرك في الربوبية معلوم الأمتناع عند الناس كلهم باعتبار اثبات خالقين متماثلين في الصفات والافعال وإنما ذهب بعض المشركين إلى أن ثم خالقا خلق بعض العالم كما يقوله الثنوية في الظلمة وكما يقوله القدرية في أفعال الحيوان وكما يقوله الفلاسفه الدهرية في حركة الأفلاك أو حركات النفوس أو الأجسام الطبيعية فإن هؤلاء يثبتون أمورا محدثة بدون أحداث الله إياها فهم مشركون في بعض الربوبية وكثير من مشركي العرب وغيرهم قد يظن في آلهته شيئا من نفع أوضر بدون أن يخلق الله ذلك .
فلما كان هذا الشرك في الربوبية موجودا في الناس بين القرآن بطلانه كما في قوله تعالى : { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } فتأمل هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز الظاهر فإن الإله الحق لا بد أن يكون خالقا فاعلا يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر فلو كان معه سبحانه إله آخر يشركه في ملكه لكان له خلق وفعل وحينئذ فلا يرضى تلك الشركة بل أن قدر على قهر ذلك الشريك وتفرده بالملك والإلهية دونه فعل وإن لم يقدر على ذلك انفرد [ بخلقه وذهب بذلك الخلق كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بملكه إذا لم يقدر المنفرد ] منهم على قهر الآخر والعلو عليه فلا بد من أحد ثلاثة آمور : .
أما أن يذهب كل إله بخلقه وسلطانه .
واما أن يعلو بعضهم على بعض .
واما أن يكونوا تحت قهر ملك واحد يتصرف فيهم كيف يشاء ولا يتصرفون فيه بل يكون وحده هو الإله وهم العبيد المربوبون المقهورون من كل وجه .
وانتظام أمر العالم كله واحكام أمره من أدل دليل على أن مدبره إله واحد وملك واحد ورب واحد لا إله للخلق غيره ولا رب لهم سواه كما قد دل [ دليل ] التمانع على أن خالق العالم واحد لا رب غيره ولا إله سواه فذلك تمانع في الفعل والإيجاد وهذا تمانع في العبادة والإلهية فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان كذلك يستحيل أن يكون [ لهم ] إلهان معبودان .
فالعلم بأن وجود العالم عن صانعين متماثلين ممتنع لذاته مستقر في الفطر معلوم بصريح العقل بطلانه فكذا تبطل إلهية اثنين فالآية الكريمة موافقة لما ثبت واستقر في الفطر من توحيد الربوبية دالة مثبتة مستلزمة لتوحيد الإلهية .
وقريب من معنى هذه الآية قوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } وقد ظن طوائف أن هذا دليل التمانع الذي تقدم ذكره وهو أنه لو كان للعالم صانعان الخ وغفلوا عن مضمون الآية فإنه سبحانه أخبر أنه لو كان فيهما آلهة غيره ولم يقل أرباب .
وأيضا فإن هذا إنما هو بعد وجودهما وأنه لو كان فيهما وهما موجودتان آلهة سواه لفسدتا .
وأيضا فإنه قال : ( لفسدتا ) وهذا فساد بعد الوجود ولم يقل : لم يوجدا ودلت الآية على أنه لا يجوز أن يكون فيهما آلهة متعددة بل لا يكون الإله إلا واحد وعلى أنه لا يجوز أن يكون هذا الإله الواحد إلا الله سبحانه وتعالى وأن فساد السموات والأرض يلزم من كون الآلهة فيهما متعددة ومن كون الإله الواحد غير الله وأنه لا صلاح لهما إلا بأن يكون الإله فيهما هو الله وحده لا غيره فلو كان للعالم إلهان معبودان لفسد نظامه كله فإن قيامه إنما هو بالعدل وبه قامت السموات والارض .
وأظلم الظلم على الاطلاق الشرك وأعدل العدل التوحيد .
وتوحيد الإلهية متضمن لتوحيد الربوبية دون العكس فمن لا يقدر على أن يخلق يكون عاجزا والعاجز لا يصلح أن يكون إلها قال تعالى : { أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون } وقال تعالى : { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } وقال تعالى : { قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } .
وفيها للمتأخرين قولان : أحدهما : لا تخذوا سبيلا الى مغالبته والثاني وهو الصحيح المنقول عن السلف كقتادة وغيره وهو الذي ذكره ابن جرير ولم يذكر غيره - : لاتخذوا سبيلا بالتقرب اليه كقوله تعالى : { إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } وذلك أنه قال : { لو كان معه آلهة كما يقولون } وهم لم يقولوا : إن العالم [ له ] صانعان بل جعلوا معه آلهة اتخذوهم شفعاء وقالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } بخلاف الآية الأولى