وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

تابع قوله : ( وإن القرآن كلام الله منه بدا بلا كيفية قولا وأنزله على رسوله وحيا وصدقه المؤمنون على ذلك حقا وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر حيث قال تعالى : { إن هذا إلا قول البشر } - علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قول البشر ) .
والقرآن في الأصل : مصدر فتارة يذكر ويراد به القراءة قال تعالى : { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } [ وقال A : زينوا القرآن بأصواتكم ] وتارة يذكر ويراد به المقروء قال تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } وقال تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } [ وقال A : إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ] إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على كل من المعنيين المذكورين فالحقائق لها وجود عيني وذهني ولفظي ورسمي ولكن الأعيان تعلم ثم تذكر ثم تكتب فكتابتها في المصحف هي المرتبة الرابعة وأما الكلام فإنه ليس بينه وبين المصحف واسطة بل هو الذي يكتب بلا واسطة ولا لسان .
والفرق بين كونه في زبر الأولين وبين كونه في رق منشور أو لوح محفوظ أو في كتاب مكنون - : واضح فقوله عن القرآن : { وإنه لفي زبر الأولين } أي ذكره ووصفه والأخبار عنه كما أن محمدا مكتوب عندهم إذ القرآن أنزله الله على محمد لم ينزله على غيره أصلا ولهذا قال في الزبر ولم يقل في الصحف ولا في الرق لأن الزبر جمع زبور و الزبر هو : الكتابة والجمع فقوله : { وإنه لفي زبر الأولين } أي : مزبور الأولين ففي نفس اللفظ واشتقاقه ما يبين المعنى المراد ويبين كمال بيان القرآن وخلوصه من اللبس وهذا مثل قوله : { الذي يجدونه مكتوبا عندهم } أي : ذكره بخلاف قوله { في رق منشور } و { لوح محفوظ } و { كتاب مكنون } لأن العامل في الظرف إما أن يكون من الأفعال العامة مثل الكون والإستقرار والحصول ونحو ذلك أو يقدر : مكتوب في كتاب أو في رق والكتاب : تارة يذكر ويراد به محل الكتابة وتارة يذكر ويراد به الكلام المكتوب ويجب التفريق بين كتابة الكلام في الكتاب وكتابة الأعيان الموجودة في الخارج فيه - فإن تلك إنما يكتب ذكرها وكلما تدبر الإنسان هذا المعنى وضح له الفرق .
وحقيقة كلام الله تعالى الخارجية : هي ما يسمع منه أو من المبلغ عنه فإذا سمعه السامع علمه وحفظه فكلام الله مسموع له معلوم محفوظ فإذا قاله السامع فهو مقروء له متلو فإن كتبه فهو مكتوب له مرسوم وهو حقيقة في هذه الوجوه كلها لا يصح نفيه والمجاز يصح نفيه فلا يجوز أن يقال : ليس في المصحف كلام الله ولا : ما قرأ القارىء كلام الله وقد قال تعالى : { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } وهو لا يسمع كلام الله من الله وإنما يسمعه من مبلغه عن الله والآية تدل على فساد قول من قال : إن المسموع عبارة عن كلام الله وليس هو كلام الله فإنه تعالى قال : { حتى يسمع كلام الله } ولم يقل حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله والأصل الحقيقة ومن قال : إن المكتوب في المصاحف عبارة عن كلام الله أو حكاية كلام الله وليس فيها كلام الله - : فقد خالف الكتاب والسنة وسلف الأمة وكفى بذلك ضلالا .
وكلام الطحاوي C يرد قول من قال : إنه معنى واحد لا يتصور سماعه منه وأن المسموع المنزل المقروء والمكتوب ليس كلام الله وإنما هو عبارة عنه فإن الطحاوي C يقول : كلام الله منه بدا وكذلك قال غيره من السلف ويقولون : منه بدا وإليه يعود وإنما قالوا : منه بدا لأن الجهمية من المعتزلة وغيرهم كانوا يقولون إنه خلق الكلام في محل فبدأ الكلام من ذلك المحل فقال السلف : منه بدا أي هو المتكلم به فمنه بدا لا من بعض المخلوقات كما قال تعالى : { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } { ولكن حق القول مني } { قل نزله روح القدس من ربك بالحق } ومعنى قولهم : وإليه يعود - : يرفع من الصدور والمصاحف فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف كما جاء ذلك في عدة آثار .
وقوله بلا كيفية : أي : لا تعرف كيفية تكلمه به قولا ليس بالمجاز وأنزله على رسوله وحيا أي : أنزله إليه على لسان الملك فسمعه الملك جبرائيل من الله وسمعه الرسول A من الملك وقرأ على الناس قال تعالى : { وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا } وقال تعالى : { نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين } وفي ذلك إثبات صفة العلو لله تعالى .
وقد أورد على ذلك أن إنزال القرآن نظير إنزال المطر أو إنزاله الحديد وإنزال ثمانية أزواج من الأنعام .
والجواب : أن إنزال القرآن فيه مذكور أنه إنزال من الله قال تعالى : { حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم } وقال تعالى : { تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم } وقال تعالى : { تنزيل من الرحمن الرحيم } وقال تعالى : { تنزيل من حكيم حميد } وقال تعالى : { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم * أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين } وقال تعالى : { فاتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين } وقال تعالى : { والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } وقال تعالى : { قل نزله روح القدس من ربك بالحق } وإنزال المطر مقيد بأنه منزل من السماء قال تعالى : { أنزلنا من السماء ماء طهورا } والسماء : العلو وقد جاء في مكان آخر أنه منزل من المزن والمزن : السحاب وفي مكان آخر أنه منزل من المعصرات وإنزال الحديد والأنعام مطلق فكيف يشبه هذا الإنزال بهذا الإنزال ؟ ! فالحديد إنما يكون من المعادن التي في الجبال وهي عالية على الأرض وقد قيل أنه كلما كان معدنه أعلى كان حديده أجود والأنعام تخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث ولهذا يقال : أنزل ولم يقل نزل ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الارض ومن المعلوم أن الأنعام تعلو فحولها إناثها عند الوطء وينزل ماء الفحل من علو الى رحم الأنثى وتلقي ولدها عند الولادة من علو إلى سفل وعلى هذا فيحتمل قوله { وأنزل لكم من الأنعام } - : وجهين : أحدهما أن تكون من لبيان الجنس الثاني : أن تكون من لابتداء الغاية وهذان الوجهان يحتملان في قوله : { جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا } .
وقوله : وصدقه المؤمنون على ذلك حقا الإشارة إلى ما ذكره من التكلم على الوجه المذكور وإنزاله أي هذا قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان وهم السلف الصالح وأن هذا حق وصدق .
وقوله : وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ليس بمخلوق ككلام البرية رد على المعتزلة وغيرهم بهذا القول ظاهر وفي قوله : بالحقيقة رد على من قال : إنه معنى واحد قام بذات الله لم يسمع منه وإنما هو الكلام النفساني لأنه لا يقال لمن قام به الكلام النفساني ولم يتكلم به - : أن هذا كلام حقيقة وإلا للزم أن يكون الأخرس متكلما ولزم أن لا يكون الذي في المصحف عند الإطلاق هو القرآن ولا كلام الله ولكن عبارة عنه ليست هي كلام الله كما لو أشار أخرس إلى شخص بإشارة فهم بها مقصوده فكتب ذلك الشخص عبارته عن المعنى الذي أوحاه إليه ذلك الأخرس فالمكتوب هو عبارة ذلك الشخص عن ذلك المعنى وهذا المثل مطابق غاية المطابقة لما يقولونه وإن كان الله تعالى لا يسميه أحد أخرس لكن عندهم أن الملك فهم منه معنى قائما بنفسه لم يسمع منه حرفا ولا صوتا بل فهم معنى مجردا ثم عبر عنه فهو الذي أحدث نظم القرآن وتأليفه العربي وأنا الله خلق في بعض الأجسام كالهوى الذي هو دون الملك هذه العبارة .
ويقال لمن قال إنه معنى واحد - : هل سمع موسى عليه السلام جميع المعنى أو بعضه ؟ فإن قال : سمعه كله فقد زعم أنه سمع جميع كلام الله وفساد هذا ظاهر وإن قال : بعضه فقد قال يتبعض وكذلك كل من كلمه الله أو أنزل إليه شيئا من كلامه .
ولما قال تعالى للملائكة : { إني جاعل في الأرض خليفة } ولما قال لهم { اسجدوا لآدم } وأمثال ذلك - : هل هذا جميع كلامه أو بعضه ؟ فإن قال : إنه جميعه فهذا مكابرة وإن قال : بعضه فقد اعترف بتعدده .
وللناس في مسمى الكلام والقول عند الإطلاق - : أربعة أقوال : أحدها : أنه يتناول اللفظ والمعنى جميعا كما يتناول لفظ الإنسان الروح والبدن معا وهذا قول السلف الثاني : اسم اللفظ فقط والمعنى ليس جزء مسماه بل هو مدلول مسماه وهذا قول جماعة من المعتزلة وغيرهم الثالث : أنه إسم للمعنى فقط وإطلاقه على اللفظ مجاز لأنه دال عليه وهذا قول ابن كلاب ومن اتبعه .
الرابع : أنه مشترك بين اللفظ والمعنى وهذا قول بعض المتأخرين من الكلابية ولهم قول خامس يروى عن أبي الحسن أنه مجاز في كلام الله حقيقة في كلام الآدميين لأن حروف الآدميين تقوم بهم فلا يكون الكلام قائما بغير المتكلم بخلاف كلام الله فإنه لا يقوم عنده بالله فيمتنع أن يكون كلامه وهذا مبسوط في موضعه وأما من قال إنه معنى واحد واستدل عليه بقول الأخطل : .
( إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا ) .
: فاستدلال فاسد ولو استدل مستدل بحديث في الصحيحين لقالوا هذا خبر واحد ! ويكون مما اتفق العلماء على تصديقه وتلقيه بالقبول والعمل به ! فكيف وهذا البيت قد قيل إنه موضوع منسوب إلى الأخطل وليس هو في ديوانه ؟ ! وقيل إنما قال : إن البيان لفي الفؤاد وهذا أقرب إلى الصحة وعلى تقدير صحته عنه فلا يجوز الإستدلال به فإن النصارى قد ضلوا في معنى الكلام وزعموا أن عيسى عليه السلام نفس كلمة الله واتحد اللاهوت بالناسوت ! أي : شيء من الإله بشيء من الناس ! أفيستدل بقول نصراني قد ضل في معنى الكلام على معنى الكلام ويترك ما يعلم من معنى الكلام في لغة العرب ؟ ! وأيضا : فمعناه غير صحيح إذ لازمه أن الأخرس يسمى متكلما لقيام الكلام بقلبه وإن لم ينطق به ولم يسمع منه والكلام على ذلك مبسوط في موضعه وإنما أشير اليه إشارة .
وهنا معنى عجيب وهو : أن هذا القول له شبه قوي بقول النصارى القائلين باللاهوت والناسوت ! فإنهم يقولون : كلام الله هو المعنى القائم بذات الله الذي لا يمكن سماعه وأما النظم المسموع فمخلوق فإفهام المعنى القديم بالنظم المخلوق يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى عليه السلام فانظر إلى هذا الشبه ما أعجبه ! .
ويرد قول من قال : بأن الكلام هو المعنى القائم بالنفس - : [ قوله A : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ] [ وقال : إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإنما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة ] واتفق العلماء على أن المصلي إذا تكلم في الصلاة عامدا لغير مصلحتها بطلت صلاته واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب - لا يبطل الصلاة وإنما يبطلها التكلم بذلك فعلم اتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلام .
وأيضا : ففي الصحيحين [ عن النبي A أنه قال : إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أوتعمل به ] فقد أخبر أن الله عفا عن حديث النفس إلا أن تتكلم ففرق بين حديث النفس وبين الكلام وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به والمراد : حتى ينطق به اللسان باتفاق العلماء فعلم أن هذا هو الكلام في اللغة لأن الشارع إنما خاطبنا بلغة العرب .
وأيضا [ ففي السنن : أن معاذا Bه قال : يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ] فبين أن الكلام إنما هو باللسان فلفظ القول و الكلام وما تصرف منهما من فعل ماض ومضارع وأمر واسم فاعل - : إنما يعرف في القرآن والسنة وسائر كلام العرب إذا كان لفظا ومعنى ولم يكن في مسمى الكلام نزاع بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وإنما حصل النزاع بين المتأخرين من علماء أهل البدع ثم انتشر .
ولا ريب أن مسمى الكلام والقول ونحوهما - ليس هو مما يحتاج فيه إلى قول شاعر فإن هذا مما تكلم به الأولون والآخرون من أهل اللغة وعرفوا معناه كما عرفوا مسمى الرأس واليد والرجل ونحو ذلك .
ولا شك أن من قال : إن كلام الله معنى واحد قائم بنفسه تعالى وأن المتلو المحفوظ المكتوب المسموع من القارىء حكاية كلام الله وهو مخلوق - : فقد قال بخلق القرآن وهو لا يشعر فإن الله يقول : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } أفتراه سبحانه وتعالى يشير الى ما في نفسه أو إلى المتلو المسموع ؟ ولا شك أن الإشارة إنما هي إلى هذا المتلو المسموع إذ ما في ذات الله غير مشار إليه ولا منزل ولا متلو ولا مسموع .
وقوله : { لا يأتون بمثله } - أفتراه سبحانه يقول : لا يأتون بمثل ما في نفسي مما لم يسمعوه ولم يعرفوه وما في نفس الله D لا حيلة إلى الوصول إليه ولا إلى الوقوف عليه .
فإن قالوا : إنما أشار إلى حكاية ما في نفسه وعبارته وهو المتلو المكتوب المسموع فأما أن يشير إلى ذاته فلا - فهذا صريح القول بأن القرآن مخلوق بل هم في ذلك أكفر من المعتزلة فإن حكاية الشيء بمثله وشبهه وهذا تصريح بأن صفات الله محكية ولو كانت هذه التلاوة حكاية لكان الناس قد أتوا بمثل كلام الله فأين عجزهم ؟ ! ويكون التالي - في زعمهم - قد حكى بصوت وحرف ما ليس بصوت وحرف وليس القرآن إلا سورا مسورة وآيات مسطرة في صحف مطهرة قال تعالى : { فاتوا بعشر سور مثله مفتريات } { بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون } { في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة } ويكتب لمن قرأ بكل حرف عشر حسنات [ قال A : أما إني لا أقول ( آلم ) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ] وهو المحفوظ في صدور الحافظين المسموع من ألسن التالين قال الشيخ حافظ الدين النسفي C في المنار : إن القرآن إسم للنظم والمعنى وكذا قال غيره من أهل الأصول وما ينسب إلى أبي حنيفة C : أن من قرأ في الصلاة بالفارسية أجزأه - فقد رجع عنه - وقال : لا يجوز القراءة مع القدرة بغير العربية وقالوا : لو قرأ بغير العربية إما أن يكون مجنونا فيداوى أو زنديقا فيقتل لأن الله تكلم به بهذه اللغة والإعجاز حصل بنظمه ومعناه .
وقوله : ومن سمعه وقال إنه كلام البشر فقد كفر لا شك في تكفير من أنكر أن القرآن كلام الله بل قال إنه كلام محمد أو غيره من الخلق ملكا كان أو بشرا وأما إذا أقر أنه كلام الله ثم أول وحرف - فقد وافق قول من قال : إن هذا إلا قول البشر في بعض ما به كفر وأولئك الذين استزلهم الشيطان - وسيأتي الكلام عليه عند قول الشيخ ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله إن شاء الله تعالى .
وقوله : ولا يشبه قول البشر يعني أنه أشرف وأفصح وأصدق قال تعالى : { ومن أصدق من الله حديثا } وقال تعالى : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } الآية وقال تعالى : { قل فاتوا بسورة مثله } فلما عجزوا - وهم فصحاء العرب مع شدة العداوة - عن الإتيان بسورة مثله تبين صدق الرسول A أنه من عند الله وإعجازه من جهة نظمه ومعناه لا من جهة أحدهما فقط هذا مع أنه قرآن عربي غير ذي عوج بلسان عربي مبين أي بلغة العربية فنفي المشابهة من حيث التكلم ومن حيث التكلم به ومن حيث النظم والمعنى لا من حيث الكلمات والحروف وإلى هذا وقعت الإشارة بالحروف المقطعة في أوائل السور أي أنه في أسلوب كلامهم وبلغتهم التي يخاطبون بها ألا ترى أنه يأتي بعد الحروف المقطعة بذكر القرآن ؟ كما في قوله تعالى : { الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه } { الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم * نزل عليك الكتاب بالحق } الآية { المص * كتاب أنزل إليك } الآية { الر تلك آيات الكتاب الحكيم } وكذلك الباقي ينبههم أن هذا الرسول الكريم لم يأتكم بما لا تعرفونه بل خاطبكم بلسانكم .
ولكن أهل المقالات الفاسدة يتذرعون بمثل هذا إلى نفي تكلم الله به وسماع جبرائيل منه كما يتذرعون بقوله تعالى : { ليس كمثله شيء } إلى نفي الصفات وفي الآية ما يرد عليهم قولهم وهو قوله تعالى : { وهو السميع البصير } كما في قوله تعالى : { فاتوا بسورة مثله } ما يرد على من ينفي الحرف فإنه قال : { فاتوا بسورة } ولم يقل فأتوا بحرف أو بكلمة وأقصر سورة في القرآن ثلاث آيات ولهذا قال أبو يوسف و محمد : إن أدنى ما يجزىء في الصلاة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة لأنه لا يقع الإعجاز بدون ذلك والله أعلم