وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

قوله : ( والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق ) .
ش : قال تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين } أخبر سبحانه أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو وقد وردت أحاديث في أخذ الذرية من صلب آدم عليه السلام وتمييزهم إلى أصحاب اليمين وإلى أصحاب الشمال وفي بعضها الإشهاد عليهم بأن الله ربهم : .
فمنها : ما [ رواه الإمام أحمد عن ابن عباس Bهما عن النبي A قال : إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه ثم كلمهم قبلا قال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى شهدنا إلى قوله : المبطلون ] ورواه النسائي أيضا و ابن جرير و ابن أبي حاتم و الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
[ وروى الإمام أحمد أيضا عن عمر بن الخطاب Bه : أنه سئل عن هذه الآية فقال : سمعت رسول الله A سئل عنها فقال : إن الله خلق آدم عليه السلام ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية قال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل : يا رسول الله ففيم العمل ؟ قال رسول الله A : [ إن الله D ] إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخل [ به ] الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار ] ورواه أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن أبي حاتم و ابن جرير و ابن حبان في صحيحه .
[ وروى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله A : لما خلق الله آدم مسح على ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال : أي رب من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء ذريتك فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال : أي رب من هذا ؟ قال : هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له : داود قال : [ رب ] كم عمره ؟ قال : ستون سنة قال : أي رب زده من عمري أربعين سنة فلما انقضى عمر آدم جاء ملك الموت قال : أو لم يبق من عمري أربعون سنة ؟ قال : أو لم تعطها ابنك داود ؟ قال فجحد ! فجحدت ذريته ونسي آدم فنسيت ذريته وخطىء آدم فخطئت ذريته ] ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .
[ وروى الإمام أحمد أيضا عن أنس بن مالك Bه عن النبي A قال : يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة : أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به ؟ قال : فيقول : نعم قال : فيقول : قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي شيئا ] وأخرجاه في الصحيحين أيضا .
وذكر أحاديث أخرى أيضا كلها دالة على أن الله استخرج ذرية آدم من صلبه وميز بين أهل النار وأهل الجنة ومن هنا قال من قال : إن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد وهذه الآثار لا تدل على سبق الأرواح الأجساد سبقا مستقرا ثابتا وغايتها أن تدل على أن باريها وفاطرها سبحانه صور النسمة وقدر خلقها وأجلها وعملها واستخرج تلك الصور من مادتها ثم أعادها إليها وقدر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له ولا يدل على أنها خلقت خلقا مستقرا واستمرت موجودة ناطقة كلها في موضع واحد ثم يرسل منها إلى الأبدان جملة بعد جملة كما قاله ابن حزم فهذا لا تدل الآثار عليه نعم الرب سبحانه يخلق منها جملة بعد جملة [ كما قاله ] على الوجه الذي سبق به التقدير أولا فيجيء الخلق الخارجي مطابقا للتقدير السابق كشأنه سبحانه في جمع مخلوقاته فإنه قدر لها أقدارا وآجالا وصفات وهيآت ثم أبرزها إلى الوجود مطابقة لذلك التقدير السابق فالآثار المروية في ذلك إنما تدل على القدر السابق وبعضها يدل على أنه سبحانه استخرج أمثالهم وصورهم وميز أهل السعادة من أهل الشقاوة وأما الإشهاد عليهم هناك فإنما هو في حديثين موقوفين على ابن عباس و عمر Bهم ومن ثم قال قائلون من السلف والخلف : إن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرتهم على التوحيد كما تقدم [ كلام المفسرين على هذه الآية الكريمة ] في حديث أبي هريرة Bه ومعنى قوله ( شهدنا ) : أي قالوا : بلى شهدنا أنك ربنا وهذا قول ابن عباس و أبي بن كعب وقال ابن عباس أيضا : أشهد بعضهم على بعض وقيل : ( شهدنا ) من قول الملائكة [ و ] الوقف على قوله ( بلى ) وهذا قول مجاهد و الضحاك وقال السدي أيضا : هو خبر من الله تعالى عن نفسه وملائكته أنهم شهدوا على إقرار بني آدم والأول أظهر وما عداه احتمال لا دليل عليه وانما يشهد ظاهر الآية للأول .
واعلم أن من المفسرين من لم يذكر سوى القول بأن الله استخرج ذرية آدم من ظهره وأشهدهم على أنفسهم ثم أعادهم كالثعلبي و البغوي وغيرهما ومنهم من لم يذكره بل ذكر أنه نصب لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها الله فيهم كالزمخشري وغيره ومنهم من ذكر القولين كالواحدي و الرازي و القرطبي وغيرهم لكن نسب الرازي القول الأول إلى أهل السنة والثاني إلى المعتزلة ولا ريب أن الآية لا تدل على القول الأول أعني أن الأخذ كان من ظهر آدم وإنما فيها أن الأخذ من ظهور بني آدم وإنما ذكر الأخذ من ظهر آدم والإشهاد عليهم هناك في بعض الأحاديث وفي بعضها الأخذ والقضاء بأن بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار كما في حديث عمر Bه وفي بعضها الأخذ وإراء آدم إياهم من غير قضاء ولا إشهاد كما في حديث أبي هريرة والذي فيه الإشهاد - على الصفة التي قالها أهل القول الأول - موقوف على ابن عباس و عمر وتكلم فيه أهل الحديث ولم يخرجه أحد من أهل الصحيح غير الحاكم في المستدرك على الصحيحين و الحاكم معروف التساهل C .
والذي فيه القضاء بأن بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار دليل على مسألة القدر وذلك شواهده كثيرة ولا نزاع فيه بين أهل السنة وإنما يخالف فيه القدرية المبطلون المبتدعون .
وأما الأول : فالنزاع فيه بين أهل السنة من السلف والخلف ولولا ما التزمته من الاختصار لبسطت الأحاديث الواردة في ذلك وما قيل من الكلام عليها وما ذكر فيها من المعاني المعقولة ودلالة ألفاظ الآية الكريمة .
قال القرطبي : وهذه الآية مشكلة وقد تكلم العلماء في تأويلها فنذكر ما ذكروه من ذلك حسب ما وقفنا عليه فقال قوم : معنى الآية : أن الله أخرج من ظهر بني آدم بعضهم من بعض ومعنى { أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم } دلهم على توحيده لأن كل بالغ يعلم ضرورة أن له ربا واحدا [ سبحانه وتعالى ] قال : فقام ذلك مقام الإشهاد عليهم كما قال تعالى في السماوات والأرض : { قالتا أتينا طائعين } ذهب إلى هذا القفال و أطنب وقيل : أنه [ سبحانه وتعالى ] أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد وأنه جعل فيها من المعرفة ما علمت به ما خاطبها ثم ذكر القرطبي بعد ذلك الأحاديث الواردة في ذلك إلى آخر كلامه .
وأقوى ما يشهد لصحة القول الأول : [ حديث أنس المخرج في الصحيحين ! الذي فيه : قد أردت منك ما هو أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي ] ولكن قد روي من طريق أخرى : [ قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل فيرد الى النار ] وليس فيه : في ظهر آدم وليس في الرواية الأولى إخراجهم من ظهر آدم على الصفة التي ذكرها أصحاب القول الأول .
بل القول الأول متضمن لأمرين عجيبين : أحدهما : كون الناس تكلموا حينئذ وأقروا بالإيمان وأنه بهذا تقوم الحجة عليهم يوم القيامة والثاني : أن الآية دلت على ذلك والآية لا تدل عليه لوجوه : أحدها : أنه قال : من بني آدم ولم يقل : من آدم الثاني : أنه قال : من ظهورهم ولم يقل : من ظهره وهذا بدل بعض أو بدل اشتمال وهو أحسن الثالث : أنه قال : ذرياتهم ولم يقل : ذريته الرابع : أنه قال : وأشهدهم على أنفسهم ولا بد أن يكون الشاهد ذاكرا لما شهد به وهو إنما يذكر شهادته بعد خروجه إلى هذه الدار - كما تأتي الإشارة إلى ذلك - لا يذكر شهادة قبله الخامس : أنه سبحانه أخبر أن حكمة هذا الإشهاد إقامة للحجة عليهم لئلا يقولوا يوم القيامة : { إنا كنا عن هذا غافلين } والحجة إنما قامت عليهم بالرسل والفطرة التي فطروا عليها كما قال تعالى : { رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } السادس : تذكيرهم بذلك لئلا يقولوا يوم القيامة : { إنا كنا عن هذا غافلين } ومعلوم أنهم غافلون عن الإخراج لهم من صلب آدم كلهم وإشهادهم جميعا ذلك الوقت فهذا لا يذكره أحد منهم السابع : قوله تعالى : { أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم } فذكر حكمتين في هذا الإشهاد : لئلا يدعوا الغفلة أو يدعوا التقليد فالغافل لا شعور له والمقلد متبع في تقليده لغيره ولا تترتب هاتان الحكمتان إلا على ما قامت به الحجة من الرسل والفطرة الثامن : قوله : { أفتهلكنا بما فعل المبطلون } أي توعدهم بجحودهم وشركهم لما قالوا ذلك وهو سبحانه إنما يهلكهم بمخالفة رسله وتكذيبهم وقد أخبر سبحانه أنه لم يكن ليهلك القرى بظلم وأهلها غافلون وإنما يهلكهم بعد الإعذار والإنذار بإرسال الرسل التاسع : أنه سبحانه أشهد كل واحد على نفسه أنه ربه وخالقه واحتج عليه بهذا في غير موضع من كتابه كقوله : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } فهذه هي الحجة التي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها وذكرتهم بها رسله بقولهم : { أفي الله شك فاطر السماوات والأرض } العاشر : أنه جعل هذا آية وهي الدلالة الواضحة البينة المستلزمة لمدلولها وهذا شأن آيات الرب تعالى فقال تعالى : { وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون } وإنما ذلك بالفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله فما من مولود إلا يولد على الفطرة لا يولد مولود على غير هذه الفطرة هذا أمر مفروغ منه لا تبديل ولا تغيير وقد تقدمت الإشارة إلى هذا والله أعلم .
وقد تفطن لهذا ابن عطية وغيره ولكن هابوا مخالفة [ ظاهر ] تلك الأحاديث التي فيها التصريح بأن الله أخرجهم وأشهدهم على أنفسهم ثم أعادهم وكذلك حكى القولين الشيخ أبو منصور الماتريدي في شرح التأويلات ورجح القول الثاني وتكلم عليه ومال إليه .
ولا شك أن الإقرار بالربوبية أمر فطري والشرك حادث طارىء والأبناء تقلدوه عن الآباء فإذا احتجوا يوم القيامة بأن الآباء أشركوا ونحن جرينا على عادتهم كما يجري الناس على عادة آبائهم في المطاعم والملابس والمساكن يقال لهم : أنتم كنتم معترفين بالصانع مقرين بأن الله ربكم لا شريك له وقد شهدتم بذلك على أنفسكم فإن شهادة المرء على نفسه هي إقراره بالشيء ليس إلا قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم } وليس المراد أن يقول : أشهد على نفسي بكذا بل من أقر بشيء فقد شهد على نفسه به فلم عدلتم عن هذه المعرفة والإقرار الذي شهدتم به على أنفسكم إلى الشرك ؟ بل عدلتم عن المعلوم المتيقن إلى ما لا يعلم له حقيقة تقليدا لمن لا حجة معه بخلاف اتباعهم في العادات الدنيوية فإن تلك لم يكن عندكم ما يعلم به فسادها وفيه مصلحة لكم بخلاف الشرك فإنه كان عندكم من المعرفة والشهادة على أنفسكم ما يبين فساده وعدولكم فيه عن الصواب .
فإن الدين الذي يأخذه الصبي عن أبويه هو : دين التربيه والعادة وهو لأجل مصلحة الدنيا فإن الطفل لا بد له من كافل وأحق الناس به أبواه ولهذا جاءت الشريعة بأن الطفل مع أبويه على دينهما في أحكام الدنيا الظاهرة وهذا الدين لا يعاقبه الله عليه - على الصحيح - حتى يبلغ ويعقل وتقوم عليه الحجة وحينئذ فعليه أن يتبع : دين العلم والعقل وهو الذي يعلم بعقله هو أنه دين صحيح فإن كان آباؤه مهتدين كيوسف الصديق مع آبائه قال : { واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب } وقال ليعقوب بنوه : { نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } وإن كان الآباء مخالفين الرسل كان عليه أن يتبع الرسل كما قال تعالى : { ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما } الآية .
فمن اتبع دين آبائه بغير بصيرة وعلم بل يعدل عن الحق المعلوم إليه فهذا اتبع هواه كما قال تعالى : { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون } .
وهذه حال كثير من الناس من الذين ولدوا على الإسلام يتبع أحدهم أباه فيما كان عليه من اعتقاد ومذهب وإن كان خطأ ليس هو فيه على بصيرة بل هو من مسلمة الدار لا مسلمة الإختيار وهذا إذا قيل له في قبره : من ربك ؟ قال ؟ هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته .
فليتأمل اللبيب هذا المحل ولينصح نفسه وليقم معه ولينظر من أي الفريقين هو ؟ والله الموفق فإن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل فإنه مركوز في الفطر وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لما كان نطفة وقد خرج من بين الصلب والترائب [ والترائب ] : عظام الصدر ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين في ظلمات ثلاث وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق ولو كانت موضوعة على لوح أو طبق واجتمع حكماء العالم على أن يصوروا منها شيئا لم يقدروا ومحال توهم عمل الطبائع فيها لأنها موات عاجزة ولا توصف بحياة ولن يتأتى من الموات فعل وتدبير فإذا تفكر في ذلك وانتقال هذه النطفة من حال الى حال علم بذلك توحيد الربوبية فانتقل منه إلى توحيد الإلهية فإنه إذا علم بالعقل أن له ربا أوجده كيف يليق به أن يعبد غيره ؟ وكلما تفكر وتدبر ازداد يقينا وتوحيدا والله الموفق لا رب غيره ولا إله سواه