وب سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

اهم اخبار تقریب مذاهب اسلامی

مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى
سایت رسمی مجمع جهانى تقريب مذاهب اسلامى

الشرائط التي ترجع إلى المصالح عليه .
فصل : و أما الشرائط التي ترجع إلى المصالح عليه فأنواع : منها أن يكون مالا فلا يصح الصلح على الخمر و الميتة و الدم و صيد الإحرام و الحرم و كل ما ليس بمال لأن في الصلح معنى المعارضة فما لا يصلح عوضا في المبيعات لا يصلح بدل الصلح .
و كذا إذا صالح على عبد فإذا هو حر لا يصح الصلح لأنه تبين أن الصلح لم يصادق محله و سواء كان المال عينا أو دينا أو منفعة ليست بعين و لا دين لأن العوض في المعاوضات المطلقة قد يكون عينا و قد يكون دينا و قد يكون منفعة إلا أنه يشترط القبض في بعض الأعواض في بعض الأحوال دون بعض .
و جملة الكلام فيه : أن المدعي لا يخلو من أحد وجوه : إما أن يكون عينا و هو ما يحتمل التعيين مطلقا جنسا و نوعا و قدرا و صفة و استحقاقا كالعروض من الثياب و العقار من الأرضين و الدور و الحيوان من العبيد و الدواب و المكيل من الحنطة و الشعير و الموزون من الصفر و الحديد .
و إما أن يكون دينا و هو ما لا يحتمل التعيين من الدراهم و الدنانير و المكيل الموصوف في الذمة و الموزون الموصوف سوى الدراهم و الدنانير و الثياب الموصوفة و الحيوان الموصوف .
و إما أن يكون منفعة و إما أن يكون حقا ليس بعين و لا دين و لا منفعة و بدل الصلح لا يخلو من أن يكون عينا أو دينا أو منفعة و الصلح لا يخلو من أن يكون عن إقرار المدعى عليه أو عن إنكاره أو عن سكوته فإن كان المدعي عينا فصالح منها عن إقرار يجوز سواء كان بدل الصلح عينا أو دينا بعد أن كان معلوم القدر و الصفة إلا الحيوان و إلا الثياب إلا بجميع شرائط السلم لأن هذا الصلح من الجانبين جميعا في معنى البيع فكان بدل الصلح في معنى الثمن و هذه الأشياء تصلح ثمنا في المبيعات عينا كانت أو دينا إلا الحيوان لأنه يثبت دينا في الذمة بدلا عما هو مال أصلا .
و الثياب لا تثبت دينا في الذمة إلا بشرائط السلم من بين القدر و الوصف و الأجل و المكيل و الموزون يثبتان في الذمة مطلقا في المعاوضة المطلقة من غير أجل و لا يشترط قبضه في المجلس لأنه ليس بصرف و لا في ترك قبضه افتراق عن عين بعين أو عين بدين و كل ذلك جائز و إن كان دينا فإن كان دراهم أو دنانير فصالح منها لا يخلو من أحد وجهين : إما أن صالح منها على خلاف جنسها أو على جنسها فإن صالح منها على خلاف جنسها فإن صالح منها على عين جار لأن الصلح عليها في معنى بيع الدين بالعين و أنه جائز و لا يشترط القبض .
و إن صالح منها على دين سواه لا يجوز لأنه بائع ما ليس عنده لأن الدراهم و الدنانير أثمان أبدا و ما وقع عليه الصلح مبيع فالصلح في هذه الصورة يقع بيع ما ليس عند البائع و أنه منهي عنه .
و إن صالح منها على جنسها فإن صالح من دراهم فهذا لا يخلو من ثلاثة أوجه : إما أن صالح على مثل حقه و إما أن صالح على أقل من حقه و إما أن صالح على أكثر من حقه فإن صالح على مثل حقه قدرا و وصفا بأن صالح من ألف جياد على ألف جياد فلا شك في جوازه و لا يشترط القبض لأن هذا استيفاء عين حقه أصلا و وصفا .
و لو صالح على أقل من حقه قدرا و وصفا بأن صالح من الألف الجياد على خمسمائة نبهرجة يجوز أيضا و يحمل على استيفاء بعض عين الحق أصلا و الإبراء عن الباقي أصلا و وصفا لأن أمور المسلمين محمولة على الصلاح و السداد ما أمكن .
و لو حمل على المعاوضة يؤدي إلى الربا لأنه يصير بائعا ألفا بخمسمائة و أنه ربا فيحمل على استيفاء بعض الحق و الإبراء عن الباقي و لا يشترط القبض و يجوز مؤجلا لأن جوازه ليس بطريق المعاوضة ليكون صرفا .
و كذلك إن صالح على أقل من حقه وصفا لا قدرا بأن صالح عن ألف جياد على ألف نبهرجة أو صالح على أقل من حقه قدرا لا وصفا بأن صالح من ألف جياد على خمسمائة جيدة يجوز و يحمل على استيفاء البعض و الحط و الإبراء و التجوز بدون الحق أصلا و وصفا يجوز من غير قبض و مؤجلا .
و لو صالح على أكثر من حقه قدرا و وصفا بأن صالح من ألف نبهرجة على ألف و خمسمائة جياد أو صالح على أكثر من حقه قدرا لا وصفا بأن صالح من ألف جياد على ألف و خمسمائة نبهرجة لا يجوز لأنه ربا لأنه يحمله على المعاوضة هنا لنعتذر حمله على استيفاء البعض و إسقاط الباقي و إن صالح على أكثر من حقه وصفا لا قدرا بأن صالح من ألف نبهرجة على ألف جياد جاز و يشترط الحلول أو التقابض حتى كان الصلح مؤجلا إن لم يقبض في المجلس يبطل لأنه صرف و أما إذا صالح على أكثر من حقه وصفا و أقل منه قدرا بأن صالح من ألف نبهرجة على خمسمائة جياد لا يجوز عند أبي حنيفة و محمد و هو قول أبي يوسف الآخر و كان يقول أولا لا يجوز ثم رجع .
وجه قول الأول : أن هذا حط بعض حقه و هو خمسمائة نبهرجة فيبقى عليه خمسمائة نبهرجة إلا أنه أحسن في القضاء بخمسمائة جيدة فلا يمنع عنه حتى أنه لو امتنع لا يكون عليه إلا خمسمائة نبهرجة .
وجه ظاهر الرواية : أن الصلح من الألف النبهرجة على الخمسمائة الجيدة اعتياض عن صفة الجودة و هذا لا يجوز لأن الجودة في الأموال الربوية لا قيمة لها عند مقابلتها بجنسها لقوله عليه الصلاة و السلام : [ جيدها و رديئها سواء ] فلا يصح الاعتياض عنها لسقوط قيمتها شرعا و الساقط شرعا و العدم الأصلي سواء و لأن الصلح على هذا الوجه لا يخلو إما أن يجعل استيفاء لعين الحق أو يجعل معاوضة لا سبيل إلى الأول لأن حقه في الرديء لا في الجيد فيحمل على المعاوضة فيصير بائعا ألف نبهرجة بخمسمائة جيدة فيكون ربا و كذلك حكم الدنانير و الصلح منها على دنانير كحكم الدراهم في جميع ما ذكرنا و لو صالح من دراهم على دنانير أو من دنانير على دراهم جاز و يشترط القبض في المجلس لأنه صرف .
و لو ادعى ألف درهم و مائة دينار فصالحه على مائة درهم إلى شهر جاز و طريق جوازه بأن يجعل حطا لا معاوضة لأنه لو جعل معاوضة لبطل لأنه يصير بعض المائة عوضا عن الدنانير و البعض عوضا عن الدراهم فيصير بائعا تسعمائة بخمسين فيكون ربا و أمور المسلمين محمول على الصلاح و السداد ما أمكن و أمكن أن يجعل حطا للدنانير أصلا و بعض الدراهم و ذلك تسعمائة و تأجيل البعض و ذلك مائة إلى شهر .
و كذلك لو كان عليه ألف درهم و كر فصالحه على مائة جاز و طريق جوازه أن يجعل حطا و إسقاطا للكر لا معاوضة لأن استبدال المسلم فيه لا يجوز و لو كان المالان عليه لرجل لأحدهما دراهم و الآخر دنانير فصالحه على مائة درهم جاز و طريقة جوازه أن يعتبر معاوضة في حق أحدهما و حطا و إسقاطا في حق الآخر و ذلك أن يقسم بدل الصلح على قدر قيمة دينيهما من الدراهم و الدنانير فالقدر الذي أصاب الدنانير يكون عوضا عنها فيكون صرفا فيراعى فيه شرائط الصرف فيشترط القبض في المجلس و القدر الذي أصاب الدراهم لا يجوز أن يجعل عوضا لأنه يؤدي إلى الربا فيجعل الصلح في حقه استيفاء لبعض الحق و إبراء عن الباقي .
و الأصل أن الصلح متى وقع على أقل من جنس حقه من الدراهم و الدنانير يعتبر استيفاء لبعض الحق و إبراء عن الباقي و متى وقع على أكثر من جنس حقه منها أو وقع على جنس آخر من الدين و العين يعتبر معاوضة لأنه لا يمكن حمله على استيفاء عين الحق و الإبراء عن الباقي لأن استيفاء عين الحق من جنسه يكون و لم يوجد فيعتبر معاوضة فما جازت به المعاوضات يجوز هذا : و ما فسدت به تلك يفسد به هذا و قد ذكرنا بعض مسائل هذا الأصل .
و على هذا إذا صالح من ألف حالة على ألف مؤجلة جاز و يعتبر حطا للحلول و تأجيلا للدين و تجوزا بدون من حقه لا معاوضة .
و لو صالح من ألف حالة على خمسمائة قد ذكرنا أنه يجوز و يعتبر استيفاء لبعض حقه و إبراء عن الباقي و أما إذا صالح على خمسمائة أن يعطيها إياه فهذا لا يخلو من أحد وجهين : إما أن وقت لأداء الخمسمائة وقتا و إما أن لم يؤقت فإن لم يؤقت فالصلح جائز و يكون حطا للخمسمائة لأن هذا الشرط لا يفيد شيئا لم يكن من قبل .
ألا ترى أنه لو لم يذكر للزمه الإعطاء فكان ذكره و السكوت عنه بمنزلة واحدة و كذلك الحط على هذا بأن قال للغريم حططت عنك خمسمائة على أن تعطيني خمسمائة لما بينا .
و إن وقت بأن قال : صالحتك على خمسمائة على أن تعطينيها اليوم أو على أن تعجلها اليوم فإما أن اقتصر على هذا القدر و لم ينص على شرط العدم و إما أن نص عليه فقال فإن لم تعطيني اليوم أو إن لم تعجل اليوم أو على أن تعجلها اليوم فالألف عليك فإن نص عليه فإن أعطاه و عجلت في اليوم فالصلح ماض و برئ عن خمسمائة و إن لم يعطه حتى مضى اليوم فالألف عليه بلا خلاف و كذلك الحط على هذا .
و أما إذا اقتصر عليه و لم ينص على شرط العدم فإن أعطاه في اليوم برئ عن خمسمائة بالإجماع و أما إذا لم يعطه حتى مضى اليوم بطل الصلح و الألف عليه عند أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف الصلح ماض و عليه خمسمائة فقط .
وجه قوله : أن شرط التعجيل ما أفاده شيئا لم يكن من قبل لأن التعجيل كان واجبا عليه بحكم العقد فكان ذكره و السكوت عنه بمنزلة واحدة و لو سكت عنه لكان الأمر على ما وصفنا فكذا هذا بخلاف ما إذا قال فإن لم تفعل فكذا لأن التنصيص على عدم الشرط نفي للمشرط عند عدمه فكان مفيدا .
وجه قولهما : أن شرط التعجيل في هذه الصورة شرط انفساخ العقد عند عدمه بدلالة حال تصرف العاقل لأن العاقل يقصد بتصرفه الإفادة دون اللغو و اللعب و العبث و لو حمل المذكور على ظاهر شرط التعجيل للغا لأن التعجيل ثابت بدونه فيجعل ذكر شرط التعجيل ظاهرا لانفساخ العقد عند عدم التعجيل فصار كأنه نص على هذا الشرط فقال فإن لم تعجل فلا صلح بيننا و لو كان كذلك لكان الأمر على ما نص عليه فكذا هذا .
و تبين بهذا أن هذا تعليق الفسخ بالشرط لا تعليق العقد كما إذا باع بألف على أن ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فإن لم ينقده فلا بيع بينهما و ذلك جائز لدخول الشرط على الفسخ لا على العقد فكذا هذا .
و كذلك لو أخذ منه كفيلا و شرط على الكفيل أنه إن لم يوفه خمسمائة إلى رأس الشهر فعليه كل المال و هو الألف فهو جائز و الألف لازمة للكفيل إن لم يوفه لأنه جعل عدم إيفاء الخمسمائة إلى رأس الشهر شرطا للكفالة بألف فإذا وجد الشرط ثبت المشروط و لو ضمن الكفيل الألف ثم قال حططت عنك خمسمائة على أن توفيني رأس الشهر خمسمائة فإن لم تفعل فالألف عليك فهذا أوثق من الباب الأول لأن هذا هنا علق الحط بشرط التعجيل و هو إيفاء الخمسمائة رأس الشهر و جعل عدم هذا الشرط شرطا لانفساخ الحط و في الباب الأول جعل عدم التعجيل شرطا للعقد و هو الكفالة بالألف و الفسخ لشرط أقبل من العقد لذلك كان الثاني أوثق من الأول .
و كذلك لو جعل المال نجوما بكفيل أو بغير كفيل و شرط أنه إن لم يوفه كل نجم عند محله فالمال حال عليه فهو جائز على ما شرط لأنه جعل الإخلال ينجم شرطا لحلول كل المال عليه و أنه صحيح .
و لو كان له عليه ألف فقال أد إلي من الألف خمسمائة غدا على أنك بريء من الباقي فإن أدى إليه خمسمائة غدا يبرأ من الباقي إجماعا و إن لم يؤد فعليه الألف عند أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف ليس عليه إلا خمسمائة و قد مرت المسألة .
و لو قال : إن أديت إلي خمسمائة فأنت بريء من الباقي أو قال : متى أديت فأدى إليه خمسمائة لا يبرئ عن الخمسمائة الباقية حتى يبرئه و كذلك إذا قال لمكاتبه ذلك فأدى خمسمائة لا يبرأ عن الباقي حتى يبرئه لأن هذا تعليق البراءة بالشرط و إنه باطل بخلاف ما إذا كان بلفظ الصلح أو الحط أو الأمر لأن ذلك ليس تعليق بالبراءة بالشرط على ما مر .
و لو قال لمكاتبه : إن أديت إلي خمسماية فأنت حر فأدى خمسماية عتق لأن هذا تعليق العتق بالشرط و ذلك في حق المكاتب صحيح و لو كان له على إنسان ألف مؤجلة فصالح منها فهذا لا يخلو من أحد وجهين : .
إما أن صالح منها على أقل من حقه و كل ذلك لا يخلو من أن يشترط التعجيل أو لم يشترط فإن صالح على أقل من حقه قدرا أو وصفا أو قدرا و وصفا و لم يشترط التعجيل لما وقع عليه الصلح جاز و يكون حطا و تجوزا بدون حقه و له أن يأخذ الباقي بعد حل الأجل .
و إن شرط التعجيل فالصلح باطل و عليه رد ما قبض و الرجوع برأس ماله بعد حل الأجل لأن فيه معاوضة الأجل و هو التعجيل بالحط و هذا لا يجوز لأن الأجل ليس بمال .
و إن صالح على تمام حقه جاز و إن شرط التعجيل فإن صالح من ألف مؤجلة على ألف معجلة لكن بشرط القبض قبل الافتراق عن المجلس و كذلك حكم الدنانير على هذا و لو كان الواجب عليه قيمة المستهلك فإن كان المستهلك من ذوات القيمة فصالح على الدراهم و الدنانير حالة أو مؤجلة جاز الصلح لأن الواجب في ذمته قبل المتلف صورة و معنى كذا الاستهلاك تحقيقا المعلقة ثم يملكه بأداء الضمان فإذا صالح كان هذا الصلح على عين حقه فيجوز على أي وصف كان .
و إن صالح على غير الدراهم و الدنانير إن كان عينا جاز و لا يشترط القبض و إن كان دينا موصوفا يجوز أيضا لكن القبض في المجلس شرط و لو كان الواجب عليه مثل المستهلك فإن كان من ذوات الأمثال كالمكيل و الموزون الذي ليس في تبغيضه ضرر فحكم الصلح فيه كحكم الصلح في كر الحنطة فنقول و بالله التوفيق إذا كان المدعي دينا سوى الدراهم و الدنانير فإن كان مكيلا بأن كان كر حنطة مثلا فصالح منه لا يخلو من أحد وجهين : .
أما إن صالح على جنسه أو على جنسه فإن صالح على جنسه لا يخلو من ثلاثة أوجه : إما إن صالح على مثل حقه و إما على أقل منه و إما أن صالح على أكثر منه فإن صالح على مثل حقه قدرا و وصفا جاز و لا يشترط القبض لأنه استوفى عين حقه .
و إن صالح على أقل من حقه قدرا و وصفا جاز و يكون حطا لا معاوضة لما ذكرنا في الدراهم و لا يشترط القبض و يكون مؤجلا .
و إن صالح على أقل من حقه وصفا لا قدرا جاز أيضا و يكون استيفاء لعين حقه أصلا و إبراء له عن الصفة فلا يشترط للقبض و يجوز حتى لا يبطل بالتأجيل أو تركه و يعتبر رضا بدون حقه و لو صالح على أكثر من حقه قدرا و وصفا أو قدرا لا وصفا لأنه ربا .
و إن صالح على أكثر منه وصفا لا قدرا بأن صالح من كر رديء على كر جيج جاز و يعتبر معاوضة احترازا عن الافتراق عن دين بدين و لو صالح منه على كر مؤجل جاز لأنه حط حقه في الحلول و رضي بدون حقه كما في الدراهم و الدنانير .
هذا إذا كان أكثر الدين حالا فإن كان مؤجلا فصالح على بعض حقه أو على تمام حقه فهو على التفصيل الذي ذكرنا في الصلح من الألف المؤجلة من غير تفاوت هذا إذا صالح من الكر على جنسه فإن صالح على خلاف جنس حقه فإن كان الكر الذي عليه سلما لا يجوز بحال لأن الصلح على خلاف جنس المسلم فيه يكون معاوضة و فيه استبدال المسلم فيه قبل قبضه إلا أن يكون الصلح منه على رأس المال يجوز لأن الصلح من المسلم فيه على رأس المال يكون إقالة للسلم و فسخا له و ذلك جائز و إن لم يكن سلما فصالح على خلاف جنس حقه فإن كان ذلك من الدراهم و الدنانير جاز و يشترط القبض و إن كان معينا مشارا إليه لأنها لا تتعين بالتعيين فكان ترك قبضه افتراقا عن دين بدين و إن كان ذلك من المكيلات و هو عين جاز و لا يشترط القبض .
و إن كان موصوفا في الذمة جاز أيضا فرق بين هذا و بين ما إذا كان عليه دراهم أو دنانير فصالح منها على مكيل أو موزون موصوف في الذمة أنه لا يجوز لأن ذلك مبيع .
ألا ترى أنه قوبل بالأثمان و المبيع ما يقابل بالثمن و هذا لا يقابل بالثمن فلا يكون متبعا إلا أنه لا بد من القبض في المجلس احترازا من الافتراق عن دين بدين و إن كان من العروض و الحيوان فإن كان عينا جاز و إن كان دينا يجوز في الثياب الموصوفة إذا أتى بشرائط السلم لكن القبض في المجلس شرط احترازا عن الافتراق عن دين بدين و لا يجوز في الحيوان الموصوف بحال لأنه لا يثبت دينا في الذمة بدلا عما هو مال و كذلك إذا كان المدعي موزونا دينا موصوفا في الذمة فصالح منه على جنسه أو على خلاف جنسه إلى آخر ما ذكرنا في المكيل الموصوف .
هذا إذا كان المدعي مكيلا أو موزونا دينا موصوفا في الذمة فإن كان ثوب السلم فصالح منه فهذا لا يخلو من أحد وجهين : إما إن صالح منه على جنسه و إما إن صالح منه على خلاف جنسه فإن صالح على جنسه فهو على ثلاثة أوجه : إما إن صالح على مثل حقه أو أكثر منه أو أقل فإن صالح على مثل حقه قدرا و وصفا فإن صالح من ثوب هروي جيد على ثوب هروي جيد جاز و لا يشترط القبض لأنه استوفى عين حقه .
و كذلك إن صالح على أقل من حقه قدرا و وصفا أو وصفا لا قدرا يجوز و يكون هذا استيفاء لبعض عين حقه و حطا للباقي و إبراء عنه أصلا و وصفا و الإبراء عن المسلم فيه صحيح لأن قبضه ليس بواجب .
و إن صالح على أقل من حقه قدرا لا وصفا بأن صالح من ثوب رديء على نصف ثوب جيد جاز : .
بخلاف الدراهم و الدنانير و المكيل و الموزون و الموصوفين بأن صالح من ألف نبهرجة على خمسمائة جياد أو صالح من كر رديء على نصف كر جيد أو صالح من حديد رديء على نصف من جيد أنه لا يجوز .
و الفرق : أن المانع من الجواز هو الاعتياض عن الجودة هنا جائز لأن الجودة في غير الأموال الربوية عند مقابلتها بجنسها لها قيمة بخلاف الأموال الربوية و هذا لأن الأصل أن تكون الجودة منقومة في الأموال كلها لأنها صفة مرغوبة ببذل العوض في مقابلتها إلا أن الشرع أسقط اعتبارها في الأموال الربوية تعبدا بقوله جيدها و ردئيها سواء فبقيت متقومة في غيرها على الأصل فيصح الاعتياض عنها .
و إن صالح على أكثر من حقه قدرا و وصفا بأن صالح من ثوب هروي جيد على ثوبين هرويين جيدين يجوز لكن يشترط القبض لأن جوازه بطريق المعاوضة و الجنس بانفراده يحرم النساء فلا بد من القبض لئلا يؤدي إلى الربا .
و كذلك إن صالح على أكثر من حقه قدرا لا وصفا بأن صالح عن ثوب هروي جيد على ثوبين هرويين رديئين جاز و القبض شرط لما ذكرنا و لو صالح على أكثر من حقه وصفا لا قدرا بأن صالح من ثوب رديء على ثوب جيد جاز لأنه معاوضة إذ لا يمكن حمله على استيفاء عين الحق لأن الزيادة غير مستحقة له فيحمل على المعاوضة و يشترط القبض لئلا يؤدي إلى الربا .
و إن صالح على خلاف جنس حقه كائنا ما كان لا يجوز دينا كان أو عينا لأن فيه استبدال المسلم فيه قبل القبض و أنه لا يجوز إلا على رأس مال السلم لأن الصلح عليه يكون إقالة و فسخا لا استبدالا .
و إن كان المدعى حيوانا موصوفا في الذمة في قتل الخطأ أو شبه العمد فصالح فنقول : الجملة فيه أن هذا في الأصل لا يخلو من وجهين إما إن صالح على ما هو مفروض في باب الدية في الجملة و إما إن صالح على ما ليس بمفروض في الباب أصلا .
و كل ذلك لا يخلو إما إن صالح قبل تعيين القاضي نوعا من الأنواع المفروضة أو بعد تعيينه نوعا منها فإن صالح على المفروض قبل تعيين القاضي بأن صالح على عشرة آلاف درهم أو على ألف دينار أو على مائة من الإبل أو على مائة بقرة أو على ألفي شاة أو على مائتي حلة جاز الصلح و هو في الحقيقة تعيين منها للواجب من أحد الأنواع المفروضة بمنزلة تعيين القاضي فيجوز و يكون استيفاء لعين حقه الواجب عند اختياره ذلك فعلا برضا القاتل .
و كذا إذا صالح على أقل من المفروض يكون استيفاء لبعض عين الحق و إبراء عن الباقي و إن صالح على أكثر من المفروض لا يجوز لأنه ربا و لو صالح بعد ما عين القاضي نوعا منها فإن صالح على جنس حقه المعين جاز إذا كان مثله أو أقل منه و إن كان أكثر لا يجوز لأنه ربا و إن صالح على خلاف الجنس المعين فإن كان من جنس المفروض في الجملة بأن عين القاضي مائة من الإبل فصالح على مائة من البقر أو أكثر جاز و تكون معاوضة لأن الإبل تعينت واجبة بتعيين القاضي فلم يبق غيره واجبا فكانت البقر بدلا عن الواجب في الذمة فكانت معاوضة و لا بد من القبض احترازا عن الافتراق عن دين بدين و كذلك إذا كان من خلاف جنس المفروض بأن صالح على مكيل أو موزون سوى الدراهم و الدنانير جاز و يكون معاوضة و يشترط التقابض لما قلنا .
و لو صالح على قيمة الإبل أو أكثر مما يتغابن الناس فيه جاز لأن قيمة الإبل دراهم و دنانير و إنها ليست من جنس الإبل فكان الصلح عليها معاوضة فيجوز قل أو كثر و لا يشترط القبض .
و كذلك إذا صالح من الإبل على دراهم في الذمة و افترقا من غير قبض جاز و إن كان هذا افتراقا عن دين بدين لأن هذا المعنى ليس بمعاوضة بل هو استيفاء عين حقه لأن الحيوان الواجب في الذمة و إن كان دينا لكنه ليس بدين لازم ألا ترى أن من عليه إذا جاء بقيمته يجبر من له على القبول بخلاف سائر الديون فلا يكون افتراقا عن دين بدين حقيقة .
هذا إذا قضى عليه القاضي بالإبل فإن قضى عليه بالدراهم و الدنانير فصالح من مكيل أو موزون سوى الدراهم و الدنانير أو بقر ليس عنده لا يجوز لأن ما يقابل هذه الأشياء دراهم أو دنانير و إنها أثمان فتتعين هذه مبيعة و بيع المبيع الذي ليس بمعين لا يجوز إلا بطريق السلم .
هذا إذا صالح على المفروض في باب الدية فأما إذا صالح على ما ليس بمفروض أصلا كالمكيل و الموزون سوى الدراهم و الدنانير و نحو ذلك مما لا يدخل له في الفرض قبل تعيين القاضي جاز و إن كانت قيمته أكثر من المفروض لكن القبض في المجلس شرط لأنه معاوضة فيجوز و لا بد من القبض لما قلنا .
و إن كان بعد تعيين القاضي فهو على ما ذكرنا من التفصيل و كذلك حكم الصلح عن إنكار المدعى عليه و سكوته بحكم الصلح عن إقراره في جميع ما وصفنا هذا الذي ذكرنا إذا كان بدل الصلح مالا عينا أو أو دينا فأما إذا كان منفعة بأن صالح على خدمة عبد بعينه أو ركوب دابة بعينها أو على زراعة أرض أو سكنى دار وقتا معلوما جاز الصلح و يكون في معنى الإجارة سواء كان الصلح عن إقرار المدعي عليه أو عن إنكاره أو عن سكوته لأن الإجارة تمليك المنفعة بعوض و قد وجد أما في موضع الإقرار فظاهر لأن بدل الصلح عوض عن المدعي و كذا في موضع الإنكار في جانب المدعي و في جانب المدعى عليه هو عوض عن الخصومة و اليمين .
و كذا في السكوت لأن الساكت منكر حكما سواء كان المدعي عينا أو دينا لكن تمليك المنفعة قد يكون بالعين و قد يكون بالدين كما في سائر الإجارات و إن كان المدعى منفعة فإن كانت المنفعتان من جنسين مختلفين كما إذا صالح من سكنى دار على خدمة عبد يجوز بالإجماع و إن كانتا من جنس واحد لا يجوز عندنا و أصل المسألة في كتاب الإجارات .
و إذا اعتبر الصلح على المنافع إجارة يصح بما تصح به الإجارات و يفسد بما يفسد به و لصاحب العبد أن يعتقه لأن صحة الإعتاق يقف على قيام ملك الرقبة و أنه قائم فأشبه إعتاق المستأجر و المرهون و ليس له أن يبيعه لأن جواز البيع بعد ملك اليد و لم يوجد فلا يجوز بيعه كالعبد المستأجر و المرهون و له أن يؤاجره من غيره لأن منفعته صارت مملوكة له بالصلح فإن شاء استوفاه بنفسه و إن شاء ملكها من غيره كالعبد المستأجر و له أن يؤاجره من المدعى عليه في مدة الصلح عند أبي يوسف و لا يبطل الصلح كما لو آجره من غيره و عند محمد لا يجوز و يبطل الصلح كما لو أجره من المؤاجر في مدة الإجارة و إنه لا يجوز بالإجماع و تبطل الإجارة الأولى و لا يجب على المستأجر شيء من الأجرة كذا هذا و له أن يسافر به .
و ذكر في الإجارة أن من استأجر عبدا للخدمة لم يكن له أن يسافر به للتفاوت بين خدمتي السفر و الحضر و الفرق أن المسافرة بالعبد المستأجر للخدمة إلحاق الضرر بالآجر لأن مؤنة الرد في باب الإجارة عليه و ربما يلزمه برده مؤنة تزيد على الأجرة فيتضرر به فلم يملك المسافرة به دفعا للضرر عنه و هذا المعنى ههنا منعدم لأن مؤنة الرد لا تلزم صاحب العبد فأشبه العبد الموصى بخدمته و العبد المرهون و هما يملكان المسافرة به كذا هذا .
و لو ادعى على رجل دارا في يده فأنكر المدعى عليه فصالحه على أن يسكن المدعى عليه الذي في يده الدار سنة ثم يدفعها إلى المدعى جاز لأن المدعي متصرف في ملك نفسه ببدل المنفعة للمدعى عليه في زعمه سنة و المدعى عليه متصرف في ملك نفسه باستيفاء المنفعة لنفسه في المدة المشروطة فكان كل واحد منهما متصرفا في ملك نفسه في زعمه فيجوز .
و منها : أن يكون متقوما فلا يصح الصلح على الخمر و الخنزير من المسلم لأنه ليس بمال متقوم في حقه و كذا إذا صالح على دن من خل فإذا هو خمر لم يصح لأنه تبين أنه لم يصادف محله .
و منها : أن يكون مملوكا للمصالح حتى إنه إذا صالح على مال ثم استحق من يد المدعي لم يصح الصلح لأنه تبين أنه ليس مملوكا للمصالح فتبين أن الصلح لم يصح و منها : أن يكون معلوما لأن جهالة البدل تؤدي إلى المنازعة فتوجب فساد العقد إلا إذا كان شيئا لا يفتقر إلى القبض و التسليم كما إذا ادعى رجلان كل واحد منهما على صاحبه حقا ثم تصالحا على أن جعل كل واحد منهما ما ادعاه على صاحبه صلحا مما ادعاه عليه صاحبه يصح الصلح و إن كان مجهولا لأن جهالة البدل لا تمنع جواز العقد لعينها بل لإفضائها إلى المنازعة المانعة من التسليم و التسلم فإذا كان ما لا يستغني عن التسليم و التسلم لا يفضي إلى المنازعة فلا يمنع الجواز إلا أن الصلح من القصاص في النفس و ما دونه تتحمل الجهالة القليلة في البدل كما تتحمل في المهر في باب النكاح و الخلع و الإعتاق على مال و الكتابة لما علم .
و لو صالح على مسيل أو شرب من نهر لا حق له في رقبته أو على أن يحمل كذا و كذا جذعا على هذا الحائط و على أن يسيل ميزابه في داره أياما معلومة لا يجوز لأن ما وقع عليه الصلح في هذه المواضع مفتقر إلى القبض و التسليم فلم تكن جهالته محتملة لهذا لا يجوز بيعها فلا يصح الصلح عليها و الأصل أن كل ما يجوز بيعه و شراؤه يجوز الصلح عليه و ما لا فلا