- إمام العصر المحدث الجليل البحاثة الشيخ محمد أنور الكشميري ثم الديوبندي المتوفى سنة 1352 - ه . C تعالى كان وجه " المجلس العلمي " إلى إعادة طبع هذا الكتاب الجليل " نصب الراية " بعناية بالغة بالتصحيح وكان الكتاب مطبوعا في الهند قبل خمسين عاما مشحونا بالأغلاط في الأسانيد وألحان فاحشة في متونها مشوها بتصحيفات وتحريفات وسقط عبارات بحيث اختل الغرض وانخرم المقصود في كثير من المواضع وقلما طبع كتاب بالهند مثله محرفا مصحفا وكان C يود أن لو يتم الأمر في حياته لكن الأسف والرزء - أن إمام العصر وافاه الأجل المحتوم قبل إنجاز هذه المنية ولم يوفق المجلس إلى تكميل بغيته في حياته . بيد أنه على إثر ذلك قام مدير " المجلس العلمي " صديقنا الفاضل المحترم السيد أحمد رضا البجنوري - زاد الله مآثره - مشمرا عن ساعد الجد لتكميل أمنية إمام العصر لطبع الكتاب وأشار محقق العصر الشيخ شبير أحمد العثماني الديوبندي صاحب " فتح الملهم عل صحيح مسلم " لاستيفاء الفائدة بتحشية الكتاب أيضا .
فانتخب لذلك العالم المحقق والفاضل المحدث الشيخ عبد العزيز الديوبندي الفنجاني صاحب " أطراف البخاري " فاشتغل بتصحيح النسخة المطبوعة والحواشي المفيدة على الكتاب ولم يظفر الشيخ بنسخة مخطوطة منه حتى يقابل بها إلا بتلك النسخة المطبوعة مصححة بالمقابلة بنسخة مخطوطة - بكلكتة - فاعتنى في التصحيح بالمراجعة إلى أصول الكتاب من الأمهات الست وما تيسر له من المسانيد والمعاجم وغيرها فراجع المخارج والمصادر وأطال النفس في مراجعة الكتب من الحديث . والرجال . والطبقات ولم يمنعه من التحقيق سآمة ولا كلال فوفق إلى حد قلما يوفق أحد إليه ولاقى في ذلك عناء غير أنا نأخذ عليه شيئا : - كنا نود أن يطلع علماء القاهرة وفضلاء البلاد الإسلامية العربية على نفائس تحقيقات بارعة لإمام العصر السالف ذكره المبعثرة في مؤلفاته من " فصل الخطاب في أم الكتاب - وخاتمة الخطاب في فاتحة الكتاب " و " كشف الستر في مسألة الوتر " و " نيل الفرقدين في مسألة رفع اليدين " و " بسط اليدين لنيل الفرقدين " وفي أماليه وتقريراته على أبحاث الحديث وما كتبه من الحواشي على " جزء القراءة " - للبيهقي وكان حضرة المحشي استعارها من إمام العصر برهة وما استفاد الشيخ المحشي شفاها منه فإن مؤلفات إمام العصر وأبحاثه الغامضة وتحقيقاته البارعة مما لا مناص للبحاثة المحقق عن الاطلاع عليها ولكل من يحاول التوسع مع تحقيق وتدقيق ولكن الشيخ المحشي على رغم أنوفنا لم ينتبه لهذه الدقيقة أو تواكل وتساهل فيه فلم ينقل عنها شيئا إلا في مواضع قليلة جدا وهذا مع أنه يدرك منزلة تحقيقات إمام العصر ويقدرها وكل ذلك إن شاء الله نستدركه في الطبع الثاني والله الموفق .
ولما وصل إلى كتاب الحج هجم على الشيخ مرض عاقه عن التأليف فانتظر المجلس لعود صحته وعافيته سنة كاملة وبعد أن خاب الرجاء انتخب لتكميل حاشيته وانتهاج مسلكه في التصحيح صديقنا العالم الفاضل محمد يوسف الكاملفوري فتلا تلوه وحذا حذوه وقدر وفقه الله فيما أرى لأن يدرك شأوه في التحشية والتصحيح ثم اطلع المجلس على نسخة محفوظة في " المكتبة السعيدية " - بحيدر آباد ( دكن ) فأمر الفاضل الكاملفوري بمقابلة الكتاب بها فرحل إليها وقام شهرين حتى انتهت المقابلة ثم رأى المجلس نظرا إلى جلالة قدر الكتاب أن يطبع في القاهرة في ثوب قشيب حبا لظهوره في جمال وبهاء وسعة لنشره بين إخوان القاهرة وسائر البلاد العربية فأمر المجلس الفاضل المحترم السيد " أحمد رضا " مدير المجلس إلى أن يتمطي صهوة الرحيل إلى القاهرة لإنجاز هذه المهمة العلمية والدينية بمرآه كما يشاء وأحب المجلس أن أكون زميلا له فافتتح هذا السفر المبارك بالسفر إلى الحرمين زادهما الله شرفا وكرامة ( 1 ) وبقينا شهرا وبضعة أيام في مكة زادها الله تعظيما وصادفنا هناك نسخة مخطوطة من الكتاب في مكتبة الحرم المكي مكتوبة بيد الشيخ عبد الحق شيخ " الدلائل " ونسخة أخرى في مكتبة الشيخ عبد الوهاب الهندي فاغتنمنا الفرصة وقابلنا بهما عدة مواضع كانت لم تصحح وإذ فرغنا من زيارة الحرمين شددنا الرحل نحو القاهرة فنزلناها منتصف الصفر من العام الجاري وكنا على ثقة وطمأنينة من جهة التصحيح وألفينا في - دار الكتب المصرية - عدة نسخ من الكتاب منها نسخة في ستة مجلدات على الأول . والسادس تصحيحات وبعض حواش بقلم الحافظ ابن حجر ولم نحتفل بالمقابلة بها كثير احتفال لضيق الوقت والاستعجال في الطبع وظن الاستغناء عنها في أصل التصحيح . وشرعنا الطبع فبدا لنا في أثنائه أنه بقيت أغلاط فاحشة في الأسانيد والمتون جميعا تساهل فيها المصححان والمحشيان وآلمنا ذلك جدا وضقنا به صدرا لقلة الفرصة وعدم اتساع الظروف للمقابلة حيث كانت تصدر ملزمة كبيرة في - ست عشرة صفحة - كل يوم ومن العجيب أنا نجد في الحاشية تخريج للحديث وتفصيل المخرج بذكر الباب وتقييد الصفحة ويكون في الإسناد والمتن خطأ يذهل عنه المصححان ونراجع المخرج فنلقى الحديث هناك صحيحا لم يتوجه إليه المصححان في نسخة الكتاب ومثل هذا كثير ثم نجد أسماء مكررة في صفحة واحدة مثلا : " هزيل " . و " زريع " و " خيثم " مثلا . فيكون تارة - هذيل بالذال " وتارة " بالزاي " و - زريع - تارة " بالزاي " وتارة " بالذال وخيثم - تارة بتقديم التحتانية على المثلثة وأخرى بالعكس ولا يتوجه المصححان إلى تصحيحها وجعلها على نمط واحد وظاهر أن الزاي في الأوليين هنا وتقديم التحتانية في الثالث متعين فاضطررنا إلى جمع الكتب من الأصول المتعلقة به وألجئنا إلى المقابلة بنسخة دار الكتب وزالت الثقة على التصحيح السابق وخاب الرجاء وقام بأعباء هذا التصحيح الأخير للكتاب صديقنا الفاضل السيد " أحمد رضا " ولاقى فيه عناء وعنتا . ولا نغمض من منزلة تصحيح المصححين ما يستحقانه وإن لهما الفضل في التصحيح وصححا أكثر بكثير مما لم يصححا ونعلم أن ذلك لكثرة الأغلاط فوقع ما وقع ولم يبق من الأغلاط إلا نحو ربع منها غير أنا نحاول لفت النظر إلى عنايتنا بالتصحيح وإفراغ مجهودنا في مثل هذه الظروف الضيقة .
ثم إن الضغث على الإبالة أن فضيلة المحشي صحح نسخته التي يملكها وحشى على هوامشها وترك نسخة المجلس التي فوضها إليه المجلس لهذا الغرض ثم لم يسمح بنسخته بالإعارة مع شدة الحاجة إليها فألجئنا إلى نقل التصحيحات والتحشية ثم بقيت في النقل أغلاط وسقطات في العبارات فزاد الأمر غمة حتى اضطر المحشي إلى إرسال نسخته إلى القاهرة بالبريد ثم إنا نرى في كثير من المواضع الحواشي كالمذكرة غير مرتبة وغير مهذبة فافتقرنا في ترتيبها إلى زيادة كلمات ونقصها وقصارى القول : إنه استعرضت أمثال هذه الأمور المتعبة في أثناء شغل الطبع حتى عاقتنا عن كثير من المهمات العلمية التي حاولنا أن نقضيها في عهد الإقامة بالقاهرة ولم ندرك المقابلة بالالتزام مع نسخة دار الكتب إلا من الجزء الثاني نعم أدركنا كثيرا من الأغلاط في الجزء الأول حيث انتبهنا لها ولا سيما الملزمة الأولى فإنا أعدنا طبعها بسبب أغلاط فاحشة بقيت فيها على غرة منا بالتصحيح السابق ومن المشكل أن نذكر نماذج تلك التصحيحات ونكلف الناظرين على الثناء على كل لفظة لفظة ومن أجل هذا لم ننبه على الخطأ في الهوامش في الطبع السابق بل التزمنا التصحيح وعند اختلاف النسخ سلكنا مسلك الترجيح فإن لم يترجح جانب أشير الاختلاف في الهوامش ولا حاجة هنا إلى بسط الأمثلة ففي سبيل الله ما لاقينا من العنت البالغ والكبد في التصحيح وما بذلنا من المجهود البشري وعلمنا أن من أصعب الأمور أمر التصحيح ومع هذا لا ندعي أنا استوفينا حق التصحيح ولا ندعي أنه لا يجد الناظر في الكتاب خطأ وكيف وربما يكبو النظر ولكل جواد كبوة وربما يطرأ في المطبع مع غاية الاعتناء بتصحيح البروفات والفرخ بيد أنا ندعي أنا أفرغنا المجهود ووفقنا إلى خدمة خطيرة في مدة قصيرة قلما يوفق إليها أحد في مثل هذه الفرص الضيقة وكان غرضنا تقديم الكتاب إلى العلماء وطلبة العلم بأحسن أسلوب وأبرع منهاج وقد حصل ولله الحمد ولا علينا لو نتمثل بقول أبي الطيب : .
وما أنا بالباغي على الحب رشوة ... ضعيف هوى يبغي عليه ثواب .
_________ .
( 1 ) تفصل الرحلة هذه في كتاب " الرحلة " لصديقنا الفاضل " السيد أحمد رضا " في اللغة الأردية