112 - وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون .
- 113 - ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون .
يقول تعالى : وكما جعلنا لك يا محمد أعداء يخالفونك ويعادونك ويعاندونك جعلنا لكل نبي من قبلك أيضا أعداء فلا يحزنك ذلك كما قال تعالى : { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا } الآية وقال تعالى : { ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } وقال تعالى : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين } الآية . وقال ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : " إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي " ( هذا جزء من حديث طويل أخرجه البخاري في صحيحه في باب بدء الوحي ) والشيطان كل من خرج عن نظيره بالشر ولا يعادي الرسل إلا الشياطين من هؤلاء وهؤلاء قبحهم الله ولعنهم قال عبد الرزاق عن قتادة في قوله { شياطين الإنس والجن } قال : من الجن شياطين ومن الإنس شياطين يوحي بعضهم إلى بعض . قال قتادة : وبلغني أن أبا ذر كان يوما يصلي فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : " تعوذ يا أبا ذر من شياطين الإنس والجن " فقال : أو إن من الإنس شياطين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " نعم " ( قال ابن كثير : هذا منقطع بين قتادة وأبي ذر ) . وقال ابن جرير عن أبي ذر قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في مجلس قد أطال فيه الجلوس قال فقال : " يا أبا ذر هل صليت ؟ قلت : لا يا رسول الله . قال : " قم فاركع ركعتين " قال : ثم جئت فجلست إليه فقال : " يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شياطين الجن والإنس " ؟ قال قلت : لا يا رسول الله وهل للإنس من شياطين ؟ قال : " نعم هم شر من شياطين الجن " ( وهذا أيضا فيه انقطاع وروي متصلا عن أحمد وابن مردويه بمثله ) .
( طريق أخرى للحديث ) روى ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : " يا أبا ذر تعوذت من شياطين الجن والإنس " ؟ قال : يا رسول الله وهل للإنس من شياطين ؟ قال : " نعم : { شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } ( أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي أمامة مرفوعا ) فهذه طرق لهذا الحديث ومجموعها يفيد قوته وصحته والله أعلم وعن عكرمة في قوله : { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } قال : للإنس شياطين وللجن شياطين فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وقال السدي عن عكرمة : أما شياطين الإنس فالشياطين التي تضل الإنس وشياطين الجن التي تضل الجن يلتقيان فيقول كل واحد منهما لصاحبه : إني أضللت صاحبي بكذا وكذا فأضل أنت صاحبك بكذا وكذا فيعلم بعضهم بعضا ( رواه ابن جرير ) وقد روي نحو هذا عن ابن عباس فقال : إن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الإنس يضلونهم قال : فيلتقي شياطين الإنس وشياطين الجن فيقول هذا لهذا أضلله بكذا فهو قوله : { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } . ولما أخبر عبد الله بن عمر أن المختار ( المراد بالمختار هنا ( ابن عبيد ) قبحه الله الذي كان يزعم أنه يأتيه الوحي ) يزعم أنه يوحى إليه فقال : صدق قال الله تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم } .
وقوله تعالى : { يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا } أي يلقي بعضهم إلى بعض القول المزين المزخرف وهو المزوق الذي يغتر سامعه من الجهلة بأمره { ولو شاء ربك ما فعلوه } أي وذلك كله بقدر الله وقضائه وإرادته ومشيئته أن يكون لكل نبي عدو من هؤلاء { فذرهم } أي فدعهم { وما يفترون } أي يكذبون . أي دع أذاهم وتوكل على الله فإن الله كافيك وناصرك عليهم . وقوله تعالى : { ولتصغى إليه } أي ولتميل إليه قاله ابن عباس { أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة } أي قلوبهم وعقولهم وأسماعهم وقال السدي : قلوب الكافرين { وليرضوه } أي يحبوه ويريدوه وإنما يستجيب لذلك من لا يؤمن بالآخرة كما قال تعالى : { فإنكم وما تعبدون ... ما أنتم عليه بفاتنين ... إلا من هو صال الجحيم } وقال تعالى : { إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك } وقوله : { وليقترفوا ما هم مقترفون } قال ابن عباس وليكتسبوا ما هم مكتسبون وقال السدي وابن زيد : وليعملوا ما هو عاملون