17 - فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون .
يقول تعالى : لا أحد أظلم ولا أعتى ولا أشد إجراما { ممن افترى على الله كذبا } وتقول على الله وزعم أن الله أرسله ولم يكن كذلك فليس أحد أكبر جرما ولا أعظم ظلما من هذا ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء ؟ فإن من قال هذه المقالة صادقا أو كاذبا فلا بد أن الله ينصب عليه من الأدلة على بره أو فجوره ما هو أظهر من الشمس فإن الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلّم وبين مسيلمة الكذاب لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين الضحى وبين حندس الظلماء قال عبد الله بن سلام : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة انجفل الناس ( يعني قومه اليهود . وأما العرب وهم الأنصار فكانوا في أشد الغبطة والسرور ) فكنت فيمن انجفل فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب قال : فكان أول ما سمعته يقول : " يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " ولما وفد ( ضمام بن ثعلبة ) على رسول الله صلى الله عليه وسلّم في قومه بني سعد بن بكر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما قاله : من رفع هذه السماء ؟ قال : " الله " قال : ومن نصب هذه الجبال ؟ قال : " الله " قال : ومن سطح هذه الأرض ؟ قال : " الله " قال : فبالذي رفع هذه السماء ونصب هذه الجبال وسطح هذه الأرض آلله أرسلك إلى الناس كلهم ؟ قال : " اللهم نعم " ثم سأله عن الصلاة والزكاة والحج والصيام ويحلف عند كل واحدة هذه اليمين ويحلف له رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال له : صدقت والذي بعثك بالحق لا أزيد على ذلك ولا أنقص فقد أيقن بصدقه صلوات الله وسلامه عليه بما رأى وشاهد من الدلائل الدالة عليه قال حسان بن ثابت : .
لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بديهته تأتيك بالخبر .
وذكروا أن ( عمرو بن العاص ) وفد على مسيلمة وكان صديقا له في الجاهلية وكان عمرو لم يسلم بعد فقال له مسيلمة : ويحك يا عمرو ماذا أنزل على صاحبكم يعني رسول الله صلى الله عليه وسلّم في هذه المدة ؟ فقال : لقد سمعت أصحابه يقرأون سورة عظيمة قصيرة فقال : وما هي ؟ فقال : { والعصر إن الإنسان لفي خسر } إلى آخر السورة ففكر مسيلمة ساعة ثم قال : وأنا قد أنزل علي مثله فقال : وما هو ؟ فقال : ( يا وبر يا وبر إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر ) كيف ترى يا عمرو فقال له عمرو : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب . فإذا كان هذا من مشرك في حال شركه لم يشتبه عليه حال محمد صلى الله عليه وسلّم وصدقه وحال مسيلمة لعنه الله وكذبه فكيف بأولي البصائر والنهى وأصحاب العقول السليمة المستقيمة والحجى ؟ ولهذ قال تعالى : { فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون } وكذلك من كذب بالحق الذي جاءت به الرسل وقامت عليه الحجج لا أحد أظلم منه كما في الحديث : " أعتى للناس على الله رجل قتل نبيا أو قتله نبي "