115 - ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم .
وهذا والله أعلم فيه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلّم وأصحابه الذين أخرجوا من مكة وفارقوا مسجدهم ومصلاهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه فلما قدم المدينة وجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا ثم صرفه الله إلى الكعبة بعد ولهذا يقول تعالى : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : كان أول ما نسخ من القرآن القبلة . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما هاجر إلى المدينة وكان أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بضعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يحب قبلة إبراهيم وكان يدعو وينظر إلى السماء فأنزل الله : { قد نرى تقلب وجهك في السماء } إلى قوله : { فولوا وجوهكم شطره } فارتاب من ذلك اليهود وقالوا : { ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } فأنزل الله { قل لله المشرق والمغرب } وقال : { فأينما تولوا فثم وجه الله } وقال عكرمة : عن ابن عباس { فأينما تولوا فثم وجه الله } قال : قبلة الله أينما توجهت شرقا أو غربا وقال : مجاهد { فأينما تولوا فثم وجه الله } حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها الكعبة . وقال ابن جرير : وقال آخرون : بل أنزل الله هذه الآية قبل أن يفرض التوجه إلى الكعبة وإنما أنزلها ليعلم نبيه صلى الله عليه وسلّم وأصحابه أن له التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب لأنه لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية لأن له تعالى المشارق والمغارب وأنه لا يخلوا منه مكان كما قال تعالى : { ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا } قالوا : ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فرض عليهم التوجه إلى المسجد الحرام هكذا قال وفي قوله : وأنه تعالى لا يخلوا منه مكان إن أراد علمه تعالى فصحيح فإن علمه تعالى محيط بجميع المعلومات وأما ذاته فلا تكون محصورة في شيء من خلقه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذنا من الله أن يصلي ( المتطوع ) حيث توجه من شرق أو غرب في سفره لما روى عن ابن عمر أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك ويتأول هذه الآية : { فأينما تولوا فثم وجه الله ( رواه مسلم والترمذي والنسائي ) } .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآي في قوم عميت عليه القبلة فلم يعرفوا شطرها فصلو على أنحاء مختلفة فقال الله تعالى : لي المشارق والمغارب فأين وليتم وجوهكم فهناك وجهي وهو قبلتكم فيعلمكم بذلك أن صلاتكم ماضية لما روي عن عامر بن ربيعة عن أبيه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ليلة سوداء مظلمة فنزلنا منزلا فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا يصلي فيه فلما أن أصبحنا إذا نحن قد صلينا إلىغير القبلة فقلنا : يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة فأنزل الله تعالى : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ( رواه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي : هذا حديث حسن وليس إسناده بذاك ) } الآية .
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث سرية فأخذتهم ضبابة فلم يهتدوا إلى القبلة فصلوا لغير القبلة ثم استبان لهم بعد ما طلعت الشمس أنهم صلوا لغير القبلة فلما جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم حدثوه فأنزل الله تعالى هذه الآية : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } ( رواه ابن مردويه من حديث الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وفيه ضعف ) .
قال بن جرير : ويحتمل فأينما تولوا وجوهكم في دعائكم لي فهنالك وجهي أستجيب لكم دعاءكم . قال مجاهد : لما نزلت { ادعوني أستجب لكم } قالوا : إلى أين ؟ فنزلت { فأينما تولوا فثم وجه الله } ومعنى قوله : { إن الله واسع عليم } يسع خلقه كلهم بالكفاية والجود والإفضال وأما قوله : { عليم } فإنه يعن عليم بأعمالهم ما يغيب عنه منها شيء ولا يعزب عن علمه بل هو بجميعها عليم