فإن قيل ما معنى مدبرين وقد أغنى عنها ولوا قلت لا يغنى عنها ولوا فإن التولى قد يكون بجانب دون جانب بدليل قوله أعرض ونأى بجانبه وإن كان ذكر الجانب هنا مجازا ولا شك أنه سبحانه لما أخبر عنهم أنهم صم لا يسمعون أراد تتميم المعنى بذكر توليهم فى حال الخطاب لينفى عنهم الفهم الذى يحصل من الإشارة فإن الأصم يفهم بالإشارة ما يفهم السميع بالعبارة ثم إن التولى قد يكون بجانب مع لحاظه بالجانب الآخر فيحصل له إدراك بعض الإشارة فجعل الفاصلة مدبرين ليعلم أن التولى كان بجميع الجوانب بحيث صار ما كان مستقبلا مستدبرا فاحتجب المخاطب عن المخاطب أو صار من وراثه فخفيت عن عينه الإشارة كما صم أذناه عن العبارة فحصلت المبالغة من عدم الإسماع بالكلية وهذا الكلام وإن بولغ فيه بنفى الإسماع البتة فهو من إيغال الاحتياط الذى أدمجت فيه المبالغة فى نفى الاسماع .
وقد يأتى الاحتياط فى غير المقاطع من مجموع جمل متفرقة فى ضروب من الكلام شتى يحملها معنى واحد كقوله تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله الآية .
وقوله فأتوا بسورة من مثله .
وقوله فأتوا بعشر سور مثله كما يقول الرجل لمن يجحد ما يستحق على درهما ولا دانقا ولا حبة ولا كثيرا ولا قليلا ولو قال ما يستحق على شيئا لأغنى فى الظاهر لكن التفصيل أدل على الاحتياط وعلى شدة الاستتبعاد فى الإنكار .
ومنه قوله تعالى اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون فإن المعنى تم