العامل الثالث .
أن الإسلام أمرهم بالصدق ونهاهم عن الكذب إطلاقا فقال سبحانه يأيها الذين أمنوا أتقوا الله وكونوا مع الصدقين 9 التوبة 119 وأنت خبير بأن هذا الخطاب بهذه الصيغة في هذا المقام مع تقديم الأمر بالتقوى فيه إشارة إلى أن الصدق المأمور به من مقتضيات الإيمان ومن دعائم التقوى ويفهم من هذا أن من كذب وافترى فسبيله سبيل من كفر وطغى .
كما صرح سبحانه بذلك في قوله إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بأيت الله وأولئك هم الكذبون 16 النحل 105 .
ويقول النبي عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة .
وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار رواه ابن ماجه .
وعن صفوان بن سليم Bه قال قلنا يا رسول الله أيكون المؤمن جبانا قال نعم .
قلنا أفيكون بخيلا قال نعم .
قلنا أفيكون كذابا قال لا أخرجه مالك .
فانظر إلى الحديث الأول كيف جعل الصدق هاديا إلى البر وإلى الجنة وجعل الكذب هاديا إلى الفجور وإلى النار .
ثم انظر إلى الحديث الثاني كيف اعتبر الكذب أفحش من الجبن والبخل وأخرجه في هذه الصورة الشنيعة التي لا تجتمع هي والإيمان في نفس واحدة أبدا .
وستقضي العجب حين تعلم أن الرسول بالغ في تقبيح الكذب حتى في توافه الأشياء ومحقرات الأمور استمع إليه وهو ينهى عن الكذب في المزاح بهذه الطريقة الرادعة فيقول ويل للذي يحدث ليضحك منه القوم فيكذب ويل له ويل له رواه أبو داود والترمذي .
ثم استمع إليه وهو يتوعد من يكذب في منامه ويقول من كذب في حلم كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد بينهما أبدا .
قل لي بربك هل تلك الطبقة الأولى الممتازة التي سمعت ذلك وأضعاف ذلك بآذانها من فم رسولها والتي اعتنقت الإيمان بعد البحث والنظر واعتقدته طريقا إلى سعادتها وعزها والتي باعت أنفسها وأموالها لله بأن لها الجنة في نعيمها وخلودها .
نقول هل تلك الطبقة الكريمة ترضى بعد ذلك كله أن تركب رأسها وتنكص على أعقابها فتكذب على الله ورسوله أو لا تتحرى الصدق في كتاب الله وسنة رسوله ذلك شطط بعيد لا يجوز إلا على عقول المغفلين .
العامل الرابع .
أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا مغرمين بالتفقه والتعلم مولعين بالبحث