بسهم أو في العربية بقسط - وإن قل ذلك السهم أو نقص ذلك النصيب - فما أحسب انه يشتبه عليك الفرق بين براعة القرآن وبين ما نسخناه لك من كلام الرسول الله في خطبه ورسائله وما عساك تسمعه من كلامه ويتساقط إليك من ألفاظه وأقدر انك ترى بين الكلامين بونا بعيدا وأمدا مديدا وميدانا واسعا ومكانا شاسعا .
فان قلت لعله أن يكون تعمل للقرآن وتصنع لنظمه وشبه عليك الشيطان ذلك من خبثه - فتثبت في نفسك وارجع إلى عقلك واجمع لبك وتيقن أن الخطب يحتشد لها في المواقف العظام والمحافل الكبار والمواسم الضخام ولا يتجوز فيها ولا يستهان بها والرسائل إلى الملوك مما يجمع لها الكاتب جراميزه ويشمر لها عن جد واجتهاد فكيف يقع بها الإخلال وكيف تعرض للتفريط فستعلم لا محالة أن نظم القرآن من الأمر الإلهي وأن كلام النبي من الأمر النبوي .
فإذا أردت زيادة في التبين وتقدما في التعرف وإشرافا على الجلية وفوزا بمحكم القضية فتأمل - هداك الله - ما ننسخه لك من خطب الصحابة والبلغاء لتعلم أن نسجها ونسج ما نقلنا - من خطب النبي واحد وسبكها سبك غير مختلف وإنما يقع بين كلامه وكلام غيره ما يقع من التفاوت بين كلام الفصيحين وبين شعر الشاعرين وذلك أمر له مقدار معروف وحد - ينتهي إليه - مضبوط