دين التجارة .
أما دين التجارة فلأنه دين لزمه بسبب الشركة لأن البيع الصحيح اشتمل عليه عقد الشركة لأنه تجارة و كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فيما يلزمه بسبب الشركة و لهذا قالوا : إن البينة تسمع في ذلك على الشريك الذي لم يعقد لأن الدين لزمه شريكه لأن كفيل عن شريكه و البينة بالدين تسمع على الكفيل كما تسمع على المكفول عنه و كذا البيع الفاسد بدليل أن الأمر بالبيع يتناول الصحيح و الفاسد و كذا الأجرة لأن الإجارة تجارة .
و أما الغصب فلأن ضمانه في معنى التجارة لأن تقرر الضمان فيه يفيد ملك المضمون فكان في معنى ضمان البيع و الخلاف في الودائع و العواري و الإجارات في معنى الغصب لأنه من باب التعدي على مال الغير بغير إذن مالكه فكان في معنى الغصب فكان ضمانه ضمان الغصب .
و أما أروش الجنايات و المهر و النفقة و بدل الخلع و الصلح عن القصاص فلا يؤاخذ به شريكه لأنه ليس بضمان التجارة و لا في معنى ضمان التجارة أيضا لانعدام معنى معاوضة المال بالمال رأسا .
و روي عن أبي يوسف : أن ضمان الغضب و الاستهلاك لا يلزم إلا فاعله لأن ضمان جناية فأشبه ضمان الجناية على بني آدم و الجواب ما ذكرنا أن ضمان الغصب و ضمان الإتلاف في غير بني آدم ضمان معاوضة لأنه ضمان يملك به المضمون عوضا عنه بخلاف ضمان الجناية على بني آدم لأنه لا يملك به المضمون فلم يوجد فيه معنى المعاوضة أصلا .
و لو كفل أحدهما على إنسان فإن كفل عنه بمال يلزم شريكه عند أبي حنيفة و عندهما : لا يلزم و إن كفل بنفس لا يؤخذ بذلك شريكه في قولهم جميعا .
وجه قولهما : إن الكفالة تبرع فلا تلزم صاحبه كالهبة و الصدقة و الكفالة بالنفس و الدليل على أنها تبرع اختصاص جوازها بأهل التبرع حتى لا يجوز من الصبي و المكاتب و العبد المأذون و كذا تعتبر من الثلث إذا كان في حال المرض و الشركة لا تنعقد على التبرع و لأبي حنيفة Bه : أن الكفالة تقع تبرعا بابتدائها ثم تصير معاوضة بابتدائها لوجود التمليك حتى يرجع الكفيل على المكفول عنه بما كفل إذا كانت الكفالة بأمر المكفول عنه فقلنا لا تصح من الصبي و المأذون و المكاتب و يعتبر من الثلث عملا بالابتداء و يلزم شريكه عملا بالانتهاء .
و حقوق عقد تولاه أحدهما ترجع إليهما جميعا حتى لو باع أحدهما شيئا من مال الشركة يطالب غير البائع منهما بتسليم المبيع كما يطالب البائع و يطالب غير البائع منهما المشتري بتسليم الثمن و يجب عليه تسليمه كالبائع .
و لو اشترى أحدهما شيئا يطالب الآخر بالثمن كما يطالب المشتري و له أن يقبض المبيع كما للمشتري .
و لو وجد المشتري منهما عيبا بالمبيع فلصاحبه أن يرده بالعيب كما للمشتري .
و لو باع أحدهما سلعة من شركتهما فوجد المشتري بها عيبا فله أن يردها على أيهما شاء و لو أنكر العيب فله أن يحلف البائع على البتات و شريكه على العلم و لو أقر أحدهما نفذ إقراره على نفسه و شريكه .
و لو باعا سلعة من شركتهما ثم وجد المشتري بها عيبا فله أن يحلف كل واحد منهما على النصف الذي باعه على البتات و على النصف الذي باعه شريكه على العلم بيمين واحدة على العلم في قول محمد C .
و قال أبي يوسف : يحلف كل واحد منهما على البتات فيما باع و يسقط عن كل واحد منهما اليمين على العلم و هما جميعا في خراج التجارة و ضمانها سواء ففعل أحدهما فيها كفعلهما و قول أحدهما كقولهما و هما في الحقيقة شخصان و في أحكام التجارة كشخص واحد و لأحدهما أن يكاتب عبد التجارة أو يأذن له بالتجارة لأن تصرف كل واحد منهما فيما يعود نفعه إلى مال الشركة عام كتصرف الأب في مال الصغير كذا روي عن محمد أنه قال : كلما يجوز أن يفعله الإنسان فيما لا يملكه فالمفاوض فيه أجوز أمرا و معناه أن الأب يملك كتابة عند ابنه الصغير و إذنه بالتجارة مع أنه لا ملك له فيه رأسا فلأن يملك المفاوض أولى و لا يجوز له أن يعتق شيئا من عبيد التجارة على مال لأنه في معنى التبرع لأنه يعتق بمجرد القول و يبقي البدل في ذمة المفلس قد يسلم له و قد لا يسلم فكان في معنى التبرع و لهذا لا يملكه الأب في مال ابنه و لا يجوز له تزويج العبد لأنه ضرر محض لأن المهر و النفقة يتعلقان برقبته و تنقص به قيمته و يكون ولده لغيره فكان التزويج ضررا محضا فلا يملكه في ملك غيره .
و يجوز له أن يزوج الأمة لأن تزويج الأمة نفع محض لأنه يستحق المهر و الولد و يسقط عنه نفقتها و تصرف المفاوض نافذ في كل ما يعود نفعه إلى مال الشركة سواء كان من باب التجارة أو لا بخلاف الشريك شركة العنان فإن نفاذ تصرفه يختص بالتجارة على أصل أبي حنيفة و محمد .
و تزويج الأمة ليس من التجارة لأن التجارة معاوضة المال بالمال و لم يوجد فلا ينفذ و عند أبي يوسف : ينفذ كتصرف المفاوض لوجود النفع و يجوز له أن يدفع المال مضاربة لما ذكرنا في الشريك شركة عنان أنه يجوز له أن يستأجر من يعمل في مال الشركة بمال يستحقه الأجير بيقين فالدفع مضاربة أولى لأن المضارب لا يستحق الربح منها بيقين لجواز أن يحصل و أن لا يحصل و يجوز له أن يشارك شركة عنان في قول أبي يوسف و محمد لأن شركة العنان أخص من شركة المفاوضة فكانت دونها فجاز أن تتضمنها المفاوضة كما تتضمن العنان المضاربة لأنها دونها فتتبعها و لأن الأب يملك ذلك في مال ابنه فيملك المفاوض على شريكه من طريق الأولى .
و روى الحسن عن أبي حنيفة : أنه لا يجوز له ذلك لأنه يوجب للشريك الثالث حقا في مال شريكه و ذلك لا يجوز إلا بإذنه .
هذا إذا شارك عنان فأما إذا فاوض جاز عليه و على شريكه ذكره محمد في الأصل .
و قال أبي يوسف : لا يجوز و كذا في رواية الحسن عن أبي حنيفة .
و جه قول محمد : أن عقد المفاوضة عام فيصير تصرف كل واحد منهما كتصرف الآخر و لأبي يوسف أن المفاوضة مثل المفاوضة و الشيء لا يستتبع مثله و يجوز له أن يرهن و يرتهن على شريكه لأن الرهن هو إيفاء و الإرتهان استيفاء و كل واحد منهما يملك الإيفاء و الاستيفاء فيما عقده صاحبه أو ما وجب لهما من غصب على رجل أو كفالة لأن كل واحد منهما كفيل الآخر فيملك أن يستوفي حقوقه بالوكالة و ما وجب على أحدهما فلصاحب الدين أن يأخذ كل واحد منهما لأن كل واحد منهما كفيل عن الآخر و كل واحد منهما خصم عن صاحبه يطالب بما على صاحبه و يقام عليه البينة .
و يستخلف على علمه فيما هو من ضمان التجارة لأن الكفيل خصم فيما يدعى على المكفول عنه و يستحلف على علمه لأنه يمين على فعل الغير و ما اشتراه أحدهما من طعام لأهله أو كسوة أو ما لا بد له منه فذلك جائز و هو له خاصة دون صاحبه .
و القياس : أن يكون المشتري مشتركا بينهما لأن هذا مما يصح الاشتراك فيه كسائر الأعيان لكنهم استحسنوا أن يكون له خاصة للضرورة لأن ذلك مما لا منه فكان مستثنى من المفاوضة فاختص به المشتري لكن للبائع أن يطالب بالثمن أيهما شاء .
و إن وقع المشتري للذي اشتراه خاصة لأن هذا مما يجوز فيه الاشتراك و كل واحد منهما كفيل عن الآخر ببدل ما يجوز فيه الاشتراك إلا أنهم قالوا إن الشريك يرجع على شريكه بنصف ثمن ذلك لأنه قضى دينا عليه من ماله لا على وجه التبرع لأنه التزم ذلك فيرجع عليه و ليس له أن يشتري جارية للوطء أو للخدمة بغير إذن الشريك لأن الجارية مما يصح فيه الاشتراك و لا ضرورة تدعو إلى الانفراد بملكها فصارت كسائر الأعيان بخلاف الطعامو الكسوة فإن ثمة ضرورة فأخرجا عن عموم الشركة للضرورة و لا ضرورة في الجارية فبقيت داخلة تحت العموم فإن اشترى ليس له أن يطأها و لا لشريكه لأنها دخلت في الشركة فكانت بينهما فهذه جارية مشتركة بين اثنين فلا يكون لأحدهما أن يطأها .
فإن اشترى أحدهما جارية ليطأها بإذن شريكه فهي له خاصة و لم يذكر في كتاب الشركة إن الشريك يرجع عليه بشيء أو لا يرجع .
و ذكر في [ الجامع الصغير ] الخلاف فقال : عند أبي حنيفة لا يرجع عليه بشيء من الثمن و عندهما يرجع عليه بنصف الثمن .
وجه قولهما : إن الحاجة إلى الوطء متحققة فتلحق بالحاجة إلى الطعام و الكسوة فإذا اشتراها لنفسه خاصة وقعت له خاصة و صارت مستثناة عن عقد الشركة فقد نقد ما ليس بمشترك من مال الشركة فيرجع عليه شريكه بالنصف و لأبي حنيفة : أن الأصل في كل ما يحتمل الشركة إذا اشتراه أحد الشريكين أن يقع المشتري مشتركا بينهما من غير إذن جديد من الشريك بالشراء إلا فيما فيه ضرورة و هو ما لا بد له منه من الطعام و الكسوة و لا ضرورة في الوطء فوقع المشتري على الشركة بالإذن الثابت بأصل العقل من غير الحاجة إلى إذن آخر فلم يكن الإذن الجديد من الشريك لوقوع المشتري على الشركة لأنه وقع على الشركة بدونه فكان للتمليك كأنه قال اشتر جارية بيننا و قد ملكتك نصيبي منها فكانت الهبة متعلقة بالشراء فإذا اشترى و قبض صحت الهبة كما لو قال إن قبضت ما لي على فلان فقد وهبته لك فقبضه يملكه كذا هذا .
و إذا كان كذلك فقد نقد ثمن الواقع على الشركة من مال الشركة فلا يرجع على شريكه بشيء فإن اشترى جارية للوطء بإذن شريكه فاستولدها ثم استحقت فعلى الوطئ العقر يأخذ المستحق بالعقر أيهما شاء .
أما وجوب العقر فلا شك فيه لأن وطء ملك الغير في دار الإسلام لا يخلو عن أحد الغرامتين إما الحد و إما العقر و قد تعذر إيجاب الحد لمكان الشبهة و هي صورة البيع فيجب العقر .
و أما ولاية الأخذ من أيهما شاء فلأن هذا ضمان وجب بسبب الشراء و الضمان الواجب بسبب الشراء يلزم كل واحد منهما كالثمن لأن الشراء من التجارة فكان هذا ضمان التجارة بخلاف المهر في النكاح الصحيح و الفاسد لأنه مال وجب بسبب النكاح و النكاح ليس من التجارة فلا يدخل في الشركة و لو أقال أحدهما في بيع ما باعه الآخر جازت الإقالة عليهما لما ذكرنا أن الإقالة في معنى الشراء و هو يملك الشراء على الشركة فيملك الإقالة و لأن الشريك العنان يملك الإقالة فالمفاوض أولى