صلاة المريض .
و روي أنه إن عجز عن القعود يصلي على شقه الأيمن و وجهه إلى القبلة و هو مذهب إبراهيم النخعي و به أخذ الشافعي .
وجه هذا القول قوله تعالى : { و على جنوبكم } .
و قوله صلى الله عليه و سلم لعمران بن حصين [ فعلى جنبك تومىء إيماء ] و لأن استقبال القبلة شرط جواز الصلاة و ذلك يحصل بما قلنا و لهذا يوضع في اللحد هكذا ليكون مستقبلا للقبلة .
فأما المستلقي يكون مستقبل السماء و إنما يستقبل القبلة رجلاه فقط .
و لنا : ما روي [ عن ابن عمر Bهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال في المريض : إن لم يستطع قاعدا .
فعلى القفا يومىء إيماء فإن لم يستطع فالله أولى بقبول العذر ] .
و لأن التوجه إلى القبلة بالقدر الممكن فرض و ذلك في الاستلقاء لأن الإيماء هو تحريك الرأس فإذا صلى مستلقيا يقع إيماؤه إلى القبلة و إذا صلى على الجنب يقع منحرفا عنها و لا يجوز الانحراف عن القبلة من غير ضرورة و به تبين أن الأخذ بحديث ابن عمر أولى .
و قيل إن المرض الذي كان بعمران كان باسورا فكان لا يستطيع أن يستلقي على قفاه و المراد من الآية الاضطجاع .
يقال فلان وضع جنبه إذا نام و إن كان مستلقيا و هو الجواب عن التعلق بالحديث على أن الآية والحديث دليلنا لأن كل مستلق فهو مستلق على الجنب لأن الظهر متركب من الضلوع فكان له النصف من الجنبين جميعا ؟ و على ما يقوله الشافعي يكون على جنب واحد فكان ما قلناه أقرب إلى معنى الآية و الحديث فكان أولى .
و هذا بخلاف الوضع في اللحد لأنه ليس على الميت في اللحد فعل يوجب توجيهه إلى القبلة ليوضع مستلقيا فكان استقبال القبلة في الوضع على الجنب فوضع كذلك و لو قدر على القعود لكن نزع الماء من عينيه فأمر أن يستلقي أياما على ظهره و نهى عن القعود و السجود أجزأه أن يستلقي و يصلي بالإيماء .
و قال مالك : لا يجزئه .
و احتج بحديث ابن عباس Bهما أن طبيبا قال له بعدما كف بصره : لو صبرت أياما مستلقيا .
صحت عيناك فشاور عائشة و جماعة من الصحابة Bهم فلم يرخصوا له في ذلك و قالوا له .
أرأيت لو مت في هذه الأيام كيف تصنع بصلاتك ؟ .
و لنا : إن حرمة الأعضاء كحرمة النفس و لو خاف على نفسه من عدو أو سبع لو قعد جاز له أنا يصلي .
بالاستلقاء و كذا إذا خاف على عينيه و تأويل حديث ابن عباس Bهما أنه لم يظهر لهم صدق ذلك الطبيب فيما يدعي ثم إذا صلى المريض قاعدا بركوع و سجود أو بإيماء كيف يقعد أما في حال التشهد فإنه .
يجلس كما يجلس للتشهد بالإجماع و أما في حال القراءة و في حال الركوع روي عن أبي حنيفة أنه يقعد .
كيف شاء من غير كراهة إن شاء محتبيا و إن شاء متربعا و إن شاء على ركبتيه كما في التشهد .
و روي عن أبي يوسف أنه إذا افتتح تربع فإذا أراد أن يركع فرش رجله اليسرى و جلس عليها .
و روي عنه أنه يتربع على حاله و إنما ينقض ذلك إذا أراد السجدة .
و قال زفر : يفترش رجله اليسرى في جميع صلاته و الصحيح ما روي عن أبي حنيفة لأن عذر المرض أسقط عنه الأركان فلأن يسقط عنه الهيآت أولى و إن كان قادرا على القيام دون الركوع و السجود يصلي قاعدا بالإيماء و إن صلى قائما بالإيماء أجزأه و لا يستحب له ذلك و قال زفر و الشافعي : لا يجزئه إلا أن يصلي قائما .
و احتجا بما روينا [ عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لعمران بن حصين Bه : فإن لم تسطع فقاعدا ] علق الجواز قاعدا بشرط العجز عن القيام و لا عجز و لأن القيام ركن فلا يجوز تركه مع القدرة عليه كما لو كان قادرا على القيام و الركوع و السجود و الإيماء حالة القيام مشروع في الجملة بأن كان الرجل في طين .
و ردغة راجلا أو في حالة الخوف من العدو و هو راجل فإنه يصلي قائما بالإيماء كذا ههنا .
و لنا أن الغالب إن من عجز عن الركوع و السجود كان عن القيام أعجز لأن الانتقال من القعود إلى القيام أشق من الانتقال من القيام إلى الركوع و الغالب ملحق بالمتيقن في الأحكام فصار كأنه عجز عن .
الأمرين إلا أنه متى صلى قائما جاز لأنه تكلف فعلا ليس عليه فصار كما لو تكلف الركوع جاز و إن لم يكن عليه كذا ههنا و لأن السجود أصل وسائر الأركان كالتابع له و لهذا كان السجود معتبرا بدون القيام كما في سجدة التلاوة و ليس القيام معتبرا بدون السجود بل لم يشرع بدونه فإذا سقط الأصل سقط التابع ضرورة و لهذا سقط الركوع عمن سقط عنه السجود و إن كان قادرا على الركوع وكان الركوع بمنزلة التابع له فكذا القيام بل أولى لأن الركوع أشد تعظيما و إظهارا لذل العبودية من القيام ثم لما جعل تابعا له و سقط بسقوطه فالقيام أولى إلا أنه لو تكلف و صلى قائما يجوز لما ذكرنا و لكن لا يستحب لأن القيام بدون السجود غير مشروع بخلاف ما إذا كان قادرا على القيام و الركوع و السجود لأنه لم يسقط عنه الأصل فكذا التابع .
و أما الحديث فنحن نقول بموجبه إن العجز شرط لكنه موجود ههنا نظرا إلى الغالب لما ذكرنا أن الغالب هو العجز في هذه الحالة و القدرة في غاية الندرة و النادر ملحق بالعدم ثم المريض إنما يفارق الصحيح فيما يعجز عنه فأما فيما يقدر عليه فهو كالصحيح لأن المفارقة للعذر فتتقدر بقدر العذر حتى لو صلى قبل وقتها أو بغير وضوء أو بغير قراءة عمدا أو خطأ و هو يقدر عليها لم يجزه و إن عجز عنها أوما بغير قراءة لأن القراءة ركن فتسقط بالعجز كالقيام .
ألا ترى أنها سقطت في حق الأمي و كذا إذا صلى لغير القبلة متعمدا لذلك لم يجزه و إن كان ذلك خطأ منه أجزأه بأن اشتبهت عليه القبلة و ليس بحضرته من يسأله عنها فتحرى و صلى ثم تبين أنه أخطأ كما في حق الصحيح لأن كان وجه المريض إلى غير القبلة و هو لا يجد من يحول وجهه إلى القبلة و لا يقدر على ذلك بنفسه يصلي كذلك لأنه ليس في وسعه إلا ذلك و هل يعيدها إذا برىء ؟ روي عن محمد بن مقاتل الرازي أنه يعيدها .
و أما في ظاهر الجواب فلا إعادة عليه لأن العجز عن تحصيل الشرائط لا يكون فوق العجز عن تحصيل الأركان و ثمة لا تجب الإعادة فههنا أولى و لو كان بجبهته جرح لا يستطيع السجود على الجبهة لم يجزه الايماء و عليه السجود على الأنف لأن الأنف مسجد كالجبهة خصوصا عند الضرورة على ما مر و هو قادر على السجود عليه فلا يجزئه الإيماء .
و لو عجز عن الإيماء - و هو تحريك الرأس - فلا شيء عليه عندنا .
و قال زفر : يومىء بالحاجبين أولا فإن عجز فبالعينين فإن عجز فبقلبه .
و قال الحسن بن زياد : يومىء بعينيه و بحاجبيه و لا يومىء بقلبه .
وجه قول زفر : أن الصلاة فرض دائم لا يسقط إلا بالعجز فما عجز عنه يسقط و ما قدر عليه يلزمه بقدره فإذا قدر بالحاجبين كان الإيماء بهما أولى لأنهما أقرب إلى الرأس فإن عجز الآن يومىء بعينيه لأنهما من الأعضاء الظاهرة و جميع البدن ذو حظ من هذه العبادة فكذا العينان فإن عجز فبالقلب لأنه في الجملة ذو حظ من هذه العبادة و هو النية .
ألا ترى أن النية شرط صحتها فعند العجز تنتقل إليه .
وجه قول الحسن : أن أركان الصلاة تؤدى بالأعضاء الظاهرة فأما الباطنة فليس بذي حظ من أركانها .
بل هو ذو حظ من الشرط و هو النية و هي قائمة أيضا عند الإيماء فلا يؤدى به الأركان و الشرط جميعا .
و لنا : ما روي [ عن ابن عمر Bهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في المريض : إن لم يستطع قاعدا فعلى القفا يومىء إيماء فإن لم يستطع فالله أولى بقبول العذر ] .
أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أنه معذور عند الله تعالى في هذه الحالة فلو كان عليه الإيماء بما ذكرتم لما كان معذورا و لأن الإيماء ليس بصلاة حقيقة و لهذا لا يجوز التنفل به في حالة الاختيار و لو كان صلاة لجاز كما لو تنفل قاعدا إلا أنه أقيم مقام الصلاة بالشرع و الشرع ورد بالإيماء بالرأس فلا يقام غيره مقامه ثم إذا سقطت عنه الصلاة بحكم العجز فإن مات من ذلك المرض لقي الله تعالى و لا شيء عليه لأنه لم يدرك وقت القضاء و أما إذا برأ و صح فإن كان المتروك صلاة يوم و ليلة أو أقل فعليه القضاء بالإجماع و إن كان أكثر من ذلك فقال بعض مشايخنا : يلزمه القضاء أيضا لأن ذلك لا يعجزه عن فهم الخطاب فوجبت عليه الصلاة فيؤاخذ بقضائها بخلاف الإغماء لأنه يعجزه عن فهم الخطاب فيمنع الوجوب عليه .
و الصحيح : أنه لا يلزمه القضاء لأن الفوائت دخلت في حد التكرار و قد فاتت لا بتضييعه القدرة بقصده فلو وجب عليه قضاؤها لوقع في الحرج و به تبين أن الحال لا يختلف بين العلم و الجهل لأن معنى الحرج لا يختلف و لهذا سقطت عن الحائض و إن لم يكن الحيض يعجزها عن فهم الخطاب و على هذا إذا أغمي عليه يوما و ليلة أو أقل ثم أفاق قضى ما فاته و إن كان أكثر من يوم و ليلة لا قضاء عليه عندنا استحسانا .
قال بشر : الإغماء ليس بمسقط حتى يلزمه القضاء و إن طالت مدة الإغماء .
و قال الشافعي : الإغماء يسقط إذا استوعب وقت صلاة كامل و تذكر هذه المسائل في موضع آخر عند .
بيان ما يقضى من الصلاة التي فاتت عن وقتها و ما لا يقضى منها إن شاء الله تعالى .
و لو شرع في الصلاة قاعدا و هو مريض ثم صح و قدر على القيام فإن كان شروعه بركوع و سجود بنى .
في قول أبي حنيفة و أبي يوسف استحسانا و عند محمد يستقبل قياسا بناء على أن عند محمد القائم لا يقتدي بالقاعد فكدا لا يبني آخر صلاته على أولها في حق نفسه .
و عندهما : يجوز الاقتداء فيجوز البناء و المسألة تأتي في موضعها و إن كان شروعه بالإيماء يستقبل عند علمائنا الثلاثة و عند زفر : يبني لأن من أصله أنه يجوز اقتداء الراكع الساجد بالمومىء فيجوز البناء و عندنا لا يجوز الاقتداء فلا يجوز البناء على ما يذكر .
و أما الصحيح إذا شرع في الصلاة ثم عرض له مرض بنى على صلاته على حسب إمكانه قاعدا أو مستلقيا في ظاهر الرواية .
و روي عن أبي حنيفة : أنه إذا صار إلى الإيماء يستقبل لأنهما فرضان مختلفان فعلا فلا يجوز أداؤهما بتحريمة واحدة كالظهر مع العصر .
و الصحيح ظاهر الرواية لأن بناء آخر الصلاة على أول الصلاة بمنزلة بناء صلاة المقتدي على صلاة الإمام و ثمة يجوز اقتداء المومىء بالصحيح لما يذكر فيجوز البناء ههنا و لأنه لو بنى لصار مؤديا بعض الصلاة كاملا و بعضها ناقصا و لو استقبل لأدى الكل ناقصا و لا شك أن الأول أولى .
و لو رفع إلى وجه المريض وسادة أو شيء فسجد عليه من غير أن يومىء لم يجز لأن الفرض في حقه الإيماء ولم يوجد و يكره أن يفعل هذا لما روي [ أن النبي صلى الله عليه و سلم دخل على مريض يعوده فوجده يصلي كذلك فقال : إن قدرت أن تسجد على الأرض فاسجد و إلا فأوم برأسك ] .
و روي أن عبد الله بن مسعود دخل على أخيه يعوده فوجده يصلي و يرفع إليه عود فيسجد عليه فنزع ذلك من يد من كان في يده و قال : هذا شيء عرض لكم الشيطان أوم لسجودك .
و روي أن ابن عمر Bهما رأى ذلك من مريض فقال : أتتخذون مع الله آلهة أخرى فإن فعل ذلك ينظر إن كان يخفض رأسه للركوع شيئا ثم للسجود ثم يلزق بجبينه يجوز لوجود الإيماء لا للسجود على ذلك الشيء فإن كانت الوسادة موضوعة على الأرض و كان يسجد عليها جازت صلاته لما روي [ أن أم سلمة كانت تسجد على مرفقة موضوعة بين يديها لرمد بها ولم يمنعها رسول الله صلى الله عليه و سلم ] .
و كذلك الصحيح إذا كان على الراحلة و هو خارج المصر و به عذر مانع من النزول عن الدابة من خوف العدو أو السبع أو كان في طين أو ردغة يصلي الفرض على الدابة قاعدا بالإيماء من غير ركوع و سجود لأن عند اعتراض هذه الأعذار عجز عن تحصيل هذه الأركان من القيام و الركوع و السجود فصار كما لو عجز بسبب المرض و يومىء إيماء لما روي في حديث [ جابر Bه أن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يومىء على راحلته و يجعل السجود أخفض من الركوع ] لما ذكرنا .
و لا تجوز الصلاة على الدابة بجماعة سواء تقدمهم الإمام أو توسطهم في ظاهر الرواية .
و روي عن محمد أنه قال : استحسن أن يجوز اقتداؤهم بالإمام إذا كانت دوابهم بالقرب من دابة الإمام على وجه لا يكون بينهم و بين الإمام فرجة إلا بقدر الصف بالقياس على الصلاة على الأرض .
و الصحيح جواب ظاهر الرواية لأن اتحاد المكان من شرائط صحة الاقتداء ليثبت صحة الاقتداء اتحاد الصلاتين .
تقديرا بواسطة اتحاد المكان و هذا ممكن على الأرض لأن المسجد جعل كمكان واحد شرعا و كذا في الصحراء تجعل الفرج التي بين الصفوف مكان الصلاة لأنها تشغل بالركوع و السجود أيضا فصار المكان متحدا و لا يمكن على الدابة لأنهم يصلون عليها بالإيماء من غير ركوع و سجود فلم تكن الفرج إلى بين الصفوف و الدواب مكان الصلاة فلا يثبت اتحاد المكان تقديرا ففات شرط صحة الاقتداء فلم يصح و لكن تجوز صلاة الإمام لأنه منفرد حتى لو كانا على دابة واحدة في محمل واحد أو في شقي محمل واحد كل .
واحد منهما في شق على حدة فاقتدى أحدهما بالآخر جاز لاتحاد المكان