القسم الثاني من ـ شرط النفاذ أنواع .
و ذكر في الأصل إذا استأجر علو منزل ليبني عليه لا يجوز في قياس قول أبي حنيفة لأن البناء عليه يختلف في الخفة و الثقل و الثقيل منه يضر بالعلو و الضرر لا يدخل في العقد لأن الأجير لا يرضى به فكان مستثنى من العقد دلالة و لا ضابط له فصار محل المعقود عليه مجهولا بخلاف ما إذا استأجر أرضا ليبني عليها أنه يجوز لأن الأرض لا تتأثر لثقل البناء و خفته و يجوز في قياس قول أبي يوسف و محمد لأن البناء المذكور ينصرف إلى المتعارف و الجواب ما ذكرنا أنه ليس لذلك حد معلوم .
و على هذا يخرج ما إذا استأجر شربا من نهر أو مسيل ماء في أرض أنه لا يجوز لأن قدر ما يشغل الماء من النهر و الأرض غير معلوم .
و لو استأجر نهرا ليسوق منه الماء إلى أرض له فيسقيها لم يجز و ذكر في الأصل إذا استأجر نهرا يابسا يجري فيه الماء إلى أرضه أو رحى لا يجوز في قول أبي حنيفة و أبي يوسف و محمد و قال أرأيت لو استأجر ميزابا ليسيل فيه ماء المطر على سطح المؤاجر ألم يكن هذا فاسدا .
و ذكر هشام عن محمد : فيمن استأجر موضعا معلوما من أرض مؤقتا بوقت معلوم يسيل فيه ماءه أنه يجوز فصار عن محمد روايتان .
وجه هذه الرواية : أن المانع جهالة البقعة و قد زالت الجهالة بالتعيين .
وجه الرواية المشهورة : و هي قول أبي حنيفة و أبي يوسف : أن مقدار ما يسيل من الماء في النهر و المسيل مختلف و الكثير منه مضر بالنهر و السطح و المضر منه مستثنى من العقد دلالة و غير المضر غير مضبوط فصار محل المعقود عليه مجهولا و لو استأجر ميزابا ليركبه في داره كل شهر بشيء مسمى جاز لأن الميزاب المركب في داره لا تختلف منفعته بكثرة ما يسيل فيه و قلته فكان محل المعقود عليه معلوما .
و لو استأجر بالوعة ليصب فيها وضوأ لم يجز لأن مقدار ما يصيب فيها من الماء مجهول و الضرر يختلف فيه بقلته و كثرته فكان محل المعقود عليه مجهولا و على هذا يخرج أيضا ما إذا استأجر حائطا ليضع عليه جذوعا أو يبني عليه سترة أو يضع فيه ميزابا أنه لا يجوز لأن وضع الجذع و بناء السترة يختلف باختلاف الثقل و الخفة و الثقيل منه يضر الحائط و الضرر مستثنى من العقد دلالة و ليس لذلك المضر حد معلوم فيصير محل المعقود عليه مجهولا .
و كذلك لو استأجر من الحائط موضع كوة ليدخل عليه الضوء أو موضعا من الحائط ليتد فيه وتدا لم يجز لما قلنا .
فإن قيل : أليس أنه لو استأخر دابة بغير عينها يجوز و إن كان المعقود عليه مجهولا لجهالة محله .
فالجواب : أن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لحاجة الناس إلى سقوط اعتبارها لأن المسافر لو استأجر دابة بعينها فربما تموت الدابة في الطريق فتبطل الإجارة بموتها و لا يمكنه المطالبة بدابة أخرى فيبقى في الطريق فيقضي بغير حمولة فيتضرر به فدعت الضرورة إلى الجواز و إسقاط اعتبار هذه الجهالة لحالة الناس فلا تكون الجهالة مفيضة إلى المنازعة كجهالة المدة و قدر الماء الذي يستعمل في الحمام .
و قال هشام : سألت محمدا عن الإطلاء بالنورة بأن قال : أطليك بدانق و لا يعلم بما يطليه من غلظه و نحافته ؟ .
قال : هو جائز لأن مقدار البدن معلوم بالعادة و التفاوت فيه يسير لا يفضي إلى المنازعة و لأن الناس يتعاملون ذلك من غير نكير فسقط اعتبار هذه الجهالة بتعامل الناس .
و منها : بيان المدة في إجارة الدور والمنازل و البيوت و الحوانيت و في استئجار الظئر لأن المعقود عليه لا يصير معلوم القدر بدونه فترك بيانه يفضي إلى المنازعة و سواء قصرت المدة أو طالت من يوم أو شهر أو سنة أو أكثر من ذلك بعد أن كانت معلومة و هو أظهر أقوال الشافعي و في بعضها أنه لا يجوز أكثر من سنة و في بعضها أنه لا يجوز أكثر من ثلاثين سنة و القولان لا معنى لهما لأن المانع إن كان هو الجهالة فلا جهالة و إن كان عدم الحاجة فالحاجة قد تدعو إلى ذلك سواء عين اليوم أو الشهر أو السنة أو لم يعين و يتعين الزمان الذي يعقب العقد لثبوت حكمه و قال الشافعي : لا يصح العقد ما لم يعين الوقت الذي يلي العقد نصا .
وجه قوله : أن قوله يوما أو شهرا أو سنة مجهول لأنه اسم لوقت منكر و جهالة الوقت توجب جهالة المعقود عليه و ليس في نفس العقد ما يوجب تعيين بعض الأوقات دون بعض فيبقى مجهولا فلا بد من التعيين .
و لنا : أن التعيين قد يكون نصا و قد يكون دلالة و قد وجد ههنا دلالة التعيين من وجهين : .
أحدهما : أن الإنسان إنما يعقد عقد الإجارة للحاجة و الحاجة عقيب العقد قائمة .
و الثاني : أن العاقد يقصد بعقده الصحة و لا صحة لهذا العقد إلا بالصرف في الشهر الذي يعقب العقد فيتعين بخلاف ما إذا قال لله علي أن أصوم شهرا أو أعتكف شهرا أن له أن يصوم و يعتكف أي شهر أحب و لا يتعين الشهر الذي يلي النذر لأن تعين الوقت ليس بشرط لصحة النذر فوجب المنذور به في شهر منكر فله أن يعين أي شهر شاء .
و لو آجر داره شهرا أو شهورا معلومة فإن وقع العقد في غرة الشهر يقع على الأهلة بلا خلاف حتى لو نقص الشهر يوما كان عليه كمال الأجرة لأن الشهر اسم للهلال و إن وقع بعد ما مضى بعض الشهر ففي إجارة الشهر يقع على ثلاثين يوما بالإجماع لتعذر اعتبار الأهلة فتعتبر بالأيام .
و أما في إجارة الشهر ففيها روايتان عن أبي حنيفة وفي رواية اعتبر الشهور كلها بالأيام و في رواية : اعتبر تكميل هذا الشهر بالأيام من الشهر الأخير و الباقي بالأهلة و هكذا ذكر في الأصل فقال إذا استأجر سنة أولها هذا اليوم و هذا اليوم لأربعة عشر من الشهر فإنه يسكن بقية هذا الشهر وأحد عشر شهرا بالأهلة و ستة عشر يوما من الشهر الأخير و هذا غلط وقع من الكاتب و الصحيح أن يقال : و أربعة عشر يوما لأن ستة عشر يوما قد سكن فلم يبق لتمام الشهر بالأيام إلا أربعة عشر يوما .
و هكذا ذكر في بعض النسخ و إنما يسكن ستة عشر يوما إذا كان سكن أربعة عشر يوما و هو قول أبي يوسف و محمد .
و وجهه : ما ذكرنا في كتاب الطلاق لأن اسم الشهور للأهلة إذ الشهر اسم للهلال لغة إلا أنه لا يمكن اعتبار الأهلة في الشهر الأول فاعتبر فيه الأيام و يمكن فيما بعده فيعمل بالأصل و لأن كل جزء من أجزاء المنفعة معقود عليه لأنه يتجدد و يحدث شيئا فشيئا فيصير عند تمام الشهر الأول كأنه عقد الإجارة ابتداء فيعتبر بالأهلة بخلاف العدة أنه يعتبر فيها الأيام على إحدى الروايتين لأن كل جزء من أجزاء العدة ليس بعدة و لأن العدة فيها حق الله تعالى فاعتبر فيها زيادة العدد احتياطا و الإجارة حق العبد فلا يدخله الاحتياط .
وجه الرواية الأخرى : أن الشهر الأول يكمل بالأيام بلا خلاف و إنما يكمل بالأيام من الشهر الثاني فإذا كمل بالأيام من الشهر الثاني يصير أول الشهر الثاني بالأيام فيكمل من الشهر الثالث و هكذا إلى آخر الشهور .
و لو قال : أجرتك هذه الدار سنة كل شهر بدرهم جاز بالإجماع لأن المدة معلومة و الأجرة معلومة و لا يملك أحدهما الفسخ قبل تمام السنة من غير عذر و لو لم يذكر السنة فقال أجرتك هذه الدار كل شهر بدرهم جاز في شهر واحد عند أبي حنيفة و هو الشهر الذي يعقب العقد كما في بيع العين بأن قال بعت منك هذه الصبرة كل قفيز منها بدرهم أنه لا يصح منها إلا في قفيز واحد عنده لأن جملة الشهور مجهولة فأما الشهر الأول فمعلوم و هو الذي يعقب العقد .
و ذكر القدوري أن الصحيح من قول أبي يوسف و محمد أنه لا يجوز أيضا و فرقا بين الإجارة و بين العين من حيث إن كل شهر لا نهاية له فلا يكون المعقود عليه معلوما بخلاف الصبرة لأنه يمكن معرفة الجملة بالكيل و عامة مشايخنا قالوا تجوز هذه الإجارة على قولهما كل شهر بدرهم كما في بيع الصبرة كل قفيز بدرهم و في بيع المذروع كل ذراع بدرهم .
و عند أبي حنيفة : لا يجوز البيع في المذروع في الكل لا في ذراع واحد و لا في الباقي .
و في المكيل و الموزون يجوز في واحد و لا يجوز في الباقي في الحال إلا إذا علم المشتري جملته في المجلس لأن بيع قفيز من صبرة جائز لأن الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لعدم التفاوت بين قفيز و قفيز فأما بيع ذراع من ثوب فلا يجوز لتفاوت في أجزاء الثوب فيفضي إلى المنازعة .
و قال الشافعي : هذه الإجارة فاسدة و اعتبرها ببيع كل ثوب من هذه الأثواب بدرهم و هذا الاعتبار غير سديد لأن الثياب تختلف في أنفسها اختلافا فاحشا و لا يمكن تعيين واحد منها لاختلافها فأما الشهور فإنها لا تختلف بتعيين واحد منها للإجارة عند أبي حنيفة و هو الشهر الأول لما بينا و إذا جاز في الشهر الأول لا غير عند أبي حنيفة فلكل واحد منهما أن يترك الإجارة عند تمام الشهر الأول فإذا دخل الشهر الثاني و لم يترك أحدهما انعقدت الإجارة في الشهر الثاني لأنه إذا مضى الشهر الأول و لم يترك أحدهما فقد تراضيا على انعقاد العقد في الشهر الثاني فصارا كأنهما جددا العقد و كذا هذا عند مضي كل شهر بخلاف ما إذا أجر شهرا وسكت و لم يقل كل شهر لأن هناك لم يسبق منه شيء يبني عليه العقد في الشهر الثاني .
ثم اختلف مشايخنا في وقت الفسخ و كيفيته : قال بعضهم إذا أهل الهلال يقول أحدهما على الفور فسخت الإجارة فإذا قال ذلك لا ينعقد في الشهر الثاني و إن سكتا عنه انعقدت .
و قال بعضهم : يفسخ أحدهما الإجارة في الحال فإذا جاء رأس الشهر عمل ذلك الفسخ السابق و قال بعضهم : يفسخ أحدهما ليلة الهلال أو يومها و إن سكتا حتى غربت الشمس من اليوم الأول انعقدت الإجارة في الشهر الثاني و هذا أصح الأقاويل و معنى الفسخ ههنا هو منع انعقاد الإجارة في الشهر الثاني لأنه رفع العقد الموجود من الأصل .
و لو استأجر دلوا و بكرة ليسقي غنمه و لم يذكر المدة لم يجز لأنه قدر الزمان الذي يسقي فيه الغنم غير معلوم فكان قدر المعقود عليه مجهولا و إن بين المدة جاز لأنه صار معلوما ببيان المدة و الله عز و جل أعلم .
و أما بيان ما يستأجر له في هذا النوع من الإجارة أعنى إجارة المنازل و نحوها فليس بشرط حتى لو استأجر شيئا من ذلك و لم يسم ما يعمل فيه جاز و له أن يسكن فيه نفسه و مع غيره و له أن يسكن فيه غيره بالإجارة و الإعارة و له أن يضع فيه متاعا و غيره غير أنه لا يجعل فيه حدادا و لا قصارا و لا طحانا و لا ما يضر بالبناء و يوهنه و إنما كان كذلك لأن الإجارة شرعت الانتفاع و الدور و المنازل و البيوت و نحوها معدة للانتفاع بها بالسكنى و منافع العقار المعدة للسكنى متقاربة لأن الناس لا يتفاوتون في السكنى فكانت معلومة من غير تسمية .
و كذا المنفعة لا تتفاوت بكثرة السكان و قلتهم إلا تفاوتا يسيرا و أنه ملحق بالعدم و وضع المتاع من توابع السكنى .
و ذكر في الأصل أن له أن يربط في الدار دابته و بعيره و شاته لأن ذلك من توابع السكنى و قيل إن هذا الجواب على عادة أهل الكوفة و الجواب فيه يختلف باختلاف العادة فإن كان في موضع جرت العادة بذلك فله ذلك و إلا فلا و إنما لم يكن له أن يعقد فيه من يضر بالبناء و يوهنه من القصار و الحداد و الطحان لأن ذلك إتلاف العين و أنه لم يدخل تحت العقد إذ الإجارة بيع المنفعة لا بيع العين و لأن مطلق العقد ينصرف إلى المعتاد .
و الظاهر أن الحانوت الذي يكون في صف البزازين أنه لا يؤاجر لعمل الحداد و القصار و الطحان فلا ينصرف مطلق العقد إليه إذ المطلق محمول على العادة فلا يدخل غيره في العقد إلا بالتسمية أو بالرضا حتى لو آجر حانوتا في صف الحدادين من حداد يدخل عمل الحدادة فيه من غير تسمية للعادة و إنما كان له أن يؤاجر من غيره و يعير لأنه ملك المنفعة فكان له أن يؤاجر من غيره بعوض و بغير عوض .
و أما في إجارة الأرض فلا بد فيها من بيان ما تستأجر له من الزراعة و الغرس و البناء و غير ذلك فإن لم يبين كانت الإجارة فاسدة إلا إذا جعل له أن ينتفع بها بما شاء .
و كذا إذا استأجرها للزراعة فلا بد من بيان ما يزرع فيها أو يجعل له أن يزرع فيها ما شاء و إلا فلا يجوز العقد لأن منافع الأرض تختلف باختلاف البناء و الغرس و الزراعة .
و كذا المزروع يختلف منه ما يفسد الأرض و منه ما يصلحها فكان المعقود عليه مجهولا جهالة مفضية إلى المنازعة فلا بد من البيان بخلاف السكنى فإنها لا تختلف و أما في إجارة الدواب فلا بد فيها من بيان أحد الشيئين المدة أو المكان فإن لم يبين أحدهما فسدت لأن ترك البيان يفضي إلى المنازعة .
و على هذا يخرج ما إذا استأجر دابة يشيع عليها رجلا أو يتلقاه أن الإجارة فاسدة إلا أن يسمي موضعا معلوما لما قلنا .
و كذا إذا استأجرها إلى الجبانة لأن الجبانة تختلف أولها و أوسطها و آخرها لأنها موضع واسع تتباعد أطرافها و جوانبها بخلاف ما إذا استأجر دابة إلى الكوفة أنه يصح العقد و إن كان أطرافها و جوانبها متباعدة لأن المكان هناك معلوم بالعادة و هو منزله الذي بالكوفة لأن الإنسان إذا استأجر إلى بلده فإنما يستأجر إلى بيته .
ألا ترى أنه ما جرت العادة بين المكاريين بطرح الحمولات على أول جزء من البلد فصار منزله بالكوفة مذكورا دلالة و المذكور دلالة كالمذكور نصا و لا عادة في الجبانة على موضع بعينه حتى يحمل العقد عليه حتى لو كان في الجبانة موضع لا يركب إلا إليه يصح العقد و ينصرف إليه كما يصح إلى الكوفة و لو تكاراها بدرهم يذهب عليها إلى حاجة له لم يجز ما لم يبين المكان لأن الحوائج تختلف : منها ما ينقضي بالركوب إلى موضع و منها ما لا ينقضي إلا بقطع مسافة بعيدة فكانت المنافع مجهولة فتفسد الإجارة .
و ذكر في الأصل إذا تكارى دابة من الفرات إلى جعفي و جعفي قبيلتان في الكوفة و لم يسم إحداهما أو إلى الكناسة و فيها كناستان و لم يسم إحداهما أو إلى بجيلة و بها بجيلتان الظاهرة و الباطنة و لم يسم إحداهما أن الإجارة فاسدة لأن المكان مجهول و لا بد فيها من بيان ما يستأجر له في الحمل و الركوب لأنهما منفعتان مختلفان و بعد بيان ذلك لابد من بيان ما يحمل عليها و من يركبها لأن الحمل يتفاوت بتفاوت المحمول و الناس يتفاوتون في الركوب فترك البيان يفضي إلى المنازعة .
و ذكر في الأصل إذا استأجر بعيرين من الكوفة إلى مكة فحمل على أحدهما محملا فيه رجلان و ما يصلح لهما من الوطاء و الدثر و قد رأى الرجلين و لم ير الوطاء و الدثر و أحدهما زاملة يحمل عليها كذا كذا محتوما من السويق و الدقيق و ما يصلحهما من الزيت و الخل و المعاليق ولم يبين ذلك و اشترط عليه ما يكتفي به من الماء و لم يبين ذلك فهذا كله فاسد بالقياس و لكن قال أبو حنيفة أستحسن ذلك .
وجه القياس : أنه شرط عملا مجهولا لنه قدر الكسوة و الدثار يختلف باختلاف الناس فصارت المنافع مجهولة .
وجه الاستحسان : أن الناس يفعلون ذلك من لدن رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى يومنا هذا فكان ذلك إسقاطا منهم اعتبار هذه الجهالة فلا يفضي إلى المنازعة و إن اشترط المستأجر أن يحمل عليه من هدايا مكة من صالح ما يحمل الناس فهو جائز لأن قدر الهدايا يعلم بالعادة و هذا مما يفعله الناس في سائر الأعصار من غير نكير و إن بين وزن المعاليق و وصف ذلك و الهدايا أحب إلينا أنه يجوز قياسا و استحسانا و ذلك يكون أبعد من الخصومة لذلك قال احب إلينا و لكل محل قربتين من ماء و إداوتين من أعظم ما يكون لأن هذا كله يصير معلوما بالعادة و ذكره أفضل .
و كذا الخيمة و القبة و ذكره أفضل لما قلنا و في استئجار العبد للخدمة و الثوب للبس و القدر للطبخ لا بد من بيان المدة لما قلنا .
و القياس : أن يشترط بيان نوع الخدمة في استئجار العبد للخدمة لأن الخدمة تختلف فكانت مجهولة .
و في الاستحسان : لا يشترط و ينصرف إلى المتعارف و ليس له أن يسافر به فلا بد من بيان ما يلبس و ما يطبخ في القدر لأن اللبس يختلف باختلاف اللابس و القدر يختلف باختلاف المطبوخ فلا بد من البيان ليصير المعقود عليه معلوما فإن اختصما حين وقعت الإجارة في هذه الأشياء قبل أن يزرع أو يبني أو يغرس أو قبل أن يحمل على الدابة أو يركبها أو قبل أن يلبس الثوب أو يطبخ في القدر فإن القاضي يفسخ الإجارة لأن العقد وقع فاسدا ورفع الفساد واجب حقا للشرع فإن زرع الأرض و جمل الدابة و لبس الثوب و طبخ في القدر فمضت المدة فله ما سمي استحسانا .
و القياس : أن يكون له أجر المثل لأنه استوفى المنفعة بعقد فاسد و استيفاء المنفعة بعقد فاسد يوجب أجر المثل لا المسمى .
وجه الاستحسان : بأن المفسد جهالة المعقود عليه و المعقود عليه قد تعين بالزراعة و الحمل و اللبس و الطبخ فزالت الجهالة فقد استوفى المعقود عليه في عقد صحيح فيجب كمال المسمى كما لو كان متعينا في الابتداء .
و لو فسح القاضي الإجارة ثم زرع أو حمل أو لبس أو غير ذلك لا يجب شيء لأن القاضي لما نقض العقد فقد بطل العقد فصار مستعملا مال الغير من غير عقد فصار غاصبا و المنافع على أصلنا لا تتقوم إلا بالعقد الصحيح أو الفاسد و لم يوجد