حكم قطع الإلية .
و على هذا يخرج ما إذا قطع من إلية الشاة قطعة أو من فخذها أنه لا يحل المبان و إن ذبحت الشاة بعد ذلك لأن حكم الذكاة لم يثبت في الجزء المبان وقت الإبانة لانعدام ذكاة الشاة لكونها حية وقت الإبانة و حال فوات الحياة كان الجزء منفصلا و حكم الذكاة لا يظهر في الجزء المنفصل .
و [ روي أن أهل الجاهلية كانوا يقطعون قطعة من إلية الشاة و من سنام البعير فيأكلونها فلما بعث النبي المكرم عليه الصلاة و السلام نهاهم عن ذلك فقال عليه الصلاة و السلام : ما أبين من الحي فهو ميت ] و الجزء المقطوع مبان من حي و بائن منه فيكون ميتا و كذلك إذا قطع ذلك من صيد لم يؤكل المقطوع و إن مات الصيد بعد ذلك لما قلنا .
و قال الشافعي C : يؤكل إذا مات الصيد بذلك و سنذكر المسألة إن شاء الله تعالى و إن قطع فتعلق العضو بجلده لا يؤكل لأن ذلك القدر من التعلق لا يعتبر فكان وجوده و العدم بمنزلة واحدة و إن كان متعلقا باللحم يؤكل الكل لأن العضو المتعلق باللحم من جملة الحيوان و ذكاة الحيوان تكون لما اتصل به و لو ضرب صيدا بسيف فقطعه نصفين يؤكل النصفان عندنا جميعا و هو قول إبراهيم النخعي لأنه وجد قطع الوداج لكونها متصلة من القلب بالدماغ فأشبه الذبح فيؤكل الكل و إن قطع أقل من النصف فمات فإن كان مما يلي العجز لا يؤكل المبان عندنا و قال الشافعي : يؤكل .
وجه قوله : أن الجرح في الصيد إذا اتصل به الموت فهو الذكاة الاضطرارية و إنها سبب الحل كالذبح .
و لنا قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما أبين من الحي فهو ميت ] و المقطوع مبان من الحي فيكون ميتا و أما قوله إن الجرح الذي اتصل به الموت ذكاة في الصيد فنعم لكن حال فوات الحياة عن المحل و عند الإبانة المحل كان حيا فلم يقع الفعل ذكاة له عندما صار ذكاة كان الجزء منفصلا و حكم الذكاة لا يلحق الجزء المنفصل و إن كان مما يلي الرأس يؤكل الرأس لوجود قطع الأوداج فكان الفعل حال وجوده ذكاة حقيقة فيحل فيه الكل و إن ضرب رأس صيد فأبانه نصفين طولا أو عرضا يؤكل كله في قول أبي حنيفة و محمد و هو قول أبي يوسف الأول ثم رجع و قال : لا يؤكل النصف البائن و يؤكل ما بقي من الصيد .
و الأصل فيه ما ذكرنا : أن الأوداج متصلة بالدماغ فتكون مقطوعة بقطع الرأس و كان أبو يوسف على هذا ثم ظن أنها لا تكون إلا فيما يلي البدن من الرأس و إن كان المبان أكثر من النصف فكذلك يؤكل الكل لأنه إذا قطع العروق فلم يكن ذلك ذبحا بل كان جرحا و أنه لا يبيح المبان لما ذكرنا .
و أما شرائط ركن الذكاة فأنواع : بعضها يعم نوعي الذكاة الاختيارية و الاضطرارية و بعضها يخص أحدهما دون الآخر أما الذي يعمها فمنها أن يكون عاقلا فلا تؤكل ذبيحة المجنون و الصبي الذي لا يعقل لما ذكرنا أن القصد إلى التسمية عند الذبح شرط و لا يتحقق القصد الصحيح ممن لا يعقل فإن كان الصبي يعقل الذبح و يقدر عليه تؤكل ذبيحته و كذا السكران و منها أن يكون مسلما أو كتابيا فلا تؤكل ذبيحة أهل الشرك و المجوس و الوثني و ذبيحة المرتد .
أما ذبيحة أهل الشرك فلقوله تعالى : { وما أهل لغير الله } .
و قوله عز و جل : { وما ذبح على النصب } أي للنصب و هي الأصنام التي يعبدونها .
و أما ذبيحة المجوس : فلقوله عليه الصلاة و السلام : [ سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم و لا آكلي ذبائحهم ] و لأن ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة من شرائط الحل عندنا لما نذكر و لم يوجد .
و أما المرتد فلأنه لا يقر على الدين الذي انتقل إليه فكان كالوثني الذي لا يقر على دينه و لو كان المرتد غلاما مراهقا لا تؤكل ذبيحته عند أبي حنيفة و محمد و عند أبي يوسف تؤكل بناء على أن ردته صحيحة عندهما و عنده لا تصح و تؤكل ذبيحة أهل الكتاب لقوله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } و المراد منه ذبائحهم إذ لو لم يكن المراد ذلك لم يكن للتخصيص بأهل الكتاب معنى لأن غير الذبائح من أطعمة الكفرة مأكول و لأن مطلق اسم الطعام يقع على الذبائح كما يقع على غيرها لأنه اسم لما يتطعم و الذبائح مما يتطعم فيدخل تحت إطلاق اسم الطعام فيحل لنا أكلها و يستوي فيه أهل الحرب منهم و غيرهم لعموم الآية الكريمة .
و كذا يستوي فيه نصارى بني تغلب و غيرهم لأنهم على دين النصارى إلا أنهم نصارى العرب فيتناولهم عموم الآية الشريفة