فصل : في بيان واجب الصلاة .
قوله : يجيء بمعنى اللزوم لو قال بمعنى اللازم والساقط والمضطرب أو قال في الأول الوجوب يجيء بمعنى اللزوم الخ لكان أنسب قوله : وفي الشرع إسم لما لزمنا روي عن الإمام أنه قال ما معناه : الفرق بين الواجب والفرض كما بين السماء والأرض والبعض يطلق عليه اسم السنة حتى يعبرون في محل بالسنية ثم يعبرون فيه بالوجوب أفاده صاحب البحر قوله : بدليل فيه شبهة إعلم أن الأدلة السمعية أنواع أربعة قطعي الثبوت والدلالة كالنصوص المتواترة أي المحكمة وقطعي الثبوت ظني الدلالة كالآيات المؤولة وظني الثبوت قطعي الدلالة كأخبار الآحاد التي مفهومها قطعي وظني الثبوت والدلالة كإخبار الآحاد التي مفهومها ظني فبالأول يثبت الفرض أي والحرام وبالثاني والثالث يثبت الوجوب أي وكراهة التحريم وبالرابع يثبت السنة والاستحباب أي وكراهة التنزيه ليكون ثبوت الحكم بقدر دليله كذا في الكشف اهـ من الشرح مزيدا قوله : لكونه ساقطا عنا علما أي لا يجب علينا إعتقاد وجوبه قوله : أو لكونه ساقطا علينا عملا لو قال أو لكونه لازما علينا عملا لكان أولى ليكون تنبيها على المعنى الأول وهو اللزوم صريحا وإن كان ما ذكره يفيده بقرينة على قوله : أو لكونه مضطربا أي مترددا قوله وشرعت الواجبات لإكمال الفرائض فإن القراءة فرض وكونها بالفاتحة والسورة مثلا متمم لذلك الفرض حتى لو ترك ذلك كان مكروها تحريما والطمأنينة متممة للركوع والسجود وكذا التشهد في الثانية متمم لقعدتها وضم الأنف متمم لوضع الجبهة إلا أن منها ما يكون متمما للركن خاصة ومنها ما يكون متمما لها من غير نظر إلى ركن كالقعود الأول وتشهده والسلام فليتأمل قوله : والسنن لإكمال الواجبات كالتسبيح ثلاثا فإنه متمم للطمأنينة والصلاة على النبي A متممة للتشهد والتعوذ والبسملة متمات لقراءة الفاتحة ولا يظهر هذا التتميم في جميع السنن قوله : والأدب لإكمال السنة يعني أن السنة تكون كاملة بالأدب فنظر الراكع إلى القدمين والساجد إلى الأرنبة متمم للتسبيحات لأنها حينئذ تكون مستحضرة لعدم إشتغاله بإطلاق النظر والنظر إلى حجرة متمم لهيئة الجلوس وفيه ما مر قوله : ليكون كل منها حصنا لما شرع لتكميله أي حافظا له فالواجبات كالسور على الفرائض والسنن كالسور على الواجبات والآداب كالسور على السنن فمن حفظ السور الأخير كان للأسوار الداخلة أحفظ ومن ضيعه بنجر به الحال إلى تضييع باقيها والتهاون بها وفي نسخ كلا بالنصب ولا وجه له قوله : إستحقاق العقاب هو دون عقاب ترك الفرض قوله : والثواب بفعله هو الحكم الأخروي وأما الحكم الدنيوي فهو سقوط المطالبة قوله : وإعادتها بتركه عمدا أي ما دام الوقت باقيا وكذا في السهو إن لم يسجد له وإن لم يعدها حتى خرج الوقت تسقط مع النقصان وكراهة التحريم ويكون فاسقا آثما وكذا الحكم في كل صلاة أديت مع كراهة التحريم والمختار أن المعادة لترك واجب نفل جابر والفرض سقط بالأولى لأن الفرض لا يتكرر كما في الدر وغيره ويندب إعادتها لترك السنة قوله : وهو أي الواجب أي على ما ذكر هنا وإلا فهي تزيد على ما ذكره والتتبع بنفي الحصر قوله : الأول وجوب قراءة الفاتحة الصواب حذف وجوب قوله : قراءة الفاتحة قالوا : بترك أكثرها يسجد للسهو لا أن ترك أقلها ولم أر ما إذا ترك النصف نهر لكن في المجتبى يسجد بترك آية منها وهو أولى قال في الدر وعليه فكل آية واجب ولو قرأ الفاتحة على قصد الدعاء تنوب عن القراءة كما في الفتاوى الصغرى خلافا لما في المحيط قاله السيد قوله : لنفي الكمال فغاية ما يفيده الوجوب لا الافتراض لأنه وإن كان قطعي الثبوت فهو ظني الدلالة لأن مثله يقال لنفي الجواز ولنفي الفضيلة فكان محتملا قوله : لا ينسخ قوله تعالى الخ أي ولو قيد به لكان ناسخا لذلك المطلق لأن تقييده نسخ وهو لا يجوز بخبر الواحد قوله : فوجب العمل به أي بهذا الحديث وهو تفريع على ثبوت الوجوب به وعدم نسخه مطلق الكتاب قوله : أو ثلاث آيات قصار قدر أقصر سورة أو آية طويلة تعدل ثلاث آيات قصار وهذا الضم سنة عند الثلاثة كما في سكب الأنهر وهل يكره الضم في الأخيرتين المختار لا كما في الدر ووجوب هذا وما قبله مقيد بما إذا كان في الوقت سعة فإن خاف فوت الوقت لو قرأ الفاتحة والسورة أو قرأ الفاتحة أو أزيد من آية قرأ في كل ركعة آية في جميع الصلاة نهر عن القنية وتقسيم القراءة إلى فرض وواجب وسنة بالنسبة لما قبل الإيقاع أما بعده لو قرأ القرآن كله في ركعة واحدة لم تقع القراءة إلا فرضا اهـ من السيد بزيادة قوله : لا صلاة لمن لم يقرأ بالحمدلله وسورة الدليل أخص من المدعي وقد يقال أن الثلاث آيات ألحقت بالسورة بدلالة النص قال بعض الأفاضل وهذا يرد على من قال بفرضية الفاتحة فإنه يلزمه ان يقول أيضا بفرضية السورة كما لا يخفى اهـ قوله : غير الثنائي يعم الرباعي والثلاثي قوله : لمشابهة السنة بل هو سنة عندهما قوله : لما روينا من قوله A : [ لا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد الله وسورة في فريضة أو غيرها ] وإنما لم تجب القراءة في الآخريين من الفرض كالنفل لقول علي رضي الله تعالى عنه : القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين وعن ابن مسعود وعائشة رضي تعالى عنهما التخيير في الأخريين إن شاء قرأ وإن شاء سبح اهـ من الشرح قوله : وتعيين القراءة الخ وقيل : إنه فرض وتكون قضاء إذا وجدت في غير الأوليين وصحح قوله : حتى لو قرأ من السورة أي بعض السورة ولو حرفا واحدا كما في السيد وغيره والمراد من السورة ما يعم الآيات ومثل بعض السورة كلها كما سيأتي قريبا قوله : ويسجد للسهو إذا كان ساعيا وإلا كره تحريما لأن فيه تأخير الواجب وهو الفاتحة عن محله وهو العلة في وجوب السهو بتكرار الفاتحة قوله : أي ما صلب منه فلو اقتصر على الأرنبة لا يكون آتيا بالواجب قوله : ولا تحوز الصلاة بالاقتصار على الأنف في السجود ما لم يكن بالجبهة عذر قاله السيد قوله : ولو بعد القعود ولو بعد السلام قبل الكلام قوله : ثم يعيد القعود طريق الإتيان بها أنه إذا تذكرها بعد السلام أو قبله بعد القعود أن يسجد المتروكة ثم يعيد القعود والتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو ثم يعقد ويتشهد لأن العود إلى السجدة الصلبية يرفع القعود والتشهد وكذا السجدة التلاوية فلو لم يعد القعود وسلم بمجرد رفعه من السجدة بطلب صلاته لترك القعدة الأخيرة وهي فرض بخلاف سجود السهو فإنه يرفع التشهد فقط حتى لو سلم بمجرد رفعه منه ولم يعقد صحت صلاته ولكنه يكره لتركه التشهد وهو واجب كما في الدر وغيره قوله : وهو التعديل أي التتميم والتكميل وهو في اللغة التسوية قوله : حتى تطمئن مفاصله ويستقر كل عضو في محله بقدر تسبيحة كما في القهستاني هذا قول أبي حنيفة و محمد على تخريج الكرخي وعلى تخريج الجرجاني سنة كتعديل القومية والجلسة والأول هو الصحيح وإنما خص الركوع والسجود لأنهما مظنة التخفيف بخلاف القيام لأنه يطول بطول القراءة حتى لو لم يقرأ في الأخريين وبقي ساكتا كان عليه أن يقف بقدر تسبيحة لأجل تعديل الركن كما صرح به في النهاية ولو لم يقف هذا القدر إثم ولا يفسد صلاته لوجود أصل القيام فإنه المفروض من الركن أدنى ما يطلق عليه الإسم قوله : ولا فرض كما قاله أبو يوسف أورد عليه أنه وافقهما في الأصول على أن الزيادة لا تجوز بخبر الواحد على الكتاب وهو قوله تعالى : { اركعوا واسجدوا } [ الحج : 22 ] فإنه تعالى أمر بالركوع والسجود فتعلقت الركنية بالأدنى منهما وخبر الواحد هو حديث صل فإنك لم تصل فكيف جوز الزيادة هنا لهذا الخبر وبهذا حمله ابن الهمام على الفرض العملي وهو الواجب فيرتفع الخلاف قال في البحر ويؤيده أن هذا الخلاف لم يذكر في ظاهر الرواية اهـ من السيد مختصرا وفي قوله وهو الواجب نظر قوله : ومقتضى الدليل وهو الحديث السابق وهو مقتضى المواظبة أيضا قوله : في القومة أي من الركوع حتى يستتم قائما قوله : والجلسة أي بين السجدتين حتى يستتم قاعدا وأما أصل الرفع إلى قرب القعود ففرض بخلاف الركوع فإن أصل الرفع منه واجب أيضا والفرق أن المقصود من الركوع تحقيق الإنتقال من الركن وهو يحصل من الركوع بدون رفع بخلاف السجود كما في السراج و الكافي ومقتضى الدليل أيضا وجوب نفس الجلسة أفاده في الشرح قوله : والرفع من الركوع عطف على الإطمئنان فهو واجب قال في الشرح : ومقتضى الدليل وجوب الطمأنينة في الأربعة ووجوب نفس الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين الخ قوله : للأمر به أي بالاطمئنان أي الأمر الضمني فإن الأمر منه A لمن أساء الصلاة بالإعادة إنما هو لتركه الإطمئنان وذلك يقتضى الأمر به والأمر للوجوب وليس المراد من الحديث البطلان فلا ينهض دليلا لمن احتج به يدل لهذا آخر الحديث حيث قال : إذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك وإذا انتقصت منه شيئا فقد إنتقصت من صلاتك فقد سماها صلاة والباطلة لا تسمى صلاة وأيضا فقد النبي A بعد أول ركعة حتى أتم ولو كان عدم الطمأنينة مفسدا لفسدت بأول ركعة وبعد الفساد لا يجوز المضي في الصلاة وتقريره A من الأدلة الشرعية كذا في البحر وغيره .
قوله : وإليه ذهب المحقق الخ واختار الكرخي أن التعديل في القومة والجلسة سنة على قولهما وفرق بينه وبين تعديل الأركان بأنه في الأركان لتكميل الفرض وفي القومة والجلسة لتكميل الواجب ومكمل الفرض واجب ومكمل الواجب سنة إظهارا للتفاوت بينهما وهو المشهور وقال الجرجاني : إن التعديل عندهما مطلقا سنة قوله : ويجب القعود الأول مقدار قراءة التشهد بأسرع ما يكون لا فرق في ذلك بين الفرائض والواجبات والنوافل استحسانا عندهما وهو ظاهر الرواية والأصح وقال محمد و زفر و الشافعي : هو فرض في النوافل وهو القياس كما في القهستاني وسكت الأنهر قوله : في الصحيح واختار الكرخي والطحاوي استنانه وأكثر المشايخ يطلقون عليه إسم السنة إما لأن وجوبه ثبت بالسنة أو لأن المؤكدة في معنى الواجب وهذا لا يقتضي رفع الخلاف ولا يرد ما لو سبق الإمام المسافر الحدث واستخلف مقيما حيث كانت القعدة الأولى فرضا في حقه لأنه لعارض الإستخلاف أفاده السيد ثم إن الأولى حذف قوله في الصحيح لتصريح المصنف به بعد قوله : ولو كان حكما فيه إشارة إلى أنه أراد بالأول ما ليس بآخر فالمسبوق بثلاث في الرباعية ثلاث قعدات والواجب منها ما عدا الأخير قاله السيد وفيه أن الأول فرض بمقتضى المتابعة وقول الشرح وهو قعود المسبوق فيما يقضيه يفيد أن الواجب ما انفرد المسبوق بقضائه فقط فليتأمل قوله : ويجب قراءة التشهد فيسجد للسهو يترك بعضه ككله كما في الدر قوله : أي في الأول المراد به كما سبق ما عدا الأخير على ما فيه فإنه قد يتكرر مرارا قوله : للمواظبة على لقوله ويجب قراءة التشهد قوله : حتى لو زاد عليه أي على التشهد قوله : بمقدار أداء ركن الخ على الصحيح وبينوه بما إذا قال : اللهم صل على محمد ولم يذكره الشرح تباعدا عما يوهم المنع من ذكر الصلاة عليه A وقوله ساهيا إحترز به عن العمد فإن الصلاة تكون به مكروهة تحريما قوله : بمقدار أداء ركن ساهيا يسجد للسهو وقيل يسجد بزيادة حرف قوله : مرتين هو الأصح وقيل الثانية سنة كما في الفتح قم الخروج من الصلاة بسلام واحد عند العامة وقيل بهما كما في مجمع الأنهر فلو إقتدى به بعد لفظ السلام الأول قبل عليكم لا يصح عند العامة وقيل : إن أدركه بعد التسليمة الأولى قبل الثانية فقد أدرك معه الصلاة كما في السراج واعلم أن السلام واجب للصلاة ذات الركوع والسجود فلا يرد صلاة الجنازة ولا سلام سجود السهو والشكر على القول به حموي وفي ذكر الشكر نظر لأن سجوده لا سلام له كسجود التلاوة وفي الزاهدي ان سلام الجنازة سنة اهـ قوله : في اليمين واليسار يشعر أن الإلتفات فيهما واجب للمواظبة والنص بخلافه فرع : لو أتى بلفظ آخر لا يقوم السلام ولو كان بمعناه كما في مجمع الأنهر قوله : لحديث ابن مسعود وهو إذا قلت هذا الخ فلم يذكر السلام فيه ولم يعلمه النبي A للأعرابي حين علمه الصلاة ولو كان فرضا لعلمه إياه وما رواه الترمذي و أبو داود من حديث ابن عمر : إذا قعد الإمام في آخر صلاته ثم أحدث قبل أن يسلم وفي رواية قبل أن يتكلم تمت صلاته صريح في عدم الافتراض قلت : وهو مما يستأنس به لقوله من قال : إن الخروج بصنعه فرض تخريجا على قول الإمام في الإثني عشرية قوله : دون متعلقة بكسر اللام المشددة قوله : ويتجه الخ خلاف المنصوص قوله ويجب قراءة قنوت الوتر المراد أنه واجب صلاة الوتر لا واجب مطلق الصلاة والمراد مطلق الدعاء وأما خصوص اللهم الخ فسنة حتى لو أتى بغيره جاز إجماعا نهر والقنوت في اللغة مطلق الدعاء فالإضافة حينئذ للبيان أي دعاء هو القنوت ويطلق أيضا على طول القيام فالإضافة حينئذ حقيقة أي دعاء القيام وفي الشرع هو الدعاء الواقع في قيام ثالثة صلاة الوتر قوله : كما في الجوهرة وهو في القهستاني عن الزاهدي وما ذكره بعضهم من وجوب تكبيرة ركوع ثالثة الوتر معزيا إلى الزيلعي فلا أصل له قوله : ويجب تكبيرات العيدين وهي ثلاث في كل ركعة وأما كونها في الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها فمندوب فقط قوله : يجب بتركها سجود السهو فيه أن الأولى عدم سجود السهو في الجمعة والعيدين قوله : ويكره الشروع بغيره أي تحريما لأنه لترك الواجب إلا إذا كان لا يحسنه بأن كان ألنغ بقلب الراء لاما أو غينا قوله : فلذا لا يختص الخ أي فلكون الأصح وجوب تعيين لفظ التكبير لإفتتاح كل صلاة قوله : لاتصالها لها هذا لا يظهر إلا إذا آخر التكبيرات عملا بالمندوب فأما إذا خالف وقدمها أول الركعة فلا تجب لعدم العلة المذكورة فيما يظهر وسيأتي في محله إن شاء الله تعالى قوله : ويجب جهر الإمام الواجب منه أدناه وهو أن يسمع غيره ولو واحدا وإلا كان إسرارا فلو أسمع اثنين كان من أعلى الجهر حموي عن الخزانة قالوا : والأولى أن لا يجهد نفسه بالجهر بل بقدر الطاقة لأن إسماع بعض القوم يكفي بحر ونهر والمحتسب أن يجهر بحسب الجماعة فإن زاد فوق حاجة الجماعة فقد أساء كما لو جهر المصلي بالأذكار قهستاني عن كشف الأصول وهذا أولى مما في الزاهدي عن أبي جعفر أنه كلما زاد الإمام أو المنفرد في الجهر في صلاة الجهر فهو أفضل بعد أن لا يجهد نفسه ولا يؤذي غيره وإن زاد على حاجة المقتدي : قوله : أولي العشاءين بفتح الياء الأولى وكسر الثانية تخلصا وحذفت النون للإضافة وأطلق على الثانية أولى باعتبار انهما شفع أول وغلب العشاء لا المغرب لأن الأصل تغليب الأكثر قوله : في صلاة الجمعة والعيدين لكن لو تركه فيها لا يسجد للسهو لسقوطه في الجمعة والعيدين دفعا للفتنة وقيل : هما أي الجهر والإسرار سنتان حتى لا يجب سجود السهود بتركهما لأنهما ليسا بمقصودين وإنما المقصود القراءة زيلعي ويظهر تخريج ما في القهستاني عن القاعدي على هذا القيل من أن الإمام مخير في الجهر فيما وراء الفرائض ولو وترا أو عيدا لكن الجهر أفضل وصرح في الهداية بأنه مخير في نوافل الليل اعتبارا بالفرض في حق المنفرد اهـ ويحتمل أنه قول مفصل قوله : والوتر في رمضان سواء قدمه على التراويح أو أخره بل ولو تركها كما في الدر عن مجمع الأنهر وقيد بكونه في رمضان لأن صلاته جماعة في غيره بدعة مكروهة كما في الحلبي أي ولا يطلب الجهر بالبدعة قوله : ويجب الإسرار قالوا : لا يضر إسماع بعض الكلمات أحيانا لحديث أبي قتادة وهو في الصحيحين [ عن النبي A كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب ويسمعنا الآية أحيانا ] ولأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه لا سيما عند مبادى التنفسات أفاده في الفتح وفي أواخر الحلبي عن كفاية الشعبي بخافت إلا من عذر وهو ان يكون هناك من يتحدث أو يغلبه النوم فيجهر لدفع النوم ودفع الكلام اهـ وفي القهستاني إذا جهر لتبيين الكلمة ليس عليه شئ اهـ قوله : ولو في جمعهما بعرفة أشار به إلى خلاف الإمام مالك رضى الله عنه تعالى عنه وعنهم أجمعين فإنه يقول بالجهر فيهما ولو قال المؤلف ولو المجموعتين بعرفة لكان أظهر والأصل في الجهر والإسرار أن النبي A كان يجهر بالقراءة في الصلوات كلها في الإبتداء وكان المشركون يؤذونه ويقولون لأتباعهم : إذا سمعتموه يقرأ فارفعوا أصواتكم بالأشعار والأراجيز وقابلوه بكلام اللغو حتى تغلبوه فيسكب ويسبون من أنزل القرآن ومن أنزل عليه فأنزل الله تعالى : { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } [ الإسراء : 17 ] أي لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها وابتغ بين ذلك سبيلا بأن تجهر بصلاة الليل وتخافت بصلاة النهار فكان بعد ذلك بخافت في صلاة الظهر والعصر لاستعدادهم بالإيذاء فيهما ويجهر في المغرب لإشتغالهم بالأكل وفي العشاء والفجر لرقادهم وفي الجمعة والعيدين لأنه أقامهما بالمدينة وما كان للكفار قوة وقوله وفي العشاء والفجر لرقادهم وجهه في الفجر ظاهر وفي العشاء أن السنة تأخيرها إلى ثلث الليل وهذا إنما يظهر في زمن الشتاء أما في غيره فالعذر فيها كالمغرب فيما يظهر قوله : والمنفرد بفرض مخير فيما يجهر فإن شاء جهر لأنه إمام نفسه لكن لا يبالغ في الجهر مثل الإمام لأنه لا يسمع غيره وجهره هكذا أفضل ليكون الأداء على هيئة الجماعة وظاهرة ولو قضاء نهارا وهو ما في الكافي وغيره واختاره في الهداية أنه يخفي حتما لعدم الجماعة والوقت وتعقبه في غاية البيان قوله : وفيما يقضيه الخ عطف على قوله فيما يجهر الإمام فيه وفيه إشارة إلى أنه في ذلك يكون منفردا وهو كذلك لأنه منفرد في حق ما يقضى وقالوا أنه يقضي أول صلاته أقوالا وآخر أفعالا قوله : في الجمعة والعيدين وكذا فيما سبق به في غيرهما من الجهرية قوله : كمتنفل بالليل والجهر أفضل ما لم يؤذ نائما ونحوه كمريض ومن ينظر في العلم قاله السيد ناقلا عن خط والده قوله : ولا يوقظ الوسنان الوسنان النائم قوله : ولو ترك السورة في ركعة من أولى المغرب الخ أي عمدا أو سهوا كما في النهر والمتبادر أنه إذا تركها في الركعتين معا قضى سورة إحداهما فقط لعدم المحل لقضاء الثانية واعلم أنه إذا لم يقرأ في الشفع الأول شيئا يقرأ في الشفع الثاني بفاتحة الكتاب وسورة وجهر بهما في قولهم ويسجد للسهو كذا في الخانية قوله : وجوبا على الأصح هو ما في التبيين و شروح الهداية وصرح في الأصل بالاستحباب وعول عليه في الفتح و البرهان ثم على القول بالوجوب قيل تجب الفاتحة أيضا وقيل لا قال في البحر و النهر وينبغي ترجيح عدم الوجوب كما هو الأصل فيها قوله : جهرا بهما على الأصح اختاره صاحب الهداية لأن في الجهر بهما تغيير صفة الفاتحة من المخافتة وهي نفل وفي المخافتة بهما تغيير صفة السورة من الجهر وهي واجبة وتغيير صفة النفل أخف من تغيير صفة الواجب وروى ابن سماعه عن الشيخين الجهر بالسورة فقط وهو اختيار فخر الإسلام قال : وهو الصواب وجعله شيخ الإسلام الظاهر من الجواب وبه جزم في الخانية وصححه التمرتاشي ولا يلزم من ذلك شناعة الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة واحدة لأن السورة تلتحق بموضعها وهو الشفع الأول حكما وقال أبو يوسف : لا تقضى السورة أصلا لأن الواجب إذا فات عن محله لا يقضي إلا بدليل وهو مفقود هنا قوله : وهو الأشبه لأن السورة شرعت مرتبة على الفاتحة دون العكس كما في الفتح قوله : وعند بعضهم يقدم السورة لأنها تلتحق بمحلها قوله : يأتي بها لأنه إذا أتى بها تكون فرضا كالسورة فلا يلزم تأخير الفرض لما ليس بفرض قوله : كما لو تذكر السورة في الركوع والظاهر أن تذكر الفاتحة مثل السورة لوجوب كل ويعيد السورة بعد الإتيان بها وحرره نقلا قوله : ويعيده أي إفتراضا لأن القراءة كلها صارت فرضا فليزم تقديم الركوع على القراءة لو يعده وهو مفسد أما إذا أعاده فقد وقع بعد كل القراءة المفروضة فلا فساد قوله : لقوته بمكانه أي لأنها أقوى لكونها في محلها قوله : إلا في النفل قال في الشرح : ذكر العتابي في فتاواه أن تكرار الفاتحة في التطوع لا يكره لورود الخبر في مثله اهـ قوله : فإناه مشروعة نفلا فهو حقه فله أن يصرفها إلى ما عليه قوله : ولم تكرر لأن الشفع الثاني ليس محلا لها فجاز أن تقع قضاء والله تعالى أعلم وفرق السيد بفرق أخر وهو أن قراءة الفاتحة شرعت على وجه تترتب عليها السورة فلو قضاها في الأخريين ترتبت الفاتحة على السورة أي المقروءة في الأوليين وهو خلاف الموضوع بخلاف ما إذا ترك السورة لأنه أمكن قضاؤها على الوجه المشروع اهـ مزيدا .
تنبيه : من الواجب متابعة المقتدى إمامه في الأركان الفعلية فلو رفع المقتدي رأسه من الركوع والسجود قبل الإمام ينبغي له أن يعود لتزول المخالفة بالموافقة ولا يصير ذلك تكرارا وبالعود جزم الحلبي في آخر الكتاب أما لو قام الإمام إلى الثالثة قبل أن يتم المقتدي التشهد فإنه يتم ثم يقوم لأن التشهد واجب وإن لم يتم وقام للمتابعة جاز وكذا لو سلم في القعدة الأخيرة قبل أن يتمه بخلاف ما إذا رفع رأسه قبل التسبيح أو سلم قبل الصلاة عليه A فإنه يتابعه والحاصل أن متابعة الإمام في الفرائض والواجبات من غير تأخير واجبة فإن عارضها واجب آخر لا ينبغي أن يفوت ذلك الواجب بل يأتي به ثم يتابع لأن الإتيان به لا يفوت المتابعة بالكلية وإنما يؤخرها والمتابعة مع قطعة تفوت الواجب بالكلية فكان الإتيان بالواجبين مع تأخير أحدهما أولى من ترك أحدهما بالكلية بخلاف ما إذا عارضها سنة لأن ترك السنة أخف من تأخير الواجب ولو ركع في الوتر قبل أن يتم المقتدي القنوت تابعه لأن القنوت ليس بمعين ولا مقدار له أما إذا كان لم يقرأ شئيا منه ينظر إن خاف فوت الركوع بقراءة شيء من تركه وركع وإلا قرأ مقدار ما لا يفوته الركوع مع الإمام ثم يركع واختلف الأئمة في المتابعة في الركن القولي وهو القراءة فعندنا لا يتابع فيها بل يستمع وينصت مطلقا سرية كانت أو جهرية ووافقنا مالك و أحمد في الجهرية وقال الشافعي رضى الله عنه تعالى عنهما أجمعين : تلزمه المتابعة في الفاتحة مطلقا إلا إذا خاف فوت الركعة والأصح أنه يأتي بالثناء إلا إذا أخذ الإمام في القراءة ولو سرية لإطلاق النص وهو قوله تعالى : { وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له } [ الأعراف : 7 ] الآية والله أعلم