@ 48 @ .
قال القاضي أبو محمد ولا طريق إلى هذا الاختلاف ولا إلى الترجيح إلا النظر في شواهد القرآن والنظر في كلام العرب وأشعارها فمن حجة الأولين قول الله عز وجل ! 2 < أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر > 2 ! واعترض هذا الشاهد بوجوه منها أن يكون سماهم مساكين بالإضافة إلى الغاصب وإن كانوا أغنياء على جهة الشفقة كما تقول في جماعة تظلم مساكين لا حيلة لهم وربما كانوا مياسير ومنها أنه قرئ لمساكين بشد السين بمعنى دباغين يعملون المسوك قاله النقاش وغيره ومنها أن تكون إضافتها إليهم ليست بإضافة ملك بل كانوا عاملين بها فهي كما تقول سرج الفرس ومن حجة الآخرين قول الراعي .
( أما الفقير الذي كانت حلوبته % وفق العيال فلم يترك له سبد ) + البسيط + .
وقد اعترض هذا الشاهد بأنه إنما سماه فقيرا بعد أن صار لا حلوبة له وإنما ذكر الحلوبة بأنها كانت وهذا اعتراض يرده معنى القصيدة ومقصد الشاعر بأنه إنما يصف سعاية أتت على مال الحي بأجمعه فقال أما الفقير فاستؤصل ماله فكيف بالغني مع هذه الحال وذهب من يقول إن المسكين أبلغ فاقة إلى أنه مشتق من السكون وأن الفقير مشتق من فقار الظهر كأنه أصيب فقارة فيه لا محالة حركة وذهب من يقول إن الفقير أبلغ فاقة إلى أنه مشتق من فقرت البئر إذا نزعت جميع ما فيها وأن المسكين من السكن .
قال القاضي أبو محمد ومع هذا الاختلاف فإنهما صنفان يعمهما الإقلال والفاقة فينبغي أن يبحث على الوجه الذي من أجله جعلهما الله اثنين والمعنى فيهما واحد وقد اضطرب الناس في هذا فقال الضحاك بن مزاحم ! 2 < الفقراء > 2 ! هم من المهاجرين ! 2 < والمساكين > 2 ! من لم يهاجر وقال النخعي نحوه قال سفيان يعني لا يعطي فقراء الأعراب منها شيئا .
قال القاضي أبو محمد والمسكين السائل يعطي في المدينة وغيرها وهذا القول هو حكاية الحال وقت نزول الآية وأما منذ زالت الهجرة فاستوى الناس وتعطى الزكاة لكل متصف بفقر وقال عكرمة ! 2 < الفقراء > 2 ! من المسلمين ! 2 < والمساكين > 2 ! من أهل الذمة ولا تقولوا لفقراء المسلمين مساكين وقال الشافعي في كتاب ابن المنذر الفقير من لا مال له ولا حرفة سائلا كان أو متعففا والمسكين الذي له حرفة أو مال ولكن لا يغنيه ذلك سائلا كان أو غير سائل وقال قتادة بن دعامة الفقير الزمن المحتاج والمسكين الصحيح المحتاج وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والزهري وابن زيد وجابر بن زيد ومحمد بن مسلمة المساكين الذين يسعون ويسألون والفقراء هم الذين يتصاونون وهذا القول الأخير إذا لخص وحرر أحسن ما يقال في هذا وتحريره أن الفقير هو الذي لا مال له إلا أنه لم يذل ولا بذل وجهه وذلك إما لتعفف مفرط وإما لبلغة تكون له كالحلوبة وما أشبهها والمسكين هو الذي يقترن بفقره تذلل وخضوع وسؤال فهذه هي المسكنة فعلى هذا كل مسكين فقير وليس كل فقير مسكينا ويقوي هذا أن الله تعالى قد وصف بني إسرائيل بالمسكنة وقرنها بالذلة مع غناهم وإذا تأملت ما قلناه بأن أنهما صنفان موجودان في المسلمين ويقوي هذا قوله تعالى ! 2 < للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف > 2 ! وقيل لأعرابي أفقير أنت فقال إني والله مسكين