ثم لما كانت الدعوة تتضمن تكليف المدعوين بالرجوع إلى الحق فإن أبوا قوتلوا أمر الداعي بأن يعدل في العقوبة فقال : 126 - { وإن عاقبتم } أي أردتم المعاقبة { فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } أي بمثل ما فعل بكم لا تجاوزوا ذلك قال ابن جرير : أنزلت هذه الآية فيمن أصيب بظلامة أن لا ينال من ظالمه إذا تمكن إلا مثل ظلامته لايتعداها إلى غيرها وهذا صواب لأن الآية وإن قيل إن لها سببا خاصا كما سيأتي فالاعتبار بعموم اللفظ وعمومه يؤدي هذا المعنى الذي ذكره وسمى سبحانه الفعل الأول الذي هو فعل البادئ بالشر عقوبة مع أن العقوبة ليست إلا فعل الثاني وهو المجازي للمشاكلة وهي باب معروف وقع في كثير من الكتاب العزيز ثم حث سبحانه على العفو فقال : { ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } أي لئن صبرتم عن المعاقبة بالمثل فالصبر خير لكم من الانتصاف ووضع الصابرين موضع الضمير ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون على الشدائد وقد ذهب الجمهور إلى أن هذه الآية محكمة لأنها واردة في الصبر عن المعاقبة والثناء على الصابرين على العموم وقيل هي منسوخة بآيات القتال ولا وجه لذلك