قوله : 217 - { قتال فيه } هو بدل اشتمال قاله سيبويه ووجهه أن السؤال عن الشهر لم يكن إلا باعتبار ما وقع فيه من القتال قال الزجاج : المعنى يسألونك عن القتال في الشهر الحرام وأنشد سيبويه قول الشاعر : .
( فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما ) .
فقوله هلكه اشتمال من قيس وقال الفراء : هو مخفوض يعني قوله : { قتال فيه } على نية عن وقال أبو عبيدة : هو مخفوض على الجوار قال النحاس : لا يجوز أن يعرب الشيء على الجوار في كتاب الله ولا في شيء من الكلام وإنما وقع في شيء شاذ وهو قولهم : هذا جحر ضب خرب وتابع النحاس ابن عطية في تخطئة أبي عبيدة قال النحاس : ولا يجوز إضمار عن والقول فيه أند بدل وقرأ ابن مسعود وعكرمة : { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه } وقرأ الأعرج قتال فيه بالرفع قال النحاس وهو غامض في العربية والمعنى : يسألونك عن الشهر الحرام جاشز قتال فيه وقوله : { قل قتال فيه كبير } مبتدأ وخبر : أي القتال فيه أمر كبير مستنكر والشهر الحرام : المراد به الجنس وقد كانت العرب لا تسفك دما ولا تغير على عدو والأشهر الحرم هي : ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب ثلاثة سرد وواحد فرد وقوله : { وصد عن سبيل الله } مبتدأ وقوله : { وكفر به } معطوف على صد وقوله : { والمسجد الحرام } عطف على سبيل الله وقوله : { وإخراج أهله منه } معطوف أيضا على صد وقوله : { أكبر عند الله } خبر صد وما عطف عليه : أي الصد عن سبيل الله والكفر به والصد عن المسجد الحرام وإخراج أهل الحرم منه { أكبر عند الله } أي أعظم إثما وأشد ذنبا من القتال في الشهر الحرام كذا قال المبرد وغيره والضمير في قوله : { وكفر به } يعود إلى الله - وقيل : يعود إلى الحج وقال الفراء : إن قوله : { وصد } عطف على كبير والمسجد عطف على الضمير في قوله : { وكفر به } فيكون الكلام منتسقا متصلا غير منفصل قال ابن عطية : وذلك خطأ لأن المعنى يسوق إلى أن قوله : { وكفر به } أي بالله عطف أيضا على كبير ويجيء من ذلك أن إخراج أهل المسجد منه أكبر من الكفر بالله وهذا بين فساده ومعنى الآية على القول الأول الذي ذهب إليه الجمهور : أنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في الشهر الحرام وما تفعلون أنتم من الصد عن سبيل الله لمن أراد الإسلام ومن الكفر بالله ومن الصد عن المسجد الحرام ومن إخراج أهل الحرم منه أكبر جرما عند الله والسبب يشهد لهذا المعنى ويفيد أنه المراد كما سيأتي بيانه فإن السؤال منهم المذكور في هذه الآية هو سؤال إنكار لما وقع من السرية التي بعثها النبي A والمراد بالفتنة هنا الكفر : أي كفركم أكبر من القتل الواقع من السرية التي بعثها النبي A وقيل : المراد بالفتنة : الإخراج لأهل الحرم منه وقيل : المراد بالفتنة التي الكفار عليها وهذا أرجح من الوجهين الأولين لأن الكفر والإخراج قد سبق ذكرهما وأنهما مع الصد أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام وقوله : { ولا يزالون } ابتداء كلام يتضمن الإخبار من الله D للمؤمنين بأن هؤلاء الكفار لا يزالون مستمرين على قتالكم وعداوتكم حتى يردوكم عن الإسلام إلى الكفر إن استطاعوا ذلك وتهيأ لهم منكم والتقيد بهذا الشرط مشعر باستبعاد تمكنهم من ذلك وقدرتهم عليه ثم حذر الله سبحانه المؤمنين من الاغترار بالكفار والدخول فيما يريدونه من ردهم عن دينهم الذي هو الغاية لما يريدونه من المقاتلة للمؤمنين فقال : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } إلى آخر الآية والردة : الرجوع عن الإسلام إلى الكفر والتقييد بقوله : { فيمت وهو كافر } يفيد أن عمل من ارتد إنما يبطل إذا مات على الكفر وحبط : معناه بطل وفسد ومنه الحبط وهو فساد يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها للكلأ فتنتفخ أجوافها وربما تموت من ذلك وفي هذه الآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام ومعنى قوله : { في الدنيا والآخرة } أنه لا يبقى له حكم المسلمين في الدنيا فلا يأخذ شيئا مما سيتحقه المسلمون ولا يظفر بحظ من حظوظ الإسلام ولا ينال شيئا من ثواب الآخرة الذي يوجبه الإسلام ويستحقه أهله وقد اختلف أهل العلم في الردة هل تحبط العمل بمجردها أم لا تحبط إلا بالموت على الكفر والواجب حمل ما أطلقته الآيات في غير هذا الموضع على ما في هذه الآية من التقييد وقد تقدم الكلام في معنى الخلود