لا .
قال لأنه أراد أن لا يصحب أحدا .
و قال بعض الأدباء لا تصحب من الناس إلا من يكتم سرك ويستر عيبك فيكون معك في النوائب ويؤثرك بالرغائب وينشر حسنتك ويطوي سيئتك فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك .
و قال علي Bه .
إن أخاك الحق من كان معك ... ومن يضر نفسه لينفعك .
ومن إذا ريب زمان صدعك ... شتت فيه شمله ليجمعك .
وقال بعض العلماء لا تصحب إلا أحد رجلين رجل تتعلم منه شيئا في أمر دينك فينفعك أو رجل تعلمه شيئا في أمر دينه فيقبل منك و الثالث فاهرب منه وقال بعضهم الناس أربعة فواحد حلو كله فلا يشبع منه .
وآخر مر كله فلا يؤكل منه و آخر فيه حموضة فخذ من هذا قبل أن يأخذ منك و آخر فيه ملوحة فخذ منه وقت الحاجة فقط .
و قال جعفر الصادق Bه لا تصحب خمسة الكذاب فإنك منه على غرور وهو مثل السراب يقرب منك البعيد ويبعد منك القريب و الأحمق فإنك لست منه على شيء يريد أن ينفعك فيضرك .
و البخيل فإنه يقطع بك أحوج ما تكون إليه و الجبان فإنه يسلمك ويفر عند الشدة و الفاسق فإنه يبيعك بأكلة أو أقل منها فقيل وما أقل منها قال الطمع فيها ثم لا ينالها .
و قال الجنيد لأن يصحبني فاسق حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني قاريء سيء الخلق .
وقال ابن أبي الحواري قال لي أستاذي أبو سليمان يا أحمد لا تصحب إلا أحد رجلين رجلا ترتفق به في أمر دنياك أو رجلا تزيد معه وتنتفع به في أمر آخرتك و الاشتغال بغير هذين حمق كبير .
و قال سهل بن عبد الله اجتنب صحبة ثلاثة من أصناف الناس الجبابرة الغافلين و القراء المداهنين و المتصوفة الجاهلين .
وأعلم أن هذه الكلمات أكثرها غير محيط بجميع أغراض الصحبة و المحيط ما ذكرناه من ملاحظة المقاصد ومراعاة الشروط بالإضافة إليها فليس ما يشترط للصحبة في مقاصد الدنيا مشروطا للصحبته في الآخرة و الأخوة كما قال بشر الإخوان ثلاثة أخ لآخرتك وأخ لدنياك وأخ لتأنس به .
وقلما تجتمع هذه المقاصد في واحد بل تتفرق على جمع فتتفرق الشروط فيهم لا محالة .
و قد قال المأمون الإخوان ثلاثة أحدهم مثله مثل الغذاء لا يستغني عنه و الآخر مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت و الثالث مثله مثل الداء لا يحتاج إليه قط ولكن العبد قد يبتلى به وهو الذي لا أنس فيه ولا نفع .
وقد قيل مثل جملة الناس كمثل الشجر و النبات فمنها ما له ظل وليس له ثمر وهو مثل الذي ينتفع به في الدنيا دون الآخرة فإن نفع الدنيا كالظل السريع الزوال ومنها ما له ثمر وليس له ظل وهو مثل الذي يصلح للآخرة دون الدنيا ومنها ما له ثمر وظل جميعا ومنها ما ليس له واحد منهما كأم غيلان تمزق الثياب ولا طعم فيهما ولا شراب ومثله من الحيوانات الفأرة و العقرب كما قال تعالى يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير وقال الشاعر .
الناس شتى إذا ما أنت ذقتهم ... لا يستوون كما لا يستوي الشجر .
هذا له ثمر حلو مذاقته ... وذاك ليس له طعم و لا ثمر .
فإذا لم يجد رفيقا يؤاخيه ويستفيد به أحد هذه المقاصد فالوحدة أولى به .
قال أبو ذر Bه الوحدة خير من الجليس السوء و الجليس الصالح خير من الوحدة ويروي مرفوعا .
وأما الديانة وعدم الفسق فقد قال الله تعالى واتبع سبيل من أناب إلى و لأن مشاهدة الفسق و الفساق تهون أمر المعصية على القلب وتبطل نفرة القلب عنها .
قال سعيد بن المسيب لا تنظروا إلى الظلمة فتحبط أعمالكم الصالحة بل هؤلاء لا سلامة في مخالطتهم وإنما