وقد ذكر للجوع الصادق علامات إحداها أن لا تطلب النفس الأدم بل تأكل الخبز وحده بشهوة أي خبر كان فمهما طلبت نفسه خبزا بعينه أو طلبت أدما فليس ذلك بالجوع الصادق وقد قيل من علامته أن يبصق فلا يقع الذباب عليه أي لم يبق فيه دهنية ولا دسومة فيدل ذلك على خلو المعدة ومعرفة ذلك غامض فالصواب للمريد أن يقدر مع نفسه القدر الذي لا يضعفه عن العبادة التي هو بصددها فإذا انتهى إليه وقف وإن بقيت شهوته وعلى الجملة فتقدير الطعام لا يمكن لأنه يختلف بالأحوال والأشخاص نعم قد كان قوت جماعة من الصحابة صاعا من حنطة في كل جمعة فإذا أكلوا التمر اقتاتوا منه صاعا ونصفا وصاع الحنطة أربعة أمداد فيكون كل يوم قريبا من نصف مد وهو ما ذكرناه أنه قدر ثلث البطن واحتيج في التمر إلى زيادة لسقوط النوى منه وقد كان أبو ذر Bه يقول طعامي في كل جمعة صاع من شعير على عهد رسول الله A والله لا أزيد عليه شيئا حتى ألقاه فإني سمعته يقول أقربكم مني مجلسا يوم القيامة وأحبكم إلي من مات على ما هو عليه اليوم // حديث أبي ذر أقربكم مني مجلسا يوم القيامة وأحبكم إلي من مات على ما هو عليه اليوم أخرجه أحمد في كتاب الزهد ومن طريقه أبو نعيم في الحلية دون قوله وأحبكم ألي وهو منقطع // وكان يقول في إنكاره على بعض الصحابة قد غيرتم ينخل لكم الشعير ولم يكن ينخل وخبزتم المرقق وجمعتم بين إدامين واختلف عليكم بألوان الطعام وغدا أحدكم في ثوب وراح في آخر ولم يكونوا هكذا على عهد رسول الله A وكان قوت أهل الصفة مدا من تمر بين اثنين كل يوم // حديث كان قوت أهل الصفة مدا من تمر بين اثنين في كل يوم أخرجه الحاكم وصحح إسناده من حديث طلحة البصري // والمد رطل وثلث ويسقط منه النوى وكان الحسن رحمة الله عليه يقول المؤمن مثل العنيزة يكفيه الكف من الحشف والقبضة من السويق والجرعة من الماء والمنافق مثل السبع الضاري بلعا بلعا وسرطا سرطا لا يطوي بطنه لجاره ولا يؤثر أخاه بفضله وجهوا هذه الفضول أمامكم وقال سهل لو كانت الدنيا دما عبيطا لكان قوت المؤمن منها حلالا لأن أكل المؤمن عند الضرورة بقدر القوام فقط .
الوظيفة الثانية في وقت الأكل ومقدار تأخيره وفيه أيضا أربع درجات .
الدرجة العليا أن يطوي ثلاثة أيام فما فوقها وفي المريدين من رد الرياضة إلى الطي لا إلى المقدار حتى انتهى بعضهم إلى ثلاثين يوما وأربعين يوما وانتهى إليه جماعة من العلماء يكثر عددهم منهم محمد بن عمرو القرني وعبد الرحمن بن إبراهيم ورحيم وإبراهيم التيمي وحجاج بن فرافصة وحفص العابد المصيصي والمسلم بن سعيد وزهير وسليمان الخواص وسهل بن عبد الله التستري وإبراهيم بن أحمد الخواص وقد كان أبو بكر الصديق Bه يطوي ستة أيام وكان عبد الله بن الزبير يطوي سبعة أيام وكان أبو الجوزاء صاحب ابن عباس يطوي سبعا وروي أن الثوري وإبراهيم بن أدهم كانا يطويان ثلاثا ثلاثا كل ذلك كانوا يستعينون بالجوع على طريق الآخرة .
قال بعض العلماء من طوى لله أربعين يوما ظهرت له قدرة من الملكوت أو كوشف ببعض الأسرار الإلهية وقد حكى أن بعض أهل هذه الطائفة مر براهب فذاكره بحاله وطمع في إسلامه وترك ما هو عليه من الغرور فكلمه في ذلك كلاما كثيرا إلى أن قال له الراهب إن المسيح كان يطوي أربعين يوما وإن ذلك معجزة لا تكون إلا لنبي أو صديق فقال له الصوفي فإن طويت خمسين يوما تترك ما أنت عليه وتدخل في دين الإسلام وتعلم أنه حق وأنك على باطل قال نعم فجلس لا يبرح إلا حيث يراه حتى طوى خمسين يوما ثم قال وأزيدك أيضا فطوى إلى تمام الستين فتعجب الراهب منه وقال ما كنت أظن أن أحدا يجاوز المسيح فكان ذلك سبب إسلامه