فيجب عليك أيها المريد مراقبة الأوقات و إعطاء كل ذي حق حقه فإنه لا يقضي متى فات .
( 209 ) ما فات من عمرك لا عوض له و ما حصل لك منه لا قيمة له .
أي ما فات من عمرك أيها المريد لا عودة له فإذا أخليته من العمل الصالح فاتك خير كثير و إذا تأملت قوله تعالى : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } ( 39 ) النجم شمرت عن ساعد الجد كل التشمير . و ما حصل لك منه لا قيمة له أي لا يقاوم بشيء لنفاسته كما قال الإمام علي كرم الله وجهه : بقية عمر المرء مالها ثمن يدرك فيها ما فات و يحي ما أمات و أخذ بعضهم هذا المعنى فقال : .
بقية العمر عندي ما لها ثمن و إن غدا غير محسوب من الزمن .
يستدرك المرء فيها كل فائتة من الزمان و يمحو السوء بالحسن .
( 210 ) ما أحببت شيئاً إلا كنت له عبداً و هو لا يحب أن تكون لغيره عبداً .
أي ما أحببت أيها المريد شيئاً من الأشياء إلا كنت له عبداً أي منقاداً .
كما قال بعضهم : .
إذا لعب الرجال بكل شيء رأيت الحب يلعب بالرجال .
وهو تعالى لا يحب أن تكون لغيره عبداً أي لا يرضى بذلك . و في الحديث : " تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم و الخميصة و القطيفة و الزوجة " .
ص 141 .
و قال الجنيد : إنك لن تكون على الحقيقة له عبداً و شيء مما دونه لك مسترق و إنك لن تصل إلى صريح الحرية و عليك من حقوق عبوتيك بقية فإن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم .
والحاصل : أن محبة الشيء ملزمة للعبودية له فاجعل محبتك لمن تلزمك عبوديته وتعود عليك بغاية النفع عنايته و ليس ذلك إلا مولاك . فإن أحببت غيره لا من حيث النسبة له أغضبته لأنه لا يرضى الشركة . و أما إذا أحببت غيره من حيث النسبة له كالأنبياء و المرسلين و العلماء و الصالحين فهو من باب الحب في الله و هو محمود بلا اشتباه .
( 211 ) لا تنفعه طاعتك و لا تضره معصيتك و إنما أمرك بهذه و نهاك عن هذه لما يعود عليك .
يعني : أن الحق سبحانه لا تنفعه طاعتك أيها المريد فإنه هو الغني الحميد ولا تضره معصيتك و لا معصية جميع الأنام فإنه منزه عن أن يصل إليه مكروه من خلقه لعزته التي لا ترام . و إنما أمرك بالطاعة و نهاك عن المعصية لحكمة يرجع نفعها عليك فاشكر هذه النعمة و استحضرها على الدوام بين عينيك . ثم علل ذلك بقوله : .
( 212 ) لا يزيد في عزه إقبال من أقبل عليه و لا ينقص من عزه إدبار من أدبر عنه .
يعني : أنه سبحانه لا يعود عليه نفع من عبيده و لا يلحقه ضرر منهم لكون عزه الذي هو صفة من صفاته الجامعة كالكبرياء و العظمة في غاية الكمال . لا يعتريه نقص من المعصية و لا زيادة من الطاعة و الإقبال