أي قضاؤك النافذ في خلقك ويفسر ذلك قوله : ومشيئتك القاهرة لم يتركا لذي مقال مقالاً فمن كان ينطق بالحكمة البهية ويتكلم بالعلوم والمعارف الربانية لم يغتر بذلك لأن المشيئة قهرت غيره بسلب ما كان معه فيكون دائماً في مقام الخوف وكذلك إذا كان ذا حال من الأحوال بأن حصل له الكشف فإنه لا يغتر بذلك لما شوهد من سلب كثير من الرجال فوجب الفرار من كل شيء إليه والاعتماد في جميع الأحوال عليه .
( 15 ) إلهي كم من طاعة بنيتها وحالة شيدتها هدم اعتمادي عليها عدلك بل أقالني منها فضلك .
أي كم من طاعة ظاهرية بنيتها أي أقمتها على الوجه المأمور به وحالة باطنية شيدتها بالإخلاص فيها وتطهيرها مما يكدر صافيها ولما رأيت أني صرت بها في حصن حصين من النار وأيقنت بحصول الثواب في دار القرار هدم اعتمادي عليها عدلك الذي مقتضاه أنك تفعل ما تشاء وتختار فلك أن تعذب الطائع وترحم العاصي فأقالني من الاعتماد عليها فضلك الذي هو أحسن عوض يا عزيز يا غفار .
( 16 ) إلهي أنت تعلم وإن لم تدم الطاعة مني فعلاً جزماً فقد دامت محبة وعزماً .
يعني أن عدم دوام فعل الطاعة مجزوم به لكن دامت محبتي لها وعزمي عليها كما يعلم الله وهذا فضل كبير مَنَّ به اللطيف الخبير .
( 17 ) إلهي كيف أعزم وأنت القاهر وكيف لا أعزم وأنت الآمر ؟ .
مقصوده الجمع بين الحقيقة والشريعة فكن بالحقيقة مؤيداً وبالشريعة مقيداً لأن العبد إذا شاهد عجزه وضعفه وأنه لا مشيئة له إلا بمشيئة ربه لم يبق في نظره عزم فضلاً عن الجزم فضلاً عن العمل فلا ينسب شيئاً إلى نفسه ولا يسعه إلا التسليم والانقياد لقضاء ربه وإذا نظر إلى تكليفه وأمره ونهيه حاول العزم وعالج الجزم وسارع إلى العمل والله تعالى يرزقنا التوفيق وبلوغ الأمل