حصل مطلوبك اتهام له تعالى بأنه لا يرزقك إلا بالطلب إذ لو وثقت به في إيصال منافعك إليك من غير سؤال لما طلبت . وأما إذا كان الطلب على وجه التعبد امتثالاً لقوله تعالى : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ( 60 ) غافر فلا يكون معلولاً وبهذا يجمع بين طلب الدعاء والنهي عنه . وكذلك طلبك له تعالى بأن تطلب قربك منه والوصول إليه بعملك غيبة منك عنه إذ الحاضر لا يطلب وهو تعالى أقرب إليك من حبل الوريد . وكذلك طلبك لغيره من الأعراض الدنيوية أو المراتب الأخروية لقلة حيائك منه إذ لو استحيت منه لم تؤثر عليه سواه .
وكذلك طلبك من غيره تعالى غافلاً في حال الطلب عن مولاك إنما يكون لوجود بعدك عنه إذ لو كان قريباً منك لكان غيره بعيداً عنك . فالطلب بأوجهه الأربعة معلول سواء كان متعلقاً بالحق أو الخلق إلا ما كان على وجه التعبد والتأدب واتباع الأمر وإظهار الفاقة .
( 22 ) ما من نَفَسٍ تبديه إلا وله قدر فيك يمضيه .
النفس بفتح الفاء جزء من الهواء يخرج من باطن البدن في جزء من الزمن والمعنى ليس من نَفَس من أنفاسك تبديه أي تظهره بقدرة الله تعالى إلا وله تعالى فيك قدر بفتح الدال المهملة أي أمر مقدر ناشئ عن قدرته وإرادته . يمضيه أي ينفذه كائناً ما كان فأنت رهن القضاء والقدر في كل نفس وفي كل طرفة عين فكن عبداً لله في كل شيء عطاءً ومنعاً وعزاً وذلاً وقبضاً وبسطاً وفقداً ووجداً إلى غير ذلك من مختلفات الآثار وتنقلات الأطوار فإن الكاملين من أهل الله يراعون الحق في كل نفس حتى يكونوا أبداً بالموافقة مع