( 41 ) العجب كل العجب ممن يهرب مما لا انفكاك عنه ويطلب ما لا بقاء له معه { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } ( 46 ) الحج .
أي العجب الكامل من العبد الذي يهرُب - بضم الراء من باب نصر - أي يتباعد من ربه الذي لا انفكاك له عنه بأن لا يفعل ما يقربه إليه مع توارد إحسانه عليه ويطلب ما لا بقاء له معه وهو الدنيا وكل شيء سوى الله بأن يقبل على شهواته ويتبع شيطانه وهواه . وما ألطف ما قيل لمن هو من هذا القبيل : .
تفنى اللذائذ يا من نال شهوته من المعاصي وبيقى الإثم والعار .
تبقى عواقب سوء لا انفكاك لها لا خير في لذة من بعدها النار .
وهذا إنما يكون من عمى البصيرة التي هي عين القلب حيث استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير وآثر الفاني على الباقي . فإنها أي القصة والشأن وجملة لا تعمى الأبصار خبر مفسر لها . وفي الآية إشارة إلى أن عمى الأبصار بالنسبة لعمى البصائر كالأعمى فإن عمى الأبصار إنما يحجب عن المحسوسات الخارجية وأما عمى البصائر أي عيون القلوب فإنه يحجب عن المعاني القلبية والعلوم الربانية .
( 42 ) لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى يسير والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل منه ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى } ( 42 ) النجم وانظر إلى قوله A : " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو .
ص 52 .
امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " . فافهم قوله عليه الصلاة و السلام وتأمل هذا الأمر أن كنت ذا فهم . والسلام .
أي لا تطلب بأعمالك الصالحة عوضاً ولو في الآخرة . فإن الآخرة كون كالدنيا والأكوان متساوية في أنها أغيار وإن وجد في بعضها أنوار بل اطلب وجه الكريم المنان الذي كون الأكوان وفاءً بمقتضى العبودية وقياماً بحقوق الربوبية لتحقق بمقام : { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى } ( 42 ) النجم . وهذا مقام العافين الذين رغبوا عن طلب الثواب ومحضوا النظر إلى الكريم الوهاب فتحققوا بمقام الإخلاص الناشئ عن التوحيد الخاص . وأما من فر من الرياء في عباداته وطلب بها الثواب فقد فر من كون إلى كون بلا ارتياب فهو كحمار الرحى أي الطاحون يسير ولا ينتقل عما سار منه لرجوعه إليه . وفي هذا التشبيه التنفير عن هذا الأمر ما لا مزيد عليه وانظر إلى قوله A في الحديث الصحيح : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله " أي نية وقصداً " فهجرته إلى الله ورسوله " أي صولاً . فلم يتحد الشرط والجزاء في المعنى . فقوله : " فهجرته إلى الله ورسوله " هو معنى الارتحال من