والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع في واد غير ذي زرع ودعا لأهلها بالبركة وأن يرزقوا من الثمرات مع قلة المياه وعدم الأشجار والزروع والثمار وأن يجعله حرما محرما وآمنا محتما فاستجاب الله وله الحمد له مسألته ولبى دعوته وأتاه طلبته فقال تعالى أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم وقال تعالى أولم نمكن لهم حراما آمنا يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا وسأل الله أن يبعث فيهم رسولا منهم أي من جنسهم وعلى لغتهم الفصيحة البليغة النصيحة لتتم عليهم النعمتان الدنيوية والدينية سعادة والاولى والأخرى وقد استجاب الله له فبعث فيهم رسولا وأي رسول ختم به أنبياءه ورسله وأكمل له من الدين ما لم يؤت أحدا قبله وعم بدعوته أهل الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم في سائر الأقطار والأمصار والأعصار إلى يوم القيامة كان هذا من خصائصه من بين سائر الأنبياء لشرفه في نفسه وكمال ما أرسل به وشرف بقعته وفصاحة لغته وكمال شفقته على أمته ولطفه ورحمته وكريم محتده وعظيم مولده وطيب مصدره ومورده ولهذا استحق إبراهيم الخليل عليه السلام إذ كان باني الكعبة لأهل الأرض ان يكون منصبه ومحله وموضعه في منازل السموات ورفيع الدرجات عند البيت المعمور الذي هو كعبة اهل السماء السابعة المبارك المبرور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم البعث والنشور وقد ذكرنا في التفسير من سورة البقرة صفة بناية البيت وما ورد في ذلك من الأخبار والآثار بما فيه كفاية فمن أراده فليراجعه ثم ولله الحمد فمن ذلك ما قال السدي لما أمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت ثم لم يدريا أين مكانه حتى بعث الله ريحا يقال له الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس وذلك حين يقول تعالى وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت فلما بلغا القواعد بنيا الركن قال إبراهيم لإسماعيل يا بني اطلب لي الحجر الأسود من الهند وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل النعامة وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن فقال يا أبتي من جاءك بهذا قال جاء به من هو أنشط منك فبنيا وهما يدعوان الله ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وذكر ابن أبي حاتم أنه بناه من خمسة أجبل وأن ذا القرنين وكان ملك الإرض إذ ذاك مر بهما وهما يبنيانه فقال من أمركما بهذا فقال إبراهيم الله أمرنا به فقال وما يدريني بما تقول فشهدت خمسة أكبش أنه أمره بذلك فآمن وصدق .
وذكر الأزرقي أنه طاف مع الخليل بالبيت وقد كانت على بناء الخليل مدة طويلة ثم بعد ذلك بنتها قريش فقصرت بها عن قواعد إبراهيم من جهة الشمال مما يلي الشام على ما هي عليه اليوم وفي الصحيحين من حديث مالك عن ابن شهاب عن سالم أن عبدالله بن محمد بن أبي بكر أخبر بن عمر عن عائشة أن رسول الله A قال ألم ترى إلى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم فقلت يا رسول