وكتب إلي وهو بطرابلس : يقبل الأرض وينهى أن المملوك لم يزل يلتقط من فرائد أسفار السفار فوائد أخبار الأخيار ويبحث عن كنوز العلم ومعادن الأدب ليفوز منها بمطلب يخفف عنه مؤنة الطلب حتى سمع عن سايا مولانا الكريمة ما هو ألطف من النسيم وأحلا من الضرب بل ألذ من منادمة الحبيب وقد سلف المحب سلاف الشنب فمن مشبب بقصبات سبق مولانا في الفضائل ولا تشبيب القصب ومن متغن بل مستغن بوصف شمائله عن اطلاع شموس الشمول وبدور الحبب فثمل المملوك من سماع هذا الذكر الجميل حتى ماس عطفي من الطرب وفي حان سكري حان شكري لمولانا فإنه كان في مسرتي السبب ولم تزل عرايس محامده تجلى ونفائس ممادحه تتلا حتى رغب المملوك في خطبة عبودتيه وإن لم يكن له أهلاً على صداق قلب صادق في وفائه واف في صدقه مخلص في صفائه يوالي الدعاء ويدعو على الولاء ويديم الشكر ويشكر على الآلاء وقد أشهد المملوك ذوي عدل على ما ذكر وهما الوفاء والصفاء وإن عزا في البشر وحين أشهدهما كان غير ساه ولا لاه فيرجو أن يقوم بما التزم وأن يقيما الشهادة للاه على أن يسكنها المملوك صميم فؤاده ويحلها محل الناظر من سواده ويتبع أمرها اتباع الصفة للموصوف ويمسكها مدى الزمان بمعروف فإن رأى جبر المملوك بما له قصد وإليه صمد فليضرب صفحاً عن كفاءة الفضائل التي بها قد انفرد فقد علم أنه لم يكن فيها كفواً أحد وهل يكافي محليات العقود النفاثات في العقد أو ينظم در السحاب في حبل من مسد أو يقابل در السحاب بلمع السراب والثمد لكن كرم عادة مولانا وعادة كرمه أن لا يرد حرمة للقصد قاصد حرمه لا سيما وطفيلي المحبة أحمق وفدان العشق كما قيل مطلق وليس المملوك على هذا المنهل العذب أول وارد فكيون لحرمة هذا القصد أحرم قاصد لكنه يرجو من الصدقات الشريفة الإسعاد والإسعاف وأن يكون جوابه الشريف مقدمة الزفاف لتقر عين الطلب ببلوغ الأمنية ويقوم سماع المسرة بالنوبة الخليلية وتجلا عرايس البلاغة في حلل نفثاتها السحرية وتتلا نفائس البراعة بألحان نفحاتها السحرية فيفتح لي إلى جنان الجناس باباً ويزوج مبتكرات معانيه بأكفائها أبكاراً عرباً أتراباً فيجهر داعي البركة واليمن بالتأمين وأجل سعد هذا الجد عن الرفاء والبنين ويطوف براحات الكؤوس لراحات النفوس راحها ويبتديء باهداء أطباق الطباق صلاحها ثمار آداب القوم انتهى اصلاحها وأجلها عن قول بدا صلاحها فأرتع في رياضها وأكرع من حياضها واغترف من بحرها واعترف بحبرها واسمو بكتابها المحل الأسنى فأصير مكاتباً بعد أن كنت قنا وتلك درجة لا أطلب بعدها التجاوز إلى التحرير ولا أكلف اطره الشريف في المكاتبة إلى لاتحبير والتحرير بل يكتفي المملوك بأدنى لمحة من ملحها وينتشي ببلالة قطرة من قدحها والله تعالى لا يخلي مولانا من نعمة يؤدبها ونعمة يؤيدها ومنة يجددها ومنة يشيدها وأمنية يسددها وسعادة يؤكدها وسيادة يولدها .
فكتبت الجواب إليه من ذلك : .
أروض بكاه في الصباح غمام ... فغنت على الأغصان فيه حمام .
أم الأفق لاحت زهره وتلألأت ... فأحسن بنور قد حواه ظلام .
أم الشمس حيتني بكأس رسالة ... لها المسك من فوق الرحيق ختام .
أتتني بدأ من كريم ممجد ... غداً وهو في الفضل التمام إمام .
فقبلها شوقاً لفرط صبابتي ... وقابلها مني جوى وغرام .
تجلت لطرفي فاجتليت محاسناً ... كما شق عن زهر الرياض كمام .
وقصت على سمعي حديثاً روته لي ... فشنف سمعي الدر وهو كلام .
ولما روت روت فؤادي من الضنى ... ولم يلقه من بعد ذاك أوام .
وناجت بألفاظ فقلت جواهر ... إلى أن سبت عقلي فقلت مدام .
ورقت حواشيها فقلت شمائل ... إلى أن أصابتني فقلت سهام .
وابدت من السحر الحلال عجائباً ... وما كل سحر في الأنام حرام .
أثارت رياح الوجد فهي عواصف ... وأجرت دموع العين فهي سجام .
وحاشى لما أبدته أن يستميله ... ملال وأن يسري إليه ملام