@ 349 @ بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي كما أقرأه $ المسألة الثانية $ .
هذا يعضد ما تقدم في سورة المزمّل من قوله ( ! < ورتل القرآن ترتيلا > ! ) حسبما تقدم بيانه في ذلك الموضع وهذا المعنى صحيح وذلك أن المتلقن من حكمه الأوكد أن يصغي إلى الملقّن بقلبه ولا يستعين بلسانه فيشترك الفهم بين القلب واللسان فيذهب روح التحصيل بينهما ويخزل اللسان بتجرد القلب للفهم فيتيسر التحصيل وتحريك اللسان يجرد القلب عن الفهم فيتعسر التحصيل بعادة الله التي يسرها وذلك معلوم عادة يتحقق لذي مشاهدة .
قال الإمام كنت أحضر عند الحاسب بتلك الديار المكرمة وهو يجعل الأعداد على المتعلمين الحاسبين وأفواههم مملوءة من الماء حتى إذا انتهى إلقاؤه وقال ما معكم رمى كلُّ واحدٍ بما في فمه وقال ما معه ليعوّدهم خزل اللسان عن تحصيل المفهوم عن المسموع وللقوم في التعلم سيرةٌ بديعة وهي أن الصغير منهم إذا عقل بعثوه إلى المكتب فإذا عبر المكتب أخذه بتعليم الخط والحساب والعربية فإذا حذقه كله أو حذق منه ما قدِّر له خرج إلى المقرئ فلقّنه كتاب الله فحفظ منه كل يوم ربع حزب أو نصفه أو حزباً حتى إذا حفظ القرآن خرج إلى ما شاء الله من تعليم العلم أو تركه ومنهم وهم الأكثر من يؤخِّر حفظ القرآن ويتعلم الفقه والحديث وما شاء الله فربما كان إماماً وهو لا يحفظه وما رأيت بعيني إماماً يحفظ القرآن لا رأيت فقيهاً يحفظه إلا اثنين ذلك لتعلموا أن المقصود حدوده لا حروفه وعلقت القلوب اليوم بالحروف وضيَّعوا الحدود خلافاً لأمر رسول الله لكنه إنفاذ لقدر الله وتحقيق لوعد رسول الله وتبيين لنبوته وعضد لمعجزته $ المسالة الثالثة $ .
الباري سبحانه يجمع القرآن في قلب الرسول تيسيراً للتبليغ ويجمعه في قلب غيره تيسيراً لإقامة الحجة فإما أن يكون شفاء لما يعرض في الصدور وإما أن يكون عمى