@ 111 @ وأما النظر فهو أن الأموال خلقت مهيأة للانتفاع للخلق أجمعين ثم بالحكمة الأولية التي بيناها في سورة البقرة حكم فيها بالاختصاص الذي هو الملك شرعا وبقيت الأطماع معلقة بها والآمال محومة عليها فتكفها المروءة والديانة في أقل الخلق ويكفها الصون والحرز عن أكثرهم فإذا أحرزها مالكها فقد أجتمع بها الصونان فإذا هتكا فحشت الجريمة فعظمت العقوبة وإذا هتك أحد الصونين وهو الملك وجب الضمان والأدب وذلك لأن المالك لا يمكنه بعد الحرز في الصون شيء لما كان غاية الإمكان ركب عليه الشرع غاية العقوبة من عنده ردعا وصونا والأمة متفقة على اعتبار الحرز في القطع في السرقة لاقتضاء لفظها ولا تضمن حكمتها وجوبه ولم أعلم من ترك اعتباره من العلماء ولا تحصل لي من يهمله من الفقهاء وإنما هو خلاف يذكر وربما نسب إلى من لا قدر له فلذلك أعرضت عن ذكره ولهذا المعنى أجمعت الأمة أنه لا قطع على المختلس والمنتهب لعدم الحرز فيه فلما لم يهتك حرزا لم يلزمه أحد قطعا $ المسألة الخامسة عشرة حكم الشريك $ .
لما ثبت اعتبار النصاب في القطع قال علماؤنا إذا اجتمع جماعة فاجتمعوا على إخراج نصاب من حرزه فلا يخلو أن يكون بعضهم ممن يقدر على إخراجه أو يكون مما لا يمكن إخراجه إلا بتعاونهم فإن كان مما لا يمكن إخراجه إلا بالتعاون فإنه يقطع جميعهم باتفاق من علمائنا وإن كان مما يخرجه واحد واشتركوا في إخراجه فاختلف علماؤنا فيه على قولين أحدهما لا قطع فيه والثاني فيه قطع .
وقال أبو حنيفة والشافعي لا يقطع في السرقة المشتركون إلا بشرط أن يجب لكل واحد منهم في حصته نصاب لقول النبي في النصاب ومحله حين لم يقطع إلا من سرق نصابا وكل واحد من هؤلاء لم يسرق نصابا فلا قطع عليهم .
ودليلنا الاشتراك في الجناية لا يسقط عقوبتها كالاشتراك في القتل وما أقرب ما بينهما فإنا قتلنا الجماعة بقتل الواحد صيانة للدماء لئلا يتعاون على سفكها الأعداء وكذلك في الأموال مثله لاسيما وقد ساعدنا الشافعي على أن الجماعة إذا اشتركوا في قطع يد رجل قطعوا ولا فرق بينهما